قذيفة موجّهة صغيرة تنطلق بفعل قوة الدفع من عود ثقاب
سنقوم في هذه التجربة ببناء منصة إطلاق صاروخ من عود ثقاب واحد. بإمكان هذا الصاروخ أن يقطع مسافة بضعة أمتار. التجربة تتطلب إشراف شخص بالغ!
المواد والأدوات
- رقاقة من الألومنيوم
- عيدان ثقاب
- ولّاعة طويلة العنق
- مقص
- مشبك ورق مكتبيّ
التجربة
مجرى التجربة كما تشاهدون في الفيديو التالي:
انتبهوا إلى ضرورة استخدام عود ثقاب واحد لا أكثر لبناء قذيفة واحدة: استعمال أكثر من عود ثقاب واحد هو خطير وممنوع.
لفهم مبدأ طيران الصواريخ، علينا أولاً أن نفهم المبدأ الفيزيائي الذي صاغه إسحاق نيوتن (1643- 1727)، الرياضي والعالِم البريطاني الذي ما زال يُعتبر أحد كبار الفيزيائيين على مر العصور. من ضمن اكتشافاته الكثيرة، صاغَ هذا العالِم المشهور الادعاء التالي والمعروف بـِ "قانون نيوتن الثالث": "في الطبيعة، لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه". الفعل الذي قصده نيوتن في هذه الصياغة هو القوة، ولكننا يمكننا في هذه المناسبة أن نخبركم أنه تبيّن لاحقاً أن قانون نيوتن هو أكثر شمولاَ وينطبق على حالات وسياقات فيزيائية واسعة أخرى تتعدّى القوى، ولكن المقام هنا لا يتسع للتفاصيل.
إسحاق نيوتن. يعتبر أحد كبار الفيزيائيين في التاريخ ⏐تصوير: Science photo Library
يمكن استشعار قانون نيوتن الثالث بسهولة، عندما نقوم بوضع يدنا على الحائط ودفعها بقوة متزايدة. سرعان ما نشعر أنه مع تزايد القوة التي تدفع الحائط فإننا نُدفَع نحن كذلك بقوة متزايدة بالاتجاه المعاكس، أي أن الحائط "يدفعنا" وكأن شخصاً ما يؤثر علينا بقوة. عملياً، إذا كانت الأرضية مالسة بما فيه الكفاية، فإننا قد نتزحلق إلى الخلف نتيجة دفعنا الحائط - إلى الاتجاه المعاكس للحائط.
إن قانون نيوتن الثالث هو المبدأ الذي من خلاله تتحرك الصواريخ والطائرات النفاثة، كما هو الحال في حركة الصاروخ المكوّن من عود الثقاب والذي قمنا ببنائه: تتكون غازات كثيرة عند اشتعال عود الثقاب، وتكون درجة الحرارة حول رأس عود الثقاب المحاط برقاقة الألومنيوم عالية. تنطلق الغازات بشدة من خلال الفتحة السفلى للصاروخ، ووفقاً لذلك، ووفقاً لقانون نيوتن الثالث، فإنها تدفع بالصاروخ نحو الاتجاه الآخر. تماماً كما هو الحال في مثال اليد التي تدفع الحائط والذي أوردناه أعلاه، وعملياً، لكي تنبعث الغازات باتجاه الطرف السفلي للصاروخ عليها أولاً أن تُضغَطَ لتدفع طرف الصاروخ العلوي، ويؤدي هذا الدفع إلى تحرك الصاروخ إلى الأعلى.
بخلاف الطائرات وطائرات الهليكوبتر التي تكتسب قوة الدفع إلى أعلى بواسطة تحويل الهواء أو دفعه إلى الأسفل ولذلك يمكنها الطيران فقط في الأماكن التي يوجد فيها هواء، فإن القذيفة تُنتِج الغازات بنفسها في عملية الاحتراق، وهذه الغازات هي التي تدفعها، فيكون بمقدورها الطيران في الفضاء الخارجي حيث لا هواء بتاتاً، وبالفعل فإن القذائف تُستخدم في أيامنا في الرحلات الفضائية.
من الجدير بالذكر
مصدر القذائف والمدافع هو بلاد الصين القديمة، حيث طُوّر مسحوق البارود المشتعل الأسود، والذي بإمكانه هو الآخر، مثل المادة الموجودة في رأس عود الثقاب، الاشتعال وانتاج غازات كثيرة دون أن تكون هناك حاجة لتعرّضه للأكسجين الذي في الهواء. والقذيفة تتحرك أيضًا بقوة دفع الغازات، والفرق بينهما هو أن مادة الدفع التي في المدفع تشتعل بشكل فوري وتبقى في قصبته، فتكتسب القذيفة بذلك قوة دفع أولية واحدة فقط بينما تستمر مادة الدفع التي في الصاروخ بدفع وتعجيل الصاروخ خلال طيرانه (على الأقل في جزء من الزمن).
لقد استعملت المدافع والصواريخ على مر العصور كوسائل قتالية، وكانت التكنولوجيا المرتبطة بصناعة الصواريخ هي الأكثر تقدماً تارة، وفُضّلت التكنولوجيا المرتبطة بالمدافع تارة أخرى. لقد تُركت القذائف جانباً في القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين بسبب التحسينات في تكنولوجيا الفلزات والتي أتاحت المجال لبناء مدافع ذات مجال ودقة لم يكن بمقدور أي قذيفة منافستها. لقد كتبَ (أو بالأحرى تنبّأ) كاتب الخيال العلمي المشهور جول وورن عن رحلة إلى القمر بواسطة قذيفة مدفعية، كما عرض فيلم الخيال العلمي الأول رحلة إلى القمر بواسطة مدفع. وقد وصلت الأمور ذروتها في الحرب العالمية الأولى - إذ قام الألمان بقصف مدينة باريس من مسافة 120 كيلومترا بواسطة مدفع خارق سُمّيَ "مدفع باريس". وفي النهاية فقد وصلوا إلى القمر بواسطة قذيفة.
ننوّه هنا إلى أنه وفقاً للغة الهندسية المهنية هناك نوعان من الصواريخ: النوع الأول هو الصواريخ الموجهة نحو هدف محدد، أما النوع الثاني فهو الصواريخ المُزوّدة بإمكانية المِلاحة والتوجيه. وفق ذلك فالصاروخ الذي قمنا ببنائه في تجربتنا هو من النوع الأول لأنه لا يملك جهاز توجيه أو مِلاحة.