هل يمكن لهرمون النمو أن يجعلنا أصغر سنًا؟ على الرغم من أن الأبحاث أظهرت أن ذلك يبدو ممكنًا، إلا أنه محفوف بالمخاطر، ويشك الكثيرون في النتائج التي تم توصل إليها

إنّ رغبة العودة للأيّام الّتي كنّا فيها أكثر شبابًا (وأكثر صحّةً) أدّت إلى إجراء أبحاث مثيرة للجدل في السّنوات الأخيرة، فهناك دراسة جديدة الّتي تطرح فكرة علاج دوائيّ مدمج  يدّعي من خلالها الباحثون أنّ العلاج نجح في تصغير العمر البيولوجيّ للرّجال بمعدّل عامين ونصف. ولكن، مشاكل هذا البحث تثير الشّكوك حول نجاعته وموثوقيّته.

جيلنا هو ليس الجيل الأولّ الّذي يحلم بالعودة في الزّمن: ففي عام 1941، وصف كاتب الخيال العلميّ روبرت هينلين ، في كتابه "أبناء متوشلاح"، مجموعة من العائلات الّتي نجحت من خلال عمليّة التّحسين الوراثيّ إبطاء الشّيخوخة والوصول إلى أعمار عظيمة، 150 عامًا أو أكثر، تقريبًا دون أن يهرموا . في نهاية الكتاب، نجح باقي البشر أيضًا في تطويرعلاج لتجديد الشّباب، بحيث يمكن لكلّ شخص أن يعيش مئات السّنين وحتّى أكثر.  في السّنوات الأخيرة، حاول العلماء الوفاء بوعد هينلين، وتطوير علاجات حقيقيّة لاستعادة الشّباب.
 
تجديد جهاز المناعة

تشير دراسات أجريت على الفئران أنّ نقل الدّم من فأر صغير يؤدّي إلى استعادة شباب الفئران الكبيرة في السّن.  تحاول الشّركات التّجارية استغلال هذه الموجة وتقديم علاجات مماثلة للإنسان، دون أيّ دليل حقيقيّ لنجاعتها- حتّى أنّ إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة (FDA) قد أصدرت تحذيرًا في هذا الشّأن. أظهرت دراسة أخرى أجريت أيضًا على الفئران، أنّ علاج وقائيّ من تلف متراكم في ال-DNA قد يستعيد شباب الفئران الكبار في السّنّ.

أجرت شركة Intervene Immune مؤخّرًا، بقيادة الباحث Gregory Fahy، أوّل تجربة سريريّة من نوعها، بموافقة إدارة الغذاء والدّواء، لمحاولة تجديد جهاز المناعة  لدى رجال كبار السّن. شملت التّجربة علاج يدمج بين هورمون النّمو واثنين من الأدوية المضادّة للسّكري - DHEA والميتفورمين، لأنّ هورمون النّمو وحده يرفع مستوى الإنسولين في الدّم مع الوقت. لتقييم نجاعة العلاج، ركز Fahy على غدّة الثيموس (الغدة الزّعتريّة )، التي يتمّ فيها إنتاج خلايا من جهاز المناعة وفحص العمر البيولوجيّ لهذه الخلايا- الّذي يختلف عن العمر الزمنيّ المعرّف بعدد السّنوات الّتي مرّت منذ الولادة.

لتقدير العمر البيولوجيّ، تعاون Fahy مع ستيف هورفاث (Horvath) من جامعة كاليفورنيا، الّذي طوّر خوارزميّة لهذا الغرض بالذّات منذ بضع سنوات. هذه الخوارزميّة قادرة على تقدير عمر الشّخص من خلال تحليل علامات وراثيّة معيّنة موجودة  في DNA الخليّة. هذه الطّريقة تساهم أيضًا في تحليل الأدلّة الجنائيّة، لتقدير مثلًا عمر مجرمين أو ضحايا غير معرّفين، من خلال فحص ال- DNA.

الغدة الزّعتريّة هي عضو موجود في القفص الصدريّ يشبه في شكله الفراشة، فيها يتمّ  نموّ وتمايز خلايا الدّم البيضاء من نوع T. قبل عشرين عامًا، Fahy نفسه تناول هورمون النّموّ وال- DHEAوادّعى أنّ الغدّة الزّعتريّة تتجدّد، فالنّسيج الدّهنيّ المتراكم في الغدّة مع الوقت،  قد تمّ إذابته/هدمه عن طريق الجسم وتمّ استبداله بأنسجة غدّة سليمة. في هذه الدّراسة، تمّ علاج تسعة رجال أصحّاء، تتراوح أعمارهم بين 65-51، لمدّة عام عن طريق الأدوية الثّلاثة. كلّ ثلاثة أشهر، أُخذت منهم عيّنات من الدّم لفحص تعداد خلايا الدّم البيضاء ولفحص العمر البيولوجيّ للخلايا.

بالإضافة، قام الباحثون بفحص مستوى الدّهون في الثّيموس عند هؤلاء الرّجال، عن طريق التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI). مستوى الدّهن في الثيموس يرتفع مع التّقدم في العمر، لذا فإن انخفاض مستوى الدّهن قد يشير إلى انخفاض في العمر البيولوجيّ. حقيقةً، لوحظ انخفاض في مستوى الدّهون في الثّيموس وتمّ استبداله بأنسجة سليمة للغدّة عند 7 مشاركين. بالنّسبة للمشاركَين الآخرَين فقد كان مستوى الدّهون لديهم منخفض منذ بداية البحث. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك زيادة في تعداد خلايا الدم البيضاء ، بما في ذلك تحفيز في إنتاج خلايا T "جديدة". استمرّت هذه التّأثيرات لمدّة ستّة أشهر على الأقل بعد التّوقف عن العلاج.

نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام كانت إرجاع عقارب السّاعة الفوق-جينيّة، وهي علامات في ال- DNA الّتي تعكس التّأثيرات البيئيّة على الجينات على مرّ السّنين. في البداية، أظهرت الفحوصات الجزيئيّة والخوارزميّة الّتي أجراها هورفاث إبطاء عامًا واحدًا في تقدّم  السّاعة الفوق-جينيّة، ولكن بعد تسعة أشهر من العلاج كان هناك ليس فقط تباطؤ وإنّما تحفيز في "استعادة الشّباب" حتّى عامين إضافيّين، خلال 3 أشهر من العلاج. بالمعدل، خلال هذه الفترة تمّ إرجاع عامين ونصف للوراء عند المشتركين.
 

مثير للاهتمام ولكنّه مثير للجدل

النّتائج بالفعل مشجّعة، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ التّجربة أجريت على عدد قليل جدًّا من المشاركين، ولذلك يجب التّعامل مع نتائجها بحذر. الأهمّ من ذلك هو أنّه لم تتمّ مقارنة المتعالجين برجال آخرين الذين تلقّوا علاج وهميّ (بلاسيبو) أو رجال الّذين عولجوا فقط مع DHEA والميتفورمين دون هرمون النّمو. بما أنّ الميتفورمين نفسه اليوم هو مركز اهتمام لبحث يهدف فحص نجاعته في علاج أمراض الشّيخوخة، بقيادة نير برزيلاي من كليّة ألبرت أينشتاين للطّب في نيويورك، من المحتمل أن تكون نتيجة البحث الحاليّ، جزئيًّا، مصدرها هوالميتفورمين.

مشكلة أخرى في هذا البحث هي أن معدّل ​​العمر البيولوجيّ للمشاركين التّسعة قبل بدء التّجربة، وفقًا لعلامات وراثيّة فحصت في ال- DNA، كان أقلّ بكثير من عمرهم الزّمنيّ. تراوحت الفوارق بين العمر البيولوجيّ والزّمنيّ بين 17-3 سنة. هذه النّتيجة المفاجئة قد تشير إلى أنّ هذه العلامات المفحوصة هي ليست دقيقة بما فيه الكفاية، أو أنّ المشاركين في البحث لا يمثّلون جميع السّكان، مثل العائلات الموصوفة في كتاب هينلين.

المشكلة الأعمق الّتي تلمس معظم الدّراسات في هذا المجال هي أنّ المقاييس الّتي تمّ اختبارها لا تشير بالضّرورة إلى استعادة الشّباب أو إيقاف الشّيخوخة أو حتّى إلى أيّ تحسّن في الصّحة. هل جهاز المناعة الّذي ينتج الكثير من الخلايا الجديدة هو أفضل حقًا لكبار السّن؟ من الممكن أن تكون النّتيجة عكسيّة وأن يسبّب مشاكل مثل أمراض المناعة الذّاتيّة- الأمراض الّتي يهاجم فيها جهاز المناعة خلايا الجسم السّليمة- في الوقت الّذي يكون باقي الجسم كبيرًا في السّنّ. هل تشير التّغييرات الموجودة في ال-DNA في الواقع إلى تجديد السّاعة البيولوجيّة، أو ربّما يتمّ فقط "محو" العلامات الوراثيّة فوق الجينيّة والخلايا تكمل عمرها بشكل عاديّ؟ وأخيرًا، متى نقرّر أنّ استعادة الشّباب هي ناجحة؟ هي في أقلّ أمراض الشيخوخة؟ او في إطالة العمر المتوقّع عن طريق إبطاء الشّيخوخة؟ أو ربّما في إعادة الجسم إلى عمر 25 بيولوجيًّا؟

قد تطول الطّريق لمحاولة إيجاد علاج ناجح لاستعادة الشّباب.  يجب توخّي الحذر من الحماس المفرط من أبحاث الّتي لا تخضع لرقابة كافية، أو أنّ التّفسير المقدّم لنتائجها لا يستند على مقاييس موضوعيّة ومقبولة في المجتمع العلميّ.

 

 

0 تعليقات