كَشَفت العديد من الدّراسات الّتي أُجريت على مُكمّلات الكُركمين (Curcumin) في السّنوات الأخيرة عن نتائج واعدة -الّتي تحتاج إلى مزيدٍ من البحث-، ولكن أيضًا عن مخاوف من آثار جانبيّة خطيرة.

لقد مرّت ستُّ سنواتٍ منذ آخر مرّة تعاملنا فيها مع الخصائص الطِّبِّيّة المَنسوبة للكُركم. عند مراجعة الدّراسات، اِتّضح أنّ المادّة الفعّالة في الكركم- الكركمين (Curcumin)، غير مستقرّة وتتحلّل بسرعة؛ لذا، فإنّ مدّة صلاحيتها قصيرة. عند تناول الكركم الطّازج، فإنّ امتصاص الكركمين من الجهاز الهضميّ إلى الدّم يكون مُنخفضًا، بحيث لا يصل أغلبه إلى معظم أعضاء الجسم إطلاقًا. كما أنّ الخصائص الكيميائيّة للكركمين وعدم استقراره تجعل من الصّعب قياسه في التّجارب المخبريّة. علاوة على ذلك، فإنّ قوة لونه ورائحته يُشكّلان عائقًا أمام التّجارب السّريريّة العمياء، حيث لا يعلم المرضى أو الأطبّاء نوع المادّة الّتي يتمّ اختبارها. لذلك، من المستحيل استبعاد وجود تأثير وهميّ (placebo) عند تناول المُستحضرات الّتي تحتوي على الكركمين، وهي حالة يشعر بها المرضى بتحسُّنٍ في حالتهم بمجرد معرفة تلقّيهم للعلاج.

في نفس الوقت، كانت نتائج الدّراسات السّريريّة حول علاج الكركمين لمجموعة متنوّعة من المشاكل والمُتلازِمات مختلطة. فبينما أظهرت بعض الدّراسات تحسُّنًا طفيفًا، لم يُظهِر بعضها الآخر أيّ تأثير، بل كانت هناك دراسات تشير إلى تدهور حالة المشاركين في الأبحاث. ومع ذلك، كانت هذه دراسات صغيرة تمّ إجراؤها باستخدام مجموعة متنوّعة من الأساليب لاختبار التّأثير على مجموعة متنوّعة من الأمراض؛ لذا، كان من الصّعب استخلاص استنتاج لا لبس فيه بشأن فعاليّة الكركم كعاملٍ علاجيّ.

في السّنوات السّتّ الماضية، نُشِرت المزيد من الدّراسات الّتي تتناول الكركم والكركمين أكثر ممّا نُشِر خلال سبعين عامًا مضت. من ضمنها،دراسة دوائيّة نجحت في تحسين امتصاص المادّة الفعّالة من الأمعاء إلى الدّم، ودراسات أساسيّة فحصت آثار الكركمين في الخلايا المزروعة وفي الحيوانات، بالإضافة إلى دراسات سريريّة على البشر. يدرس الباحثون والأطبّاء آثار تناول المُستحضَرات الّتي تحتوي على الكركمين عند الأشخاص الأصحّاء، أو كعلاجٍ للحالات الاِلتهابيّة، أمراض المناعة الذّاتيّة، الأمراض الخبيثة، الأمراض المتعلّقة بعمليّة الأيض، وحتّى كعامل مساعد في علاج COVID-19، المعروف بمرض الكورونا. ومع ذلك، على الرّغم من أنّ النّتائج الّتي جُمِعت في الدّراسات الّتي أُجريت على الخلايا والحيوانات تبدو واعدةً في كثير من الأحيان، فإنّ نتائج الدّراسات على البشر مُختلطة، وليست كافية لقيادة مؤسّسات الأبحاث والهيئات الصّحيّة للتّوصية على علاج الأمراض باستخدام الكركم ومنتجاته.


تتحقّق الدّراسات الّتي تُجرى على البشر ممّا إذا كانت المستحضَرات الّتي تعتمد على التّابل اللّذيذ ذات آثارٍ صحّيّة. جذور الكركم. تصوير: johan kusuma, Shutterstock.

حارس الجسد 

لن نستطيع مراجعة كلّ التّطورات في أبحاث الكركم في السّنوات الأخيرة. لذلك، سنركِّز هنا فقط على ما هو معروفٌ الآن عن التّأثيرات المحتمَلة لمكمّلات الكركمين على عضو واحدٍ في جسم الإنسان: الكبد، وخاصّة على مرض الكبد الدّهنيّ.

الكبد هو أكبر غُدّة في الجسم، بحيث تصل إليه جميع الموادّ الّتي تمرّ عبر الجهاز الهضميّ أوّلاً، في طريقها إلى الدّم والجهاز اللّيمفاويّ. يقوم الكبد بإفراز مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الموادّ الّتي تدخل الجسم، ويقوم بمُعالجتها وتوزيعها، وهو أيضًا العضو الّذي يتعرّض لأعلى تركيزات من هذه الموادّ. كما أنّ بإمكانه  تحويلها إلى موادّ أخرى، وتنظيف السّموم وإخراجها من الجسم، أو إعادة تغليفها وتوزيعها على أعضاء أخرى. بالإضافة إلى تخزينه لبعض العناصر الغذائيّة.

بسبب وظائفه، يُعدُّ الكبد أحد أوّل الأعضاء تأثُّرًا من التّعرّض لجُرعاتٍ زائدةٍ من الموادّ. أحد الأعراض الأولى لإصابة الكبد هو تراكم الدّهون بما يزيد عن كمّيّة معيّنة. تمّ تشخيص مرض الكبد الدّهني في البداية بشكلٍ رئيسيٍّ عند مستهلكي الكحوليّات بكثرة. ولكن على مرّ السّنين، أصبح مرض الكبد الدّهني غير النّاتج عن الكحول وباءً أيضًا في دول العالم الغربيّ، بما في ذلك-  إسرائيل. غالبًا ما يكون "الكبد الدّهنيّ" حالة بلا أعراض، والّتي يصعُب اكتشافها في اختبارات الدّم الرّوتينيّة، ولكن بإمكانها أن تلتهب وتتدهور إلى "تشمُّع الكبد". إذا تمّ التّعرّف على التّلف الّذي لحق بالكبد فقط بعد ظهور الأعراض بالفعل، سيكون علاجها أكثر صعوبة.

لا عجب إذن، أنّ العديد من الدّراسات في السّنوات الأخيرة قد ركّزت على الوقاية من مرض الكبد الدّهنيّ غير الكحوليّ، بما في ذلك الدّراسات الّتي تبحث ما إذا كانت هنالك فائدة من إعطاء مُكمّلات الكركمين للأشخاص المصابين بمرض الكبد الدّهنيّ. تضمّنت التّجارب جرعات عدّة من الكركمين، فيما اِستخدَم بعضُها مستحضَرات ومكمّلات أخرى. استغرقت التّجارب شهرين إلى ثلاثة أشهر؛ لذا، يَصعُب تقييم الآثار التّراكميّة للاستخدام طويل الأمد، وخصوصًا للمكمّلات الجديدة الّتي تُمتَصّ بسهولةٍ في الجسم.

نتائج هذه الدّراسات مُختلطة. فقد تمّ اكتشاف تحسُّن في مؤشّرات معيّنة في بعض منها، بما في ذلك انخفاض في إفراز أنزيمات الكبد في الدّم، ممّا قد يُشير إلى تحسّن في حالة الكبد، أو انخفاض في تجاوز كمّيّة الدّهون في الكبد. ومع ذلك، في بعضها، لم يُعثّر على فرقٍ بين أولئك الذين تناولوا البيبرين جنبًا إلى جنب مع الكركمين -وهي المادّة الفعّالة في الفلفل الهنديّ الحارّ الّتي يُزعَم أنّها تُحسِّن امتصاص الكركمين في جسم الإنسان، و يُمكن إيجادها في بعض المستحضرات-، وأولئك الّذين حصلوا على دواءٍ وهميّ (placebo). لم تؤدِّ تجربتان مع جرعات عالية من الكركمين، والّتي تحوي على 1500 مليغرام يوميًّا لمدّة ثلاثة أشهر، إلى تحسّن في صحّة الكبد. من هنا، يمكن أن نستنتج أنّه حتّى لو كان للكركمين تأثير مفيد- وهو ما لم يتمّ إثباته بشكل مُرْضٍ حتّى الآن- فإنّ الجُرعة العالية ليست بالضّرورة أفضل.


آمن للإستعمال في المطبخ، لكن من شأن مُكمَلات الكُركُم أن تضُر. شراب مع كُركُم.| تصوير: Daria Arnautova, Shutterstock

 

ليس كلّ ما يلمع ذهبًا

أدّى تسويق التّابل كمُكمّل غذائيّ بخصائص يُفترّض أن تفيد الّصّحة إلى زيادة كبيرةٍ في استهلاك الكركم ومنتجاته حول العالم، خاصّة خلال سنوات وباء الكورونا. أدّت الزّيادة في استهلاك مُكمّلات الكركم الّتي تجمع بين المُستحضرات الّتي هدفها زيادة امتصاصه، إلى تغيير نسبة الأمان للمُكمّلات الغذائيّة مقارنة بالكركم الطّبيعيّ الّذي يُعتبر آمنًا للأكل. ومن هنا، بدأت تظهر في المجلّات الطّبِّيّة أوصاف لحالات تلف الكبد بعد الاستهلاك المُطوَّل للمُكمّلات الغذائيّة القائمة على الكركمين.

حدثت إحدى الحالات الأولى الّتي تمّ التّعرّف عليها في عام 2018 في الولايات المتّحدة. بحيث تعرّضت امرأة تبلغ من العمر 71 عامًا لمعلومات غير مؤكّدة على الإنترنت، والّتي أدّت إلى تناولها مكمّلًا غذائيًّا من الكركم لعدّة أشهر، قامت بشرائه من صيدليّة محليّة. خضعت المرأة للعديد من الفحوصات في محاولةٍ لتشخيص مصدر الضّرر الّذي أصاب نشاط الكبد، بما في ذلك اختبار الخِزعة، ولكن دون جدوى- حيث لم تكلِّف المريضة نفسها عناء إدراج المكمّل الغذائيّ في قائمة الأدوية الّتي أعطتها لأطبّائها. بعد حوالي عام، توقّفت المريضة عن تناول الكركمين، مرّة أخرى بناءً على نصيحة تلقّتها عبر الإنترنت. عندها فقط أبلغت أطبّاءَها عن استخدام المُستحضَر. عند التّوقّف عن الاستخدام، عاد كبدها إلى وظيفته الطّبيعيّة.

من عام 2019 فصاعدًا، بدأت العديد من دراسات الحالة (case-studies) في الظّهور في أوروبا أيضًا، وفي الصّيف الماضي قامت المنظّمات الصّحِّيّة الرّسميّة في فرنسا، إيطاليا، وكذلك في المملكة المتّحدة،  بتوزيع رسائل طلبت فيها عدم إسناد الخصائص المفيدة للصّحّة إلى مكمّلات الكركم، وإلى التّحذير من الاستهلاك غير المُنضبط للمُكمّلات الغذائيّة. في أكتوبر 2022، نشرت مجموعة من الأطبّاء الّذين يعملون مع الأدوية المُضرّة بالكبد مقالًا قدّم عشر حالات منفصلة لتلف الكبد بعد تناول مكمّلات الكركمين.

 

لا داعي للذُعر

على الرّغم من تراكم الحالات والتّحذيرات، إلّا أنّه في هذه المرحلة ما زالت الظّاهرة نادرة، ويدور الحديث عن مجموعة من دراسات الحالة، مع الاشتباه في أنّ الضّرر الّذي يلحق بالكبد ناتجٌ عن تناول المُكمِّلات الغذائيّة، لأنّه في معظم الحالات تتحسّن حالة المرضى بعد التّوقّف عن تناول مُكمّل الكركمين. لا تزال هناك حاجة إلى دراسات تُوضّح بطريقة مُنظّمة ومضبوطة أنّ الكركمين هو بالفعل سبب الإصابة، نظرًا لوجود اختلافات كبيرة في أنواع المستحضرات  الّتي تناولها المرضى ومحتوياتها،- على سبيل المثال: المُكوّنات الإضافيّة- والجرعة الّتي تناولَها المستهلكون.

إذا كنت تتناول مُكمّلات تحتوي على الكركم، فمن المُستحسن ملاحظة أنّ الجرعة تتوافق مع توصيات هيئة سلامة الأغذية الأوروبيّة، والّتي حدّدت في عام 2010 كمّيّة 3 مليغرام من الكركمين لكلّ كيلوغرام من وزن الجسم كحدٍّ أقصى للاستهلاك اليوميّ، أي، حوالي 180 مليغرام يوميًا لشخص يزن 60 كيلوغرام. في نهاية عام 2021، قررت لجنةٌ من الخبراء نيابةً عن الهيئة، أنّه من الآمِن تناوُل مُكمّل يحتوي على موادّ مُصَنّعة من الكركمين بكمّيّة 140 مليغرام في اليوم.

وبالطّبع، في حال أتَيتُم لإجراء فحص طبّيّ لأيّ سببٍ من الأسباب، فاحرصوا على ذكر جميع المُكمّلات الغذائيّة الّتي تتناولونها لفريق المعالجين، ليسهل عليهم مساعدتكم. في غضون ذلك، يُمكنكم الاستمرار في الاستمتاع باستهلاك التّابل والجذر الطّازج في المطبخ- بجرعةٍ معقولة.

0 تعليقات