يستعرض الفيديو الموجود أمامنا آليّة تداخل الرنا (RNAi)، والّتي تعدّ واحدة من أهمّ الاكتشافات في بيولوجيا الخليّة في السّنوات العشرين الماضية. حتّى حين موعد اكتشافه، كان يُعتقد أنّ الدّور الرّئيسيّ للرنا في الخليّة هو الرنا الرّسول: مرحلة وسيطة بين الجين المشفّر في الجينوم وترجمته إلى بروتين. لقد أظهر اكتشاف آليّة RNAi أنّ RNA له أيضًا وظائف تحكّم/مراقبة مهمّة في الخليّة، ويمكن أن يؤثّر على مستوى التّعبير عن الجينات عندما يقوم بقطع نوع محدّد من الرنا الرّسول أو أن يمنع ترجمته إلى بروتين.
في البداية، تمّ اكتشاف آليّات RNAi في ديدان C.elegans والنّباتات، لكن من المعروف اليوم أنّها موجودة في العديد من الكائنات الحية المتنوّعة، بدءًا من الخميرة أحاديّة الخليّة وصولًا إلى مخلوقات مركّبة مثل الثّدييات، بما في ذلك بنو البشر. لقد أظهرت دراسات أخرى أنّ نظام RNAi يلعب أيضًا دورًا في حماية النّباتات والذّباب ضدّ الفيروسات بواسطة هدم الـ- RNA الفيروسيّ. يتمّ في وقتنا الحالي بحث إمكانيّات استخدام آليّة RNAi في الطّبّ، على سبيل المثال عن طريق إدخال جزيئات RNA المتداخلة القادرة على إسكات الجينات النّشطة في الأورام السّرطانيّة.
يصف الفيديو آليّة RNAi، وكيف يتمّ إنتاج جزيئات RNA المتداخلة في الخليّة (microRNA و SiRNA). كما تمّ شرح كيفيّة زيادة نشاط RNAi في النّباتات، الدّيدان والمخلوقات الأخرى عن طريق إنشاء جزيئات إضافية من الـ- RNA المتداخلة.
تمّ إنتاج الفيديو بواسطة شركة Arkitek. ترجمة فريق دافيدسون أونلاين
We would like to thank Beth Anderson for all of her help
تتحكّم آليّة RNAi، كما ذكرنا سابقًا، في التّعبير عن الجينات عن طريق قطع الرنا الرّسول أو تأخير ترجمتها إلى البروتين. تتكوّن آليّتها من جزئين رئيسيّين. الأوّل هو جزيئات الرنا المتداخلة القصيرة، والّتي تكمل تسلسل الرنا الرّسول وبذلك تقوم بتوجيه الفعالية الّتي تثبط التّعبير عنها بشكل خاصّ. تلك هي جزيئات قصيرة للغاية من الحمض النّوويّ الريبي (الرنا) من حوالي 20 قاعدة فقط مقارنة بأكثر من ألف قاعدة يمكن أن تحتوي على الحمض النّوويّ الريبي الرّسول. الجزء الثّاني هو مجموعة البروتينات RISC (اختصار الكلمات RNA Induced Silencing Complex)، والّتي تقوم البروتينات الّتي تركبه بالقيام بفعاليّة القصّ/التّقطيع للرنا الرّسول أو تأخير ترجمته.
هناك نوعان رئيسيّان من جزيئات الرنا القصيرة الوظيفة ذات الوظيفة المتشابهة، لكنّهما يختلفان بشكل أساسيّ في أصولها المختلفة. الأوّل هو الرنا الصّغير المتداخل siRNA - small interfering RNA - الّذي يتكوّن من RNA طويل ذات سلسلتين لولبيّتين، يكون مصدره من تسلسلات متكرّرة في الجينوم. تشتمل هذه الجزيئات أيضًا على جزيئات يتمّ إدخالها إلى الخليّة من الخارج، بالوسائل الاصطناعيّة أو عن طريق عمليّة طبيعيّة بعد تشكيلها في خليّة مجاورة (على سبيل المثال في النّباتات).
النّوع الثّاني هو جزيئات الحمض النّوويّ الريبي الميكروي microRNA، مصدرها في التّسلسلات الموجودة بين الجينات المشفّرة بالبروتين، أو في تسلسلات الإنترونات داخل الجينات. تختلف عن بعضها البعض في بنية "دبوس الشعر" الّذي تطوى فيه بعد نسخها، كما يمكن رؤية ذلك في الرّسم البيانيّ أدناه. تنضج هذه الجزيئات وتصبح جزيئات الحمض النّووي الميكروي النّاضجة في عمليّة يتمّ فيها قطعها بواسطة إنزيمين مختلفين، بحيث تحدث المرحلة الأولى في النّواة والثّانية في السّائل داخل الخليّة. في نهاية العمليّة، يتمّ الحصول على جزيء RNA مزدوج السّلاسل اللّولبيّة من حوالي 20 قاعدة، لذلك يتمّ تجنيد أحد السّلاسل اللّولبيّة في مركب أل- RISC. يظهر نفس التّجنيد في جزيئات siRNA.
بنية دبوس الشّعر لجزيء الحمض النّوويّ الريبي الميكرويّ RNA أثناء نضجها.
في الثّدييات، بما في ذلك البشر، يكون التّكوين السّائد هو تكوين الحمض النّووي الريبيّ الميكرويّ. المطابقة بين جزيء الحمض النّوويّ الريبيّ الميكرويّ والحمض النّوويّ الريبي الرّسول الذي يقوم بزيارته غير كاملة، ممّا يمنع قطع الحمض النوويّ الريبيّ الرسول في مركز تسلسل التعرّف. يحدث التعرّف، في مثل هذه الحالة، بين القواعد 8-2 لجزيء الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ (قد يتطلّب الأمر التعرّف على نطاق أوسع) والقواعد التكميليّة في تسلسل الحمض النوويّ الريبيّ الرسول، ويحدث التحكّم فيها بواسطة تأخير ترجمة الحمض النوويّ الريبيّ الرسول أو عن طريق تسريع تفكيكها بواسطة القطع.
حتّى الآن، ليس من الواضح تمامًا كيف تحدث عمليات التأخير والتفكّك هذه. على النقيض من ذلك، يحدث التحكّم بواسطة جزيئات microRNA في النباتات وعن طريق siRNA بواسطة قطع RNA الرسول في مركز تسلسل التعّف على الجزيء، بين القواعد 10 و 11 لجزيء microRNA أو siRNA).
عمليّة إنتاج جزيئات الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ الناضجة | الرسم البيانيّ: تمّت معالجته من ويكيبيديا
لقد ناقشنا حتّى الآن الآليّة التي يتمّ من خلالها تكوين جزيئات RNA المتداخلة القصيرة وكيفيّة تثبيط التعبير الجينيّ، ولكن ما هو دورها الفسيولوجيّ وما مدى أهمّيّتها في تطوّرنا؟
تحتوي خلايا جسم الإنسان على أكثر من 400 جزيء مختلف من الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ. تُظهر الدراسات الحسابيّة أنّها تتحكّم في حوالي الثلث (!) من مجمل الجينات، وذلك بسبب قدرة جميع أنواع الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ على التحكّم في جينات متعدّدة، بسبب تسلسل التعرّف القصير المطلوب له من أجل الارتباط بـ RNA الرسول (بدءًا من ستّ قواعد). في حين أنّ جزيئات SiRNAs تستطيع إسكات التعبير الجينيّ بصورة مطلقة تقريبًا بسبب قطع RNA الرسول الخاصّ به، فإنّ التحكّم بواسطة جزيئات microRNAs في الثدييات، والتي تمتلك تعرّفًا قصيرًا نسبيًّا مع RNA الرسول، هو أكثر اعتدالًا ويمكن أن يصل إلى تثبيط التعبير حتّى نسبة 60 بالمائة، وفي كثير من الحالات أقلّ من ذلك.
مع ذلك، بما أنّ نوعًا واحدًا من الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ يستطيع التحكّم بعشرات الجينات أو أكثر، فإنّ تأثيره واسع النطاق، بالإضافة إلى أنّه بالإمكان التحكّم بنوعٍ واحد من الحمض النووي الريبي الرسول بواسطة عدد من جزيئات الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ المختلفة أو المتطابقة. يحدث هذا التحكّم في الثدييات في معظم الأنسجة ومعظم أنواع الخلايا. إنّ أهمّيّة النظام كبيرة للغاية لدرجة أنّ جنين الفأر الذي يفتقر إلى القدرة على التحكّم بواسطة الرنا الميكرويّ لا يمكن أن يتطوّر بشكل سليم ويموت قبل الولادة.
تمّ بحث تأثير microRNA في العديد من المجالات، وقد اكتشفت أهمّيّتها أيضًا في العمليّات المرتبطة بدورة انقسام الخليّة، التمثيل الغذائيّ، الموت المبرمج للخليّة الحيّة (الاستماتة) وفي العديد من المجالات الأخرى. تؤثّر جزيئات الحمض النوويّ الريبيّ الميكرويّ على نشوء الأورام السرطانيّة. لوحظت في بعض أنواع الأورام مستويات تعبير مختلفة من الحالة الطبيعيّة عند بعض جزيئات الرنا الميكرويّ، لذلك فإنّ التعبير عن الجينات التي تسبّب الأورام السرطانيّة بشكل أكبر يعود إلى المستوى المنخفض من الرنا الميكرويّ المحدّد، أو أنّ الجينات المرتبطة بتثبيط تكوين الأورام يتمّ التعبير عنها بشكل أقلّ بسبب المستويات المرتفعة من الرنا الميكرويّ المحدّد.
اليوم، هناك أدوات مبتكرة يمكنها تحديد نوع الورم السرطانيّ وفقًا للملف غير المعتاد للتعبير عن جزيء الرنا الميكرويّ. هناك أيضًا محاولات لاستخدام جزيئات SiRNAs الاصطناعيّة لعلاج الأمراض المختلفة، بما في ذلك الأورام السرطانيّة، لكنّنا سنناقش ذلك في مناسبة أخرى.