يُولَدُ الأطفالُ ومعهم ردُّ فعلٍ انعكاسيٍّ للرّضاعة، يُتيحُ لهم تناول الغِذَاءِ مباشرةً بعد الولادة. إمكانيّة تغذيةِ المواليد بواسطة الحليبِ هي صفةٌ خاصّةٌ لعائلة الثّدييات، كَمُميّزاتٍ أُخرى مثل الشّعرِ أوِ الفروةِ على الجلد، والموجودة عند قسمٍ من الأنواع في هذه العائلة. من وجهة نظر علم التطوّر، تُحسِّنُ صفةُ الإرضاع وتنميّ التّقاربَ بين الأُم ونسلها، وهذا يُعتَبرُ مِدماكًا مهمًّا في تنمية السّلوك الاجتماعيّ والمبنى الاجتماعيّ للأنواع الّتي تنتمي لعائلة الثّدييات، كالأُسود، والنُّمور، والفِيَلة، والدّلافين، وبني البشر طبعًا.

تتحقّقُ عمليّةُ الإرضاع بسبب وجود غُدد الحليب، وهي مبانٍ معقّدةٌ تحتوي على منظومة من الأنابيب النّاقلة، والخلايا المنتجة للحليب، وبدعمٍ من أنسجة رابطةٍ وعضلات في جوارها. يتمّ إنتاجُ الحليب داخل خلايا خاصّة، وظيفتُها إنتاجُ الحليب ومنها يُنقل عبر الأنابيب إلى فتحاتٍ داخلَ الحلمة، ومنها يمتصُّ الطّفلُ الحليبَ في عمليّة الرّضاعة.

تتكوَّنُ غُددُ الحليب في الفترة الجنينيّة عند الثّدييات لكلا الجنسين ذكورًا وإناثًا، لكن يتوقّفُ نموّها عند الذّكورِ في مرحلةٍ مبكِّرةٍ جدًّا. عند الإناث، بالمقابل، يستمرُّ تتطوّر الغُدد بتأثير الهورمونات على عدّة مراحل: في البداية عندما تكون الأُنثى ما زالت في مرحلة الجنين، أو قليلًا بعد الولادة، وبعد ذلك في مرحلة التطوّر الجنسيّ في الأجيال المتأخّرة أكثر- عند الإنسان يسمّى "فترة المراهقة".

عند الأُمّ، وفي مرحلة الحمل، يستمرُّ نموّ غدد الحليب بتأثير هورمونات يفرزها المبيض والمشيمة، وحتّى في هذه الفترة ينتج حليبٌ بكميّات قليلة. ومع هذا، يكونُ إفرازُ الحليب مُتاحًا بعد الولادة فقط، وفقًا لمحفّزاتٍ هورموناليّة. ما يسيطرُ على عمليّة إنتاج الحليب هو هورمونات تُفرَزُ عند أَنماطٍ معيَّنةٍ من الغدّة النّخاميّة. من بين الهورمونات المهمّة الّتي تؤثّر على هذه العمليّة: البرولاكتين، وهورمون النّمو، والتّيروتروبين وغيرها.

تتواصلُ الرّقابة على إفراز الهورمونات حتّى أوقات إرضاع الطّفل. كَرَدِّ فعلٍ لعمليّة الرّضاعة، تتحرّر هورمونات البرولاكتين والأوكسي-توتسين من غدّة الأُمّ النّخاميّة. يتحكَّمُ البرولاكتين، كما أسلَفنَا القول، في عمليّة إنتاج الحليب داخل الغدد، والأوكسي-توتسين يحفّز انقباض الخلايا العضليّة داخل الثّدي، ما يؤدّي إلى تدفّق الحليب داخل الأنابيب في اتّجاه الحلمات.
 

في الفيلم التّالي، نشاهد ما يحدث أثناء الإرضاع ونتعلّم عن العمليّة:

;تمّت ترجمة الفيلم من قِبَل طاقم موقع دافيدسون عبر الإنترنت.

الفيلم من إنتاج nucleus animations

ردُّ الفعل الانعكاسيّ لعمليّة الرّضاعة

في بحث أجرته المنظّمة العالميّة (اليونيسيف)، تبيّن أنّ الأطفال يَتَبَنَّوْنَ أَنماطًا سلوكيّةً خاصّة بعد الولادة بفترة زمنيّة متفاوتة بين طفلٍ وآخر، وهذا النّمط يؤدّي إلى عمليّة الرّضاعة الأُولى، بشرط عدم إظهار أيّة إزعاجات في جميع مراحل العمليّة.

هذا ما يحدث: عندما يلامس المولودُ جلد أُمّه، يبكي أوّلاً بكاءَهُ الأَوّلَ المميّز. الولادة تجربةٌ عظيمةٌ ليست للأُمّ فحَسب، بل للطّفل أيضًا، ولذلك، ففي المرحلة الثّانية يستريح ويهدأ، ويهدّئ من روعه بسبب التّجربة الّتي مرّ بها. بعد ذلك يبدأ بالنّهوض محرِّكًا جسمَهُ بحركاتٍ خفيفة، وبشكلٍ تدريجيّ يزحف نحو صدر أُمّه. عندما يصل إلى المكان الجديد، يعودُ ليستريحَ قليلًا وبعدها يباشرُ في عمليّة الرّضاعة، وبعدها يستغرقُ في النّوم. نجاح الطّفل في الرّضاعة في أيّامه الأولى، من شأنه أن يؤثّر على طبيعة الرّضاعة لاحقًا.


طفل يرضعُ الصّورة نقلًا عن ويكيبيديا، أنتجها Ken Hammondتركيب الحليب

يولد الطّفل، بالطّبع، بدون أسنان، وحتّى في بداية نموّها تكون غير ناجعة في الهضم كما عند الإنسان البالغ. كذلك، فإنّ الجهازَ الهضميّ عند الأطفال غير ملائِمٍ لهضم الغذاء الصُّلب، ولذلك فهو بحاجة إلى غذاء سائل. يزوِّدُ حليبُ الأُمّ الطّفلَ بكلّ احتياجاته الغذائيّة، فهو يحتوي على الدّهنيّات، والسّكّريّات، والماء، والزّلاليّات بِنِسَبٍ متغيّرة وفقًا لاحتياجاتِ الطّفل. إضافة للمركّبات الغذائيّة هذه، يحتوي الحليب على الفيتامينات والمعادن، وحتّى على أجسامٍ مضادّة تساعد في عمل جهاز المناعة عند الطّفل، الّذي لم يتطوّر بما فيه الكفاية.

السّائلُ الّذي يُنتَجُ داخلَ غُدَدِ الحليب في أيّام الطّفل الأولى يسمّى: اللَّبأ (كولوستروم)، ويختلِفُ عن الحليب الّذي ينتج لاحقًا بكونه مركّزًا أكثر، ولونه شفّاف يميل إلى الصُّفرة، ويحتوي على كميّاتٍ كبيرة من الأجسام المضادّة، وموادَّ أُخرى تدعمُ عمل الجهاز الهضميّ عند الطّفل. أيّامًا معدودةً بعد الولادة، يغيُّر اللَّبَأُ تركيبَهُ، وخلالَ أُسبوعَيْنِ من الولادة، تبدأ الأُم بإفراز الحليب بشكله النّاضج.

التّلاؤم الرّائع بين تركيبة الحليب وبين جيل الطّفل ووضعه، يجدُ لهُ تعبيرًا فيما بعدُ: الحليب الذي يُنتَجُ في ساعاتِ المساء، يكونُ دُهنيًّا أكثرَ من الحليب المنتَجِ في الصَّباح، وذلك لتهيئة الطّفل للنّوم قليلًا. في الصّيف، يحتوي الحليبُ على نسبة أعلى من الماء. يخضعُ إنتاجُ الحليب لآليّةِ إطعامٍ خلفيٍّ إيجابيٍّ، فكلّما استمرّ الطّفل في الرّضاعة، استمرّ إنتاج الحليب بكميّة تلائِمُ الطّفل. لذلك في فترات فيها قفزة نموٍّ للطّفل، يزدادُ إنتاجُ الحليب وتزداد معهُ وتيرة الرّضاعة.

الفيلم القصير والتّقرير يهدفان لإعطاء معلوماتٍ علميّة، وتجسيد أهدافٍ تربويّة لا غير، ولا يجب اعتبارها كنصيحة أو علاجٍ أيًّا كان. معلومات الموقع لا تُعتبرُ بديلاً للاستشارة الطّبّيّة، ولا يصلحُ استعمال المعلومات كاعتبارٍ لتفضيل علاجٍ أيًّا كان.

0 تعليقات