أحد أكثر الأمور التي نرغب بالقيام بها في الصيف هو التَّسَفُّع: الاستلقاء على مِنْشَفة على شاطئ البحر وامتصاص أشعّة شمس الصيف القويّة - مصدر الطاقة في العالم. ولكن، في بعض الأحيان تكون الشمس قويّة جدًّا فنشعر بالحرارة الشديدة. ما العمل - ننتقل إلى الظلّ؟ أبدًا! فليس هناك أجمل من الغطس المنعِش في الماء والعودة إلى وجبة إضافيّة من الطاقة.
من هنا، يوجد احتمالان: الأوَّل، عندما نعود إلى المنزل سنكتشف أنّنا بشرتنا احمرَّت وأصبحت كالبَنَدورة الناضجة، يصعب علينا أن نتحرَّك، وببساطة فإنّ الاستحمام بالماء الساخن غير وارد بالحُسْبان. أمّا الثاني، فهو أنّ جلدنا تجدَّد بلون برونزي-شوكولاتة، ونحن على استعداد للخروج لنتفاخر أمام الأصدقاء. الاحتمال الذي سيحصل متعلِّق - بالأساس - بخواصّنا الوراثية، وبالرغم من أنّ الثاني يبدو غير سيّء بتاتًا، فكلاهما يؤدّي إلى إهلاك جسدنا وإلى شيخوخة مبكِّرة.
من حسن حظِّنا، الحاجة أمّ الاختراع، وهنا، أيضًا، تمّ إيجاد حلّ: مُستحلَب الوقاية من الشمس. جميعكم بالتَّأكيد تعرفونه جيِّدًا، ولكن، هل تعرفون - بالفعل - ما هي وظيفته؟ كيف يحمينا المستحلَب بشكل فعليّ وكيف يجب أن نستعمله؟ الفيلم التالي يجيب عن عدّة أسئلة حول الموضوع:
ما هو الضرر؟
سنبدأ بنقاش قصير حول الأضرار الفورية، لأنّ الأضرار التي نراها بأعيننا هي الأضرار التي ستجعلنا نفكِّر مرَّتين قبل أن نخرج من البيت بدون مستحلَب الوقاية.
أضرار الأشعّة البارزة تشمل بقعًا على الجلد، حروقًا، فقدان ليونة الجلد وشيخوخته. غير لطيف بتاتًا، ولكن هذا فقط النزر اليسير من الضرر. أضرار الأشعة الأكثر خطورة والقاتلة هي تلك الأضرار الخفية. كالوحوش التي تختبئ في جسدنا وتتطوَّر تدريجيًّا بدون أن نعي وجودها، تتكشَّف لنا في نهاية المطاف على شكل أمراض وأضرار صعبة كالتجاعيد، اعتمام عدسة العين، أحجار في الكِلى (نتيجة إنتاج فائض من فيتامين د)، وبالطبع الضرر الأكبر الناجم عن الأشعة – سرطان الجلد.
ما العلاقة بين أشعّة الشمس وسرطان الجلد؟
تُحفَظ معلومات في الجزيئات التي تُسمّى الحمض النوويّ (DNA) داخل الخلايا التي في جسمنا. تُستعمَل خلايانا هذه المعلومات من أجل إنتاج كلّ المركبات الضرورية لوجودها - البروتينات. كلّ تغيير بالحمض النوويّ، ولو كان أصغر ما يمكن، قد يؤدّي إلى خَلَل في الخلية، بدءًا من خَلَل في إنتاج بروتينات مع عيوب حتى مشاكل في نسخ בשכפול الحمض النوويّ وفي عملية انقسام الخلية.
تنتج تغييرات كهذه في متواليات الحمض النوويّ بشكل عاديّ، والجسم يعرف عادة تصليحها وإعادة المتوالية إلى وضعها السليم والصحيح. تعرُّض مستمرّ لأشعّة الشمس بإمكانه إحداث تغييرات عديدة في متواليات الحمض النوويّ، ممّا يؤدّي إلى فشل جهاز التصليح من التعامل مع جميعها، وأحيانًا قد يتضرَّر جهاز التصليح نفسه. تراكم التغييرات في الحمض النووي تشوِّش نظام انقسام الخلايا، وهذا يؤدّي إلى الانقسام بدون رقابة فتنتج أورام سرطانية.
ما هي الأشعّة المضرّة؟
يشمل ضوء الشمس مجموعة كبيرة من أنواع الأشعّة، معظمها غير ضارّة. أشعة الضوء المرئيّ، على سبيل المثال، تسمح لنا برؤية الألوان، بينما الأشعّة تحت الحمراء مسؤولة عن نصف الحرارة التي تصل إلينا من الشمس. أشعّة الشمس الضارّة، UVA وَ UVB تتبع للأشعة فوق البنفسجيّة. أشعّة UVB تسبِّب ضررًا مباشَرًا في الحمض النوويّ وتؤدّي إلى حروق، شيخوخة الجلد والسرطان. أشعّة الـ UVA، المستخدّمة بشكل كبير في معاهد التسفُّع، لم يُنظَر إليها في الماضي بأنّها خطيرة، ولكن مؤخَّرًا أُثبِت أنّها هي الأخرى تضرّ بالحمض النوويّ وتسرِّع في شيخوخة الجلد.
كيف يقينا مستحلَب الوقاية من الشمس؟
تُقسَم مُستَحلَبات الوقاية من الشمس إلى قسمين رئيسيَّين: مُستَحلَبات ذات عوازل كيميائية، ومُستَحلَبات ذات عوازل فيزيائيّة. يمكن تخيُّل العوازل الفيزيائيّة كجنود مع دروع لمرايا تثبَّت على الجلد، وتُرْجِع أشعّة الشمس إلى الهواء ثانية. الحواجز الكيميائية، مقابل ذلك، تمتصّ الأشعّة إلى داخلها.
يتميَّز كلّ نوع بإيجابيّات وسلبيّات. العوازل الفيزيائية أكثر ثباتًا وتؤدّي إلى وقاية مباشرة، ولكنّ نطاق نشاطها قصير المدى، وتميل - مع الوقت - إلى اللزوجة، وعندها لا تكون لطيفة للاستعمال. العوازل الكيميائية تحمينا من نطاق أوسع من أشعّة الشمس، ولكن، حتى يتحقَّق ذلك يجب أن يتمّ امتصاصها في الجلد أوَّلا - وتستمرّ العملية نحو 20 دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه كلّما طالت فترة التعرُّض للشمس قلَّت نجاعة امتصاص أشعّة الشمس بواسطة العوازل الكيميائيّة. بسبب الفروقات الواضحة بين النوعين تتوفَّر، اليوم، مستحضرات تجاريّة عديدة التي تزوِّد الوقاية بالطريقتين معًا.
كيف تختارون مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس؟
هل سمعتم بـ SPF؟ إذا لم تسمعوا به، نعلمكم أنّ هذا هو الرقم الذي يظهر على كلّ عُبُوّة مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس التي تجدونها في المحلّات التجارية، وهو، للوهلة الأولى، يعبِّر عن درجة الوقاية التي يزوِّدنا بها المُسْتَحْلَب.
SPF هو مختصر Sunburn Protection Factor، أي عامل الوقاية من الحروق الشمسيّة. وهو مقياس يعبِّر عن العلاقة بين كمِّية الأشعّة التي تسبِّب حرقًا للجلد المحميّ بواسطة مُسْتَحْلَب وكمِّية الأشعة اللّازمة لظهور حرق لجلد غير محميّ في نفس الفترة الزمنيّة. باختصار، هذا يعني أنّنا كلّما استخدمنا مُسْتَحْلَب وقاية مع درجة أعلى من SPF تطلَّب الأمر كمِّية أكبر من الأشعّة حتى تؤدّي إلى ظهور حرق.
ولكن، علينا الحذر من الوقوع في مِصْيَدة شركات موادّ التجميل. تعالوا نكُنْ حكماء في الشمس بشكل حقيقيّ: معظمنا - وبدون مسوِّغ لذلك - نميل إلى الافتراض - بشكل مَنْطِقيّ - أنّ مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس ذا عامِل وقاية 30، له فعالية مضاعفة مقارنة مع فعاليّة مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس ذي عامِل وقاية 15. هذا مَنْطِقيّ، أليس كذلك؟ ولكن إذا أردنا أن نفحص هذا الأمر بعمق، فإنَّنا سنكتشف أنّ كريم الوقاية ذا عامل وقاية 15 يمنع 94% من أشعّة الشمس الضارّة، في حين أنّ كريم الوقاية ذا 30 يمنع 97% من الأشعّة. أي أنّ الفرق بينهما هو 3% فقط!
وإذا أخذنا بالارتفاع في درجات عامل الوقاية من الحروق الشمسيّة فسوف نكتشف أنّنا أمام إشكالية أكبر: معدّل أشعّة الشمس التي يتمّ منعها بواسطة مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس ذي عامل وقاية من الحروق الشمسية 50، 70 وحتى مع عامل وقاية 100- لا تزيد عن 98.3 بالمائة، إلّا أنّ أسعار هذه المستحضرات الضعف (في أحسن الأحوال).
وهناك أمر إضافيّ يجدر فهمه: فترة الوقاية. يعتقد الكثيرون أنّ مقياس عامل الوقاية من الحروق الشمسية يدلّ على الزمن الذي نستطيع البقاء به في الشمس بدون أن نطلي جسدنا مرّة أخرى. مثلًا، إذا كان الحرق من الشمس يحدث عادة بمرور عشر دقائق، فإنّ مُسْتَحْلَب وقاية ذا عامل وقاية 15 سوف يمدِّد فترة التعرُّض للشمس حتى حدوث الحرق إلى ساعتين ونصف (10*15 دقيقة).
وعليه - لأسفي هذا غير صحيح: المقياس يشير فقط إلى كمِّية الطاقة. على الرغم من وضوح الأمر للجميع بأنّه كلَّما طالت مدّة التعرُّض للشمس نحن نتعرَّض لطاقة أكثر، توجد عوامل كثيرة تؤثِّر على مستوى الأشعّة بدون أيّة علاقة مع الفترة الزمنيّة. في ساعات الظهيرة، مثلًا، الأشعّة أكبر بكثير منها في ساعات الصباح.
حتى لو تجاهلنا ذلك، وافترضنا للحظة أنّ مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس ذا عامل وقاية 15 سيقينا - بالفعل - من الشمس لمدّة ساعتين ونصف، فإنّه علينا ألّا ننسى الحقيقة بأنّ المُسْتَحْلَب سيزول بسرعة في الماء والعرق ويفقد نجاعته مع الزمن، وأنّنا إذا أردنا وقاية كاملة فعلينا دهن كمِّية أكبر بكثير ممّا يدهن معظم الناس على أجسادهم.
الطريقة الصحيحة لاستعمال مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس
على الرغم من كلّ ذلك، إنّ مُسْتَحْلَب الوقاية من أشعّة الشمس صديقنا، وحتّى يقينا بالفعل فإنّه من المُهمّ أن نعرف كيف نستعمله. بسبب انخفاض نجاعة الوقاية مع الزمن، فلن يساعدنا أن ندهن جسدنا مرّة واحدة فقط ونقضي طَوال النهار في الشمس. لا أحد يحبّ البخلاء، لذلك، لا تبخلوا بالكمِّيات.
شيء إضافيّ - يتطلّب فعل الوقاية وقتًا عادة حتّى يبدأ تأثيره؛ لذلك، من المفضَّل دهن المُسْتَحْلَب في البيت، قبل الخروج إلى الشمس. يُوصى - بشكل كبير - استخدام مستَحْضَرات تصمد في الماء - حتى لو لم تكن بنيَّتكم السباحة، فأنتم بالطبع ستعرقون، ولا تريدون أن تزول مستَحْضَرات الوقاية مع العرق. صحيح؟ اليوم يمكن إيجاد مُسْتَحْضَرات وقاية من الشمس بأشكال عديدة غير المُسْتَحْلَب. إذا كنتم تستعملون الرشّاش، فمن المُهمّ أن ترشّوا أنفسكم عدّة طبقات حتّى تكون التغطية تامّة.
ممتاز - الآن، بعد أن تزوَّدتم بمرشد المتسفِّع المبتدئ، تذكَّروا، أيضًا، أن تستعملوه. بشكل عامّ، من أجل حصولكم على الوقاية القصوى من أضرار الشمس والمحافظة على بشرة شابّة، من المستحسن أن تتسفَّعوا في الظلّ، اعتروا قبّعة وغطّوا المناطق الحسّاسة، وبالطبع حاولوا القيام بذلك في الساعات التي تكون فيها الأشعة ضعيفة نسبيًّا: حتّى العاشرة صباحًا أو بعد الساعة الرابعة بعد الظهر. صحيح إذًا، هكذا قد تتسفَّعوا بدرجة أقلّ، ولكن في الحقيقة، ألا تفضِّلون أن توفِّروا التجاعيد على أنفسكم، حتّى لو جاء هذا الأمر على حساب القليل من اللون؟
اِختاروا ما تريدون فعله، حافظوا على أنفسكم! صيف مُمتِع وتَسَفُّع صحِّيّ.