وراثة صفات سائدة أم صفات متنحّية؟ ماذا تعني هذه المصطلحات؟ وما علاقتها بالقدرات السحريّة في عالم هاري بوتر؟

كلّنا نتوارث صفات من أهالينا وهذا القانون الطبيعيّ ساري المفعول أيضًا في عالم هاري بوتر بطل سلسلة كتب جي كي رولينغ. فمن الظاهر في السلسلة على سبيل المثال أنّ جميع أفراد عائلة ويزلي هم صهبان ذوو وجوه منمّشة. كذلك أيضًا هاري بطل السلسلة يسمع مرارًا وتكرارًا بأنّه يشبه أباه ما عدا "عينَي ليلي" بالإشارة لأمّ هاري. وكذلك يوصف دراكو مالفوي بأنّه صاحب وجه مدبّب وشعر أشقر كأبيه.

وماذا عن السحر؟ كيف ينتقل بالوراثة؟ يوجد لذلك على الأقلّ سبعة تفسيرات محتملة. من أجل فهمها بدقّة؛ من المفضّل التعرّف أوّلًا على بعض المصطلحات المفتاحيّة في مجال الوراثة.


 قوانين الوراثة تسري في عالم هاري بوتر كما في عالمنا. دمى البوب وفقًا لشخصيّات الكتاب |  Ekaterina_Minaeva, Shutterstock

عن حبّات البازلاء والنمش

بشكل عامّ، علينا أن نفرّق بين المادّة الوراثيّة- جزيئات الحمض النوويّ وكلّ المعلومات الّتي تحفظها- وبين النمط الّذي تبرز به هذه المعلومات ظاهريًّا في التكوين الفيزيائيّ للكائن الحيّ مثل لون الشعر، لون العينَين وظهور النمش. جميع هذه الصفات تُدعى النمط الظاهريّ بينما تُدعى المعلومات الوراثيّة الّتي تحدّدها النمط الوراثيّ. تحفظ المادّة الوراثيّة بأزواج من الكروموزومات، واحد من الأب وآخر من الأم، وبداخل هذه الكروموزومات تكمن الجينات: مقاطع قصيرة من الحمض النوويّ مسؤولة عن تحديد صفاتنا الوراثيّة. كلّ جين من هذه الجينات بإمكانه الظهور بأشكال واحتمالات مختلفة تُدعى الألائل "alleles".

تختلف الألائل بعضها عن بعض، عندما يكون الأليل سائدًا كما في سمة الشعر الداكن على سبيل المثال، فيكفي وجود هذا الأليل في واحد من الكروموزومات فقط كي يرث النسل هذه الصفة. أمّا على النقيض، عندما يكون الأليل متنحيًّا كما في سمة زرقة العيون على سبيل المثال، فإنّ وراثة هذه السمة تتطلّب وجود الأليل المتنحّي في كلا الكروموزومين؛ لإنّه  في حال ظهوره مع أليل سائد ستكون الغلبة للسمة السائدة.

عندما يتشابه الأليلان اللّذان يعبّران عن سمة معيّنة يصبح بإمكاننا القول إنّ الشخص "متطابق الزيغوت" لهذه السمة، وفي حال اختلافهما نقول إنّ الشخص "متباين الزيغوت" لهذه السمة. وبما أنّنا نرث سماتنا من والدين مختلفين، نشير إلى النمط الوراثيّ الّذي يعبّر عن المادّة الموروثة بحرفين مختلفين، حيث يعبّر كلّ حرف منهما عن أليل ورثناه من أحد الوالدين. نستخدم الحروف اللاتينيّة الكبيرة للإشارة عن أليل سائد والصغيرة للإشارة عن المتنحّي. 

إذًا، وفق هذه المسمّيات والقواعد، لنفرض مثلًا أنّ ظهور النمش على الوجه هو صفة سائدة. النمط الظاهريّ في هذه الحالة سيكون ظهور النمش أو عدم ظهوره. أمّا النمط الوراثيّ لنفرض أنّه  F (أليل سائد يعبّر عن ظهور النمش) و f (أليل متنحٍّ يعبّر عن انعدام النمش).إذا كانت الألائل من كلا الوالدين سائدة، فالنمط الظاهريّ سيكون ظهور النمش على الوجه والنمط الوراثيّ سيكون FF. أمّا في حال كان الأليلان متنحّيَين (ff) فسيكون النمط الظاهريّ انعدام النمش على الوجه. أمّا في حال كون أحد الألائل سائدًا والآخر متنحّيًا فسيكون النمط الوراثيّ Ff أمّا النمط الظاهريّ فسيكون أيضًا ظهور النمش. 

قد يسأل سائل، كيف لكلّ هذا أن يساعدنا بتوقّع السمات الّتي يرثها الجيل القادم؟ وللإجابة سنأخذ هاري مثالًا، وجه أمّه ليلي كان منمّشا بعكس وجه أبيه جيمس. إذا فرضنا أنّ كليهما مطابق الزيغوت لهذه السمة فإذًا استنادًا إلى ما شرحناه مسبقًا، فإنّ نمط ليلي الوراثيّ هو FF ونمط جيمس ff، إذا ركّزنا جميع التوليفات المحتملة لنسل جيمس وليلي في جدول، سنرى أنّ النمط الوراثيّ لجميع الورثة سيكون Ff ولذا فإنّ النمط الظاهريّ سيكون ظهور النمش.

ننتقل إلى مثال آخر عن عائلة ويزلي، لنفرض أنّ مولي وآرثر ويزلي والدَي رون هم متباينا الزيغوت لسمة ظهور النمش، سينتج عن ذلك أنّ احتمال ظهور النمش على الوجه في نسلهما هو ثلاثة أرباع أو خمسة وسبعون بالمئة.

كلّ القوانين الّتي ذكرت أعلاه تنطبق على الجينات ذات الأنماط الوراثيّة البسيطة، والّتي تعرف بالوراثة المندليّة، نسبة لعالم الأحياء والراهب غريغور مندل، الّذي اكتشف هذه الأنماط عبر سلسلة طويلة من التجارب الوراثيّة الّتي أجراها على نبتة البازيلاء.

الحبكة تتعقّد

لا تتبع جميع السمات أنماط الوراثة المندليّة، فعلى سبيل المثال هنالك السمات السائدة جزئيًّا حيث تكون السمة الموروثة هي مزيج سمات الأهل. لنفرض مثلا أنّ التنّين يمتلك جينًا يحدّد قوّة قذفه للنار، ولنفرض أنّ الأليل F يعبّرعن قوّة قذف كبيرة و F' يعبّر عن قوّة ضعيفة، إذا كانت سمة قذف النار سائدة جزئيًّا، فإنّ التنين صاحب النمط الوراثيّ FF' سيكون صاحب قدرة متوسّطة على قذف النار.

نعود لعالم هاري بوتر، ولمحبوب الجماهير هاجريد، حارس الملاعب ومدرّس العناية بالمخلوقات العجيبة. كان أبوه  ساحرًا وأمّه عملاقة، ووفقًا لما ذكرنا مسبقا فنتوقّع أن يكون طوله متوسّطا بين طول الساحر (متر وسبعين سنتيمترًا) وطول العملاق ( ستة أمتار)، وبالفعل نرى أنّ طول هاجريد ثلاثة أمتار ونصف. 

هذا ليس التعقيد الوحيد المحتمل، لنتعرّف أيضًا على أنماط السيادة المشتركة، حيث تتجلّى مساهمة كلا الأليلين في النمط الظاهريّ، على سبيل المثال، إذا كان للجين الّذي يحدّد لون ذيل حوريّة البحر، أليل B والّذي يعبّر عن اللون الأزرق وأليل G والّذي يعبّر عن اللون الأخضر، ف BB سيعبّر عن ذيل أزرق، GG عن ذيل أخضر و BG وهنا التجديد، سيعبّر عن ذنب مزركش بالأخضر والأزرق.

ولزيادة الطين بلّة، هنالك أيضًا الجينات متعدّدة الألائل، لنأخذ الجين الّذي يحدّد فصيلة الدم مثالا، الألائل  الممكنة هي  A،B و O والّتي بإمكانها أن تسفر عن أربع فصائل دم مختلفة منها فصيلة AB ذات نمط السيادة المشترك. الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، هنالك أيضًا جينات ذات تأثير غير مباشر مثل الجينات المنظّمة والّتي تكون مهمّتها تنظيم الطرق الّتي تتجلّى بها جينات أخرى.

علم الوراثة في عالم السحر

إذًا بعد كلّ هذه المقدّمة، وجب علينا الآن أن نحاول تفسير قوانين الوراثة في عالم السحر. في عالم هاري بوتر، تمتلك الشخصيّات قدرات متفاوتة في السحر، هرميوني ودمبلدور، على سبيل المثال، يمتلكان قدرات سحريّة قويّة، أمّا قدرة رون تُعدّ متوسّطة، أمّا فيلتش، آذن المدرسة، فقدرته السحريّة ضعيفة ومحدودة، وللخالة بتونيا عديمة السحر لا توجد أيّة قدرات سحريّة على الإطلاق، فيلتش بذاته "سكيب" وهو شخص مولود لآباء سحرة لكنّه عديم القوى السحريّة. 

بالمجمل، هنالك قواعد أساسيّة يمكننا أن نحدّد بها أنماط الوراثة بعالم السحر: 

  • إذا كان كلا الوالدَين من السحرة، فالنسل إمّا من السحرة أو السكيب, ولا يمكن أن يكونوا عديمي القدرات السحريّة (العوامّ). 

  • إذا كان أحد الوالدين ساحرًا والآخر عديم القدرة السحريّة من العوامّ، فسيكون النسل من السحرة دائمًا. 

  • إذا كان الوالدان من العوامّ، ففي معظم الأوقات سيكون النسل من العوامّ، إلّا في حالات نادرة يكون بها النسل من السحرة، لكن من المُحال أن يكون من السكيب.

  • وراثة القدرات السحريّة، كما يبدو، لا تتعلّق بجنس الوالد الساحر، الأمر سيّان في حال كان الأب أو الأمّ من السحرة.

  • لا نعرف إذا كان السكيب صفة موروثة أم لا؛ لأنّنا لا نعرف عن التزاوج بين أفراد السكيب.

توضّح لنا هذه البنود أنّ السحر "يجري في الدم"، ولذلك لا بدّ من أن تكون له خلفيّة وراثيّة. وهذا  أمر جلل! لأنّه يفتح المجال أمام فولدمورت وأعوانه بتطوير أفكارهم العنصريّة استنادًا إلى الاختلافات الجينيّة.

لنعد لموضوعنا، بشكل عام، عندما نريد أن نعرف إذا كانت السمة موروثة أو مكتسبة من البيئة نستعمل سلاحًا قويًّا في عالم بحث الجينات، ألا وهو دراسات التبنّي (العائلة الحاضنة)، والّتي تتيح لنا أن نفحص إذا كان المتبنَّى يمتلك صفات أبويه البيولوجيّين أم أنّ صفاته نتيجة للبيئة الّتي ترعرع بها. ,والدليل، والدا هاري كانا سحرة موهوبين للغاية- كلاهما كانا مرشدَين مركزيَّين في مدرسة السحر والشعوذة هوغوورتس- هاري أيضًا طوّر بنفسه قدرات سحريّة رغم أنّه ترعرع في أحضان عائلة دريسلي، وهي البيئة الّتي من المحتمل أن نتخيّلها الأكثر كراهية للسحر. وهذا، كما يبدو، يعزّز نظريّتنا بأنّ السحر موروثًا وليس مكتسبًا من البيئة. والآن بعد أن سردنا كلّ هذه المعلومات المهمّة، لندخل لصلب الموضوع، كيف يتمّ توارث السحر؟


يمكن التعرّف على الوراثة المندليّة في السمات البسيطة كالنمش مثلًا. عائلة ويزلي.| Ekaterina_Minaeva, Shutterstock

سبعة تفسيرات محتملة لتوارث السحر

1-السحر متوارث عبر جين متنحٍّ 

إذا فرضنا أنّ الأليل الّذي يمثّل وجود القدرة السحريّة هو أليل متنحٍّ، ونظرنا إلى التزاوج بين ساحر/ة وبين شخص من العوامّ ذي قدرة سحريّة (عبر امتلاكه للأليل المتنحّي)، نرى أنّ النسل المحتمل سيكون من السحرة الهجينَين أو العوامّ، أمّا في العائلات نقيّة الدم، كآل ويزلي، مالفوي وبلاك فإنّ جميع الأفراد يمتلكون الألائل المتنحّية فقط لا غير، لذا فجميع الورثة في هذه العائلات سيكونون من السحرة. أمّا في حال السحرة أبناء العوامّ كهرميوني فإنّ كلا الوالدين من العوامّ لكنّهما متباينا الزيغوت لسمة السحر؛ ولهذا فإنّ هرميوني حصلت على كلا الأليلَين المتنحّيَين منهما.

تكمن المشكلة في هذا الطرح في الخارجين عن القاعدة، كيف بإمكان هذا الطرح تفسير وجود "السكيب" مثلًا؟ إذا كانت سمة السحر متنحّية، فالأمر يحتّم على جميع أبناء وأحفاد السحرة أن يكونوا من السحرة وهذا يبقى تفسيرًا وحيدًا لوجود السكيب وهو حدوث طفرة جينيّة تلغي القدرة السحريّة ومثل هذه الطفرة من المفروض أن تكون نادرة جدًّا.

لكن ماذا عن هاجريد أيضًا؟ أمّ هاجريد عملاقة، والعمالقة لا يمارسون السحر، لذا فهي لا تمتلك نسخة الأليل المتنحّي، وبالرغم من ذلك فقد وُلِد هاجريد ساحرًا. وكون هاجريد ساحرًا من جهة أبيه، فهذا يُلزم أن يكون السحر هو السائد.

 

2-السحر هو السائد 

"جين السحر جين سائد" هكذا صرّحت سابقًا المؤلّفة ج.ك. رولينغ بنفسها عبر موقعها. لكن لا بدّ أن نطرح سؤالًا مهمًّا في وجه هذه الإفادة، كيف نفسّر امتلاك هرميوني لقدرة السحر بالرغم من كون والديها من العوامّ؟ إذا كانت سمة السحر سائدة، فكون الشخص من العوامّ هو سمة متنحّية، وهذا يحتّم على أبناء وأحفاد العوامّ أن يكونوا من العوامّ أيضًا، ولا يُعقَل أن يكون سحرة من أبناء وأحفاد العوامّ.

هنالك إمكانيّة أخرى، وهي أنّ السحر سمة سائدة، لكن تكثر فيها الطفرات الجديدة، والّتي بإمكانها أن تتطوّر بأشكال متنوّعة-  شبيهة بمرض الورام الليفيّ العصبيّ، والّذي يظهر بشكل أورام في الجهاز العصبيّ وبقع جلديّة فاتحة اللون، وبشكل عامّ يقترن ظهوره بطفرات مستجدّة في أحد الجينَين.

3- السحر لا ينتقل بالوراثة

أذا قد تحقّق لنا أنّ السحر لا يمكن أن يكون متنحّيًا أو سائدًا، فإنّ الاستنتاج المحتمل هو أنّه  لاينتقل بالوراثة. نعود مرّة أخرى لعائلة هرميوني، عائلة دون أيّ أثر يُذكر للسحر، أبوها وأمّها  طبيبا أسنان من العوامّ, ولم يكن في العائلة أيّ ساحر أو ساحرة. وبالطبع، من المحتمل ظهور طفرة جديدة لدى أجد الوالدَين والّتي لم تكن سابقًا في السلالة العائليّة، أو أنّ الأفراد قد أخفَوا قدرتهم على ممارسة السحر خوفًا من صيد الساحرات.

4- القدرات السحريّة ناتجة عن عمل جينَين مختلفَين

إذا كان السحر سمة وراثيّة، فكيف لنا أن نفسّر كون رون ويزلي ساحرًا متوسّط القدرة؟ رغم كون جميع أفراد عائلته من السحرة؟  ألا يمكن أن يكون لقدرته ذاتها مركّب وراثيّ؟ أم إنّها نتاج البيئة؟ فنظرًا لوضع عائلته الماديّ، كلّ ما امتلكه رون هو عصا سحريّة مهمّشة تتماسك بفضل الشريط اللاصق المسحور ليس إلّا.

لذا فإنّ التفسير المحتمل هو أنّ وراثة السحر ترتكز على جينَين مختلفَين، جين يحدّد وجود أو انعدام القدرة السحريّة، وجين يحدّد قوّة هذه القدرة. إذًا لنفكّر سويًّا، إذا كان بإمكان العوامّ أن يولَد لهم طفل ساحر، فمن المفترض أنّ أليل وجود السحر متنحٍّ، وأليل انعدام السحر سائد. إذا أشرنا لجين وجود السحر ب s، وإلى جين انعدام السحر ب S، فإنّ النمط الجينيّ للسحرة سيكون ss، ونمط العوامّ الجينيّ سيكون Ss أو SS. وللشخص من العوامّ ذي نمط  SS لن يكون له نسل من السحرة بتاتًا، أمّا الشخص ذو النمط Ss بإمكان نسله أن يكون من السحرة.

أمّا فيما يخصّ قوّة القدرة السحريّة، يمكن الإشارة إلى قوّة السحر ب M (سحر قويّ)  و M' (سحر ضعيف) وللشخص ذي النمط الجينيّ MM' (قوّة سحريّة متوسّطة). وفقًا لهذا النظام فإنّ النمط الوراثيّ للسحرة البارزين كهرميوني ودمبلدولر هو ssMM، أمّا السحرة المتوسّطون، مثل رون يمتلكون النمط ss'MM، والسكيب يمتلكون النمط ss'M'M، أمّا الخالة بيتونيا والّتي أختها ساحرة فسيكون نمطها الجينيّ Ss أو SS، ولا يمكننا أن نعرف أيّ الألائل تمتلك من الجين الّذي يحدّد قوّة القدرة السحريّة.

5- القدرة السحريّة ناتجة عن جينَين مختلفَين أحدهما يتحكّم  بعمل الآخر

حسب هذا التفسير الخامس، كالتفسير السابق، فإنّ القدرة السحريّة ناتجة عن جينَين مختلفَين بينهما تفاعل. حيث يكون الجين الأوّل مسؤولًا عن وجود القدرة السحريّة أو انعدامها، ويكون الأليل المسؤول عن وجود السحر سائدًا فيه. يؤثّر جين آخر في نشاط هذا الجين والّذي من المحتمل أن يكون متنحّيًا. وفقًا لهذا الطرح، سيكون الجين الأوّل المسؤول عن ظهور القدرة غير فعّال لدى العوامّ؛ بينما لدى السحرة، سيكوّن الجين الفعّال نظامًا داخل الخليّة مسؤولًا عن ترجمة الجينات إلى بروتينات، بحيث يقوم بقراءة جين السحر وترجمته إلى بروتين.  المرشّح الأوّل  لهذه الوظيفة هو بروتين يُسمَّى هيستونًا، والهيستونات وظيفتها المساعدة في تنظيم تركيب الحمض النوويّ ونشاطه.

يمكننا تفسير وجود السكيب في هذا السياق، كناتج عن حدث آخر غير متعلّق به، بحيث يعيد الحمض النوويّ لحالة "العوام" أو شبيهة بها.  بان هنالك طفرة تحدث للحمض النووي على مستوى الهيستونات تعيده لوضع يشابه الحمض النووي للعوام. هذا النظام يمكنه أيضًا تفسير القدرات السحريّة لدى سائر المخلوقات غير البشريّة كأقزام البيت، الجوبلينز والقناطير.


إنّ التكرار الزائد لسلسلة من ثلاثة نيوكليوتيدات في تسلسل الحمض النوويّ يؤدّي إلى إنتاج بروتينات معطوبة. رسم يوضّح مسبّبات مرض هانتنغتون. | Kateryna Kon, Science Photo Library

6- القدرات السحرية ناتجة عن تسلسل وراثيّ سائد متكرّر

هل يُعقل أن يكون مصدر السحر في نهاية المطاف جينًا سائدًا؟ عالمة الأحياء أندريا كلينوتيز تفترض أنّ قدرة السحر ناتجة عن تسلسلات حمض نوويّ متكرّرة. تتكوّن الشِفرة الوراثيّة من تسلسلات لأربعة أنواع لبِنات بناء تُدعى النيوكليوتيدات. وعندما تتكرّر تسلسلات معيّنة عدّة مرّات فبإمكانها أن تؤثّر في عمل الجين.

أحد الأمثلة على هذه الظاهرة هو داء هنتنغتون- مرض وراثيّ سائد يتميّز بحركات لا إراديّة وينتج عن تكرارات كثيرة لتسلسلات ثلاثيّة "الحروف" كالـّتي ذكرناها أعلاه. إذا تراوح تكرار هذا التسلسل بين 10-26 مرّة فقط، سيكون البروتين الناتج سليمًا. لكن عندما يزيد عدد التكرارات عن هذا الحدّ فإنّ أعراض المرض تبدأ بالظهور. تكثر أعداد التكرار لهذا التسلسل من جيل إلى جيل بسبب أخطاء في النسخ، لكن طالما يبقى التكرار أقلّ من حدّ معيّن فلن تظهر أعراض المرض.

بإمكاننا الافتراض أنّ وراثة سمة السحر تتبع هذه المنظومة أيضًا، ومتعلّقة بتسلسلات متكرّرة من النيوكليوتيدات. لنفرض أنّ الجين المسؤول عن السحر يعمل فقط بعد مائة تكرار، لذا فبإمكاننا أن نجد البعض من العوامّ الّذين لديهم تسعون تكرارًا للتسلسل. هذا الأمر يتماشى مع حقيقة أنّ تكرار التسلسل لدى أهالي مرضى الهنتنغتون الّذين كانوا أصحّاء يقترب للحدّ الأقصى من المجال (33-36 تكرارًا). لذا فإنّ الوالد من العوامّ والّذي لديه، على سبيل المثال، تسعون تكرارًا، يمكنه إنجاب طفل لديه أكثر من مائة تكرار. وبهذا يكون الطفل ساحرًا. بالإضافة إلى ذلك، وحسب هذا الطرح، فإنّ العائلة الّتي لديها ابن أو حفيد ساحر، يزيد فيها احتمال ظهور قدرة السحر لدى أحفاد وأبناء آخرين. بهذا يمكننا أن نفسّر ظاهرة الأخوين كولين ودينيس كريفي، أخوَين ساحرَين لأبوَين من العوامّ.

حسب هذه النظريّة، هنالك تفسيران محتملان لوجود السكيب، إمّا أن لا يرث  السكيب الجين السائد، أو أن تظهر طفرة تقلّل عدد تكرار التسلسلات، بحيث يقلّ عددها الأجماليّ عن الحدّ الأدنى الّذي يُتيح ظهور سمة السحر.

يمكننا أيضًا أن نعزو الفروقات بقوّة القدرة السحريّة بين السحرة المختلفين إلى عدد مرّات التكرار لتسلسلات  النيوكليوتيد، كلّما كثر التكرار زادت قوّة السحر أكثر. تدعى هذه الظاهرة بالترقّب (anticipation) وتؤدّي إلى ازدياد ظهور السمة المتوارثة من جيل إلى جيل. هذا ما يحدث بمرض الهنتنغتون وفي أمراض وراثيّة أخرى: العوارض خطيرة أكثر، وجيل ظهورها مبكّر أكثر. 

إذا فرضنا أنّ القدرة على السحر تعمل بشكل مشابه، يمكننا أن نتوقّع بأنّ  قدرة النسل على ممارسة السحر ستكون في معدّلها العامّ أقوى من قدرة أسلافهم. هذا الأمر لا بدّ أن يكون مفخرة للعائلات "نقيّة الدم"! هل صدق فولدمورت؟ إنّ مشكلة هذا الطرح تكمن بأنّه لا يفسّر  سبب ندرة السحرة في العالم. هذا التفسير يدعم أيضًا فرضيّة فولدمورت وأكَلَة الموت والّتي تنصّ على أنّ قدرات "أنقياء الدم" السحريّة أقوى من قدرات "خليطي الدم"- كنية الاحتقار الّتي أُطلِقَت  على السحرة ذوي الأسلاف من العوامّ- لكنّ هذه الفرضيّة لا تتماشى مع القدرات السحريّة لبعض الشخصيّات. من يريد أن يراهن على قدرات السحر لدى كراب وجويل أنقياء الدماء مقابل هرميوني؟ أو ليلي بوتر؟ أو سنيب خليط الدم؟ 

7- تنبع قدرة السحر من ثلاثة جينات مختلفة

حسب التفسير السابع والأخير، فإنّ وراثة السحر ترتكز على ثلاثة جينات مختلقة. الجين الأوّل، جين متنحٍّ يتحكّم بالقدرة على ملاحظة الأشياء المسحورة كالدمنتورز، مدرسة هوجوورتس والأشباح. سنشير إليه بالحرف p ( من كلمة perception : إدراك)، أمّا الجين الثاني فهو جين سائد يتحكّم بالقدرة على القيام بالتعويذات السحريّة وسنشير إليه ب M (من كلمة manipulation: تغيير الواقع) والجين الثالث هو جين متنحٍّ يتحكّم بعمل الجين الثاني وسنشير إليه ب a (من كلمة activation: تفعيل). 

لنفرض أنّ الجين M يُنتج هرمونًا نسمّيه "مرلينين" والّذي يترجم أفكار الشخص ومشاعره كسحر للعالم الخارجيّ. أمّا الجين  a فيُفعِّل بروتينًا نسمّيه "تاومتوتسين" (من الكلمة اليونانيّة للسحر Θαύμα). وهذا البروتين هو ما يُفعِّل المرلينين الناتج عن الجين M. أمّا الجين p فيُنتِج مُستقبلات للمرلينين ضروريّة لعمله في الدماغ.

إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع الاحتمالات الممكنة لتوليفات هذه الجينات، وافترضنا أنّ انتشار الأليلَين المحتملَين لكلّ منها متساوٍ، فسنحصل على الجدول التالي:

التوليفات الممكنة للجينات الثلاثة AaPpMm x AaPpMm:

والآن، لنعاين الجدول لنعرف ما هو احتمال ظهور سمة السحر؟ يعني، أيّة خانة من ال 64 خانة في الجدول تعبّر عن مولود ساحر. 

يتبيّن لنا أنّ ثلاث خانات فقط في الجدول تعبّر عن سحرة (باللون الأزرق الغامق) وخانة واحدة فقط تعبّر عن السكيب (باللون البنفسجيّ). أمّا الباقي فهم من العوامّ أو نماذج وراثة غريبة وغير محتملة كمن يمتلكون قدرة سحريّة ولا يستطيعون إدراك الأمورالسحريّة ورؤيتها.

 

الانتشار النسبيّ لكلّ من النماذج الوراثيّة

إذًا، كيف ل 3/64 من الولادات أن تكون ولادة سحرة؟ من المحتمل أنّ السحر يعرّض حامل جيناته لأمراض لا يُصاب بها العوامّ، ما يقلّل من نسب ولادتهم. في سالف الأزمان لم يكن للسحرة أيّة  أفضليّة تطوّريّة، فلم يمتلكوا عصيّ السحر، مكانسهم الطائرة، أو وصفاتهم السحريّة، لكن ظهرت بينهم أمراض لم ينجُ منها جميع السحرة. لذا وفقًا للعلماء الّذين صاغوا هذه النظريّة، فإنّ نسبة السحرة لا تتعدّى ال 1/512أو أقلّ.

بالفعل 3/64 من حالات الحمل، هي حالات حمل بسحرة، لكن 23/24 من هذه الحالات تنتهي بموت الجنين بسبب مضاعفات تؤدّي للإجهاض أو مرض سحريّ يودي بحياة الجنين ولا يضرّ الأمّ. إذًا فقط 1/24 من الأجنّة السحرة يبقَوا على قيد الحياة ليولدوا سحرة.

علميًّا، يتساوى احتمال كون السحر سمة سائدة واحتمال كونه سمة متنحّية، لكن بالرغم من ذلك، فإنّ على مستوى التقاليد الثقافيّة في عالم السحرة يطغى الاحتمال الأوّل. ويبرز ذلك عبر تزمّت فولدمورت وأتباعه في فكرة "نقاء الدم"، ففي حال كان السحر سمة سائدة، كما يشيع الاعتقاد بعالم السحر، فإنّ "تلويث" الشحنة الوراثيّة بجينات العوامّ المتنحّية كفيل بتعريض سلالة السحر لخطر الانقراض وخلق وباء السكيب. 

وعلى النقيض التامّ لما سبق، إذا كان السحر سمة متنحّية، فكلّ هذا الهلع ليس مبرّرًا. فكلّ ساحر أو ساحرة يتزوّج من ساحر أو ساحرة بغضّ النظر إن كانوا أنقياء أو خليطي الدم أو أبناء العوامّ، فهما قطعًا يحملان زوجًا من الجينات المتنحّية لسمة السحر وهذا يحتّم على نسلهم أن يكونوا من السحرة أيضًا. ومن الواضح بالطبع، إذا ما كانت ادّعاءات فولدمورت وأكَلَة الموت صادقة من ناحية وراثيّة، فلا يوجد أيّ مبرر لأعمالهم. فإنّ قتل العوامّ لا يخدم هدف حفاظ وبقاء عالم السحر، والمواقف المعادية لهم هي عنصرية وغير أخلاقيّة. كلّ إنسان عاقل سيدّعي أنّ "نقاء الدم" ليس حجّة كافية للقتل.

 

0 تعليقات