ترتيب السرير صباحًا - مهمّة قد تمنح البعض منّا شعورًا بالرضا، وقد تكون مهمّة شاقّة ومزعجة للآخرين. إلى جانب منطق الحصول على غرفة مرتبة، من خلال إضاعة وقت ثمين في بداية اليوم، هل هناك إيجابيّات وسلبيّات إضافيّة لهذه العادة؟
نستيقظ صباحًا، وما زلنا مشوّشين بسبب النوم، نغسل وجوهنا، نتبوّل، وربّما نستحمّ، نستلقي، نشرب فنجانًا من القهوة... كلٌ منا له روتينه (Routine) الصباحيّ الخاصّ. في وقتٍ ما خلال فترة الاستيقاظ والتحضير الصباحيّة، يولّي بعضنا اهتمامًا خاصًّا للسرير وترتيبه قبل مغادرة المنزل.
لا يعتبر ترتيب السرير ذا أولويّة في قائمة المهام الصباحيّة لدى الجميع. سرير مقلوب | تصوير: TKGGP, Shutterstock
ترتيب السرير، مع وضدّ
أفادت المؤسّسة الوطنيّة الأمريكيّة للنوم (NSF) في استطلاع نشرته عام 2011 أنَّ حوالي 70 في المائة من الناس يُرتّبون فراشهم يوميًّا تقريبًا. ووجدت الدراسة ذاتها أيضًا، أنّه من بين الأشخاص الذين يرتّبون فراشهم كلّ صباح، هناك نسبة أعلى بكثير من الأشخاص الذين يفيدون أنّهم ينامون جيّدًا مقارنةً ببقيّة الناس. لا تزال العلاقة بين ترتيب السرير والنّوم الجيّد ليلًا غير واضحة. من المحتمل أنَّ ترتيب السرير جعلهم ينامون بشكلٍ أفضل، أو ربّما كان النوم الجيّد في الليل قد منحهم شعورًا في النشاظ وكان محفزًا لترتيب السرير صباحًا. في الواقع، مما لا نقاش فيه ومن الأمور المثبتة من خلال العديد من الدراسات المنشورة سابقًا، أنَّ النوم الجيّد ليلاً مهم.
هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير سبب حاجتنا إلى النّوم، لكن لا يوجد حتى اليوم تفسير متّفق عليه من جميع الباحثين في هذا الصدد. في الواقع، من المعروف أنَّ هناك علاقة بين قلّة النوم وتطوّر الأمراض المزمنة، كالسّكّريّ من النمط الثاني، ارتفاع ضغط الدم والتصلّب العصيديّ للشرايين، فرط الوزن (السمنة) والاكتئاب. غالبًا ما تنصح الكتب الشعبيّة ومقالات "نمط الحياة" بترتيب السرير في بداية اليوم، لتعزيز الشعور بالرضا لأنّنا قمنا بمهمّة ما، وهو شعور سيستمرّ في مرافقتنا في طريقنا إلى المهمّة التالية. حتّى اليوم لا يوجد بحث علميّ مثبت يدعم هذا التصوّر، لأنّه ببساطة لم تقام دراسات حول هذا الموضوع كذلك. لكن يميل عموم الناس إلى اعتبار ترتيب السرير إجراءً بسيطًا وقصيرًا ذا فائدة كبيرة وليس له ثمنًا ملموسًا.
قراديّة صغيرة تتغذّى على خلايا جلد إنسان ميّتة، ساكن متخفٍّ في المنزل والسرير. عثّ الغبار المنزليّ | Steve Gschmeissner, Science Photo Library
نعرض أمامكم: عثّ غبار المنزل
دعونا نضع جانبًا للحظة الآثار الإيجابيّة المحتملة لترتيب السرير على نظامنا اليوميّ وإحساسنا النفسيّ بالرضا، ولنتعرف على مخلوق صغير الحجم يسمّى عثّ الغبار المنزليّ. وهي قراديّة صغيرة يبلغ طولها حوالي نصف ميليمترًا، وهو أحد أقارب عائلة العناكب، التي تعيش في مناطق رطبة ودافئة داخل المنازل. تثير إفرازات العثّ ردّ فعل تحسّسي لدى الأشخاص الذين يعانون من الحساسيّة أو الرَّبو. يتغذّى العثّ على خلايا الجلد الميّتة للإنسان، لذلك فإنّ سريرنا يُعتبر في هذه الحالة موطنًا فاخرًا لها.
أثناء الليل، تحت البطانيات، نحن نتنفّس ونتعرّق وننتج الرطوبة. عندما نقوم بترتيب السرير في الصباح، قد يبدو ذلك جيّد المظهر، لكنّه في هذه الحالة يحتفظ أيضًا برطوبة الملاءات ومراتب الأَسِرَّة. من ناحية أخرى، عندما نترك السرير غير مرتب ونُبقي على الفراش مقلوبًا، فإنّنا في الواقع نقوم بتهويته ونجفّف الرطوبة التي تراكمت فيه أثناء الليل - بالتالي نمنع العثّ من الانتعاش والازدهار في سريرنا.
لإلحاق الضرر بمجموعة العثيّات، يجب أن تكون الرطوبة النسبيّة أقلّ من 50 في المائة. في إسرائيل، تكون الرطوبة النسبيّة أعلى في معظم المناطق خلال غالبيّة أيّام السنة. أي أنَّ العث لا يحتاج إلى فراش رطب على الإطلاق للبقاء على قيد الحياة، وربّما لن يساعد السرير غير المرتّب في تجفيفه. في المقابل، في المناطق الصحراويّة أو المرتفعات، أو في الأيّام الجافة، يمكن أن تصل الرطوبة في الهواء بالفعل إلى النطاق اللازم لتجفيف العثّ.
تصف بيانات معدّلات الرطوبة النسبيّة الوضع خارج المنزل. يمكن أن يكون الوضع مختلفًا تمامًا داخل المنزل - فمن ناحية، يدور الحديث عن مكان مغلق ومظلّل، ومن ناحية أخرى، فإنَّ تشغيل مكيّف الهواء يقوم بتجفيف الهواء. لذلك من الصعب جدًّا تحديد وحساب تأثير ترتيب الأسِرَّة في الظروف المنزليّة، ولا نعرف إلى أيّ مدى يساهم السرير غير المرتّب في تقليل تجمّعات العثّ في كلّ منزل. هناك أيضًا حالات أخرى يمكن أنّ تؤثّر على العثيّات، كدرجة الحرارة (يزدهر العثّ في نطاق درجات حرارة ما بين 15 - 30 درجة مئويّة).
إذًا، بقينا أمام نفس المعضلة:
هل يجب أن نرتّب السرير والاستمتاع بالتأثير النفسي الّذي قد ينتج عن مشاعر الرضا وبدء اليوم بإيجابية، لكن في نفس الوقت، ربما قد يؤدّي إلى زيادة فرص الإصابة بالحساسيّة؟ أو أن نترك فراشنا مقلوبًا غير مرتب، والتخلّي عن الشعور بالرضا، مع معرفتنا أنّنا ربّما قد قلّلنا من أعداد العثيّات في فراشنا؟
ماذا كنتم تختارون؟