يفضّلُ إبقاءُ شباكٍ أو بابٍ مفتوحٍ قليلًا ونحن نائمين، خاصّةً إذا تركنا مدفأةً شغّالةً في المنزل

تتأرجحُ حالةُ الطقسِ في بلادنا بين صيفٍٍ حارٍّ مصحوبٍ برطوبةٍ عاليةٍ في السهلِ الساحليّ خاصّةً وبين الشتاء البارد. اعتادَ معظمُ الناسِ استخدامَ المُكَيّفِ في كلا الموسمين واستخدامَ وسائل تدفئةٍ إضافيةٍ في الشتاء، مثل أفرانِ التدفئةِ والمدافئِ الأخرى. قد تعلو درجةُ الحرارةِ في الخارجِ في الصيفِ المتوهجِ عن 30 درجة سلسيوس الأمرُ الذي يجعلُ الكثيرين يُبقون على المُكيفاتِ شغّالةً حتّى في ساعاتِ الليلِ لتبريدِ المنزل. كما نُشَغّلُ المُكيّفَ في الشتاءِ لتدفئة الغرف. نُغلق الشبابيكَ في كلتا الحالتين لئلّا تتسربُ الحرارةُ أو البرودةُ من داخلِ المنزلِ إلى الخارج، كما ونغلقُ بابَ الغرفةِ أحيانًا لضمانِ بقاءِ الغرفةِ باردةً في الصّيفِ ودافئةً في الشتاء.

من الواضحِ أنّ إبقاءَ الشبابيكِ والأبوابِ مغلقةً يؤدي إلى إعاقةِ تهوئةِ فضاءِ المنزلِ وخاصةً غرف النوم. لا تقومُ معظمُ وسائلِ التّدفئةِ والتّبريد، بما فيها المكيفات، بتجديدِ الهواءِ داخل الغرفةِ وإنما تَستخدمُ الهواءَ الموجودَ فيها. فإذا لم نفتح الشبابيك لن يتبدّلَ هواءُ الغرفة. ما هو مدى تأثير تهوئةِ  الغرفةِ أو عدم تهوئتها على صحتِنا؟ هل ممكن أن يكونَ النومُ في غرفةٍ غير مُهوّأةٍ عبارةٌ عن مُخاطرة؟

ملجأ بيتي في نهاريا خلال حرب لبنان الثانية | تصوير: ChameleonsEye, Shutterstock
غالبية الناس لا ينامون في غرفةٍ مًقفلةٍ بإحكامٍ حقًّا. ملجأ بيتي في نهاريا خلال حرب لبنان الثانية | تصوير: ChameleonsEye, Shutterstock

الانخفاض بمستوى الأكسجين

تتكوّن عمليةُ التنفسِ من الشهيقِ والزّفير. نُدخل الأكسجينَ إلى الجسمِ في الشهيقِ ويتبدّلُ جزءٌ من الأكسجين الّذي نستنشقه بثاني أكسيد الكربون. تزدادُ كمّةُ ثاني أكسيد الكربون داخلَ الغرفةِ وتقلُّ كمّيّةُ الأكسجين تدريجيًّا خلالَ النوم. 

يصل مُعدّلُ ما يستهلكه الشخصُ العادي، في حالةِ الرّاحة، من الأكسجين إلى 300 مليلتر في الدّقيقة، فيكون بذلك مجملُ ما يتنفّسه الشّخصُ النّائم ُخلال ثمانية ساعات 144 لترًا من الأكسجين. يُشكّلُ الأكسجين 21 بالمئة من الهواء الذي نتنفسه فيكون حجمُ الأكسجين الموجود في غرفةٍ سِعتُها 21 مترًا مُكَعّبًا هو 4410 لترًا. يؤدّي نوم شخصٍ واحدٍ لمدة ثمان ساعات داخل غرفةٍ كهذه مقفلةٍ بإحكامٍ تامٍّ إلى انخفاض تركيز الأكسجين فيها إلى 20.3 بالمئة. ويؤدي نوم شخصين معًا لمدّة ثمان ساعات إلى انخفاض تركيز الأكسجين إلى 19.7 بالمئة. لا تزالُ هذه التراكيز من الأكسجين في عِداد التراكيز المضبوطة. 

الحدُّ الأدنى من تركيز الأكسجين الّذي يُعتبر آمنًا للإنسان هو 19.5 بالمئة، وقد يُشَكّلُ تدنّي التركيز إلى ما دون هذه النسبةِ خطرًا صحيًّا يتجلّى في ارتفاع وتيرة التّنفّس ونبضات القلب وفقدان التّوازن ومشاكل في التّركيز. من الممكن أن تحصلَ حالةٌ كهذه عند ازدياد عدد الماكثين وانخفاض حجم فضاء المكان فتقلّ المدّة الزّمنيّة الّتي ينخفض فيها تركيز الأكسجين إلى مستوى الخطر. 

يمكن لهذا السّيناريو أن يحدث في حالة متطرّفةٍ تكون فيها الغرفة مقفلةً بإحكامٍ تامّ. يتبدّلُ الهواء ولو بشكلٍ جزئيٍّ في غرفِ النومِ العاديةِ وحتّى في غرفِ المكاتبِ المُكتظّةِ، وذلك من خلال الفضاء القائم بين باب الغرفة وبين المصطبة أو من خلال شقٍّ ما في الشُباّك. يوصى، مع ذلك، إبقاء شُبّاكٍ أو بابٍ مفتوحًا ولو قليلًا خلال الليل وذلك لإتاحةِ المجال لتبديلِ هواءِ الغرفة.  

علينا أن نذكرَ في هذه المناسبة أنّه لا توجد أيةُ مشكلةٍ في النوم في الغرفة المغلقة الّتي تحتوي على النّباتات الّتي تساهم في إثراء الهواء بالأكسجين.

يكفي تركُ شبّاك الحمّام أو المرحاض مفتوحًا بعض الشّيء.| تصوير: Arak Pannoi, Shutterstock
لا حاجة للتجمُّد. يكفي تركُ شبّاك الحمّام أو المرحاض مفتوحًا بعض الشّيء.| تصوير: Arak Pannoi, Shutterstock

ارتفاع في مستوى ثاني أكسيد الكربون

نقوم بإنتاج الطّاقة في عملية التنفُّسِ الخلويّ بواسطةِ الأكسجين لذا فهو ضرورةٌ حياتيّة. ينطلق ثاني أكسيد الكربون في عمليّة الزّفير كناتج مُرافقٍ في هذه العمليّة. تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ للكرة الأرضيّة هو أقلّ من تركيز الأكسجين بشكلٍ ملحوظ، ويُقاس هذا التركيز بوحدات الجزء من المليون (Parts Per Melion= PPM)، أي عدد الجزيئات من كُلِّ مليونٍ من الجسيماتِ الأخرى الموجودةِ في الهواء. يقارب مُعدّلُ تركيزِ ثاني أكسيد الكربون في الهواءِ 400 جُسيمًا في كلِّ مليون من الجسيمات. التّركيز الأعلى لثاني أكسيد الكربون الّذي يُعتبر مُناسِبًا للتّنفس هو 1500 جزءًا من مليون؛ لكن يوصى بألّا يزيدَ التّركيز عن حدّ الـ 1000 جزءٍ من المليون.

ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون خلال نوم شخصٍ في غرفةٍ مغلقة. تُمَثّلُ الألوان مستوياتٍ مُختلفةً من التهوئة، بدءًا بغرفة غير مُهوأةٍ بتاتًا (اللون الأحمر) وانتهاءً بوتيرة تهوئةٍ مقدارها 10 لتر في الثانية (اللون الأزرق سماوي) | المصدر: Batog & Badura, Science Direct
ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون خلال نوم شخصٍ في غرفةٍ مغلقة. تُمَثّلُ الألوان مستوياتٍ مُختلفةً من التهوئة، بدءًا بغرفة غير مُهوأةٍ بتاتًا (اللون الأحمر) وانتهاءً بوتيرة تهوئةٍ مقدارها 10 لتر في الثانية (اللون الأزرق سماوي) | المصدر: Batog & Badura, Science Direct

يتضّحُ من الحساب البسيط أنَّ تركيزَ ثاني أكسيد الكربون سيرتفعُ خلالَ ثماني ساعاتٍ من نومِ شخصٍ واحد في ذاتِ الغرفةِ غير المُهوّئةِ التي سِعتها 21 مترًا مُكعبًا من 400 إلى 5000 جزءٍ من المليون. يتبيّنُ أنّ مستوى تركيز ثنائي أكسيد الكربون الذي يتراوح ما بين 500 وَ 5000 جزءٍ من المليون قد يُؤدّي إلى تغيّراتٍ في ضغط الدّم ووتيرة التنفّس ونبضات القلب. كما قد يحصلُ انخفاضٌ في القدرةِ على معالجة المعلومات ومشاكلُ في الذّاكرةِ وإعياءٌ وتعب. تنتشر مثل هذه الأعراض في المكاتب بشكلٍ خاصّ مثل مُتلازمة البناء المريض وذلك عندَ تواجد الكثير من العُمّال في فضاءٍ غير مُهوّأٍ كما يجب. 

قد يؤدي تعدّي تركيز ثاني أكسيد الكربون حاجز الـ 50 ألف جزءٍ من المليون إلى الصَّداع والدُّوار والشعور بالارتباك وصعوبة التنفس. إذا زاد التركيز عن 100000 جزءٍ من مليون من المتوقع فقدان الوعي وحتّى الموت. قد تتراكم مثل هذه التراكيز العالية من ثاني أكسيد الكربون في الفضاءات الّتي يتوجّب أن تبقى محكمةَ الإقفال لمُدّةٍ طويلةٍ ومتواصلة مثل الغوّاصات والمركبات الفضائيّة. تتجهّز هذه المركبات بمنظوماتٍ تقوم بتصفيةِ فائضِ ثاني أكسيدِ الكربون في الهواء وذلك لتجنّبِ تكدُّسِه فيه.

رجل الفضاء دون بتيت في محطةِ الفضاء الدُّوليةِ وممصفاةٍ ثاني أكسيد الكربون. | تصوير: NASA
قد يُشكّلُ التركيز العالي من ثاني أكسيدِ الكربون خطرًا حقيقيًّا. رجل الفضاء دون بتيت في محطةِ الفضاء الدُّوليةِ وممصفاةٍ ثاني أكسيد الكربون. | تصوير: NASA

درجة حرارة باردة ولطيفة في الغرفة 
النوم والشَّبّاكُ مفتوحٌ خلال الأشهر الانتقاليةِ بين المواسم من شأنه أن يؤدّيَ إلى انخفاض درجة حرارة الغرفة ويتيحَ دخولَ نسيمٍ لطيف. تشيرُ الدِّراسات إلى أنَّ النّومَ في غرفةٍ باردةٍ هي أفضلُ وهادئةً أكثرُ. تشيرُ باحثةُ البيئةِ نتالي دوطوفيتش (Dautovich) من الصندوق القومي للنوم في الولايات المتحدّة إلى أنَّه "يمكنُ للهواءِ النّقي أن يعملَ على تبريدِ الغرفةِ، ونحنُ نعلمُ أنَّ كونَ بيئةِ النومِ باردةً هو المفتاح لنومٍ ليليٍّ جيّد"

التّسمّم من أوّل أكسيد الكربون

ينتج أوّل أكسيد الكربون عادةً، بخلاف ثاني أكسيد الكربون الّذي يُنتجه الشّخص ويزفرُه في عمليّة التنفّس، من حرق المُركّباتِ العضويّة. إنه غازٌ شفّافٌ عديمُ الرائحة وتصعبُ مُلاحظة وجوده في الهواء وارتفاع تركيزه ووصوله إلى المُستوى الخَطِر. 

يرتفع تركيز أوّل أكسيد الكربون الّذي ينتج في عمليات الاحتراق عند إشعال النار في حيّزٍ مُغلق - مثلًا عند التّدخين داخل المنزل أو عند تدفئة المنزل بواسطة المَوقِد أو عند تشغيل الأجهزة الكهربائيّة مثل أفران التّدفئة أو أفران الطّبيخ. تحدث غالبية حالات التّسمُّم من غاز أوّل أكسيد الكربون في المحيط المنزليّ، وينجم ما يقارب نصفَ هذه الحالات عن استخدام أجهزة النّدفئة المنزليّة.

يؤدّي استنشاق أوّل أكسيد الكربون إلى اختلال وصول الأكسجين إلى خلايا الجسم. ينتقل جزيء أوّل أكسيد الكربون الذي يستنشقه شخصٌ ما من الرئتين إلى الدمّ، حيث يرتبط بالهيموغلوبين في خلايا الدّم الحمراء، والّذي يقوم بوظيفة نقلِ الأكسجين من الرّئتين إلى سائرِ خلايا الجسم. أُلفةُ أوّل أكسيد الكربون مع الهيموغلوبين أكبر من أُلفة الأكسجين؛ بحيث يحتلُّ أوّل أكسيد الكربون مكان الأكسجين إذ يرتبط الأوّل بالهيموغلوبين بدلًا من الأكسجين. لذلك يُؤدّي التعرُّض للتركيز العالي من أوّل أكسيد الكربون إلى تقليل كميةِ الأكسجين الّتي تصلُ إلى خلايا الجسم.

حيث لا رائحة ولا لون ولا طعم لأوّل أكسيد الكربون؛ فأعراضه هي الوسيلة الرّئيسيّةِ للتّحقق من ارتفاع تركيزه. يُؤدّي التّركيز المنخفض من أحادي أكسيد الكربون إلى ظهور أعراضٍ شبيهةٍ بأعراض نزلات البرد؛ ممّا يجعلنا نعاني من الصُّداع ومن ضيقِ التنفُّس والمُخاط والدّوار والإعياء. أمّا التركيز العالي، الّذي يتكوّنُ خلال نشوب الحرائق مثلًا، فقد يؤدّي إلى حصول تسمَّمٍ بغاز أوّل أكسيد الكربون والّذي قد تبلغُ أعراضُهُ فقدانَ الوعيِ والاختناقِ والموت.

تحدثُ غالبية حالات التسمّم عندما يتعرضُ شخصٌ ما إلى مستوياتٍ عاليةٍ جدًّا من أول أكسيد الكربون في دفعةٍ واحدة. على الرّغم من ذلك؛ قد يشعرُ، الشخصُ الّذي يتعرّض إلى مستوياتٍ منخفضةٍ من أوّل أكسيد الكربون لمُدّةٍ طويلةٍ ومتواصلةٍ بأعراض التسمُّم.

يوصى بإبقاء شُبّاكٍ مفتوحٍ عند تشغيل المِدفأةِ وذلك لإقصاء الغاز الخطِر ومنع تراكمه في المنزل. أهمّ ما يتوجبُ فعلُه في حالةِ الشكّ بحدوث التسمّم من الغاز هو الخروج من البيت وتنفس الهواء النقي؛ من أجل رفع كمية وتركيز الأكسجين الّذي يدخلُ إلى الجسم. في الحالات الّتي تتعرّض فيها حياةُ شخصٍ ما للخطر إثرَ تراكمِ كميةٍ عاليةٍ جدًّا من غاز أول أكسيد الكربون في جسمه، يُدخلُ هذا الشخص إلى خلية ضغط يكون الضّغطُ فيها ضعفَيْ إلى ثلاثة أضعاف الضّغطِ الجوّي العادي ويكون هواؤها غنيًّا بالأكسجين. يرتفعُ تركيزُ الأكسجين في الجسمِ نتيجةً لذلك.

ولدٌ يرقدُ للنوم أمام الموقد. | تصوير: Pressmaster, Shutterstock
من المهم للغاية فتحُ الشُّبّاك خاصةُ عند النوم والنارُ مُشعَلةً داخل المنزل. ولدٌ يرقدُ للنوم أمام الموقد. | تصوير: Pressmaster, Shutterstock

سلبيّات الشُّباكِ المفتوح

كما هناك سلبياتٌ لإبقاء شُبّاكٍ مفتوحٍ في الشّتاء. صحيحٌ أنَّ البردَ، بخلاف الاعتقاد السائدِ، لا يزيدُ من احتمال الإصابةِ بنزلةِ برد؛ لكنّه قد يؤدّي إلى سيلان السّوائلِ من الأنف. بالإضافة، قد يُؤدّي تعرّضُ بعضٍ من مرضى الرّبو للهواء الجافّ في فصل الشّتاء إلى إحداث إثارةٍ تؤدّي إلى تفاقمِ أعراض الرّبو. من هُنا يُوصى بعدم فتح الشّبابيك إذا لاحظنا تفاقمًا في أعراض المرض في ليالي الشتاء.

السلبيّة الأخرى للنّوم والشّباك مفتوح هي دخول مُلوّثاتٍ من الخارج قد تُثير الحساسيّةَ، كما يؤدّي الهواء إلى تبعثر غبار المنزل في أرجاء الغرفة. قد تنجم ردود فعلٍ لدى من هو حسّاسٌ للغبار أو لإفرازات عثّ (أو سوسة) غبار البيت مثل الاحتقان في الأنف والانتفاخات وصعوبةٍ في التّنفس. كما قد تُؤدّي الضّوضاءُ القادمةُ من الخارج مثل حركةِ السيّارات أو حتّى زقزقة العصافير إلى المسِّ بجودةِ النّومِ والشعورِ بالإعياء والتعبِ وقِلّةِ التّركيز خلال النّهار.

إذًا ما هو الأفضل؟ يوصى صحّيًّا، بإبقاءِ شُبّاكٍ مفتوحٍ طوال الليل إذا لم يكن هناك ثمّةُ سببٍ مُبرّرٍ للعمل على خلاف ذلك. يكفي فتحُ الشباك فتحةً صغيرةٍ؛  لضمان تبدّلِ الهواء في الغرفة. يتضحُ أنَّ وجود مجرى للهواء يضمنُ نومًا حسنًا وهادئًا. إذا لم تتمكّنوا من تهوئة غرفة النوم خلال الليل، بإمكانكم فتحُ شُبّاكٍ في غرفةٍ أخرى من غرف البيت - في المطبخِ مثلًٍا أو في الحمّام مع إبقاء بابه مفتوحًا. كما يوصى بتهوئةِ الغرف جيّدٍا خلال النّهار وذلك لإتاحةِ المجال لدخول الهواءِ النقيّ.

التدقيق اللغويّ:إسراء زعبي
التحرير العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات