كانَ من الضروري ملاءمةَ العشبِ الأخضرِ في الاستاداتِ التي تُقامُ عليها ألعابُ كأسِ العالمِ في كُرةِ القدمِ في قطر لظروفِ الصحراءِ القاسيةِ

يتنافس في مباريات مونديال 2022م في قَطَر أفضلُ 32 منتخبًا في العالم على الفوزِ بكأسِ العالم في لعبةِ كرةِ القدم، الرياضةِ الأكثرَ شعبيَّةً من بين أنواعِ الرّياضةِ في العالم. ألعابُ المونديالِ هي أكثرُ الأحداثِ الرّياضيّة مُشاهدةً على نطاقٍ عالمي. قدّرَ المسؤولون في الفيفا، التنظيمُ الأعلى الذي يجمعُ ويُوحِّدُ مجالَ كرةِ القدمِ في العالمِ كلِّه، أنّ 3.6 مليار شخص شاهدوا المبارةِ النّهائيّةِ التي أقيمت ضمن ألعابِ المونديال الأخير الذي أجريَ في روسيا، عددٌ يفوقُ نصفَ سُكّان العالم سنة 2018 واالذين تزيدُ أعمارهم عن أربعةِ أعوام. لذلك، يهتمُّ منظّمو الألعاب كثيرًا في الصورةِ التي تظهرُ فيها الألعابُ وفي أرضيّةِ العشبِ الأخضر بأن تكونَ جذّابةً ومثاليةً للاعبين. يتمُّ اختيارُ العُشبِ الأخضر المثاليّ بعنايةٍ فائقة. يحتلُّ العُشبُ الأخضر، الذي قد يبدو مُكوِّنًا ثانويًّا لمن ينظرُ من الجانب، مكانةً هامّةً تفي بمعاييرَ كثيرةٍ لدى منظّمي المبارياتِ. المعيارُ الأهمُّ هو أن يكونَ مُسطّحُ العشبِ الأخضرِ آمنًا للاعبين. قد يؤدّي المُسطّحُ غيرُ المناسبِ إلى إصاباتٍ كثيرةٍ تفوقُ الإصاباتِ الشّائعةِ في الرّياضةِ التّنافسيّة على أنواعِها. يجبُ أن يتحمّلَ مُسطّحُ العشبِ الأخضرِ أيضًا ضغوطَ استخدامهِ المُكَثَّفِ وأن يُحافظَ على مظهرِه الجذّابِ مُدّةً طويلة. من هنا، فإنَّ التّحدّي الأكبرُ هو إعدادُ غطاءٍ عُشبيٍّ متكاثفٍ قادرٍ على استعادةِ رونقِه بسرعةٍ بعد تلفِه البالغِ والمتكررِ في أعقابِ استخدامِهِ في المباريات. 

נזקי גדש במשחק ליגה בגרמניה | צילום: Vitalii Vitleo, Shutterstock
يجبُّ أن يتحمّلَ العشبُ الأخضرُ الأضرارَ التي تلحقُ به خلال الألعابِ وان يستعيدَ عافيتَه بسرعة. في الصورة: أضرارُ الكدسِ في لعبةٍ في الدّوري الألماني | تصوير: Vitalii Vitleo, Shutterstock
 

خواص أرضيّةِ ملاعبِ العشبِ الأخضر

تعتبرُ خصائصُ التربةِ حاسمةً عندَ اختيارِ العشب وتحديدِ كيفيةِ معالجةِ مُسَطّحِه. تُؤثِّرُ خواصُّ تُربةِ أرضيّةِ مُسطّحِ العشبِ الأخضرِ في نهايةِ الأمرِ في كمّيّةِ الماءِ والهواءِ والموادِّ المُغذِّية المتوفّرةِ للنبات. التُّربةُ المُثلى لتنميةِ النباتات هي التُّربةُ المُتكتِّلةُ ذاتُ النتوءات (بخلاف رملِ البحر، على سبيل المثال) التي تتيحُ انسيابَ الهواءِ والماءِ داخلها. تتكتّلُ النتوءاتُ التي تفصلُ فراغاتٌ فيما بينها في هذا النوعِ من التربةِ بفضلِ الترابطِ بين المعادنِ وبين المادةِ العضويّةِ الموجودةِ فيها. تُوفّرُ هذه التُّربةُ بذلك وُسعاتٍ لنموِّ الجذورِ وتكفلُ تزويدَ الماءِ والهواءِ وتضمنُ تصريفَ المياه الفائضةِ جيّدًا. 

تُؤثِّرُ أساليبُ العلاجِ كالرّيِّ وقصِّ العشبِ وتسميدِهِ هي الأخرى في نموِّ النبات، الأمرُ الذي يستوجبُ ملاءمةَ طرقِ علاجِ العشبِ الأخضرِ لخواصِّ الّنوعيةِ التي يتمُّ اختيارُها والأكثر مناسبةً للتربةِ. تميلُ التربةُ ذات القوامِ الخشنِ، أي التي تحوي جسيماتٍ كبيرةٍ، مثلًا، إلى الجفافِ بسرعةٍ وتفقد المُغذّياتِ مع مرورِ الوقت، ولذلك تجب زيادةُ سَقيِها وتسميدُها. أمّا التُّربةُ ذات القوامِ الرّقيق، التي تحوي جسيماتٍ صغيرة، فتخزِنُ الموادَّ الغذائيّةَ والماءَ وتحتفظُ بها مُدّةً طويلةً وتجفُّ بوتيرةٍ بطيئة، ولذلك يقلُّ سَقيُها. 

علينا أن نتذكّرَ أنَّ لِما نقومُ به من عمليّاتٍ توجدُ آثارٌ على التُّربةِ فقد ينهارُ قوامُها، أي كيفيّةُ انتظامِ الجُسيماتِ وتكتُّلِها، في أعقابِ استخدامِها المُكثّفِ والمُتكرّر. لذلك، يُفضّلُ إجراءُ فحوصاتٍ على التُّربةِ في المختبر قبلَ اختيارِ نوعِ العُشب. يتمُّ تقييمُ خواصِّ التُّربةِ في هذه الفحوصات وتُبنى خُطّةٌ لتحسينِها بواسطةِ التّسميد وزرعِ العشبِ وذلك بالاعتمادِ على هذه الخواص.لا ينتهي التعاملُ مع التُّربةِ ههنا. تجب مواصلةُ إجراءِ الفحوصاتِ المخبريّةِ لعدّةِ سنواتٍ بعدَ الزّرعِ من أجلِ الحفاظِ على المُسطّح. 

يجبُ الاهتمام، إلى جانبِ الاهتمامِ بخواصِّ التربةِ ذاتِها، بتوجيهِ فائضِ الماءِ نحوَ التصريف وذلك لتجنُّبِ تكوّنِ الرطوبةِ في الملعب. تزيدُ المياهُ الفائضةُ من انضغاطِ التُّربةِ فيُعاقُ وصولُ كمّياتٍ كافيةٍ من الهواءِ إلى جذورِ العشبِ الأخضر. يمكنُ رفعُ المُسطّحِ وتكوينُ منحدرٍ خفيف لتجنُّبِ انضغاطِ التربةِ بسبب تجمُّعِ المياه. يؤثّرُ ميلُ مثلِ هذا المنحدرِ كثيرًا على جودةِ العشبِ الأخضر ويكادُ الشخصُ لا يشعرُ بوجودِه، كما أنه لا يؤثّرُ على اللّعبةِ بتاتًا.

אצטדיון כדורגל | הדמיה: Krivosheev Vitaly, Shutterstock
مفتاحُ نجاحِ العشبِ الأخضر: التربةُ المناسبةُ من حيث ظروفِ النموّ وتصريفِ المياه. في الصورة: استاد كرة القدم | المحاكاة: Krivosheev Vitaly, Shutterstock
 

الجغرافية

تقعُ دولةُ قطر في شمالِ شرقِ شبهِ الجزيرةِ العربيّة. تستضيفُ مدينةُ الدّوحةِ، العاصمة، المونديالَ القريبَ سويّةً مع مدنِ الخور ولوسيل والريّان والوكرة. تُقامُ الألعابُ في ثمانيةِ ملاعبَ مختلفة في المدنِ الخمسة.

غالبيةُ تربةِ أراضي قطر هي الجيريّةُ الكلسيّةُ الشّائعةُ في المناطقِ الجافّة. يفتقرُ هذا النّوعُ من التُّربةِ عادةً للموادِّ العضويّةِ والنيتروجين. تنتشرُ الكثبانُ الرّمليةُ كثيرًا في هذه المنطقة. تُسقى التُّربةُ في المناطقِ القريبةِ من الشاطئِ وفي المناطقِ الزراعيّةِ بشكلٍ مُكثّفٍ وتُستخدمُ فيها المياهُ المعالَجةُ، الأمر الذي أدّى إلى تمليحِها بعدَ تبخُّرِ الماء. تقعُ المدنُ الخمسُ التي تستضيفُ المونديالَ في المناطقِ السّاحليّة، ذلك هو أحدُ الاعتباراتِ الهامّةِ في اختيارِ نوعِ العشبِ الأخضر وكيفيّةِ الاعتناءِ به. 

إذا انظرنا إلى الجانبِ الإيجابي، فمن المتوقعِ أن يجريَ المونديال في فصلِ الخريفِ إذ يكون الطقسُ مريحًا نسبيًّا ويبلغُ معدّلُ درجاتِ الحرارة في هذه الفترةِ حوالي 17 درجةٍ مئوية، بعيدًا عن فصلِ الصيفِ حيثُ يكونُ الطّقسُ حارّا ورطبًا وقد تصلُ درجاتُ الحرارةِ فيهِ إلى 50 درجةٍ مئويّة. مُعدّلُ الرواسبِ في قطر منخفضٌ جدًّا وهو لا يتعدّى 75 ميليمترًا في السنة. تُمكِنُ الزراعةُ، لذلك، في المناطقِ الشّماليّةِ من البلاد فقط حيثُ تهطلُ الحصةُ الأكبر من الأمطار. تُحلّي قطرُ مياهَ البحر، بسبب نقصِ المياه، وتستخدمُ مياهَ المجاري المُعالَجةِ والمياهَ الجوفيّةَ التي يتمُّ تجميعُها وخزنُها.

מפת קטאר | מקור: Bardocz Peter, Shutterstock
دولةٌ صحراويّةٌ على شاطئِ بحرٍ مالح - ليست مكانًا طبيعيًّا لبِساطِ العشبِ الأخضر. خريطة قطر | المصدر: Bardocz Peter, Shutterstock
 

كيفيّةُ اختيارِ النوعيّةِ المناسبةِ من العشبِ الأخضر 

توجدُ لأنواعِ العُشبِ الأخضرِ خواصٌّ مختلفة: المتانةُ ومدى الصُّمودِ في ظروفِ الاستخدامِ المُكثّف، واستهلاكُ الماء والموادِّ المُغذِّية، والملاءمةُ للمناخِ ونوعِ التربةِ وفصولِ السّنة. لا يقتصرُ التعاملُ مع العشبِ الأخضر للملاعبِ على اختيارِ النّوعِ المناسب، وإنّما هو عملٌ مستمرّ يشملُ العناية المُتّسقَة واستبدالَ نوعِ العُشبِ أو تجديدِه إذا اقتضت الحاجة. تُسمّى عمليّةُ استبدالِ العشبِ الأخضرِ الرائجةِ في ملاعبِ كرةِ القدمِ بالزراعة من جديد (تجديدِ الزراعة) أي زراعةُ عشبٍ من نوعٍ آخرَ في مُسطّحِ عُشبٍ قائم. اختبرَ منظّمو المونديال، ضمنَ البحثِ عن العُشبِ المثالي القادرِ على الصّمودِ في وجهِ المناخِ المُشُكِلِ، أصنافًا مختلفةً من العُشبِ يمكنها الصّمودُ في ظروفِ ملوحةِ الماءِ والمناخ، وفي ما يستوجبه المُسَطّحُ المُعَدُّ خصيصًا لألعابِ كرةِ القدمِ من متطلبات. تقرّرَ في نهايةِ المطافِ أن تُقامَ الألعابُ التي ستجري في شهر تشرينِ الثاني على العُشبِ المعروفِ باسمِ Platinum TE Paspalum. توجدُ لهذا النوعِ عِدّةُ حسناتٍ منها مُقاومةُ الأمراضِ والصّمودِ في الملوحةِ وتمدُّدٌ سريعٌ يضمنُ عُشبًا سميكًا يتحمَّلُ الحركةَ الثّقيلةَ والمُكَثَّفةَ في الملعبِ ومُسّطّحًا مُتكاثفًا ومُتجانسًا. كلُّ ذلكَ جنبًا إلى جنبٍ مع الّلونِ الجذّابِ الذي يسرُّ الناظرين. أثارَ هذا النوعُ من العُشبِ الأخضر، من بين سائرِ الأنواعِ التي تمَّ اختبارُها، انطباعًا حسنًا في إيفائهِ للمتطلباتِ واتصافهِ بأفضلِ الخواصّ. 

הדמיה של איצטדיון אל-תומאמה בדוחה | מקור: Colin McPhedran, Shutterstock
لا يكفي اختيارُ العشبِ الأخضرِ المُناسب، بل يجبُ الاعتناء به بشكلٍ دائم. مُحاكاةٌ لاستادِ الثّمامةِ في قطر | المصدر: Colin McPhedran, Shutterstock
 

العشبُ أكثر اخضرارًا على الجانب الآخر - العُشبُ الاصطناعي 

ملأَ العُشبُ الأخضرُ الطّبيعيُّ الملاعبَ دائمًا. احتدمَ الجدالُ في ستّينياتِ القرن العشرين حولَ تفضيلِ اختيارِ العشبِ الصّناعي أو العشبِ الطّبيعي وذلك عندما أخذَ العشبُ الصِّناعي يكتسبُ زخمًا. توجدُ للعشبِ الصّناعي أفضليّاتٌ عِدّةٌ منها: الصّمودُ أمامَ الألعابِ المُكثّفة والطّقسِ وعدمُ احتياجِه للريِّ ولا لضوءِ الشّمسِ كما أنَّ الإعتناءَ به رخيصٌ وسهل. بقيَ العُشبُ الطّبيعي هو المُفضّلُ بالرغمِ من هذه الحسناتِ للعشبِ الصناعي. يكمنُ سببُ تفضيلِ العشبِ الطّبيعي في سلبيّاتِ العشبِ الصّناعي الذي يزيدُ من إمكانيّةِ تعرُّضِ اللاعبين للإصابة ويزيدُ من صعوبةِ التحكُّمِ بالكرة ويستوجبُ مجهودًا جسمانيًّا أكبر. 

شخّصت الفيفا الخواصَّ الكامنةَ في العشبِ الصّناعي لألعابِ كرةِ القدم ووضعت معاييرَ شديدةً لفحصِ جودةِ العشبِ والمصادقةِ على استخدامِه. يهدفُ اختبارُ العشبِ الصّناعي إلى التيقُّنِ من استيفائِه للشروطِ اللازمةِ لكرةِ القدمِ من حيثُ أداءِ اللاعبين في المباريات - حركةُ اللاعبِ في الملعبِ واستحواذُه على الكرةِ والتحكُّمُ بها وتأثيرُ مُسطّحِ الملعبِ على سرعةِ الكرةِ ومقدارِ احتكاكها معه بالإضافةِ إلى الأمانِ والصمودِ في الضغوطاتِ وحالةِ الطّقسِ المتقلّبةِ وضمانِ الجودة. يتمُّ اختبارُ العشبِ الصّناعي في المختبر وبعدَ تثبيته في الملعب أيضًا. تُجرى الدّراساتُ والتطويرُ بهدفِ تحسينِ جودةِ المُنتَج وذلك كجزءٍ من خُططِ الفيفا في هذا المجال. 

من المتوقّع أن يُقامَ المونديالُ القادمُ في سنة 2026م في الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّةِ على عدّةِ ملاعبَ من ضمنها استاد مرسيدس - بنز في أتلانتا. كانَ الأملُ، قبلَ بناءِ الملعب، أن تُتاحَ زراعةُ مُسطّحٍ طبيعيٍّ من العشبِ الأخضر تحتَ سقفٍ متحرّكٍ قابلٍ للطّيّ. إلّا أنه يبدو، بعدَ إجراءِ فحصٍ شاملٍ، أنَّ الملعبَ ما زالَ يفتقرُ للضوءِ بسببِ ارتفاعِه الكبير، على الرغمِ من وجودِ السقفِ المنطوي، الأمر الذي تصعبُ معه تنميةُ العشبِ الطبيعي. تمّ، في أعقابِ ذلك، تثبيتُ مُسطّحٍ من العشبِ الصّناعي في الملعبِ واستُخدمَ كثيرًا حيثُ أجريت عليه ألعابٌ كثيرةٌ منذ إنشائهِ حتى يومِنا هذا. إلّا أنه من المُتوقعِ أن يتغيّرَ ذلك في المونديالِ القادم. تُفضّلُ الفيفا العُشبَ الطّبيعي بشكلٍ قاطع ولذلك، سيتمُّ استبدالُ العشبِ الصّناعي بالعشبِ الطّبيعي في استاد ميرسيديس - بِنز وفي سبعةِ ملاعبَ أخرى فيها عشبٌ صناعيٌّ، بحيثُ يحافظُ على منظرهِ ومظهرِه الجذّابِ لمدةٍ تزيدُ عن شهرٍ كامل ويصمدَ أمام الظروفِ التي أعاقت زراعتَه في البداية. 

 

استجابة واحدة

  • ميار

    عرب الهيب

    اا