ما الّذي يؤدّي إلى هذا الاضطراب الهورمونيّ الشّائع، ما هي أعراضه وكيف يمكن معالجته؟

متلازمة تكيّس المبيضَين هي أكثر الاضطرابات الهورمونيّة شيوعًا بين النّساء. فهي تؤدّي إلى عدم انتظام في الدّورة الشّهريّة والإباضة، مشاكل في الخصوبة، اضطرابات في عمليّات الأيض ومشاكل في الجلد والشّعر وغيرها. هناك أدوية لعلاج المتلازمة الّتي تساهم في تنظيم الدّورة الشّهريّة  وعلاج الأعراض الأخرى.

في عام 1935، نشر Irving Stein و Michael Leventhal مقالًا في "المجلّة الأمريكيّة للحمل وأمراض النّساء" يحمل عنوانًا: "انقطاع الدّورة الشّهريّة وتكيّس المبيضَين". كان Stein طبيبًا معروفًا للأمراض النّسائيّة وتخصَّصَ في تصوير الأنسجة الرّخوة بواسطة الأشعّة السّينيّة لغرض التّشخيص، عن طريق حقن غاز أو مادة تباين- وهي طريقة كانت جديدة نسبيًّا آنذاك- وكان Leventhal طالبه. في أوائل سنوات الثّلاثين في القرن العشرين، بدأ Stein بفحص النّساء اللّواتي تعانين من مشاكل في الدّورة الشّهريّة وتشتكي من صعوبة الحمل، الشّعر الزّائد وآلام في الحوض. من خلال الأشعّة السّينيّة، لاحظ Stein أنّ هؤلاء النّساء يعانين من تضخّم في المبيضَين- في بعض الأحيان يصلان إلى حجم أكبر من الرّحم، وفي داخلهما أكياس. كان العلاج الّذي اقترحه Stein و Leventhal على النّساء هو استئصال جزئيّ للمبيضَين.

في المقال، يصف Stein و Leventhal  سبع حالات من النّساء- جميعهنّ يواجهن صعوبةً في الحمل، انقطاع الدّورة الشّهريّة أو عدم انتظامها، وبعضهنّ أيضًا يعانين من الشّعر الزّائد، السّمنة، حَبّ الشّباب أو آلام في الحوض. جميعهنّ خضعن للعلاج المقترَح- استئصال جزئيّ للمبيضَين. يشير المقال إلى أنّ ثلاث نساء من بينهنّ حملنَ أو أنجبن بعد العلاج. وفقًا لتقرير لاحق، حملت خمس من بين السّبع نساء (انقطع التّواصل مع السّادسة وانفصلت الأخيرة عن شريكها)، ولم تعاودهنّ متلازمة تكيّس المبيضَين حتّى بعد 9 سنوات من العلاج.

يعتبر مقال Stein و Leventhal رائدًا في مجاله، لا لأنّ تكيّس المبيضَين لم يكن معروفًا آنذاك- فالظّاهرة معروفة على الأقلّ منذ القرن السّابع عشر- وإنّما بسبب إيجاد العلاقة بين تكيّس المبيضَين والدّورة الشّهريّة غير المنتظمة ومشاكل الخصوبة. في سنوات الخمسين، كانت المتلازمة تدعى ب "متلازمة Stein و Leventhal"، لكن مع الوقت قلّ استعمال هذا الاسم وبدأت تعرف اليوم بـ "متلازمة تكيّس المبيضَين" (Polycystic Ovaries Syndrome, PCOS).

مقال رائد في مجاله. Stein (من اليسار) و Leventhal | مصدر: المجلّة الأمريكيّة للحمل وأمراض النّساء
مقال رائد في مجاله. Stein (من اليسار) و Leventhal | مصدر: المجلّة الأمريكيّة للحمل وأمراض النّساء

الأعراض الّتي تميّز المتلازمة

تتّصف متلازمة تكيّس المبيضَين بظهور أعراض مختلفة عند النّساء المختلفة؛ في بعض الأحيان تتغيّر الأعراض مع الوقت، حتّى عند نفس المرأة. تدعى المتلازمة بهذا الاسم بسبب كثرة الجُرَيبات (البويضات غير المخصبة) في المبيضَين، والّتي يمكن الكشف عنها بواسطة فحص بالأمواج فوق الصّوتيّة. يمكّن الفحص أيضًا من الكشف عن تضخّم المبيضَين. من الجدير بالذّكر أنّ هناك اضطرابات أخرى تؤدّي إلى تكيّس المبيضَين (مثل متلازمة كوشينغ، الّتي سنقدّم شرحًا عنها لاحقًا). من المهمّ أيضًا استبعاد الاضطرابات الهورمونيّة الأخرى (مثل اضطرابات الغدّة الدّرقيّة، الغدّة الكظريّة أو الغدّة النّخاميّة) الّتي يمكن أن تسبّب تشويشات في الدّورة الشّهريّة، السّمنة وأعراض أخرى الّتي تميّز هذه المتلازمة أيضًا.

تشمل الأعراض: إباضة ودورة شهريّة غير منتظمتين، تظهران بضع مرات فقط في السّنة أو لا تظهران على الإطلاق؛ صعوبة الحمل، الوزن الزّائد (أكثر من نصف النّساء)؛ زيادة مستوى هورمونات الجنس الذّكريّة (الأندروجينات) في الدّم؛ ظهور حبّ الشّباب، الشّعر الزّائد أو تساقط شعر الرّأس كما يحدث في الرّجال وعدم تحمّل السّكّر الّذي يمكن أن ينتهي بمرض السّكّريّ (خاصّةً عند النّساء اللّاتي تعانين من الوزن الزّائد).

تنجم المتلازمة عن اختلال في التّوازن الهورمونيّ الّذي يؤدّي إلى عدم نضوج البويضات بشكل سليم، تراكمها في المبيضَين وعدم إطلاقها إلى الرّحم أثناء الإباضة. بالإضافة إلى ذلك، يطرأ تضخّم كبير في بطانة الرّحم، بشكل عام خلال فترة الحيض، تسقط بطانة الرّحم السّميكة مع نزيف الحيض، لكن التّضخّم المفرط في بطانة الرّحم قد يشكّل خطرًا لتطوّر سرطان فيها. تشمل المشاكل الأخرى للمتلازمة: السّكّري، ضغط الدّم العالي، مستوى كوليسترول عالٍ، مشاكل في النّوم، القلق والاكتئاب.

يجري التّشخيص، كما ذكرنا آنفًا، عن طريق فحص بالأمواج فوق الصّوتيّة للمبيض، وكذلك عن طريق فحوصات دم لمعرفة مستويات هورمونات الجنس الذّكريّة والأنثويّة وتشخيص السّكّريّ.

تنجم متلازمة كوشينغ عن ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول بسبب النّشاط المفرط للغدّة الكظريّة أو الغدّة النّخاميّة (الّتي تنتج هورمونًا يحفّز عمل الغدّة الكظريّة). قد يحدث هذا النّشاط المفرط بسبب الأورام الّتي تؤدّي إلى إنتاج هورمونات تحفّز إفراز الكورتيزول، أو من تناول الأدوية الّتي تحتوي على جرعات عالية من ال corticosteroids لمدّة طويلة. بعض أعراض متلازمة كوشينغ عند النّساء تشبه أعراض متلازمة تكيّس المبيضَين (اضطراب في الدّورة الشهريّة، ارتفاع مستوى الهورمونات الذّكريّة في الدّم، الشّعر الزّائد وحبّ الشّباب). أظهرت الأبحاث أنّ بعض النّساء المشخَّصات بمتلازمة كوشينغ تعانين من تكيّس في المبيضَين، وبعض النّساء المصابات بمتلازمة التكيّس في المبيضَين تعاني أيضًا من متلازمة كوشينغ. ولهذا، من المهمّ تشخيص المرض بشكل صحيح، لأنّ العلاج يختلف بينهما.

​تكيّس في المبيضَين، تصوير (ملوّن) بالمجهر الإلكترونيّ | المصدر: PROFESSORS P.M. MOTTA & S. MAKABE / SCIENCE PHOTO LIBRARY
تكيّس في المبيضَين، تصوير (ملوّن) بالمجهر الإلكترونيّ | المصدر: PROFESSORS P.M. MOTTA & S. MAKABE / SCIENCE PHOTO LIBRARY

العلاج

العلاجات الرّئيسيّة للنّساء اللّواتي يعانين من متلازمة التكيّس في المبيضَين هي تغيير النّظام الغذائيّ لفقدان الوزن، والعلاج بالهرمونات لإعادة المبيض والرّحم إلى نشاطهم السّليم (على سبيل المثال، حبوب لمنع الحمل للنّساء اللّاتي لا ترغبن بالإنجاب الآن وعلاج دوائيّ آخر للنّساء اللّاتيترغبن). هناك أيضًا أدوية لعلاج حبّ الشّباب، الشّعر الزّائد والسّكّري.

حبوب تحتوي على هورمونات لمنع الحمل | تصوير: Orawan Pattarawimonchai, Shutterstock
قد يعيد العلاج بالهرمونات المبيضَين إلى أداء عملهما بشكل سليم. في الصّورة- حبوب تحتوي على هورمونات لمنع الحمل | تصوير: Orawan Pattarawimonchai, Shutterstock

المسبّبات

يمكن أن تتطوّر متلازمة تكيّس المبيضَين لدى الفتيات مع النّضوج الجنسيّ. في بدايته، تفرَز الهرمونات LH و FSH من الغدّة النّخاميّة. ينشّط LH خلايا بالمبيض التي تنتج الأندروجين (هورمون ذكريّ) وهناك خلايا أخرى، الّتي تُحفَّز بواسطة FSH، الّتي تحوّل الأندروجين إلى إستروجين (هورمون جنس أنثويّ). وفي الوقت نفسه، تفرز الغدّة الكظريّة أيضًا أندروجينات تؤدّي إلى نموّ شعر العانة والإبطين وظهور حبّ الشّباب.
من غير الواضح ما هو السّبب، لكن مستويات عالية جدًّا من الأندروجين تمنع تنشيط نظام التّغذية الرّاجعة السّلبيّة في الدّماغ: تفرز الغدّة النّخاميّة فائض LH (أكثر من FSH)- ممّا يزيد من إنتاج المزيد من الأندروجين من خلايا المبيض، ولكن بدون تحويله إلى إستروجين بسرعة. يمكن أن يؤدّي الأنسولين الزّائد أيضًا إلى تحفيز خلايا المبيض لإفراز أندروجين. كما يبدو أنّ آليات مشابهة (زيادة في الأندروجينات و/ أو في الإنسولين) تؤدّي إلى تطوّر المتلازمة عند الّنساء البالغات أيضًا، لكن من غير الواضح ما الذّي يسبّب ذلك في سنّ أكبر. لا توجد تأثيرات بيئيّة واضحة الّتي تزيد من خطر الإصابة بالمتلازمة، باستثناء السّمنة الّتي قد تؤدّي إلى مقاومة الأنسولين (أي عدم الاستجابة للإنسولين) وزيادة إنتاجه، بالإضافة إلى مشاكل أيضيّة أخرى قد تؤثّر على مستوى الهرمونات المختلفة في الجسم.

صورة تظهِر تكيّس المبيضَين (بالأخضر) بواسطة ال MRI | المصدر: GUSTOIMAGES / SCIENCE PHOTO LIBRARY
آليّة عمل معقّدة للمرض. صورة تظهِر تكيّس المبيضَين (بالأخضر) بواسطة ال MRI | المصدر: GUSTOIMAGES / SCIENCE PHOTO LIBRARY

يبدو أنّ للمتلازمة أساس جينيّ، لكنّها تعتمد على أكثر من جين واحد. بسبب أعراض المرض المختلفة، يعتبر المرض مركّبًا، وكذلك أساسه الجينيّ. وجدت الأبحاث في سنوات ال-60 أنّ احتمال نقل المرض بالوراثة هو بين  %60-55. ومع ذلك، لم يتمّ الكشف بعد عن جين أو طفرة معيّنة لهم علاقة حصريّة بالمرض، ولا حتّى في نفس العائلة، كما هو غالبًا الحال في الأمراض الوراثيّة. مع ذلك، فإنّ الجينات المتعلّقة بإنتاج الأندروجينات LH و FSH (مثل الجين DENND1A أو SRD5A1)، الجينات المتعلّقة بالاستجابة لهذه الهرمونات (مثل مستقبل ال FSH)، الجينات المتعلّقة بمشاكل الخصوبة (مثل ال AMH) والجينات المتعلّقة بإنتاج الإنسولين والسّيطرة على إنتاجه (مثل ال IRS1)، قد ترتبط جميعها بالمتلازمة. وُجدت أيضًا علاقة بين أحد أشكال "جين السمنة" (FTO) والمتلازمة، بالإضافة إلى الجينات الأخرى الّتي قد تكون ذات صلة بها، وبعضها جينات تتحوّل إلى جزيئات RNA فقط ولا تترجم إلى بروتينات وطريقة عملهم غير معروفة. في السّنوات الأخيرة، دُرست العلاقة بين المتلازمة والأمراض الأيضيّة النّاجمة عن مشاكل بالميتوكوندريا- العضيّة المسؤولة عن توليد الطّاقة في الخلايا -وكذلك بين المتلازمة والبكتيريا المعويّة.

إذًا، متلازمة تكيّس المبيضَين هي مرض معقّد من حيث أعراضه ومسبّباته، ومن الجائز أن يكون نتاج دمج بين العوامل الوراثيّة والبيئيّة، ولكن نحتاج إلى المزيد من الدّراسات لمعرفة ذلك. يمكن أن تؤدّي المتلازمة إلى مشاكل عقم ومشاكل تجميليّة لا تشكّل خطرًا (الشّعر الزّائد، الصّلع وحبّ الشّباب)، وفي حالات معيّنة إلى مضاعفات مثل السّكّريّ، ضغط الدّم العالي وأمراض في القلب وسرطان بطانة الرّحم. لذلك، يوصى أن تتوجّه المرأة الّتي تشكّ في إصابتها بالمتلازمة إلى طبيب العائلة أو طبيب النّساء لتلقّي التّشخيص والعلاج المناسبَين.

يرجى الملاحظة أنّ المقالة توفّر معلومات علميّة عامّة فقط ولا يجوز اعتبار مضمونها بديلًا عن الاستشارة الطّبّيّة الشّخصيّة من قبل المختصّين

0 تعليقات