أبدأُ بتحذير وُدّيّ: المقال غير موصًى به لذوي المعدة الضّعيفة!
وأَستمرُّ بالذّاتِ بسؤال: ما هو أسوأُ من قضم تفّاحة واكتشاف دودةٍ في داخلها؟ الإجابة بالطَّبع هي قضم تفّاحة واكتشاف نصفِ دودةٍ في داخلها. فعلًا، فالشُّعُور بالاشمئزاز الّذي سَيرافقنا عندما نستوعِبُ أَنّنا أَكلنا دودةً هو أَحَدُ المشاعر القويّة الأَصعب الّتي يمكن معايشتها.
هل توجد دودةٌ في التُّفاحة؟ | أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا؛ أُنتِجَت بواسطة Roberta F
خُذُوا مثالًا برامِجَ التَّحدِّي الواقعيّة المسيطرة على شاشات التّلفزيون، والّتي شملت أَكثَرَ مِن مرّةٍ مهامَّ مرتبطة بمأكولاتٍ تُعتَبَرُ مثيرةً للاشمئزاز بشكلٍ خاصّ: ديدان، وصراصير، وأَرجُل دجاجٍ ظهرت في برنامج "البقاء"، وأَفاعٍ وعقارِبُ ظهرت في برنامج "سباق المليون"، ومشروب اليَرَقَات في برنامج "تأثير الخوف". يصمُدُ المتسابقون بنجاحٍ في مَهَامَّ جسمانيّة صعبة، لكنّهم لا يستطيعون أَحيانًا تحمُّلَ مَهمّة، ويُفضِّلونَ التّنازل عَنِ الجائزة المرجوّة عندما يُطلب منهم أُكل ديدان، وأعضاء داخلية غير مطبوخة، وعدد كبير مِنَ الأَغذية الأُخرى الّتي تبعَثُ على التَّقيُّؤ.
لماذا نرتَدِعُ عن تناول أغذية مُعيّنة؟ ولماذا هنالك أذواقٌ وروائِحُ تُثير فينا الشُّعورَ بالتَّقيُّؤ والاشمئزاز؟
الاشمئزازُ هو الشُّعور الّذي ينتابنا عندما نصطدم بأَشياءَ تبدو لنا غير نظيفة، لا تؤكل أَو ضارّة. التّعبير عن هذا الشُّعورِ هو عالميّ ومتماثل في ثقافاتٍ كثيرة في كلّ العالم. ينعكس بانحناءِ الأَنف، وفتح الفم وإخراج اللّسان، وأَحيانًا البُصاقَ كتعبير عَنِ النّيّة لإخراج ما قد يتواجد في الفم. وأحيانًا، ولأكثرَ من مرَةٍ، يُثار الشُّعور بتشنُّجِ البطن، وهي رغبة لا إراديّة للتّقيُّؤ وانخفاضٌ بوتيرة القلب.
تعبيرُ وجه طفلة يبعَثُ على الشُّعور بالاشمئزاز | أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا:أُنتِجَت بواسطة maria
ترتكِزُ هذه الآليّة على أَعضائِنا الحسّيّة. عندما نرى، أو نشُمُّ، أَو نكون على صِلَةٍ أَو نتذوَّقُ شيئًا ما، وحسب منظورنا يُشكِّل خطرًا على صحّتنا، تُرْسَلُ إشارةُ تحذير للدِّماغ، وخاصّةً لمنطقة معيّنة فيه تُسمَّى أنسولا، الأَمر الّذي يسبِّبُ الشُّعورَ بالاشمئزاز.
ما هو مصدَرُ هذا الشُّعور بالاشمئزاز؟
الطّريقة التَّطوُّريّة
تطرّق تشارلز دارون، مؤسِّسُ نظرية النّشوء والتّطوُّر، إلى الاشمئزاز المرتبط بالذَّوق، وحدَّدَ أَنَّ الشُّعور بالاشمئزاز هو شعورٌ أَساسيٌّ يهدِفُ إلى إبعادنا عن عوامِلَ ضارّة ومُسبِّبة للأَمراض. أَظهَرَتِ الأَبحاثُ أَنَّ معظم الأُمور الّتي تُستوعَبُ على أَنّها مثيرة للاشمئزاز بنظر معظم النّاس، هي أشياءُ يمكن أَن تسبِّبَ أَمراضًا: إفرازات جسميّة، وغذاء متعفِّن، وحشرات، وديدان وما شابه. وحسب هذه الطّريقة، تطوَّرَ الشُّعُور بالاشمئزاز كآليّة حماية بيولوجيّة تمنَعُ العدوى بالفيروسات والبكتيريا، وتحمينا كذلك من أَمراضٍ صعبة.
لقد ظَهَرَ الجين المسؤول عَنِ الشُّعور بالاشمئزاز على ما يبدو بالصُّدفة، وساهَمَ في إكسابِ أَفضليّة البقاء لأُولئِكَ الّذين يحملونه، وبفضلِهِ لم يتعرَّضوا لعوامل ملوِّثة. وبعد أن صمد وبقي حامِلُو الجين وانتقل إلى أَنسالهم، انتشر أَكثر وأكثر في المجموعة السُّكَّانيّة حتّى تجذَّر لدينا جميعًا في عمليّةٍ تُسمَّى الانتخاب الطّبيعيّ. وتُشير حقيقةُ امتناع حيوانات كثيرة أَيضًا من مَسِّ إفرازاتِ الجسم وأَكلها، إلى أَنَّ هذه العمليّة التّطوّريّة قد حَدَثَت منذُ زمنٍ بعيد.
الطّريقة المُكتَسَبَة/الثّقافيّة
يدَّعي تيارٌ آخَرُ يبحَثُ الشُّعورَ بالاشمئزاز أَنَّ مصدَرَهُ ليس الجينات الّتي تطوَّرَت خلال عمليّة النُّشوء والتّطوُّر فقط، إنّما في عمليّة متجذِّرة في تطوُّرنا الثّقافيّ كمجتمع. يدَّعي داعِمُو هذه الطّريقة أَنَّ الشُّعورَ بالاشمئزاز هو إحساسٌ مُكتَسَبٌ، وليسَ مولودًا.
في إحدى التّجارب، الّتي أَكَّدَت هذه الطّريقة، طُلِبَ مِنَ المفحوصِينَ شربُ كَأسٍ مِنَ العصير بعد إخراجِ صرصورٍ منها. ففي حين أَعرَبَ الكبار عن شُعورٍ بالاشمئزاز ولم يوافقوا على الشُّرب، لم يُبدِ معظم الأَولاد الصّغار أَيَّ اعتراض. من هنا استنتجوا أَنَّ الشُّعورَ بالاشمئزاز ليسَ مغروسًا فينا، إنّما هو مُكتسَبٌ من فترة الطّفولة عندما نتعلَّمُ أَيّة مأكولات يُمكِنُ أن نعتبرها لذيذةً، وأَيّها تُعتَبَرُ ضارّة وخَطِرَة. وحسب الباحِثين، تطوَّرَ الشُّعورُ بالاشمئزاز كآليّة حماية أَساسيّة أمام الأَمراض والملوّثات، وتحوَّلَ إلى شعور يُعلِّم ويُكتَسَبُ، ويرتَكِزُ على هُويّتنا الثّقافيّة والاجتماعيّة.
مِنَ الواضح حسب هذه الطّريقة، لماذا ينظرونَ، في ثقافاتٍ معيّنة، إلى الصَّراصير والدِّيدان كشيءٍ مُقزِّز، في حين تُعتَبَرُ في ثقافاتٍ أُخرى أَكلاً مُلوكِيًّا. وأَدَّتِ الاختلافات الثّقافية إلى إنتاج ممنوعات وقوانين ثقافية كشرائِعِ الحلال في اليهوديّة، أو منع أَكل لحم الأَبقار في الدّيانة الهندوسيّة. ربما بقي بعض الباحثين مرتبطًا بالمصدر من أَجل الدِّفاع عَنِ المجتمع، لكنَّهم تحوَّلوا اليومَ إلى علاماتٍ إِثنيّة تُوحِّد المجموعةَ، وتمنَحُ الفردَ شعورًا بالانتماء.
ديدانٌ على كعكة مستديرة (تورتا) كوجبة في مطعم | أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا: أُنتِجَت بواسطة Andy Sadler
ماذا عن خلط أغذية معيّنة؟ صحيحٌ أَنَّ هنالك أَغذيةً إذا استُهلِكَت معًا، فإنَّ ذلك سَيضرُّ بقيمتها الغذائيّة، وحتّى يمكن أن تُسبِّبَ شُعورًا بالانتفاخ، أو آلام البطن أَوِ الإسهال. شرب القهوة في وجبة الفطور الّتي تشمل بيضًا، على سبيل المثال، غير مُوصًى به مِنَ النّاحية الغذائيّة، وذلك لاحتواء القهوة على مُضادّ أكسدة قويّ باسم فوليفينول، والّذي يُشوِّش امتصاصَ الحديد مِنَ البيض، ويُقلِّل مستوى الكالسيوم في العِظَام.
حتى الموزالي- وهو دَمجُ خليطِ حبوب مختلفة، وفواكه ولبن، والمستَعمَل كبديلِ صحنٍ شعبيّ لوجبة الفطور عندنا – يقترِحُ دمجًا سيِّئًا للأغذية. الفيتامينات ومضادّات الأكسدة في الفواكه، لا تُمتَصُّ بنجاعة عند الدَّمجِ مع مأكولاتٍ أُخرى. أَضف إلى ذلك، أنّ الفواكِهَ تحتوي على حامضٍ يُسبِّب تخمُّرًا في المعدة، مما يجعل هضم الزّلال الّذي في اللّبن صعبًا، ويتسبَّبُ بشعورٍ غير مُريح في البطن، وانتفاخٍ وغازات.
موزالي – دمج أغذية صّحّيّ؟ | أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا : أُنتِجَت بواسطة VirtualSteve
هنالك "خلطاتٌ" غذائيّة تُثيرُ لدينا الشُّعورَ بالاشمئزاز. لكنّ إثارة هذا الشُّعور ليست بِسَبَبِ أَنَّ الدَّمجَ قد يُضِرُّ بصحّتنا، إنّما لأَنّه يُنتِجُ خلطًا لأَذواقٍ لا نعرفها، وليس مغروسًا فينا أَنّهُ مُغذٍّ، وصحّيّ، ولذيذ. حسب الطّريقة المكتَسَبَة، هنالك ميلٌ لأن نُجذَبَ إلى مأكولاتٍ آمنة ومعروفة مِنَ الماضي، ونرتدع عن تلك الّتي تُعَدُّ غير معروفة.
ردّ – والعودة إليك
أَظهَرَتِ الأَبحاثُ أنَّ النّساءَ عبَّرنَ عن شعور أَقوى بالاشمئزاز مِنَ الذُّكور بشكلٍ عامّ، خاصّةً خلال فترة الحَمْل. ما هو، حسب رأيك، المنطق التّطوّريّ في هذه الظّاهرة؟
هنيئًا لكم!