لأسبابٍ فيزيائية تكاد لا توجد موادّ زرقاء اللون في عالم الأحياء. إذا شاهدتم مخلوقًا أزرق فثمّة "خدعةٌ" ما في ذلك

نحن نشاهد الألوان عندما تنعكس الأمواجُ الضوئيّة في أعيننا بعد أن تصيب أيّ مادّة. يمتصّ الجسمُ المسطّح، الّذي يصطدم به الضوء، جُزءًا منه وينعكس عنه الجزء الآخر. يتحدّد اللون الّذي تستوعبه عيوننا بطول الأمواج المنعكسة الّتي تصلها. المادّة الّتي تمتصّ جميع الأمواج الضوئيّة المرئيّة، مثلًا، نراها سوداء، بينما تكون المادّة الّتي لا تمتصّ أيًّا من الأمواج المرئيّة شفافةً. في الطبيعة ألوانٌ كثيرة جدًّا: أوراق النباتات الخضراء، وأزهارٌ بمختلف الألوان، منها الأحمر ومنها الأصفر والبرتقالي، وكائناتٌ حيّة سامّة ذات ألوان تحذيريّة فاقعة، وغيرها. لكن، ماذا بالنسبة للّون الأزرق؟

هناك طبعًا شيئان أزرقان مهمّان جدًّا في الطبيعة: السماء والبحر. نحن نراهما أزرقين؛ لأنّ الضوء القادم من الشمس لا يتبعث بشكلٍ متجانس وإنما يتشتت إلى اتجاهاتٍ عديدة عندما يصطدم بجسيمات الغاز في الغلاف الجويّ وبجزيئات الماء في البحر. كلّما كانت طاقة الموجة الضوئيّة أكبر فإنّ تبعثر الضوء يكون أكثر. تحمِل الأمواج الزرقاء، من بين ألوان الضوء المرئي المقدارَ الأكبر من الطاقة؛ الأمر الّذي يجعل تبعثرها من بين سائر الألوان هو الأكبر، وتصل إلى أعيننا كميّاتٌ وافرة من الضوء الأزرق، قادمةً من الجو والبحر أكثر من الألوان الأخرى

*תמונה של ים ושמים* צילום: satit sewtiw Shutterstock
يتبعثر الضوء القادم من الشمس إلى اتّجاهات متعدّدة عند اصطدامه بجسيمات الغاز في الجو وجزيئات ماء البحر. | تصوير: satit sewtiw Shutterstock

 

الألوان الطبيعيّة

دعنا نترك السماء والبحر جانبًا، ونسترجع في ذاكرتنا حيواناتٍ وموادّ طبيعيّة زرقاء. نكتشف سريعًا أنّ القائمة ضحلة للغاية. فرغم وجود أشياء قليلة زرقاء من حولنا، إلّا أن الأشياء الطبيعيّة الزرقاء قليلة جدًّا. 

تكتسب الحيوانات والنباتات ألوانها عادةً من الصبغيّات (pigments)، وهي جزيئات موجودة في الخلايا الحيّة وتمتصّ أمواجًا ضوئيّة ذات أطوالٍ معيّنة. يتحدّد لون الخلايا ولون الأنسجة الّتي تتكوّن منها، مثل الجلد والشعر، بألوان الصبغيّات التي تحويها وبكميّتها. 

تتكوّن الصبغيّات لدى بعض الأحياء، ومن ضمنها الإنسان، داخل الجسم عن طريق خلايا مختصّة بهذه الوظيفة. يتكوّن صبغ الميلانين مثلًا، الّذي يُكسِب جلد الإنسان لونه البني، داخل خلايا معيّنة موجودة في الجلد. تكتسب الأحياء الأخرى صبغيّاتها من الغذاء الّذي تأكله وذلك بواسطة ابتلاع كائنات أحاديّة الخليّة أو طحالب أو معادن.

يكتسب طائر الفلامنجو مثلًا لونه الزهريّ من الطحالب الحمراء الّتي يتغذّى عليها. تكون فراخ الفلامنجو رماديّة اللون عندما تفقس من البيض، وتكتسب اللون المائل إلى الزهريّ بشكل تدريجيّ بفضل الصبغيّات الموجودة في حليب الحوصلة (لبن العصفور) الّذي تناله من الأبوين، ويشحب لون الوالدين نتيجةً لذلك. تبدأ الفراخ بالاهتمام بغذائها بنفسها عند بلوغها وتحصل على الصبغيّات مباشرةً من الطحالب الّتي تأكلها.

**תמונה של פלמינגו**. צילום: Sunti, שאטרסטוק
تكتسب فراخ الفلامنجو لونها الزهريّ بفضل الصبغيّات الموجودة في حليب الحوصلة المعروف بلبن العصفور الّذي تحصل عليه من والديها، ويشحب لون الأبوين نتيجة لذلك. تصوير: Matthew Treadwell Shutterstock

 

اللون المفقود

تكاد الصبغيّات الزرقاء أن تكون معدومةً في الطبيعة، وتفتقر لها الحيوانات والنباتات؛ فنكاد لا نجد مخلوقاتٍ زرقاء. يجب أن تمتصّ جزيئات المادّة اللونَ الأحمر لكي تبدو لنا باللون الأزرق. لكل موجة ذات طول معيّن مقدارٌ مناسب من الطاقة. قد تنتقل إلكترونات الذّرّات في عنصر معيّن من مستوى طاقة منخفض إلى مستوى أعلى عند اصطدام الضوء بها، إذ تنتقل الطاقة من الأمواج إلى الإلكترونات المحيطة بنواة الذّرّة، ذلك إذا كانت طاقة الأمواج كافيةً لهذا الانتقال. 

طاقة الأمواج الحمراء هي الأقل من بين سائر أمواج الضوء المرئيّ. ذلك يعني أنّه يجب أن تكون مستويات الطاقة الإلكترونيّة حول نُويّات الذّرّات متقاربة جدًّا من بعضها كي يتسنّى للمادّة المكوّنة من هذه الذّرّات امتصاص الضوء الأحمر. يتطلّب مثل هذا الانتظام الإلكترونيّ تعقيدًا كبيرًا في مبنى المادّة. لذلك تكاد تكون المعادن الزرقاء معدومةً، ويصعب كذلك علينا، نحن بني البشر، استحضار المواد الصبغيّة الزرقاء في المصانع والمختبرات.

**תמונה של ציפור כחולת כנף**. צילום: Sunti, שאטרסטוק
طائر الأوراق أزرق الجناح. مصدر اللون الأزرق الفاقع هو تداخل الأمواج الضوئيّة. | تصوير: Sunti, Shutterstock
 

غالبيّة الألوان الزرقاء الّتي نُصادفها في عالم الكائنات الحيّة والنباتات "ألوانٌ فيزيائيّة" تنجم عن عامل فيزيائيّ يؤثّر في الأمواج الضوئيّة وليس عن طريق الصبغيّات. ذلك يعني أنّ هذه الألوان تنجم عن مبنى المادّة الّذي يؤدّي إلى انعكاس أمواج الضوء الزرقاء علينا، دون أن تمتصّ جسيماتها أيًّا من أمواج الضوء المرئيّ، وهي لا تنجم عن وجود الموادّ الّتي تمتصّ غالبيّة أمواج الضوء المرئيّ وتُبعثر الأمواج الزرقاء. 

يؤثّر هذا العامل في السماء والبحر أيضًا عن طريق تبعثر الأمواج الزرقاء أكثر من غيرها. تعمل آليّة أخرى في المقاطع الزرقاء الموجودة في أنسجة الحيوانات والنباتات مثل حراشف فراش مورفو المشهورة وريش طائر الأوراق ذي الأجنحة الزرقاء. توجد في هذه الأنسجة هياكل مرتّبة بطبقاتٍ عدّة متقاطعة فوق بعضها. يتعاظم جزءٌ من أمواج الضوء الّذي يمرّ من خلالها، وتضعف أمواجٌ أخرى، في العمليّة المُسمّاة "التّداخل البنّاء والتّداخل الهدّام"؛ يتكوّن نتيجةً لذلك قالبٌ جديد من الأمواج بما يمكن وصفه خليطًا من الأمواج الأصليّة، بحيث نحصل على وضعٍ تنخفض فيه شدّة الأمواج غير الزرقاء إلى ما يقارب الصفر، وتصل الأمواج الزرقاء فقط إلى أعيننا. 

يُظهر الفيديو التّالي ما يحدث عند تقطير قطرة من الكحول على جناح فراشة مورفو.

تظهر الألوان الزرقاء الّتي تنتج بهذه الطريقة فاقعة وبرّاقة ومعدنيّة. وتتغيّر الألوان وفقًا لظروف الإنارة من حولها وزاوية النظر إليها. يؤدّي التّغيير البسيط في مثل هذه الهياكل إلى هدم العامل الفيزيائيّ واختفاء اللون الأزرق الرائع. لا تتغيّر، مقابل ذلك، الألوان النّاجمة عن الصبغيّات مع تغيير هيكل المادّة، وإذا قطّعنا المادّة إلى مليون قطعة صغيرة تبقى جميعها زرقاء. تستخدم جميع الحيوانات، تقريبًا، في الطبيعة - الفراش؛ الطيور؛ الأفاعي وحتّى الخنافس - هذه الآليّة الفيزيائيّة لتظهر باللون الأزرق وهي لا تستخدم الصبغيّات الزرقاء الدائمة. 

0 تعليقات