الاستعانة بالفيزياء والفوز بِلعبة الأبراج المصنوعة من القطع الخشبيّة
نشأ معظمنا على لعبة جينجا الخشبيّة، والّتي تقتضي إزالة القطع الخشبيّة من البرج ونقلها إلى رأسه دون أن ينهار. تنتهي اللعبة دائمًا بانهيار البرج، والخاسر هو من ينهار البرج في دوره.
يبدو، لأوّل وهلة، أنّ فرصة الفوز في اللعبة هي عشوائيّة بشكل مطلق تقريبًا: الفائز صاحب الحظّ هو اللاعب الّذي يتجنّب هزّ البرج كثيرًا. قد يستخدم اللاعبون قدرًا معيّنًا من التخطيط والتفكير الاستراتيجيّ، إلّا أنّ هذه ليست الميزات البارزة للّعبة.
على الرغم من ذلك، إذا فكّرنا بالأمر هنيهة، نجد أنّ اللعبة، في نهاية المطاف، وربّما في بدايته، تعتمد على قواعد الميكانيكا البسيطة الّتي لا بدّ تعلمناها جميعًا في المدرسة.
إليكم سبع نصائح مقدّمة من أبطال اللعبة، تذكّروها عندما تلعبون لعبة جينجا:
1. اختاروا القطع القريبة من رأس البرج.
2. اختاروا القطع الأقلّ سُمكًا (الرفيعة).
3. أزيلوا القطع المركزيّة بكلّ طبقة.
4. راقبوا جيّدًا القطع الموجودة فوق القطع الّتي تريدون إزالتها.
5. حرِّكوا القطع بسلاسة، لا بصورة مفاجئة.
6. فكِّروا جيّدًا: أين تضعون القطع بالضبط، في رأس البرج.
7. اسحبوا القطع الجانبيّة عن طريق هزّها.
هذه النصائح مستنبَطة من الميكانيكا التقليديّة الّتي طوّرها نيوتن ولايڤنيتس في نهاية القرن السابع عشر.
فلنتذكّر أنّ خمس قوى تُؤثّرُ في كلّ قطعة من قطع البرج، وهي: قوّة الجذب أو الدفع الأفقيّ الّتي نؤثّر بها في القطعة لتحريكها وإزالتها، قوّة الاحتكاك الأفقيّ المعاكسة لاتجاه حركة القطعة، قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثّر بها الكرة الأرضيّة في القطع الخشبيّة إلى الأسفل، وقوّتا ردّ الفعل العموديّتان اللّتان تؤثّر بهما كلّ من الطبقة الموجودة فوق القطعة الخشبيّة والطبقة الّتي تحتها. قوى ردّ الفعل العموديّة هي الّتي تمنع، عمليًّا، انهيار أو تداخل الموادّ الصلبة على وفي بعضها البعض، ومصدرها في القوى الكهربائيّة الميكروسكوبيّة. بالمناسبة، غالبًا ما تكون هناك علاقة رياضيّة بسيطة بين الاحتكاك وبين قوّة ردّ الفعل العموديّة.
القوى المؤثّرة في القطع الخشبيّة في البرج | التخطيط التوضيحيّ: يهونتان بركهايم
تهدف كلّ واحدة من النصائح المذكورة آنفًا إلى تقليل شدّة هذه القوى أو إلى تقليل مدى تأثيرها الإجماليّ.
النصيحة الأولى (اختيار القطع القريبة من رأس البرج) ترشدنا إلى اختيار القطع الّتي فوقها طبقات تؤثّر فيها بقوّة ردّ الفعل العموديّة القليلة نسبيًّا.
أمّا النصيحة الثانية فتتطلّب منّا دقّة في التمييز: قطع اللعبة ليست متطابقة تمامًا في حجمها ومقاساتها، وذلك مقصود وليس محض صدفة. كلّ قطعة فريدة في حجمها ومقاساتها، وتتكوّن فراغات بين القطع الرفيعة وبين جاراتها من فوقها، الأمر الّذي يُسَهِّل إخراج هذه القطع، إذ تقلّ قوّة الاحتكاك الأفقيّة العاملة بين هذه الطبقات.
النصيحة الثالثة واضحة: إذا أزلنا قطعة من المركز، تبقى القطع الجانبيّة مدعومة بالطبقة الّتي من فوقها، فتؤثّر قُوى ردّ فعل عموديّة قويّة تمنع انهيار البرج بتأثير قوّة الجاذبيّة.
النصيحة الرابعة (مراقبة القطع الموجودة فوق القطعة الّتي نريد إزالتها) تهدف إلى التيقّن من أنّ إزالة القطعة لا تؤدّي إلى تضعضع القطع الأخرى وسقوطها؛ حيث إنّه لا شيء من تحتها يثبّتها جيّدًا. هذا "الشيء" هو قوّة ردّ الفعل العموديّة الّتي تؤثّر بها القطعة الواقعة تحت القطعة الّتي نريد إزالتها. تُوَجِّهنا هذه النصيحة عمليًّا لأن نوازن بين قوّة الجاذبيّة الّتي تجذب القطع الخشبية إلى الأسفل وبين قوّة ردّ الفعل العموديّة الّتي تُبقي عليها في مكانها، وألّا نكون مطمئنين تجاههما، لأنّ كَسْب التوازن بين هذه القوى ليس سهل المنال: إزالة القطعة تؤدّي إلى إخلال التوازن بينهما. بعد إزالة القطعة، قد تتغلّب قوّة الجاذبيّة على قوّة ردّ الفعل العموديّة الّتي تؤثّر بها القطع المتبقية، ويَتضعضع ثبات البرج فينهار.
تهدف النصيحة الخامسة (شدّ القطع بسلاسة وليس بصورة فجائيّة) إلى تحسين النسبة بين القوى الأفقيّة، أي القوّة الّتي يؤثر بها اللاعب، وبين قوى الاحتكاك. انتبِهوا: قد يكون البدء بتحريك القطعة الخشبيّة، أحيانًا، أصعب من الاستمرار في تحريكها، وهذا ما يُقحِم عنصر اللاخطّيّة أو المفاجأة في النظام- تمامًا كالّذي نواجهه عندما نبذل جهدًا في رفع شيء ثقيل عن الأرض.
قد تبدو النصيحة السادسة (التفكير جيّدًا أين نضع القطعة بالضبط، في رأس البرج) تافهة أو عديمة الأهميّة، إلّا أنّها تعتمد هي الأخرى على أسس فيزيائيّة. تتكوّنُ وُسعةٌ بين الطبقات عندما نستلُّ قطعة جانبيّة. يؤدّي وضع القطعة في رأس البرج، بالضرورة، إلى زيادة عدم الاستقرار الميكانيكيّ، يزداد الحِملُ على الجانب الّذي وُضِعت فيه القطعة، الأمر الّذي قد يؤدّي إلى انهيار البرج بسبب فقدان التوازن بين القوى العموديّة. لكن، إذا وضعنا القطعة في الجانب المضادّ للجانب الّذي أزلناها منه، قد نُقلّص بذلك هذا الحِمل- بشكل مُؤقّت، طبعًا.
وتهدف النصيحة السابعة أيضًا إلى الإسهام في استلال القطعة بلطف وبأقلّ فجائيّة: إذا كانت القطعة مثبَّتة جيّدًا بين القطع المجاورة، يمكننا هزّها هبلطف وإزالتها من مكانها بأقلّ ما يمكن من ارتجاج البرج.
تُؤخّر الاستعانة بالنصائح لحظة حدوث ما هو حاصل حتمًا- يبدو البرج مائلًا للانهيار | Jim Lambert, Shutterstock
"البناء" باللغة السواحليّة
أوجدت المُصمّمة البريطانيّة ليزلي سكوت (Scott) هذه اللعبة المحبوبة في مطلع سبعينيّات القرن الماضي (القرن العشرين) كترفيه منزليّ مرتجل لأطفالها، وعرضته سنة 1983 في معرض الألعاب في مدينة لندن. بعد فترة قصيرة، اشترى المُتعهّد روبرت ڠريبلر (Grebler)، وهو أخو صديقة سكوت الحميمة، حقوق تصنيع اللعبة وتسويقها. بيعَ، حسب التقديرات، أكثر من 95 مليون (!) طقم من اللعبة خلال العقود الأربعة الّتي مضت منذ ذلك الحين.
سكوت، البالغة من العمر اليوم 67 عامًا، هي بريطانيّة الأصل، إلا أنّ اختراع اللعبة له أصول إفريقيّة. وُلدت سكوت في طنجانايكا، الّتي تُشكّل اليوم جزءًا من تنزانيا، وتحدّثت اللغة السواحليّة بطلاقة في صباها. يعتمد اسم اللعبة على كلمة kujenga السواحليّة الّتي تعني "البناء"، وكيف لا؟ استخدمت سكوت في لعبة الجينچا المرتجلة والأوليّة مكعّبات لعبة أبنائها والّتي كانت قد ابتاعتها من مِنشرة للأخشاب في مدينة تاكورادي (Takoradi) في غانا.
حاولت سكوت الّتي تقدّمت في السنّ، بعد أن اخترعت بعض الألعاب الأخرى، والّتي لم تلقَ نجاحًا كالّذي حظيت به لعبة الجينجا، فكّ سرّ سحر هذه اللعبة واستطالة ممارستها وذلك من خلال مقابلة مع مجلة نيويورك تايمز. اللعبة، حسب قولها، غاية في البساطة- إلا أنّها ليست سطحيّة. هي شيء واسع ومُركّب- إلّا أنّه ليس معقّدًا- يحدث هذا الشيء عندما يلعب الشخص الجينجا. وكفانا ذلك.
يمكن إدراك ذلك. تتيح اللعبة نوعًا من ممارسة هندسة البناء للمبتدئين، وعلى الرغم من أنّ نتيجتها معروفة مسبقًا، إلّا أنّ التوتّر يزداد كلّما أخذ ثبات البرج باِلتضعضع، حتّى الذروة المهيجة للعاطفة الّتي تحصل مع انهياره. لا عجب إذًا أن اقتحمت اللعبة صالة المجد والشموخ في متحف سترونݞ للألعاب.
يدّعي منتجو اللعبة أنّ أعلى برج تمَّ بناؤه منسوب، على ما يبدو، إلى روبرت ڠريبلر بحدّ ذاته، والّذي نجح في بناء برج من 40 مرحلة (كلّ "مرحلة" هي عبارة عن طبقة من ثلاث قطع خشبيّة، الواحدة بجانب الأخرى) بالإضافة لثلثَي الطبقة، وذلك سنة 1985- باستخدام طقم اللعبة الأصليّ التابع لِسكوت.
لا بدّ أن يكون هناك من يحاول إبداء ذكائه ويقول إنّه يمكن، باستخدام هذه المجموعة من النصائح الأساسيّة، إنشاء محاكاة في الكمبيوتر تحسب توازن القوى في كلّ خطوة مُعطاة، وَتساعدنا على الفوز. قد يكون ذلك ممكنًا، إلّا أنّه غير مُرضٍ بما فيه الكفاية، كما كان قصد مخترعة اللعبة.