الصيغة الكاملة للسؤال: في كتاب الكيمياء والكهرباء للصف الثامن (دليل المعلم)، ورد أن العملية التي يتم فيها بناء جزيء مُعيّن من جزيئات أصغر منه (أو من ذرات) - تُطلِق، بشكل عام، طاقة، وأن العملية التي يتم فيها تفكيك جزيء مُعيّن إلى جزيئات أصغر منه (أو إلى ذرات)، تستهلك طاقة. هذا الأمر يتناقض مع ما هو مذكور في أماكن كثيرة: إنّ تفكّك جزيء ATP - يُطلِق طاقة. أين هي الحقيقة إذاً؟

الحقيقة موجودة في كتاب الكيمياء والكهرباء، ويمكن صياغة  ما ورد هناك بطريقة أكثر دقَّةً: عند تكوّن رابطة كيميائية بين ذرتين، تنطلق طاقة دائمًا، وبالعكس، علينا تزويد طاقة، لفك رابطة كيميائية دائماً.

التفسير المنطقي: لو كان العكس صحيحاً، أي لو كان  تفكيك الروابط يُطلِق طاقة، لَما كانت هناك جزيئات في عالمنا، لأن المواد تميل إلى أن يكون لديها أقل ما يمكن من الطاقة، فهي تميل لأن تُطلِقَ طاقة إلى البيئة المحيطة بها (قانون الثيرموديناميكا الثاني).  وفقاً لهذا المنطق، من المفضل لجميع الجزيئات أن تكون متفكّكة إلى ذراتها (بدون أية روابط كيميائية) بعد أن تُطلِقَ طاقة إلى البيئة المحيطة بها، فيصبح عالمنا خالياً من المواد المُرَكّبة، ويحتوي على "حِساءٍ" من الذرات المنفردة. لكن، في الواقع، الرابطة الكيميائية هي حالة أكثر ثباتاً من الحالة "المُفكّكة"، وعليه، فإن الروابط تتكوّن أساساً من أجل الوصول إلى أقل ما يمكن من الطاقة.
هذا يعني أنه في كل تفاعل كيميائي مُطلِقٍ للطاقة، مرحلة تكوّن الروابط الكيميائية الجديدة هي التي تُطلِق الطاقة. على سبيل المثال، في العملية التي يتفاعل فيها غاز الطهي (غاز البروبان، C3H8) مع الأكسجين (O2) الموجود في الهواء، فيشتعل إلى ثاني أكسيد الكربون (CO2) وبخار الماء (H2O)، وذلك بحسب التفاعل:

C3H8 + 5O2 ------------> 3CO2 + 4H2O

فإن المرحلة التي تُطلِقُ الطاقة هي المرحلة التي تتكوّن فيها الرابطة الكيميائية بين الأكسجين (O) وبين الكربون (C) في ثاني أكسيد الكربون، والرابطة بين الأكسجين (O) وبين الهيدروجين (H) عند تكوين الماء.


موقد غاز الطهي. تصوير: sfllaw، صورة من ويكيبيديا

كل من يستعمل موقد الغاز يعرف أن غاز الطهي الذي يُمكن أن  يتسرّب إلى الهواء لا يشتعل من تلقاء ذاته - بل  يجب، أولاً، تزويد العمليَّة بالطاقة؛ بواسطة شرارة كهربائية أو بواسطة شرارات صادرة من فلز متّقِد (كما في القدّاحة)، أو بواسطة عود ثقاب مشتعل. يجب تزويد ما يسمى بـِ "طاقة التفعيل" لكي تبدأ العملية (شرح إضافي عن طاقة التفعيل تجدونه في الرابط الوارد في نهاية هذه الإجابة). لماذا تلزم طاقة التفعيل (بشكل خاص)؟ المرحلة الأولى من التفاعل هي مرحلة تستهلك طاقة: المرحلة التي تتفكّك فيها الروابط في الجسيمات المتفاعلة (مثلاً، بين ذرات الأكسجين في جزيئات الأكسجين(O2) والروابط بين الكربون وبين الهيدروجين في جزيئات البروبان. بعد أن يبدأ التفاعل، تنطلق طاقة في عملية الاحتراق، وتكون كافية لاستمرار تزويد طاقة التفعيل لجزيئات جديدة فتحترق.


إشعال قدّاحة الغاز (تزويد طاقة التفعيل) بواسطة الشرار المنبعث من احتكاك الفلز. الصورة من ويكيبيديا

إجمال: تنطلق الطاقة الكيميائية المخزونة في الجزيئات والذرات عند تكوّن روابط كيميائية جديدة. من الممكن القول، أيضاً، إن الروابط الجديدة المُتَكوّنة في التفاعل الكيميائي الذي يُطلِق طاقة إلى البيئة المحيطة، تكون أكثر ثباتاً من الروابط الكيميائية التي كانت موجودة في الجسيمات المتفاعلة. لذلك، يكون إجمالي ما ينبعث من الطاقة عند تكوّن الروابط الجديدة أكبر من إجمالي الطاقة المبذولة اللازمة لتفكيك الروابط القديمة.

في ما يتعلق بالـ ATP - يوجد، ببساطة، خطأ لدى البيولوجيين، إذ أنهم لا يكتبون التفاعل الكيميائي بأكمله. ATP، أو ثلاثي فوسفات الأدينوزين (مادة الأدينوزين المتصلة بها ثلاث مجموعات فوسفاتية)، هي المادة التي تُزِوِّد الطاقة للتفاعلات البيوكيميائية في عالم الأحياء. في كل مرحلة في عالم الأحياء، تقريباً، عندما توجد حاجة للطاقة (مثلًا،مثل تحريك ذنب الخلية المنوية، تحريك عضلة الفخذ، ضخ الأيونات لتكوين جهد كهربائي في الخلايا العصبية أو عند الحاجة لإنتاج الزلاليات داخل الخلية)، يشارك جزيء ATP في العملية ويزوّدها بالطاقة، بينما هو، أي جزيء الـ  ATP، يتفكّك. وثمة حقيقة أخرى تدلّ على أهمية هذا الجزيء: يصل وزن الـ ATP في جسم الإنسان المتوسط إلى ربع كيلوغرام! ولكن الـ ATP لا "يتفكّك" عبثاً، بل  يتفاعل تفاعُلًا كيميائيًّامع الماء، وفي هذا التفاعل تنطلق طاقة. ( في التفاعل تنطلق المادة الوسطية ⎺PO3 ، التي تتفاعل بشكل فوري وتُنتِج روابط كيميائية مع الماء لينتج الهيدروجين فوسفات ⎺HPO4. وإذا أردنا التدقيق (مع أن الكثيرين ممن يتعلمون موضوع البيولوجيا لا يفعلون ذلك) علينا القول إنَّ الطاقة تنطلق عند حصول عملية حلمأة أو هيدروليزا ( تفكيك أو تحليل بالماء، هيدرو= ماء، ليزا= تفكيك أو تحليل) للـ ATP إلى ADP (ثنائي فوسفات الأدينوزين).وما دمنا في هذا السياق، فان عملية تفكّك الفوسفات من الـ ATP تستهلك 'قليلاً') من الطاقة من البيئة المحيطة، هي طاقة تفعيل العملية، ولا تُطلِق طاقة بتاتاً.
أي أن العملية ليست مجرد عملية تفكيك كما يكتبون عادة:
ATP --------> ADP + P
بل هي تفاعل كيميائي تتكوّن فيه روابط جديدة (بين ذرات الفوسفور والأكسجين)، تُطلِق طاقة للبيئة المحيطة

ATP + H2O -------> ADP + P

(في الطبيعة، التفاعلات الكيميائية التي هي بحاجة لتزويد طاقة من الـ ATP غالباً ما تُطلِق ماءً، مثل تكوين الزلاليات (البروتينات) من الأحماض الأمينية، والماء المنطلق يُستَخدم لتحليل الـ ATP. أي أن الطبيعة، بحكمة ونجاعة، تُقرِنُ تفاعُلين كيميائيين الواحد بالآخر، لاستغلال الطاقة التي في أحدهما وتزويدها للتفاعل الآخر، وكذلك لتزويد المواد الناتجة من التفاعل الآخر للتفاعل الأول).

0 تعليقات