ما هي حُمّى النيل الغربيّ؟ كيف تنتقل؟ ما هي مخاطرها؟ وهل الخوف منها مبرّر؟
حُمّى النيل الغربيّ (West Nile fever) هي في الأساس حُمّى تشبه الإنفلونزا، وسببها فيروس ينتقل عن طريق لدغة البعوض. أصل اسمها هو المنطقة الجغرافيّة الّتي تمّ وصفها فيها لأوّل مرّة- في أوغندا، غرب منشأ النيل الأبيض. في إسرائيل، تمّ توثيق المرض لأوّل مرّة في سنة 1950، ويظهر في العقود الأخيرة في كلّ سنة. سُجّلت موجة كبيرة بشكل خاصّ في سنة 2000، رصد 425 مريضًا. وفي هذه السنة (2024) وصل عدد المصابين إلى ذروته منذ أكثر من عشرين سنة، ما أعاد المرض إلى عناوين الأخبار.
لنبدأ بالتطمين ونؤكّد أنّه على عكس الأمراض الفتّاكة الّتي تنتقل عن طريق لدغات البعوض، مثل الملاريا أو الحُمّى الصفراء، فإنّ حوالي 80 في المائة من المصابين بحُمّى النيل الغربيّ لا يتوقّع أن يعانوا من أعراضها على الإطلاق، وربّما لن يصابوا بها حتّى. وكذلك لدى المصابين الّذين يعانون من أعراض ويعانون من الحُمّى، عادة ما ينتهي المرض دون علاج في غضون ثلاثة إلى عشرة أيام. فقط لدى أقلّ من 1% من الحالات يتطوّر المرض ويصبح أكثر تعقيدًا، بحيث يصيب الجهاز العصبيّ المركزيّ ويهدّد الحياة.
معظم المرضى لا يعرفون حتّى أنّهم قد أصيبوا بالعدوى، وأقلّ من واحد في المائة منهم قد يصابون بمرض خطير، بل ومميت. فيروسات حُمّى النيل الغربيّ، الصورة بالمجهر الإلكترونيّ | NATIONAL INSTITUTE OF ALLERGY AND INFECTIOUS DISEASES / NATIONAL INSTITUTES OF HEALTH / SCIENCE PHOTO LIBRARY
الطيور والبعوض ونحن
مسبّب المرض هو فيروس من عائلة الفيروسات المصفّرة (Flaviviruses) والّذي يمرّ بدورات التكاثر والعدوى بين البعوض والطيور. يتكاثر البعوض في مصادر المياه، وهي نقطة الالتقاء الّتي يلسع فيها الطيور وينقل إليها الفيروس. وهكذا تصبح الدواجن العائل الرئيس للفيروس. البعوض ليس هو سبب المرض ولا يصاب به، بل هو فقط بمثابة ناقل يتلقّى الفيروس من الكائن العائل (الدواجن) وينقله إلى كائن حيّ آخر، مثل الإنسان.
وبالإضافة إلى الدواجن، وخاصّة عائلة الغربان، يمكن العثور على الفيروس أيضًا في الخيول والكلاب وبالطبع في البشر ولكن باحتمال أقلّ. يكون الحمل الفيروسيّ لدى البشر المصابين منخفضًا، ما يعني أنّ تركيز الفيروس في الدم ليس كافيًا لكي تصاب البعوضة الّتي لا تحمل الفيروس بالعدوى عن طريق لدغ شخص ما ونشره بشكل أكبر. ولذلك يعتبر الإنسان عائلًا غير فعّال للفيروس. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الفيروس ليس معديًا من شخص لآخر، على الرغم من أنّ العدوى من شخص لآخر يمكن أن تحدث بطرق أخرى ونادرة جدًّا مثل التبرّع بالدم المصاب أو زرع عضو أو الانتقال من الأم إلى الجنين.
البعوض الرئيس الّذي يحمل الفيروس هو بعوضة الكوليرا (Culex pipiens) وهي شائعة جدًّا في إسرائيل، ولكنّها تنتقل أيضًا عن طريق لدغات بعوضة النمر الآسيويّ (Aedes albopictus)، وهي شائعة أيضًا في إسرائيل. ويبلغ المرض ذروته في أشهر الصيف والخريف، ربّما بسبب ارتفاع درجات الحرارة الّتي توفّر بيئة مريحة للبعوض.
عندما تلدغ البعوضة الحاملة للفيروس شخصًا، فإنّها تحقن في الطبقات الداخليّة من جلده اللعاب الّذي يحوي الفيروسات. هكذا تبدأ الفيروسات رحلتها في جسم الإنسان. هذه هي المرحلة الأولى (المرحلة المبكرة- early phase) والّتي يتكاثر فيها الفيروس ويستقرّ بشكل رئيس في الجزء الداخليّ من الجلد. يحارب الجهاز المناعيّ انتشار الفيروس ليمنعه من الانتقال إلى المرحلة التالية (مرحلة الانتشار-Dissemination phase)، وهي مرحلة الاختراق والتثبّت في مجرى الدم (تفيرس الدم- Viremia) حيث تنتقل الفيروسات إلى الأنسجة مثل الغدد الليمفاويّة، البنكرياس والكلى. والمرحلة الثالثة هي اختراق الدماغ وتهديد عمل الجهاز العصبيّ المركزيّ (Central Nervous Phase) حيث قد يسبّب الفيروس مضاعفات تهدّد الحياة.
كما توفّر مصادر المياه الراكدة الصغيرة أرضًا خصبة لبعوض النمر الآسيويّ. يرقات وعذارى البعوض في وعاء من الماء | تصوير: PASCAL GOETGHELUCK / SCIENCE PHOTO LIBRARY
الأعراض والمضاعفات
تبلغ فترة الحضانة، أي الوقت الّذي يمرّ من اللدغة وحتّى ظهور أعراض المرض، ستّة أيام في المعدّل ولكن يمكن أن تستمرّ إلى أسبوعين. تظهر الأعراض لدى حوالي 20 في المائة فقط من المصابين، تظهر لدى معظمهم على شكل حُمّى خفيفة تشبه الإنفلونزا، مصحوبة بصداع، غثيان، آلام في العضلات، وهَن، وطفح جلديّ يختفي بعد حوالي أسبوع ودون الحاجة لعلاج خاصّ. في واحد من كلّ 150 شخصًا مصابًا، معظمهم من الرجال والنساء الّذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، أو مرضى السكريّ أو أولئك الّذين يعانون من ضعف الجهاز المناعيّ، قد يكون المرض طويل الأمد وشديدًا.
قد تظهر لدى هؤلاء المرضى مضاعفات في الجهاز العصبيّ المركزيّ مثل التهاب السحايا (Meningitis) والتهاب الدماغ (Encephalitis) الّذي يظهر على شكل صداع شديد، ارتفاع في درجة الحرارة، الارتباك، اختلاج، ضعف في العضلات، وربّما يؤدّي إلى الوفاة. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن حدوث ضرر للقلب والعينين والبنكرياس. يمكن تشخيص المرض من خلال اختبار الأجسام المضادّة في الدم أو السائل الشوكيّ، ولكن يتمّ إجراء الاختبار عادة فقط في حالة المرض الشديد. ولا يوجد حاليًّا علاج للمرض أو لقاح وقائيّ، ولكن هناك محاولات للعلاج بالإنترفيرون- وهو علاج خاصّ تمّ اختباره أيضًا ضدّ فيروس كورونا.
عادة ما يتمّ إجراء الاختبار فقط عند ظهور أعراض لمرض خطير. أنابيب فحص الدم تحمل علامة "إيجابيّ" لحُمّى النيل الغربيّ | تصوير: faniadiana24, Shutterstock
الوضع في إسرائيل
تعتبر أعداد المصابين بالمرض هذه السنة استثنائيّة من ناحية الانتشار وتتركّز في مركز البلاد. وبحلول منتصف تشرين الأوّل، بلغ عدد المرضى المؤكّدين 922 شخصًا. ومن بين هؤلاء، تُوفي 72 بسبب المرض، معظمهم يبلغون من العمر 70 عامًا أو أكثر، مقارنة بمتوسّط 36 مريضًا سنويًّا في السنوات الخمس الماضية. ومن المهمّ ملاحظة أنّ المرضى المؤكّدين لا يمثّلون سوى جزء صغير من عدد المصابين بالفيروس. والرقم الحقيقيّ أعلى بكثير، لأنّ المريض المؤكّد عادة يكون شخص قد أصيب بمرض خطير وتمّ إدخاله إلى المستشفى حيث تمّ تشخيص الفيروس هناك فقط.
ولا يزال سبب الحجم الاستثنائيّ للإصابات هذه السنة مبهمًا. أحد التفسيرات المحتملة هو الظروف المناخيّة المثاليّة الّتي تواجدت هذه السنة للبعوض، شتاء ممطر وصيف مع درجات حرارة عالية جدًّا، ما خلق وفرة في مصادر المياه الراكدة المناسبة للتكاثر. وقد تكون هذه الظواهر مرتبطة بالتغيّر المناخيّ والاحتباس الحراريّ، الّذي يتزامن مع زيادة حالات الإصابة بحُمّى النيل الغربيّ في العديد من الدول الأوروبيّة، وكذلك في الولايات المتّحدة. تشير الدراسات، على سبيل المثال، إلى أنّ زيادة استخدام الريّــ وهو نتيجة ثانويّة لتغيّر المناخــ يعمل على استقرار البعوض ويساعد في انتشار المرض.
يساعد تغيّر المناخ والنشاط البشريّ على انتشار البعوض والأمراض. علامة تحذيريّة من حُمّى النيل الغربيّ، مع تعليمات حول كيفيّة تجنّب لدغات البعوض | تصوير: WoodysPhotos, Shutterstock
حدثت مضاعفات نادرة للمرض قبل بضعة أيّام لدى امرأة تبلغ من العمر 30 عامًا، وصلت إلى المستشفى وهي تعاني من شكاوى غير محدّدة مثل الصداع، آلام في العضلات، طفح جلديّ وعدم وضوح الرؤية بشكل طفيف، وتلقّت علاجًا داعمًا دون الحاجة إلى العلاج. شَخَّص الأطباء الحالة بأنّها إصابة بحُمّى النيل الغربيّ. مع تدهور حالتها العامّة، وضعف البصر بشكل خاصّ والّذي تجلّى بقصور في المجال البصريّ واضطرابات إضافيّة في النظر، خضعت لفحص شامل للعين وتمّ تشخيص إصابتها بالتهاب المشيميّة (choroiditis) مع إصابة التجويف الزجاجيّ.
أثارت إصابة العين بالمرض شكوك الأطباء، وبدا ذلك غير عاديّ بالنسبة لهم، وبعد استشارة أخصائيّي العيون في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم، تمّ تشخيص إصابتها بحُمّى النيل الغربيّ. وقال البروفيسور يوسف بيكل والدكتورة ميخال ليفشيتز من مستشفى أسوتا: "من المعروف أنّ مثل هذه الإصابة هي جزء من أعراض المرض، لكنّها نادرًا ما تحدث ومن النادر حدوث مثل هذه الإصابة لدى مريض صغير في السنّ".
"وفقًا لوصف الحالة الموثّقة، في بعض الأحيان لا تعود الرؤية إلى حالتها السابقة. تمّ تسريح المريضة بعد أيام قليلة لأنّ حالتها استقرّت. ليس لدينا اليوم علاج جيّد للأمراض الفيروسيّة، ولكنّنا نعتقد أنّ الرؤية ستتحسّن. هذه حالة نادرة جدًّا، ولكن في إسرائيل يجب أن نكون على دراية بذلك، خاصّة في ظلّ تزايد أعداد المصابين بحُمّى النيل الغربيّ".
كما ذكرنا، في حالات المضاعفات النادرة نسبيًّا، يكون العلاج الرئيس هو العلاج الداعم للأعراض وليس ضدّ مسبّب المرض. كما ذكرنا، فإنّ معظم البعوض في إسرائيل لا يحمل الفيروس وبالتالي لا يشكّل خطر الإصابة بالمرض. ومع ذلك، نظرًا لعدم وجود علاج فعّال أو لقاح وقائيّ حتّى الآن، فإنّ الدفاع الفعّال ضدّ اللدغات يقلّل من خطر الإصابة بالأمراض. وتشمل هذه الحماية ارتداء ملابس طويلة، استخدام طاردات البعوض، تركيب شبكات في النوافذ، استخدام المراوح، وتجفيف مصادر المياه، حتّى الصغيرة منها مثل أواني الزهور.