هل تكمن مخاطر في العمليّات التّجميليّة لتكبير الصّدر أم في إعادة تأهيله؟ النّتائج بعيدة عن أن تكون قاطعة، ولكن يبدو أنّ غرسات السّيليكون تزيد من خطورة الإصابة بالسّرطان وبأمراض المناعة الذّاتيّة.
تعتبر العمليّات الجراحيّة للثّدي، بما فيها عمليّات الزّرع، من العمليّات التّجميليّة الأكثر شيوعًا اليوم، وعادة ما تُجرى لاستعادة الثّدي بعد الاستئصال، أو لتكبير الصّدر لأهداف تجميليّة. الطّعوم/ الغرسات موجودة داخل غلاف سيليكون وتنقسم إلى نوعين: الأول يحوي محلولًا ملحيًّا (سيلاين)، والثّاني يحوي جل (هلام) السّيليكون.
على مرّ السّنين، نشأت مخاوف عديدة بشأن استخدام هذه الغرسات، بسبب خطر تمزّقها وتسرّب محتواها. عام 1992 قامت إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة (FDA) بإيقاف استخدامها جزئيًّا، ولكن بعد 14 عامًا وافقت مجدّدًا على استخدامها بعد إجراء العديد من الأبحاث الّتي لم تجد أيّ خطر فيها. ومع ذلك، أوصى ال- FDA النّساء بفحص سلامة طعوم/غرسات السّيليكون كلّ عامين بواسطة التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI).
في السّنوات الأخيرة، عادت غرسات السّيليكون إلى العناوين الرّئيسيّة، وأصدر ال-FDA مؤخّرًا تحذيرين. في يوليو 2019، تمّ الإبلاغ عن أنّ غرسات السّيليكون من شركة Allergan ترتبط بتطوّر نوع نادر من سرطان الغدد اللّيمفاويّة (ليمفوما). أصدر المدير تحذيرًا حول استعمال هذا النّوع من الغرسات، وأبلغت الشّركة أنّها ستتوقّف عن إنتاجها، وطلبت من الأطبّاء الّذين اشتروها عدم استخدامها. ومع ذلك، تمّ التّأكيد على أنّ الخطر كان منخفضًا جدًّا، أي أنّه إذا كانت امرأة قد خضعت لعمليّة زرع، فلن تكون هناك حاجة إلى إزالته.
غرسة تحت الهجوم
أصدرت إدارة الغذاء والدّواء في أكتوبر رسالة تحذير أخرى، بعد سنوات عديدة من النّتائج المتناقضة حول العلاقة بين الغرسات وخطر الإصابة بأمراض المناعة الذّاتيّة، وهي أمراض يهاجم فيها جهاز المناعة الأنسجة السّليمة للجسم نفسه. بالأحرى، يدور نقاش في المجتمع العلميّ حول هذا الموضوع منذ عدّة سنين.
المشكلة هي أنّ أمراض المناعة الذّاتيّة ليست شائعة ويصعب نسبيًّا تشخيصها، إذ أنّ أعراضها غالبًا ما تكون مشابهة لحالات طبّيّة أخرى، حتّى أنّه يتمّ تشخيص البعض منها عن طريق إلغاء احتمال وجود أمراض أخرى. لذلك، عندما تشتكي النّساء من أعراض مثل الألم والتّعب، فإنّها تميل إلى التّوقّف عن التّذمّر أو ربط الأعراض مع حالات طبّيّة أخرى لا تتعلّق بالزّرع. ولكن، أفادت التّقارير أنّه مع الوقت تحسّنت حالة العديد من النّساء اللّواتي أزلن غرسات السّيليكون.
تعزّز النّتائج الّتي تربط بين أمراض المناعة الذّاتيّة والموادّ الطّبّيّة الأخرى (مثل الشبكات الّتي تستخدم أحيانًا في جراحة الفتق) الخوفَ من أنّ الزّرع قد يساهم في تطوّر هذه الأمراض. ترتبط هذه الشّبكات، من بين أشياء أخرى، بأمراض مثل تصلّب الجلد ومتلازمة شوغرن، اللّذين يضرّان بالأنسجة الضّامّة ، أو التهاب المفاصل الرّوماتويديّ.
نشأت المخاوف من الميدان عندما أبلغت النّساء اللّاتي يعانين من أعراض أمراض المناعة الذّاتيّة عن اختفاء الأعراض بعد إزالة الزّرع. ومع ذلك، لم تجد الدّراسات علاقة بينهما ذات دلالة إحصائيّة. راجعت لجنة من الباحثين، الّتي عُيّنت على يد المحكمة الأمريكيّة لفحص العلاقة المحتملة بين غرسات السّيليكون وأمراض النّسيج الضّامّ، 24 دراسة واستنتجت أنّه لا توجد صلة بين الاثنين. في المقابل، وجدت دراسة أخرى، الّتي حلّلت 32 دراسة سابقة، أنّ عمليّات الزّرع تزيد من أمراض المناعة الذّاتيّة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك من يعتقد أنّ الدّراسات الّتي تعرض عمليّات الزّرع بصورة إيجابيّة تستند إلى عيّنات صغيرة جدًّا من النّساء تمّ فحصها بعد وقت قصير من الزّرع. الصّعوبة الكامنة في تشخيص الأمراض يساهم أيضًا، حسب ادّعائهم، في تحيّز هذه الأبحاث.
تحذّر الـ FDA تحذيرًا خفيفًا من استعمال غرسات السّيليكون. غرسة الثّدي | الصورة: Science Photo Library
"إخراج الجِنِّي من القمقم"
أجرِيت في الولايات المتّحدة دراسة كبيرة عام 2018 فحصت مئة ألف امرأة زرعت ثديًا. كانت خلاصتها أنّ زرع غرسات الثّدي مرتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض المناعة الذّاتيّة. تمّ إجراء أحد الأبحاث الرّائدة في هذا المجال في إسرائيل، وهو بحث استند إلى مخزن معلومات محوسب تابع لصندوق الصّحّة مكابي. ا قام الباحثون بفحص السّجلّات الطّبّيّة لـ 24651 امرأة مع غرسات السّيليكون مقارنة بـ 98604 امرأة بدون غرسات، ووجدوا أنّ نسبة أمراض المناعة الذّاتيّة كانت أعلى لدى النّساء اللّواتي خضعن لعمليّة الزّرع.
ومع ذلك، لوحظ في جميع الدّراسات أنّه على الرّغم من وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة بين الزّرع وهذه الأمراض، لم تتمكّن أيّة دراسة من إظهار علاقة سببيّة بينهما أو حتّى اقتراح آليّة يمكن أن تكون مسؤولة عن العلاقة. من المحتمل مثلًا أن تكون هناك مجموعة من النّساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذّاتيّة، وتفاعل أجسامهنّ مع الغرسات يحفّز تطوّر المرض. المشكلة هي أنّه حتّى لو كان هذا صحيحًا، فإنّنا لا نعرف كيفيّة تمييز هؤلاء النّساء مسبقًا.
دفعت نتائج الدّراسات من السّنوات الأخيرة إدارة الدّواء والأغذية في الولايات المتّحدة إلى إصدار التّحذير في أكتوبر ، وهو تحذير معتدل: لا يحظر استخدام غرسات السّيليكون، وإنّما يوصي فقط بإضافة تحذير كتابيّ على صندوق الزّرع. نظرًا لأنّ النّساء لا ترى عادة صندوق المنتج قبل العمليّة الجراحيّة الّتي يخضعن إليها، فإنّ الأطبّاء المعالجين مسؤولون عن شرح الآثار الجانبيّة المحتملة، قبل وبعد الجراحة، ويلزم أن يراقبوا بشكل فعّال تطوّر الأعراض الّتي قد تشير إلى المرض.
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس