كالعديد من الفيروسات الّتي تصيب جهاز التّنفّس في الجسم، يبدو أن الفيروس المسبّب لوباء الكورونا الحاليّ ينتشر في الأشهر الباردة، بسبب اكتظاظ النّاس في الأماكن المغلقة وضعف الأشعّة فوق البنفسجيّة في هذا الفصل.

من غير الواضح بعد ما إذا سيغدو فيروس كورونا المستجدّ الذّي بدأ تفشّيه هذا العام فيروسًا موسميًّا مثل الفيروسات المسبّبة لنزلات البرد. على الأقلّ في فصل الشّتاء المقبل، يترقّب الباحثون زيادة في عدد الإصابات بالفيروس إن لن يتمّ اتّخاذ خطوات كبيرة للحدّ من انتشاره.

رغم أنّ قدوم فصل الشّتاء غير محسوس بعد في البلاد، إلّا أنّه يقترب. قريبًا، سيكون الجوّ باردًا أكثر في الخارج، سيتجمّع النّاس أكثر داخل المباني ويغلقون النّوافذ لصدّ البرد أو الرّياح. تؤدّي ردود الفعل هذه للطّقس البارد في السّنوات العاديّة إلى انتشار أمراض الشّتاء الموسميّة كالإنفلونزا ونزلات البرد. تشير التّقديرات إلى أنّنا سنشهد هذا العام أيضًا زيادة في عدد المصابين ب COVID-19، المرض النّاجم عن فيروس كورونا المستجدّ SARS-CoV-2.

 

هل الظروف ملائمة للفيروس؟

أظهرت عدّة مقالات نُشرت في الأشهر الأخيرة أنّ فيروس الكورونا يعيش على عدّة أنواع من الأسطح. وجد باحثون أستراليّون أنّه في درجة حرارة 20 مئويّة، تصمد الفيروسات على الأسطح لعدّة أيام وحتّى شهر في بعض الحالات. أمّا في درجة حرارة 40 مئويّة، يتمّ القضاء على جميعًا خلال يوم واحد، على الأكثر. أظهر تقرير صادر عن مركز السّيطرة على الأمراض في الصّين أنّ الفيروس يمكن أن يصمد حتّى في درجة حرارة التّجميد، فقد وُجدت فيروسات حيّة على 22 عبوة من الأسماك المجمّدة (من بين 670 ألف عبوة مفحوصة).

فحص باحثون من معهد الحماية البيولوجيّة في الولايات المتّحدة تأثير درجة الحرارة، الرّطوبة والأشعّة فوق البنفسجيّة على صمود الفيروس في وسط هوائيّ. تشير النّتائج إلى أنّ الرّطوبة العالية في الهواء تؤثّر سلبًا على الفيروس فقط في درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئويّة. كلّما انخفضت درجة الحرارة وضعفت الأشعّة فوق البنفسجيّة، الّتي جزء كبير منها مصدره من أشعّة الشّمس، كلّما طالت مدّة صمود الفيروس.

بالإضافة إلى ذلك، وجد باحثون من جامعة كونتيكت في الولايات المتّحدة، الّذين راقبوا انتشار الفيروس خلال الأشهر الأربعة الأولى من الوباء، أنّ العامل الأكثر تأثيرًا على انتشار المرض هو قوّة الأشعّة فوق البنفسجيّة - فقد انتشر المرض بوتيرة أبطأ في المناطق الّتي تتعرّض لمستويات عالية من الأشعة فوق البنفسجية. لهذا السّبب، يتوقّع الباحثون أنّ المرض سيغدو موسميًّا في المستقبل.

أي أنّه في الطّقس البارد، عندما تحجب الغيوم وصول الأشعّة فوق البنفسجيّة القادمة من الشّمس وفي أيّام الشّتاء القصيرة، يبدو أن للفيروس احتمال أكبر للبقاء على قيد الحياة على الأسطح. يقول عالم البيئة كوري ميرو (Merow) من جامعة كونتيكت  والذي كان من بين مؤلّفي المقال الّذي نُشر في مجلة Nature: "يزداد احتمال الإصابة في الشّتاء، ولكن يمكن العملّ على الحدّ منه من خلال اتّخاذ خطوات وقائيّة صحيحة" لكنّه أشار إلى أنّ تأثير الطقّس على انتشار الوباء هو ضئيل جدًّا.

 


المسبّب الأساسيّ لازدياد المراضة في أشهر الشّتاء هو تجمّع النّاس في الأماكن المغلقة وانعدام التّهوئة. صورة: Shutterstock

 

العامل البشريّ

إذًا، تؤثّر حالة الطّقس على صمود الفيروس، ولكن يبدو أنّ السّبب الرّئيسيّ لزيادة عدد الإصابات بالمرض في أشهر الشّتاء هو تجمّع النّاس في الأماكن المغلقة وعدم التّهوئة؛ ففي الشّتاء نخرج أقلّ إلى الأماكن المفتوحة، نقضي وقتًا أطول في الدّاخل، نشترك بفعاليّات كثيرة المشاركين في قاعات مغلقة ونتجمّع معًا تحت أماكن تغطية من المطر- مثل محطّات المواصلات العامّة. هذه الخطوات جميعها تساهم في انتشار الفيروس بين النّاس.

قام باحثون من جامعة برينستون ببناء نموذج وبائيّ لفحص تأثيرات المناخ وسلوك النّاس على انتشار الوباء. يعتمد النّموذج على فيروس الكورونا من نوع HKU-1 الّذي يسبّب نزلات البرد، وعلى مميّزات مدينة نيويورك، وقد نُشر البحث في منشور أوليّ على موقع medRxiv الإلكترونيّ، ولم يتمّ تقييمه أو نقده بعد من قبل الزّملاء. وفقًا للنّموذج، إنّ التّغيّرات المناخيّة الصّغيرة التي تطرأ عند تغيّر الفصول يمكن أن تؤدّي إلى تفشّي الوباء، إذا لم تُتّخذ التّدابير الكافية للحدّ من انتشار المرض.

في مقابلة حول نفس المقال في مجلّة Nature، قالت راشيل بيكر (Baker)، إحدى الباحثات المشتركة في كتابة المقال: "قد تكون هناك مناطق فيها المناخ هو العامل الحاسم في زيادة المراضة". ومع ذلك، يُظهر النّموذج أنّه على الرّغم من تأثير المناخ على انتشار الوباء، فإنّ أهمّ العوامل المؤثّرة على تفشّي الوباء ستكون الالتزام بوسائل الوقاية مثل وضع الأقنعة، الحفاظ على التّباعد الاجتماعيّ  والامتناع عن  التّجمهرات. لذلك، يوصي الباحثون بتشديد هذه القيود خلال أشهر الشّتاء.

رغم المذكور أعلاه، نظرًا لاندلاع الوباء قبل أقلّ من سنة، ما زالت معلوماتنا ضئيلة لتقييم العلاقة بين تأثير الطّقس وانتشار الوباء، ومقارنتها بأهمّيّة العامل البشريّ. سنتعلّم الكثير من البيانات التّي ستُجمع من النّصف الشّماليّ للكرة الأرضيّة في الأشهر المقبلة.

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات