بمنأًى عن التقييدات العقائديّة والمجتمعيّة، يختار الكثيرون تزيين أجسادهم بنقوش الوشم. لكن ماذا يحدث للجسم عند نقش الوشم؟ وهل يشكّل ذلك خطرًا؟ وكيف يتفاعل جهاز المناعة؟

أصبح الوشم أكثر شيوعًا في مجتمعاتنا. وجد استطلاع أجري في الولايات المتّحدة عام 2023 أنَّ 32 في المائة من الأمريكيّين لديهم وشم واحد على الأقلّ. وفقًا لنتائج الاستطلاع، فإنَّ السبب الأكثر شيوعا للوشم هو تكريم أو تذكّر لشخص أو حدث مهمّ في حياة الشخص الموشوم. إلى جانب القصّة الّتي يحملها كلّ وشم لأولئك الّذين اختاروه، يخفي تحت الجلد قصّة مثيرة للاهتمام بنفس القدر، تتمحور حول الجهاز المناعيّ. إذن ما الّذي يحدث بالفعل للجسم عند نقش الوشم؟


 ثلث الناس في الولايات المتّحدة لديهم وشم واحد على الأقلّ. يد تحمل جهاز الوشم | RONIN001, Shutterstock

الجلد

يعتبر الجلد أكبر عضو في الجسم وهو يغطّي سطح الجسم، ويعمل كحاجز أوليّ ضدّ مسبّبات الأمراض، الأشعّة فوق البنفسجيّة، الموادّ الكيميائيّة الضارّة والإصابات. يتكوّن من ثلاث طبقات: الطبقة الخارجيّة تسمَّى البشرة (epidermis)، طبقة الأدمة (Dermis) تحتها، وطبقة تحت الجلد (Hypodermis) وهي الطبقة الداخليّة. تخترق عدّة إبر البشرة خلال عمليّة الوشم وتحقن الحبر في الأدمة، ما يؤدّي إلى قتل عشرات الآلاف من الخلايا على طول الطريق. عندما تُدخِل الإبرة الحبر، تدخل البكتيريا أيضًا إلى الجلد. حتّى لو قمنا بتطهير شامل للحفاظ على بيئة صحيّة، فإنَّ هناك بكتيريا تبقى على قيد الحياة وتدخل الجسم. تتطلّب هذه المرحلة بالفعل الكثير من الجهد لجهاز المناعة، حيث يقوم بإصلاح الضرر ومحاربة البكتيريا الّتي يمكن أن تسبّب العدوى.

لا تنتهي القصّة هنا. الحبر المستخدَم في الوشم، والّذي يحتوي على صبغة (لون) ومحلول، مصنوع من موادّ غريبة للجسم. ومع دخولها إلى طبقة الأدمة، تبدأ الحرب الحقيقيّة: تصل مجموعة من خلايا الجهاز المناعيّ إلى المنطقة في محاولة لإصلاح الضرر، وتحديد الغزاة وقتلهم. يتمّ قيادة الهجوم المضادّ بواسطة خلايا بلعميّة تسمَّى البَلْعَم، والّتي تلعب دورًا مهمًّا في نظام المناعة الفطريّ لدينا، ويتمّ تنشيطها باعتبارها "خطّ الدفاع الأوّل" ضدّ الغزاة.

في المرحلة الأولى، تحاول البلاعم ابتلاع الأجسام الغريبة وتحييدها باستخدام بيئة حمضيّة. تؤثّر الحموضة الموجودة داخل البلاعم في البكتيريا، ولكن ليس على الموادّ الّتي يتكوّن منها الحبر. تبتلع الخلايا البلعميّة جزيئات الحبر الصغيرة، لكنّها غير قادرة على ابتلاع جزيئات الحبر الكبيرة، لذلك يغيّر الجهاز المناعيّ مسار عمله- إذا لم يكن من الممكن علاج الأجسام الغريبة، فمن الأفضل على الأقلّ منعها من الانتشار في الجسم. تصل بلاعم إضافيّة إلى المكان وتحيط بالجزيئات الكبيرة بطريقة تثبّتها في مكانها.

هذا الردّ المناعيّ يؤدّي في النهاية الى تثبيت الوشم لوقت طويل. وحتّى عندما تموت الخلايا البلعميّة، يتمّ استبدالها ببلاعم صغيرة تستعيد جزيئات الحبر في مكانها. من وقت لآخر، تتمكّن جزيئات صغيرة من الحبر من التحرّر، وبالتالي يتلاشى الوشم وتتلاشى حدوده بمرور الوقت.


يخترق الحبر البشرة- الطبقة الواقية الخارجيّة للجلد، ويرسل إشارات لجهاز المناعة للدخول في المعركة. فنّان وشم خلال العمل | المصدر: David Tadevosian, Shutterstock

واحد مقابل أربعة

وماذا يحدث إذا أردت إزالة الوشم؟ صرّح 24 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنّهم نادمون على الوشم الّذي نقشوه. الحلّ الشائع في مثل هذه الحالات هو العلاج بالليزر، حيث تقوم أشعّة الليزر بتسخين الجزيئات حتّى تتفكّك إلى جزيئات أصغر، ما يؤدّي إلى قتل البلاعم الّتي تحتوي على جزيئات الحبر أو المحيطة بها. تتمكّن بعض الجسيمات من التحرّر والهجرة، ولكن سرعان ما تصل بلاعم جديدة وتحاول استعادة الجسيمات المتبقية في المنطقة.

لذلك، هناك حاجة إلى عدّة علاجات حتّى يتمّ الوصول إلى النتيجة المرجوّة، عادة ما بين 6 إلى 12 جلسة، حسب حجم الوشم، موقعه وألوان حبر الوشم. حتّى بعد الانتهاء من العلاج، قد يبقى أثر للوشم، إمّا بسبب جزيئات الطلاء العنيدة أو بسبب بقاء الحبر عميقًا جدًّا وتفشل أشعّة الليزر في الوصول إلى جميع الجزيئات وتكسيرها.

يمكنك في الفيديو مشاهدة عمليّة إزالة الوشم:

باسم الفنّ

وماذا عن العواقب الصحيّة بعد الوشم؟ في عام 2010، نُشرت دراسة أظهرت أنَّ حوالي ثلثي الأشخاص الّذين نقشوا وشمًا أُصيبوا بمضاعفات طبيّة، على سبيل المثال الطفح الجلديّ والاحمرار، كما أبلغ حوالي عشرة في المائة عن مضاعفات مستمرّة. في عام 2021، أفاد باحثون إسرائيليّون أنَّ خطر حدوث مضاعفات طبيّة بسبب فنون جسديّة، مثل الوشم والنيزوم (الثقب)، يكون أعلى بثلاث مرّات عندما تتمّ العمليّة في الشارع أو في المنزل مقارنة باستوديو أو مركز طبيّ مرخَّص.

في الماضي، كان الخطر الرئيس في الوشم هو في ظروف الوقاية والنظافة. اليوم، أصبح الوعي لهذا الأمر أعلى، ولكن في حالات نادرة- بنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في المائة من الحالات تنشأ عدوى مرتبطة بالوشم: التهابات جلديّة موضعيّة، ونادرًا ما تنشأ عدوى أكثر خطورة، بما في ذلك اليرقان والإيدز (HIV).

وبعيدًا عن مشكلة النظافة، فإنَّ الحبر المستخدَم في الوشم يمكن أن يكون خطيرًا أيضًا. يُعدُّ الحبر الملوّث والتفاعلات التحسّسيّة والسموم جزءًا من مخاطر استخدام الحبر غير الخاضع للرقابة. ولهذا السبب، دخل قانون يحظر استخدام أنواع الحبر الّتي تحتوي على موادّ خطرة حيّز التنفيذ في الاتّحاد الأوروبيّ في عام 2022. وفي الولايات المتّحدة، كما هو الحال في إسرائيل، لا يوجد رقابة حقيقيّة على حبر الوشم. وفي الإشعار الخاصّ بسلامة نقش الوشم الّذي نشرته إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة FDA، جاء فيه أنَّ "إدارة الغذاء والدواء لم توافق على أيّة صبغة للحقن الجلديّ لأغراض تجميليّة".

يقوم الجهاز المناعيّ بكلّ ما في وسعه لحمايتنا، ولكن من المهمّ أيضًا مساعدته. إذا كنتم ترغبون في الحصول على وشم، حتّى بعد أن فهمتم مقدار العمل المطلوب لجهازكم المناعيّ، فمن المهمّ اختيار مكان نظيف يراعي إجراءات الصحّة والسلامة بشكل صارم. قبل ذلك، يوصَى بقراءة منشور وزارة الصحّة، من أجل اتّخاذ قرار حكيم بشأن المكان الّذي ستذهب إليه لنقش الوشم.

 

فيديو رسوم متحرّكة يصف ردّ فعل الجهاز المناعيّ للوشم:

0 تعليقات