ما هي مخاطرُ مرضِ COVID-19 على النّساءِ الحواملِ وأجنّتهنّ؟ هل يمكن للفيروس أن ينتقلَ عبرَ المشيمةِ أو الرّضاعة؟ الأبحاثُ الأولى الّتي أُجريت حول الموضوع صغيرٌةٌ جدًّا، لكنَّ معظمَها مشجّع.
تتكوّن جميعُ الأعضاء والأجهزةُ في جسمِ الجنين خلال تسعةِ أشهرٍ من لحظة الإخصابِ حتّى الولادة. لذا فإنّ الفيروساتِ والملوّثاتِ الأخرى الّتي تصيب الأمّ أثناء الحملِ يمكنها أن تضرَّ بنموِّ الجنينِ وتؤدّي إلى تكوّنِ العيوبِ لديه. بالإضافةِ إلى ذلك، هناك فيروسات يمكنها أن تسبّبَ ولادةً مبكّرةً مصحوبةً بمخاطرَ كثيرةٍ على المولود.
مع ذلك، ليس كلّ فيروس أو مرضٍ معدٍ يعرّض الجنينَ أو الحملَ للخطر. نعرفُ عن ملوّثاتٍ معيّنةٍ أنها تُشكّلُ خطرًا على الأمِّ أو على الجنين، لذا من المعتاد إجراءُ فحوصاتٍ لمعرفةِ ما إذا كانت النّساءُ الحواملُ قد أصبْنَ بها.. ِفيروس ال CMV وطُفيل التوكسوبلازما الّذي ينتقل بشتّى الطّرق ومن بينها عبرَ براز القطط ِهي من الأمثلةِ الشّائعةِ المعروفة. عندما يظهر فيروس جديدٌ غيرُ مألوف، مثلَ فيروس الكورونا المستجدّ SARS-CoV-2، الّذي يسبّبُ مرضَ COVID-19، فإنّ مستوى الخطر على النّساءِِ الحواملِ هو من أوائلِ الأمورِ الّتي ينبغي فحصُها.
هل يُشكّل الفيروس خطرًا على الأمّ؟
يُعتبرُ الجنينُ نوعًا من الأجسامِ الغريبة في رحمِ المرأةِ الحامل. يمرُّ جهازُ مناعةِ الأمِّ بالتغييراتِ التي تُضعفُ ردودَ فعلِهِ اتّجاهَ الأجسامِ "الغازيةِ" الغريبةِ كي لا يُهاجمَ الجنين. نتيجةً لذلك، تكونُ النّساءُ الحواملُ أكثرَ عُرضةً من غيرهنّ للاصابةِ بمُلوثاتٍ مُعديةٍ لم تكن تصابُ بها في الحالةِ الاعتيادية. ثارت تساؤلات، مع قدومِ وباء الكورونا، دارت حولَ الإصابةِ بالفيروس أثناءِ الحمل - مثلًا هل هناك حاجةٌ لوقايةٍ خاصّة، وهل يجب أن يستمرَّ إجراءُ الفحوصاتِ الرّوتينيّة للحملِ على الرّغمِ من خطرِِ العدوى.
نظرًا لأنّه فيروس جديد، لا نعرفُ إلّا القليلَ عن تأثيرِه على النّساءِ الحوامل. لا توجد دلائلٌ على أنّ النّساءَ الحواملَ أكثرَ عُرضةً من غيرهنّ للإصابةِ بفيروس الكورونا، لكنْ إذا أُصيبت المرأةُ الحاملُ بـِ SARS-CoV-2 فإنها تكونُ أكثرَ عُرضةً لخطرِِ دخولِ المستشفى والحاجةِ إلى مساعدةٍ في أداءِ جهازِ التّنفّس. احتمالُ شفاءِ النّساءِ الحواملِ مساوٍ لباقي النّساء.
بالإضافة إلى ذلك، أقرَّ مركزُ مراقبةِ الأمراضِ والوقايةِ منها في الولايات المتحّدة (CDC) أنّه لا يوجد دليلٌ على خطرٍ أكبرَ لتكوّن العيوبِ لدى الجنين أو حالاتِ إجهاضٍ لدى النّساءِ الحواملِ المصاباتِ بفيروس كورونا. بالمقابل، تشيرً الجمعيّةُ الأمريكيّةُ لأمراض النّساءِ والتّوليد، استنادًا إلى معلوماتٍ حولَ فيروسات الكورونا الأخرى مثل SARS و MERS، أنَّ خطرَ حدوثِ مضاعفاتٍ معيّنة، مثل الولادةِ المبكّرة، قد يزدادُ لدى النّساءِ الحواملِ المصاباتِ بالفيروس. على الرغم من ذلك، فإنّ هذه المعلوماتِ محدودةٌ جدًّا، ومن المحتمل أنَّ الفيروس لم يكن هو المُسبب للولادةِ المبكّرةِ في الحالاتِ القليلةِ الّتي تمَّ توثيقُها.
التّوصيات: تقليل التواصل مع النّاس قدر الإمكان، والتقليل من مغادرة المنزل. امرأة حامل تضع كمامةً على وجهها | الصّورة: MIA Studio, Shutterstock
الفيروس والجنين
جرت المحاولةُ في بعض الدراسات لفحصِ احتمالِِ انتقالِ الفيروس من المرأةِ الحاملِ المصابةِ إلى الجنينِ أو الطفلِ المولود، لكنَّ هذه الدراساتِ كانت محدودةً جدًّا فُحصَ فيها عددٌ قليلٌ جدًّا من النساءِ المريضاتِ وبالتّالي فهي لا تُمكّن من الإجابةِ عن السّؤالِ بشكلٍ حاسم.
أجريت دراسةٌ في البؤرةِ الأصليةِ التي تفشّى فيها الوباء، في مدينة ووهان الصّينيّة، ونُشرت في مجلّة The Lancet، تمَّ فيها متابعةُ تسعِ نساءٍ حواملَ أُصبن بالفيروس ومرضْنَ بال COVID-19. تبيّنَ أنّ أيًّا من الأطفال المولودين لم يُصبْ بالفيروس. كما أنه لم يكن هناك أيَّ دليلٍ على وجودِ الفيروس في السّائل السّلويّ (الأمنيوسيّ) أو حليبِ الأمّ.
استعرضت دراسةٌ أخرى في جامعةِ أوغوستا في جورجيا، الولايات المتّحدة، منشوراتٍ في الكتبِ والمجلاتِ الطبّيّةِ عن 38 امرأةٍ حامل ٍمصابةٍ بفيروس الكورونا ووُجدَ فيها أيضًا أنّ أيًّا المولودين لم يُصبْ بالفيروس. كشفت دراسةٌ أخرى من ووهان نتائج أقلّ مدعاة للتفاؤل: أصيبَ ثلاثةٌ من بين أطفال 33 امرأةٍ حاملٍ مصابةٍ بالفيروس ظهرت لديهم أعراضَُ المرض. لم يتضحْ فيما إذا كان الأطفالُ قد أصيبوا بالعدوى داخلَ الرّحمِ أو بعدَ الولادة لأنّ الفحوصاتِ أُجريت بعد بضعةِ أيّامٍ من الولادة. مع ذلك، لم تُستبعَد إمكانيّة انتقالِ الفيروس من الأمّ إلى الجنينِ أثناء الحمل.
كَشفت دراسةٌ جديدةٌ نشرها فريق ٌمن الباحثين الفرنسيّين مؤخّراً عن أوّل حالةٍٍ أصيبَ فيها الجنينُ بفيروس SARS-CoV-2 من أمّه أثناءَ الحملِ عبرَ المشيمة. أُصيبت الأمّ بالفيروس خلال الثّلثِ الأخيرِ من الحمل، وأصبحت مريضةً حالتُها حرجة حيث عانت من إصابةٍ عصبيّةٍ و حالة ٍنادرةٍ نسبيًّا، حالة viremia - وجودُِ فيروسات في مجرى الدّم. عانى المولودُ من ال viremia أيضًا ومن أعراضٍ عصبيّةٍ مشابهةٍ لتلك الّتي كثيرًا ما تظهرُ لدى مرضى الكورونا البالغين. ووُجد تركيزٌعالي جدّا من فيروس الكورونا في المشيمة.
توصي بعض الدّول إجراءَ المتابعةِ عن بُعد. امرأة حامل تستشير طبيبًا عبر مكالمة فيديو | الصّورة: Blue Planet Studio, Shutterstock
الفحوصات والمتابعة
هناك مسألةٌ أخرى تتعلّق بضرورةِِ متابعةِ الحملِ والفحوصاتِ إذ يتوجّبُ على المرأةِ الحاملِ زيارةُ العيادةِ و المخاطرةُ بالإصابةِ بالعدوى من أشخاصٍ آخرين. فحوصاتُ متابعةِ الحملِ مهمّةٌ لضمانِ صحّةِ الأمّ والجنين، ولم يتمّ التّنازلُ عنها في البلادِ حتّى الآن. تقرّر في دولٍ أخرى إتاحةَ تباعدِ مواعيد المتابعة أو استبدالها بمكالماتٍ عبر الفيديو أو الهاتف.
تخشى العديدُ من النّساء المكوثَ في المستشفى بعد الولادة، خوفًا من الإصابةِ بفيروس كورونا. من المهمّ أن نتذكّرَ اوّلًا أنّ المستشفياتِ في البلاد تعزلُ مرضى الكورونا في أقسامٍ منفصلةٍ بعيدةٍ عن باقي المرضى. يُسمحُ للأمهاتِ في بعضِ أقسامِ التّوليد في إسرائيل بتقصيرِ مدّةِ الإقامةِ بشرطِ أن تكونَ الحالةُ الصحيّةُ للأمّ والطّفلِ جيّدةً ولم ترافقْ عمليّةَ الولادة أيُّ مضاعفات. كما فُرضت قيودٌ على عددِ المرافقين المسموحِ أثناءَ الولادةِ والفحوصاتِِ خلالَ الحمل، وعلى عددِ الزّوارِ المسموحِ به بعد الولادة، ذلك من أجل تقليلِ التّعرضِ المحتمل للأمّهاتِ والمولودين لفيروس كورونا.
النّساءُ الحواملُ اللّواتي يعانين من أمراضٍٍ سابقةٍ هنَّ في خطرٍ متزايدٍ لتطوير حالةٍ صعبةٍ. من ضمنِِ هذه الحالات: النّساءُ اللّواتي يعانين من أمراضٍ في الجّهازِ التّنفّسيّ مثل الرّبو، والنساءُِ اللّواتي يخضعْنَ للعلاجاتِ الطّبّيّة الّتي تٌحبِطُ جهازَ المناعة، والنساءُ اللّواتي يعانين من ضغطِ الدّمِّ المرتفعِ والسّكّري وغيرِها. من المهمّ، في مثل هذه الحالات، اتّخاذُ وسائلِ الحيطةِ الموصى بها للأشخاصِ المعرضين للخطر، ومحاولةُ تخفيفِِ عواملِ الخطر الّتي يمكن السّيطرةُ عليها، مثلَ موازنةِ مستوى السّكّر، وقفِ التّدخين وما إلى ذلك. ليسَ من الواضحِ حتّى الآن ما هو احتمالُ الإصابةِ بالعدوى وتطويرِ حالةٍ مرضٍيةٍ صعبةٍ والوفاة جرّاءَ COVID-19 لدى النّساءِ الحواملِ المعرّضاتِ للخطرِ بسبب سكّري الحمل، تسمّمِ الحمل وأسباب أخرى.
مسألةٌ مهمّةٌ أخرى في هذا الصّدد هي الرّضاعة. تُظهر الّنتائجُ الّتي جُمعت حتّى الآن أنّه حتّى لو أصيبت الأمُّ بـ COVID-19، فإنّ الفيروس لا ينتقلُ إلى الطّفلِ في حليبِ الأمّ. ومع ذلك، قد يصابُ الرّضيع بالفيروس بسبب قربِِه الجسديّ من أمّه. يوصى بأن تضعَ الأمُّ كمامةً أثناءَ الرَّضاعةِ وتغسلَ يديها جيّدًا قبلها لحمايةِ الطّفلِ قدر الإمكان. توجدُ إمكانيّةٌ أخرى وهي شفطُ حليبِ الأمّ والسّماحُ لشخصٍ آخرَ بإطعامِه من القنّينة. من المهمّ التشديدُ على غسلِ الأيدي قبل الشّفط وقبل لمس القنّينةِ أو مضخّةِ الحليب.
الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق اللغويّ: أز خالد إبراهيم مصالحة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس