يعتمد العديد من كبار السنّ على الأسبيرين ويتناولونه بانتظام كعلاج وقائيّ ضدّ السكتات الدماغيّة الناجمة عن تجلّط الدم، إلّا أنّ هذا يحمل في طيّاته إشكاليّة؛ إذ إنّ الأسبيرين نفسه قد يؤدّي إلى حدوث نوع آخر من السكتات- السكتات النزيفيّة، وليس من السهل الموازنة الصحيحة بين الاحتماليّة والمخاطرة.
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
اعتاد الأطبّاء على توصية الفئات المعرّضة لخطر الجلطات الدمويّة بتناول الأسبيرين بانتظام كإجراء وقائيّ. حيث يرتكز العلاج الوقائيّ بالأسبيرين على خاصّيّة تمييع الدمّ، أي على قدرته على منع تجمّع الصفائح الدمويّة وتخثّرها، ما يقلّص من فرص حدوث الجلطات وخاصّة تلك الّتي تؤدّي إلى انسداد الأوعية الدمويّة وتبعاتها من نوبات قلبيّة، سكتات دماغيّة، وغيرها من المشاكل الصحيّة الخطيرة، لذا فإنّ الوقاية منها تعتبر أمرًا بالغ الأهميّة.
يزداد خطر الإصابة بالسكتة الدماغيّة مع التقدّم في العمر، علمًا بوجود عوامل خطر أخرى تشمل التدخين، الخمول البدنيّ، السكّريّ، وعوامل أخرى. تحدث حوالي 90% من حالات السكتة الدماغيّة نتيجة انفصال خثرة دمويّة من شريان معيّن وانتقالها إلى المخّ، ما يعيق تدفّق الدمّ إلى منطقة محدّدة من نسيج الدماغ. تعرف هذه الفئة من السكتات باسم "السكتة الإقفاريّة"، وقد تنجم عنها أضرار جسيمة لوظائف الجسم مثل المشي، الحركة، الكلام، القراءة، التفكير، التنفّس، وحتّى أنّها قد تؤدّي للموت. تُعرف الفئة الآخرى من السكتات الدماغيّة "بالسكتات النزفيّة"، والّتي تحدث عند انفجار أحد الأوعية الدمويّة في المخّ وتسرّب الدمّ إلى داخل النسيج الدماغيّ. وعلى الرغم من أنّ النوعَين يتسبّبان بأضرار متماثلة، إلّا أنّ معظم جهود التوعية والوقاية تتمحور حول السكتة الإقفاريّة لكونها الأكثر شيوعًا.
يعيق الأسبيرين عمليّة تخثّر الدمّ، ونظرًا لكون عمليّة التخثّر آليّة أساسيّة لوقف النزيف، قد يرفع هذا الدواء الشائع من حدّة الضرر الناجم عن السكتة الدماغيّة النزفيّة. مع ذلك، ونظرًا لكون الجلطة الإقفاريّة أكثر شيوعًا، يوصي الأطبّاء عادة بتناول الأسبيرين كإجراء وقائيّ ضدّها، مستندين بذلك إلى الافتراض بأنّ فوائد الأسبيرين في منع حدوث الجلطة الإقفاريّة تتجاوز مخاطره في التسبّب بسكتة دماغيّة نزفيّة.
تكمن المشكلة في أنّ الأسبيرين، بالإضافة إلى قدرته على حماية الدماغ والقلب من الجلطات، يثبط أيضًا تكوين التخثّرات في أيّ جزء من الجسم عند تعرّضه للنزيف. لذلك يعاني الأشخاص الّذين يتناولون الأسبيرين من نزيف تحت الجلد بمعدّل أعلى من غيرهم، كما أنّ عمليّة التعافي والتئام الجروح لديهم أبطأ. أمّا المشكلة الحقيقيّة فتتجلّى عند حدوث نزيف دماغيّ، كما في حالة إصابة الرأس مثلًا. لذلك تشكّل هذه المعضلة توازنًا دقيقًا ومعقّدًا؛ فمع تقدّم العمر يزداد خطر السقوط والإصابات الرأسيّة الّتي قد تضرّ الأوعية الدمويّة في الدماغ، ومن جهة أخرى، يرفع التقدّم بالعمر أيضًا خطر تطوّر السكتات الدماغيّة بسبب تكوّن الجلطات الدمويّة.
يثبط الأسبيرين تكوّن الجلطات الدمويّة المسؤولة عن 90% من حالات السكتة الدماغيّة. جلطة تسدّ الأوعية الدمويّة | MattL_Images, Shutterstock
في اختبار الواقع
هدفت دراسة علميّة كبيرة نُشرت هذا العام في المجلّة الطبيّة JAMA، إلى تقييم مدى فعّاليّة الأسبيرين في الوقاية من السكتات الدماغيّة، فأثارت نتائجها تساؤلات مُهمّة حول استخدام الأسبيرين بشكل روتينيّ دون وجود حاجة طبيّة مُلحّة،ح كتلك المتعلّقة بعلاج أمراض القلب المعروفة. شملت الدراسة 19,114 مشاركًا كبار السنّ، حيث تلقّى نصفهم الأسبيرين كعلاج وقائيّ بدون وجود عوامل خطر أخرى سوى عمرهم المتقدّم، بينما تلقّى النصف الآخر دواءً وهميًّا (بلاسيبو) لا يحمل قيمة علاجيّة. كان جميع المشاركين فوق سن الـ 65 ولم يكونوا ذوي سوابق في أمراض القلب أو السكتات الدماغيّة؛ لأنّ الأشخاص الذين عانوا من إصابة قلبيّة أو دماغيّة سابقًا من المحتمل أن يكونوا قد تلقّوا الأسبيرين كجزء من علاجهم الجاري وليس كوقاية. واستمرّت المتابعة لكلّ مشارك لفترة تراوحت بين 3.6 و5.7 سنوات.
أظهرت نتائج الدراسة أنّ عدد حالات السكتة الدماغيّة في مجموعة المشاركين الّذين تلقّوا الأسبيرين كان أقلّ مقارنةً بمجموعة الضبط، ولو أنّ هذا الاختلاف كان طفيفًا وليس مُهمًّا من ناحية إحصائيّة. فقد تعرّض 166 عضوًا من مجموعة الضبط (أي ما يعادل 1.7%) لجلطة إقفاريّة خلال فترة الدراسة، بينما سُجّلت الجلطات الإقفاريّة لدى 146 مشاركًا في مجموعة الأسبيرين (1.5%). بالمقابل، شهدت مجموعة متلقّي الأسبيرين 49 حالة من الجلطة الدماغيّة النزفيّة خلال فترة الدراسة، مقارنةً بـ 37 حالة في المجموعة الضابطة، ما يشير إلى وجود فرق بسيط دون دلالة إحصائيّة أيضًا.
تحدث سكتة دماغيّة إفقاريّة (على اليمين) نتيجة لانسداد أوعية الدمّ، بينما تنتج السكتة النزيفيّة جرّاء انفجار الأوعية الدمويّة. فئات السكتات الدماغيّة | Pikovit, Shutterstock
إذًا ماذا علينا أن نفعل؟
في الوقت الراهن، يتمّ اتّخاذ قرار استخدام الأسبيرين كعلاج وقائيّ للجلطة الدماغيّة بناءً على استشارة متبادلة بين أطبّاء العائلة والمرضى. ويترتّب على قرار كهذا أن يكون شاملًا وأن يأخذ بالحسبان تقييم كافّة عوامل الخطرعند المريض بدقّة، بما في ذلك العمر، السيرة المرضيّة الشخصيّة والعائليّة لأمراض القلب أو السكتات الدماغيّة، بالإضافة إلى غيرها من العوامل، مع الأخذ بالحسبان حسنات وسيّئات العلاج لكلّ مريض ومريض. بالإضافة إلى ذلك، من الضروريّ الالتزام بنمط حياة صحّيّ، يشمل ممارسة النشاط البدنيّ بانتظام، اتّباع نظام غذائيّ متوازن، والابتعاد عن التدخين، حيث تُسهِم هذه العوامل بشكل كبير في الوقاية من العديد من الأمراض الأخرى.
يثير البحث الجديد شكوكًا إضافيّة حول استخدام الأسبيرين كعلاج وقائيّ ضدّ السكتة الدماغيّة لدى المرضى الّذين لا يعانون من عوامل خطر أخرى سوى العمر. ومع ذلك، من المهمّ أن نتذكّر بأنّ الأسبيرين لا يُستخدم فقط لمنع السكتات الدماغيّة، بل للوقاية من أمراض القلب ومضاعفاتها أيضًا. وعلى كلّ الأحوال، يُوصَى دائمًا باستشارة الطبيب أو طبيب العائلة للحصول على توجيهات ملائمة وشخصيّة لكلّ حالة وحالة.