ما الّذي يحدّد طول الشعرة، لماذا يميل الرجال إلى الصلع أكثر من النساء، ولماذا يطول شعر النساء بسهولة أكثر من الرجال؟ هناكَ بعض الإجابات

إنَّ شعر وفروة الإنسان وباقي الثدييات ليست جميلة وناعمة الملمس فقط، وإنّما وظائفهما مهمّة أيضًا، والّتي تشمل بشكلٍ أساسيّ تنظيم درجة حرارة الجسم، حمايته من الإشعاع الشمسيّ واستشعار البيئة. يوجد للشعر لدى الكثير من الحيوانات ولدى البشر أيضًا، وظائف أكثر حساسيّة: تحمي الرموش العينَين من العرق والأوساخ، يقلّل شعر الأنف من دخول الغبار والموادّ المثيرة للحساسيّة إلى الجهاز التنفسيّ، ويساعد الشعر أو فروة الرأس في الحفاظ على درجة حرارة الدماغ.

برق السماء، شعر الإنسان

ينمو الشعر في أجزاء كثيرة من جلد الإنسان- في المتوسّط ​​حوالي 60 شعرة لكلّ سنتيمتر مربّع، تنتشر على الجسم بالكامل باستثناء الشفاه وكفّات اليدَين والقدمَين. يمتلك جسم الإنسان العادي ما بين 2 و 5 ملايين بُصيلة شعر، وهي الوحدات الوظيفيّة المسؤولة عن إنتاج الشعر. من المثير للدهشة أنَّ حوالي مائة ألف بُصيلة فقط من بين ملايين بُصيلات الشعر موجودة على فروة الرأس.

لكن ليس كلّ الشعر "خُلِق متساويًا". يُقسَم شعر الجسم عادةً إلى ثلاثة أنواع. أحد الأنواع هو زغب الجنين (lanugo)، الّذي ينمو على أجسام الأجنّة وعادة ما يتساقط قبل الولادة. ينمو الشعر الناعم في معظم أجزاء الجسم وهو ناعم وفاتح اللون. النوع الثاني هو الشعر الزغبيّ (vellus) وهو شعر الجسم القصير والناعم للأطفال والكبار. هذا هو الشعر الّذي ينمو على الذراعَين والساقَين ومعظم أجزاء الجسم. النوع الثالث هو الشعر الانتهائيّ (terminal)، ويظهر معظمه- باستثناء شعر الرأس- بعد النضج الجنسيّ. هذا هو شعر أطول وأسمك ينمو على مناطق الرأس، العانة والإبط، وكذلك على الصدر، الظهر، البطن والأطراف (في الغالب عند الرجال)؛ تنتمي الرموش والحواجب وشعر الوجه لدى الرجال أيضًا إلى هذا النوع من الشعر.

لذلك يمكن ملاحظة أنَّ الشعر النامي في أجزاء مختلفة من الجسم يتميّز باختلاف الطول، السَّماكة ووتيرةّ النموّ، والسبب في ذلك يكمن تحت سطح الجلد، في بُصيلات الشعر حيث يحدث نموّ الشعر.


ينمو الشعر من بُصيلة (جريب) يشبه الكيس ويتلقّى العناصر الغذائيّة من الأوعية الدمويّة. بنية الشعرة والبُصيلة داخل الجلد | Vecton, Shutterstock

كلّنا بحاجة إلى بُصيلات

لفهم كيف تُنمّي بُصيلات الشعر أنواع الشعر المتنوّعة، سنذهب إلى الداخل، تحت طبقة الخلايا الخارجيّة، الّتي تُسمّى البشرة، إلى طبقة الجلد السفليّة أكثر المُسمّاة الأدَمَة. تتواجد هناك بُصيلات شعر. تبدو كلّ بُصيلة كنوع من الجراب، ينمو الشعر بداخلها حتّى يظهر للخارج على سطح الجلد. الشعرة، مثل أيّ نسيج حيّ آخر في الجسم، يجب أن تتلقّى "موادّ البناء" والأوكسجين من أجل النموّ، والّذي توفّره الأوعية الدمويّة الّتي تصل إلى جذر البُصيلة.

ثلاث مراحل لعمليّة نموّ الشعر:

المرحلة الأولى- طور التنامي (Anagen)- نموّ

تتبلور في هذه المرحلة ألياف الشعر ويبدأ الشعر في النموّ داخل البُصيلة. يطول الشعر، ويخرج من الجريب خارج الجلد، ويستمرّ في الطول والنموّ. هذه هي أطول مرحلة في حياة الشعر، وفي الواقع، يكون حوالي 90٪ من شعر الرأس في كلّ لحظة، في هذه المرحلة.

يختلف طول طور التنامي باختلاف موقع الشعر على الجسم، ويمكن أن يصل في شعر الرأس إلى 7 سنوات. تكون هذه المرحلة أقصر بكثير في شعر الذراعَين والساقَين، وتستمرّ من 30 إلى 45 يومًا فقط. لهذا يبلغ طول هذه الشعيرات بضعة سنتيمترات فقط. وتيرة نموّ الشعر حوالي سنتيمتر واحد في الشهر في المعدّل.

يعتبر طور التنامي أهمّ مرحلة في دورة نموّ الشعر؛ لأنّه يحدّد طول الشعر والمدّة الّتي يستغرقها حتّى يتساقط. يعتبر البروتين من عائلة "عوامل نموّ الأرومة الليفيّة" FGF، أحد أهمّ الموادّ الّتي تُنهي طور التنامي وتدفع للانتقال إلى المرحلة التالية، وبالتالي يحدّ من وقت تطاول الشعر. وجد الباحثون أنّه في حالة عدم وجود هذا البروتين، يصل طول الرموش إلى عدّة سنتيمترات أطول من المعدّل.


في حالة عدم وجود بروتين FGF، يصل طول الرموش إلى أطول من المعدّل. ​تضخّم الشعر، الرموش طويلة بشكل مفرط | تمّ إنشاؤه بواسطة مولّد الصور Dall-E

المرحلة الثانية: طور التراجع (Catagen)- الضمور

في المرحلة الثانية، تنخفض ​وتيرة ​نموّ الشعر حتّى ينفصل الشعر عن البُصيلة. يؤدّي الانفصال عن البصيلة أيضًا إلى فصل الشعر عن الدورة الدمويّة والعناصر الغذائيّة الّتي يوفّرها، لذلك يتوقّف الشعر عن النموّ ويموت، لكنّه لا يتساقط بعد. في هذه المرحلة، تصبح بُصيلات الشعر أضيق وأضيق ويتمّ دفع الشعر لأعلى، لكنّه يبقى متّصلًا تحت سطح الجلد. هذه هي أقصر مرحلة، وتستمرّ في شعر الرأس بضعة أسابيع فقط.

المرحلة الثالثة: طور الانتهاء (Telogen)- الرّاحة

هذه هي مرحلة الرّاحة، وفي نهايتها ينفصل الشعر ويتساقط. تستمرّ هذه المرحلة في شعر الرأس حوالي ثلاثة أشهر. هذه العمليّة الطبيعيّة لتساقط الشعر، حيث يتواجد حوالي 10٪ من الشعر فيها. وبالتالي، فإنَّ نسبة الشعر في مراحل التساقط في أيّة لحظة، تكون صغيرة جدًّا، لذلك يحافظ الشعر على مظهر موحّد طوال الوقت. يكون الشعر في مرحلة الرّاحة غير متّصلٍ بقوّة بفروة الرأس، ويمكن اقتلاعه بسهولة نسبيًّا. هذه هي الشُّعيرات الّتي تتساقط من رؤوسنا عندما نغسل شعرنا أو نقوم بتمشيطه. في هذه المرحلة تكون البُصيلة في حالة راحة، وفي النهاية تعود إلى مرحلة التنامي وتبدأ في نموّ شعرة جديدة.


ثلاث مراحل لنموّ الشعر- طور التنامي (النموّ)، التراجع (الضمور) والانتهاء (الرّاحة) | art4stock, Shutterstock

الشَّعر: حقائق وأساطير

هل يمكن للمرأة أنّ تنمّي شعرًا طويلًا بسهولة أكبر من الرجل؟ اتّضح أنّه نعم. يلعب هورمون الإستروجين والبروجسترون، وهما الهورمونان الجنسيّان الأنثويّان الموجودان في جسم المرأة بكميّات أكبر منها في جسم الرجال، دورًا مهمًّا في إطالة مرحلة التنامي، وبالتالي فإنّهما يطيلان الفترة الزمنيّة الّتي ينمو فيها الشعر. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هورمون الديهدروتستوستيرون (DHT-Dihydrotestosterone)، المشتقّ من هورمون التستوستيرون والموجود بتركيز أعلى في جسم الرجال، يضرّ ببُصيلات الشعر ويقصِّر من دورة حياتها. والنتيجة هي شعر رقيق وناعم يتساقط بوتيرة سريعة- وهذا هو أحد العوامل الّتي تزيد من فرصة الإصابة بالصلع عند الرجال مقارنة بالنساء.

وجد الباحثون أنَّ دَهن مُستحضر موضعيّ يحتوي على الكافيين يقلّل من نشاط هورمون الDHT في الجسم وقد يقلّل من نسبة تساقط الشعر لدى الرجال الّذين يعانون من الصلع الذكريّ النموذجيّ. تمّ إجراء البحث على خلايا فروة رأس في المختبر وليس على فروة رأس شخص حقيقيّ، لذلك هناك حاجة إلى تجارب إضافيّة في الطريق لإنشاء مستحضر طبيّ. سنذكر أيضًا عقار فيناسترايد (Finasteride) المعروف بالاسم التجاريّ بروبيشيا Propecia، والّذي يقلّل من مستوى هورمون DHT في الجسم ويمنع الصلع. جزيء الDHT مسؤول أيضًا عن إحداث اختلافات في توزيع الشعر على جسم الرجال مقابل النساء.

وماذا عن حِلاقة الشعر؟ هل يمكنها تسريع عمليّة نموّ الشعر؟ على الرغم من الأسطورة السائدة، فإنَّ الإجابة هي لا. يُعتبر قصّ الشعر طريقة ممتازة للتخلّص من الأطراف المتقصّفة والجزء الأقدم  من الشعر والّذي قد يكون قد تعرّض للتلف، ولإعطاء الحِلاقة مظهرًا مشرقًا وجميلًا، لكنّه لا يؤثّر في  وتيرة نموّ الشعر. لا تتأثّر بُصيلات الشعر الموجودة تحت الجلد بطول الشعر فوق الجلد.

 

0 تعليقات