وجدت دراسة أنّ الموادّ الّتي يفرزها الجسم تؤثّر على المُستقبلات لدى الذكور والإناث بصورةٍ مختلفة، ورّبما تؤثِّر على الطّريقة الّتي تُفسِّر بها أدمغتهم التحفيز كشيء مؤلم.
جميعنا نشعر بالألم، ولكن على ما يبدو ليس بالطّريقة ذاتها. من العوامل الّتي تؤثِّر على إدراك الألم هو جنس الإنسان: هناك آلام مزمنة أكثر شيوعًا عند النساء، مثل: الصداع النصفيّ؛ وآلام أكثر شيوعًا عند الرجال، مثل: داء النقرس، وهو نوع من أنواع التهاب المفاصل. إنّ سبب هذا الاختلاف ليس واضحًا تمامًا، وقد يعودجزء منه إلىاختلاف نشاط الدماغ عند الرجال والنساء، ومن اختلاف الهرمونات الجنسيّة لكلٍّ منهما. مع ذلك، قد يبدأ الاختلاف حتّى قبل أن يقوم الدماغ بتحليل الألم، عندما يتلامس الجسم مع العامل الذي يثير الألم.
في بعض الأحيان، نلمس شيئًا ساخنًا عن طريق الخطأ، على سبيل المثال: وعاءً ساخنًا أو صينيّة خرجت للتوّ من الفرن. مباشرة بعد تلامس يدنا مع مصدر الحرارة، تشقّ المعلومات حول درجة حرارتها المرتفعة طريقها من اليد إلى دماغنا، ويفسّرهاعلى أنّها إحساس بالألم. بفضل هذا الشعور غير السّارّ، نعرف كيف نسحب أيدينا ونتجنّب الاتّصال المطوّل بالعامل الخطير، الّذي قد يضرّ جسدنا أو يضرّ بسلامته.
نشعر بالألم من خلال مستقبلات التنبيه أو مستقبلات الألم (nociceptors)، وهي خلايا عصبيّة موجودة في الجلد، العضلات، المفاصل والعديد من الأعضاء الداخليّة. تتفاعل هذه المستقبلات مع المحفّزات الخارجيّة، على سبيل المثال: درجة الحرارة الشّديدةأو الضغط القويّ، وتشير إلى الدماغ حول الضرر المحتمل. وجدت دراسة جديدة اختلافات في عمل مستقبلات التنبيه لدى الذكور والإناث. قد تساهم هذه الاختلافات في الاختلاف بين الجنسين في إدراك الألم.
هناك آلام مزمنة أكثر شيوعًا عند النساء، مثل: الصداع النصفيّ. امرأة تعاني من الصداع | fizkes, Shutterstock
مؤلمٌ، لكنّه مختلف
فحصت الدراسة عتبة التنشيط، وهي جانب مهمّ من تفعيل مستقبلات التنبيه. تتعرّض مستقبلات التنبيه باستمرار لمحفّزات مختلفة الشدّة، ومن الأفضل عدم الاستجابة بقوّة لمحفّز غير خطير. على سبيل المثال، لا نشعر بألم عند ملامسة القميص لجلدنا، على عكس الضربة القويّة الّتي نتلقّاها من ساق الطاولة التي نصطدم بها. عتبة تنشيط المستقبل هي مستوى التحفيز الذي من بعده يتعرّف الدماغ على التحفيز باعتباره مؤلمًا وخطيرًا. عندما تكون عتبة تنشيط المستقبل منخفضة، نشعر بالألم استجابة لمحفّزات منخفضة الشدّة. وجدت دراسات سابقة أنّ النساء لديهنّ عتبة تنشيط أقلّ من الرجال، وربما هذا هو السبب في أنّ المحفزات تكون أكثر إيلامًا بالنسبة لهنّ.
عتبة تنشيط المستقبلات غير ثابتة. وقد يؤدّي الالتهاب أو تلف أنسجة الجسم إلى تغييرها، وكذلك الموادّ التي يفرزها الجسم. على سبيل المثال، وجدت الدراسات أنّه في إناث القوارض، تنخفض عتبة تنشيط مستقبلات الألم بعد التعرّض لهرمون البرولاكتين، الذي يُفرَز من الغدّة النخاميّة ويشّجع إنتاج الحليب لدى الإناث. عند الذكور، يؤثّر البرولاكتين على مستويات هرمون التستوستيرون وإنتاج الحيوانات المنويّة، وفي كلا الجنسين، فهو مهمّ أيضًا للاستجابة المناعيّة. يتمّ إفراز مادّة أخرى في الدّماغ هي الأوركسين B، وتؤثّر على عتبة تنشيط مستقبلات التنبيه.
وفي ضوء هذه النتائج، أراد الباحثون التحقّق ممّا إذا كانت الموادّ المذكورة تؤثّر على تنشيط مستقبلات التنبيه بطريقة مختلفة في كلّ جنس. أخذ الباحثون أنسجة من كلا الجنسيْن من أجسام الفئران، القرود والبشر، وأضافوا البرولاكتين إليها وفحصوا باستخدام الأقطاب الكهربائيّة تنشيط مستقبلات التنبيه التي تشير إلى تلف العمود الفقريّ. كرّروا العمليّة مع الأوركسين B. تبيّنتظاهرة مثيرة للاهتمام من التجربة: في جميع الحيوانات التي تمّ اختبارها، أثَّر البرولاكتين على تنشيط مستقبلات الألم لدى الإناث - ولكن ليس لدى الذكور. ومن ناحية أخرى، أثّر الأوركسين B على تنشيط مستقبلات التنبيه لدى الذكور، ولكن ليس لدى الإناث. أيّ أن البحث يُظهر أنّ هناك فرقًا جوهريًا بين الذكور والإناث في عمل مستقبلات التنبيه.
يبدو أن هناك فرقًا جوهريًا بين الذكور والإناث في وظيفة مستقبلات التنبيه.ضوء طوارئ أحمر وامض | Lemonsoup14, Shutterstock
طبّ الألم الشخصيّ
صحيحٌ أنّ هذا البحث أساسيّ، إلّا أنّ لنتائجه معنًى مهمّ: إذا كانت مستقبلات التنبيه تعمل بشكل مختلف بين الذكور والإناث، فقد يكون من المحبّذ النظر في جنس المتعالج عند التساؤل عن مسكّنات الألم التي يجب توفيرها له ولأيّ غرض. وقد يكون الاختلاف في تأثير الموادّ التي يفرزها الجسم على مستقبلات التنبيه كبيرًا حتّى في العلاجات طويلة الأمد للأمراض المؤلمة. قد تساعدنا الأبحاث الإضافيّة في هذا المجال على فهم كيفيّة خلق الإحساس بالألم في الجسم وكيف يمكن التحكّم فيه، وحتّى تصميم دواء يكون أكثر تكيّفًا مع جنس المتعالج، بحيث يتمكّن كلّ واحد منّا الحصول على العلاج المناسب له - أو لها.