قام الباحثون بهندسة بكتيريا جلديّة شائعة لتدمير الخلايا الّتي تشجّع على تطوّر البثور. تمّت تجربة العلاج حتّى الآن فقط بواسطة مرزعة الخلايا
يُعتبر حبّ الشباب (Acne) من أكثر الأمراض الجلديّة شيوعًا في العالم الغربيّ، ويُسمَّى بهذا الاسم نظرًا لشيوعه في فترة الشباب. يتجلّى حبّ الشباب في ظهور بثور قيحيّة على جلد الوجه والجزء العلويّ من الجسم، وتحدث هذه الظاهرة بشكل رئيس بسبب التغيّرات الهرمونيّة الّتي تزيد من إنتاج الدهون في الغدد الدهنيّة الموجودة في بصيلات الشعر.
في الحالة الطبيعيّة، تساهم الدهون الجلديّة في حماية البشرة والحفاظ عليها رطبة. لكن بسبب زيادة في إفراز الدهون، تتراكم الدهون مع خلايا الجلد الميتة وتسدّ الغدّة، ما يخلق ظروفًا مثاليّة لتكاثر بكتيريا الجلد، وخاصّة بكتيريا البروبيونيّة عدّيّة (Propionibacterium acnes، وباختصار P. acnes). يؤدّي التكاثر غير المنضبط للبكتيريا إلى "تجنيد" الجهاز المناعيّ للعمل ضدّها، وبدلًا من ذلك يتطوّر التهاب يتميّز بالتورّم، الإحمرار، والقيح. قرّر باحثون من إسبانيا استغلال وجود هذه البكتيريا بشكل طبيعيّ على البشرة، وهندستها لتدمير الخلايا الّتي تنتج الدهون، والمعروفة باسم Sebocytes. بهذه الطريقة سيتمّ علاج حبّ الشباب، باستخدام البكتيريا الّتي تُعتبر أحد أسباب ظهوره.
أكثر الأمراض الجلديّة شيوعًا في العالم الغربيّ هو حبّ الشباب، والّذي يتجلّى في ظهور بثور قيحيّة على الجلد. امرأة تفحص بثرة على وجهها في المرآة | Shutterstock, Boyloso
مدمّرو الخلايا الدهنيّة
من المعتاد اليوم علاج حبّ الشباب بموادّ تقتل البكتيريا، أو تقوم بتفكيك الدهون والخلايا الميتة. أحيانًا، يُوصف دواء الإيزوتريتينوين (Isotretinoin) للأشخاص الّذين يعانون من حبّ الشباب، والمعروف في إسرائيل باسمه التجاري رواكيوتان وكوريتان. يشبه الدواء في تركيبه الكيميائيّ فيتامين أ، ويقلّل من إنتاج الدهون في الغدد، لكن له آثار جانبيّة خطيرة. ضمن أمور أخرى، يمكن أن يؤدّي إلى تلف الكبد، ويزيد من خطر حروق الشمس على الجلد، ويسبّب تشوّهات خلقيّة للأجنّة ويضعف نموّ الأطفال- لذلك؛ يحظر استخدامه لدى النساء الحوامل والأطفال دون سن 12 عامًا.
أظهرت دراسة أجريت عام 2008 أنّ الدواء يعمل على تنشيط جين في الخلايا الدهنيّة، ما يجعلها تدمّر نفسها من خلال آليّة موت الخلايا المبرمج (Apoptisis)، وهي آليّة موجودة في جميع الخلايا وغالبًا ما يتمّ تفعيلها في حالة حدوث تلف. قرّر أعضاء المجموعة البحثيّة لمارك غويل (Marc Güell) من جامعة بومبيو فابر (Pompeu Fabra University) في برشلونة، أن يحاولوا الاستفادة من وجود بكتيريا P. acnes في بويصلات الشعر، لجعلها تنتج البروتين الّذي ينشّط آليّة التدمير الذاتيّ للخلايا. طمح الباحثون أن يؤدّي قتل الخلايا إلى تقليل كميّة الدهون المفرزة، وبالتالي الحدّ من ظهور البثور. نُشِرت هذه الدراسة في مجلّة "نيتشر" للتكننولوجيا الحيويّة (Nature biotechnology).
عند انسداد الغدّة الدهنيّة، تتطوّر الظروف المثاليّة لتكاثر بكتيريا الجلد. إحدى الطرق لمنع ذلك هي تقليل إنتاج الحليب. رسم توضيحيّ لما يحدث في غدّة الحليب المسدودة | Shutterstock, Design_Cells
طُلب من الباحثين تطوير أساليب هندسة وراثيّة محدّدة لبكتيريا P. acnes، والّتي أظهرت في المحاولات السابقة مقاومة عالية للتدخّل في جيناتها. إحدى المشاكل هي أنّه كمثل العديد من البكتيريا الأخرى، تستخدم هذه البكتيريا بروتينات تُسمَّى إنزيمات التقييد لتحطيم أجزاء الحمض النوويّ الغريبة. لذلك؛ من أجل زرع قطعة جديدة من الحمض النوويّ فيها، يجب التأكّد أوّلًا من أنّها ستتعرّف عليها كجزء من المادّة الوراثيّة الخاصّة بها. من أجل التغلّب على المشكلة، قام الباحثون بنسخ الجين المسؤول عن إنتاج البروتين الّذي يميّز بكتيريا P. acnes، وإدخاله إلى البكتيريا الإشريكيّة القولونيّة (Escherichia coli، وباختصار E.coli)، والّتي يسهل إجراء التغييرات عليها. بعد ذلك، تمّ إدخاله لنفس البكتيريا للجين الّذي يعمل على تفعيل آليّة موت الخليّة المبرمج. بهذه الطريقة، يتمّ تحديد الجين المسؤول عن إنتاج بروتين التدمير الذاتيّ على أنّه "آمن". نجح الباحثون بنقل نفس الجزء المعدَّل وراثيًّا من بكتيريا E.coli إلى بكتيريا P. acnes، وبالتالي زرع الجين الّذي يسبّب تدمير الخلايا فيها.
قام الباحثون بجمع البروتين المسؤول عن التدمير الذاتيّ من ثلاثة مصادر مختلفة: البروتين الطبيعيّ الّذي يتمّ إنشاؤه في الخلايا البشريّة، والّذي تنتجه بكتيريا E.coli أو P. acnes. وبعد ذلك، تمّت إضافة كلّ واحد منها على حدة إلى مزارع خلايا الّتي تنتج الدهون في المختبر. في الحالات الثلاث، انخفضت كميّة الدهون إلى النصف بعد 48 ساعة، على غرار تأثير دواء الإيزوتريتينوين. ولكن من المدهش أنّ الخلايا لم تمت. ولم يدرس الباحثون سبب عدم موت الخلايا، أو كيف انخفضت كميّة الدهون على الرغم من ذلك. وأخيرًا، وضعوا البكتيريا المهندسة على جلد الفئران ووجدوا أنّ البكتيريا بقيت على قيد الحياة لبضعة أيّام على الأقلّ، وأنتجت البروتين المطلوب ولم تلحق الضرر بالجلد. لم يفحص الباحثون نشاط الخلايا الدهنيّة في بصيلات الشعر لدى الفئران.
يمكن استخدام البروتين الّذي تمّ اختباره لعلاج حبّ الشباب، إلّا أنّ إنتاجه صناعيًّا، على سبيل المثال في الخلايا البشريّة أو بكتيريا E.coli، بعد عمليّة معقّدة ومكلفة. على الرغم من أنّه من السهل إلى حدّ ما هندسة بكتيريا E.coli لإنتاج البروتين، إلّا أنّ مصدر هذه البكتيريا من الأمعاء وستواجه صعوبة في البقاء على قيد الحياة على الجلد. يأمل الباحثون أن يتطوّر اقتراحهم باستخدام البكتيريا المُعدَّلة وراثيًّا لهذا الغرض إلى علاج ناجع وآمن لحبّ الشباب، كما ويأملون أن تبدأ التجارب السريريّة في القريب العاجل.