تسبّب بنو البشر في انقراض %12 من أنواع الطّيور في العالم، وفقًا لما أشارت إليه التّقديرات الأخيرة، وأشارت التّقديرات أيضًا إلى استمرار تدهور وضع الطّبيعة في البلاد. توجد، على الرّغم من ذلك، فسحة من التّفاؤل، إذا مددنا جميعًا يد العون.
التّقديرات الجديدة للإبادة الّتي حصلت في الماضي
لقد تمّ توثيق وجود طائر الدودو (Raphus cucullatus) لأوّل مرة سنة 1598، في موطنه الوحيد في جزيرة موريشيوس، عندما وطأ عليها ملاحون هولنديّون لأوّل مرّة. انقرض طائر الدّودو من العالم بعد مرور أقلّ من مئة عام على اكتشاف وجوده. لقد اصطاد الهولنديّون طائر الدّودو وقطعوا أشجار الغابات الّتي شكّلت له بيتًا، وأدخلوا حيوانات غريبة إلى الجزيرة، مثل الخنازير، والقردة والجرذان الّتي اقتاتت على غذاء الطّير وأتت على بيوضه. يُعتبر انقراض طائر الدّودو رمزًا لِانقراض الحيوانات بفعل بني البشر. هناك من ادّعى أنّ طائر الدّودو لم يتواجد أبدًا. تمّت دراسة قصّة انقِراض طائر الدودو بعد سنين عِدّة بالاستناد إلى التّوثيق المُدوّن وبضع المُخلّفات والآثار الّتي أُحضِرت إلى أوروبّا. شكّل العثور على هياكل الطّير العظميّة الّتي كانت في مرحلة التّحجُّر الإثبات القاطع على حقيقة وجوده.
نحن نعلم اليوم أنّ الدودو ليس بالطّائر الوحيد الّذي انقرض بسبب بني البشر. معروفة لنا المئات من الأنواع الأخرى من الطّيور الّتي كانت تعيش في الماضي، غالبيّتها في جزر نائية، وانقرضت بعد وصول الإنسان إليها. تقطن في الجزر الكبيرة والبعيدة أنواع كثيرة ومختلفة من الحيوانات المستوطنة، التي تعيش هناك فقط، لأنّ أسلافها البعيدة استطاعت أن تتطوّر عبر مسار تطوّر منعزل عن سائر الكائنات التي عاشت في قارّات أو جزر أخرى، بحيث لاءَم هذا المسار التطوّريّ الظروف الفريدة الخاصّة بالجزيرة أو القارّة. يستند علمنا بوجود تلك الأنواع على متحجّرات لأربعة مائة نوع منها تمّ العثور عليها، وتوثيق تاريخي لِمائتي نوع آخر. لكن، هل توجد أنواع أخرى انقرضت في الماضي بسبب الإنسان ولم يتمّ اكتشافها بعد؟
نحن نعلم بأنّ الدودو ليس بالطائر الوحيد الذي انقرض بسبب الإنسان. لكن، هل انقرضت أنواع أخرى لا نعلم عنها حتّى الآن؟ في الصورة رسم توضيحيّ لطائر الدودو | Photostock-Israel / Science Photo Library
تشير دراسة جديدة أنّ بني البشر تسبّبوا في انقراض حوالي 800 نوع من الطيور لم يتمّ العثور على متحجّرات لها. بما أنّ عظام الطيور مُجوّفة وخفيفة الوزن، فإنّ احتمال حفظها كَمتحجّرات (أحفوريّات) هو أقلّ من الفقاريات الأخرى. يتطلّب التعرّف على جميع أنواع الطيور التي تحجّرت في جزيرة معيّنة جهودًا جبّارة من الدراسات والأبحاث، علمًا أنّ جزءً من هذه الأنواع لم يتحجّر أبدًا. أضِف إلى ذلك أنّه يكاد يكون من المستحيل العثور على توثيق تاريخيّ للطّيور التي عاشت في الجزر قبل سنة 1500 ميلاديّ. لذلك، يعتقد الباحثون بأنّ مجموعة الجزر الإندونيسيّة هي الوحيدة التي استطاعوا رسم خرائط جميع أنواع الطيور المنقرضة فيها. يقول روڤ كوك (Cooke)، أحد روّاد الدراسة، في مقابلة مع مجلة Nature العلمية "قد تفاجِئ تقديراتنا الكثيرين، معَ ذلك فإنّها قد تكون أقلّ من الواقع".
طوّر الباحثون نموذجًا يتمّ وفقًا له، بالاعتماد على المعطيات، تقدير عدد أنواع الطيور التي انقرضت في كلّ مجموعة من الجزر على سطح الأرض. يتمّ في هذا النموذج فحص عدد الأحفوريّات (المتحجّرات) التي تمّ العثور عليها في كلّ واحدة من مجموعات الجزر، وكمّيّة الجهود البحثيّة المبذولة، والخصائص المناخيّة للجزر ومساحتها، والتنوّع البيولوجيّ المعروف، وتاريخ قدوم بني البشر إلى الجزيرة وغيرها من المعطيات. يتمّ وفقًا للنموذج وبالإستناد على هذه المعطيات، تقدير عدد الأنواع من بين تلك التي انقرضت قبل سنة 1500 للميلاد، التي غابت عن عِلمنا في كلّ واحدة من الجزر.
تبيّن من هذه الدراسة أنّ الإنسان قد تسبّب في انقراض %12 من أنواع الطيور، بما فيه الانقراضات المعلوم عنها والتي تمّ تشخيصها حتّى الآن، وذلك خلال 12 ألف السنة الماضية. وصل الانقراض ذروته قبل 700 عام، عندما قدِم الإنسان إلى الكثير من الجزر الواقعة شرقي المحيط الهادئ. تركّزت موجات الانقراض السابقة حول الجزر التي قدِم إليها الناس لأوّل مرّة، إلّا أنّنا الآن نواجه موجة انقراض على نطاق عالميّ. يقول كوك: "تتعلّق الإجابة عن السؤال، هل ستنقرض أنواع أخرى من الطيور أم لا، بنا فقط".
"تتعلّق الإجابة عن السؤال، هل ستنقرض أنواع أخرى من الطيور أم لا، بنا فقط". في الصورة رسم توضيحيّ يبيّن كيف تبدو بعض الطيور المنقرضة. تم إنتاج الصورة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعيّ | UKCEH
ما هو الحال في طبيعة بلادنا؟
مع أنّ انقراض الكائنات هو إضرار حادٌّ وبالغ الخطورة بالطبيعة، إلا أنّ وضع الطبيعة قد يتغيّر كثيرًا نحو الأسوأ حتّى بدون الانقراض. قد تتقلّص الغابات والمساحات الطبيعيّة، وتُهلِك مجموعات كاملة من الحيوانات، ويتغيّر النسيج الغذائيّ بشكل جذريّ - كلّ ذلك بدون أن تنقرض أنواع من الكائنات انقراضًا تامًّا. من هنا، يتوجّب علينا استخدام مقاييس إضافيّة لتقييم وضع الطبيعة، وعلينا أن نعي إلى أين يقود هذا الوضع، وبناء على ذلك، تحسين سبل حمايتها.
وفقًا لتقرير جديد نُشر مؤخّرًا من قبل البرنامج الوطني لتقييم حالة الطبيعة في البلاد، تجلّت صورة مثيرة للقلق تعكس التدهور المستمر في حالة الأنواع المحلية. وفقا للدكتور رون حين، عالِم البيئة ومُركّز مؤشّر التنوع البيولوجيّ في البرنامج، فإنّ "تراجع مؤشّر التنوّع البيولوجيّ هو ثابت ومُتّسق على مَرّ السنين، ويظهر هذا التراجع في جميع المناطق في البلاد، خاصّةً في مناطق رِمال السهل الساحليّ واحراج البحر المتوسّط. ينجم هذا التراجع عن اضمحلال المساحات الطبيعيّة، وانقطاع اتّصالها ببعضها البعض، الناتج عن إقامة المباني فيها. تضرّ هذه الظواهر بقدرات المجموعات القاطنة من الحيوانات والنباتات على البقاء على قيد الحياة ومواجهة الظروف المتطرّفة، وتصبح عرضةً للإصابة وقد تنقرض كليّةً.
تقلّصت، وفقًا للتقرير المذكور، المساحات الطبيعية في البلاد بما يزيد عن 100 كيلومترٍ مربع ما بين السنوات 2015 وَ-2021، وذلك لصالح إقامة المباني، أمّا ما تبقّى من مساحات طبيعيّة فهي مُقَطّعة غير متواصلة، و تعاني من تلوّث الهواء. تتواجد،على سبيل المثال، كلّ المساحة الواقعة شمال مدينة بئر السبع (حوالي %80 منها) على بعد كيلومتر واحد أو أقلّ عن طريق مُعبّدة أو شارع. أضف إلى ذلك، إنّ وتيرة حدوث الحرائق في المساحات المفتوحة في البلاد هي في ازدياد، الأمر الذي يُلحق أضرارًا بالغةً في المنظومات البيئيّة. لقد اندلعت الحرائق مرّة واحدة على الأقلّ في ما يُقارب %15 من المساحات الطبيعيّة والمغروسة بالأشجار في القطاع البحر - متوسّطي في البلاد، ما بين الأعوام 2015 وَ-2021. من المتوقّع أن تؤدّي الأزمة المناخيّة إلى تفاقم الأضرار التي ستلحق بالطبيعة في البلاد، وذلك نتيجة الجفاف والموجات الحراريّة والحرائق التي تضرّ بِالمنظومات البيئيّة. الوديان والمناطق الباردة مثل جبل الشيخ والغابات والأحراش هي أكثر الموائل المُعرّضة للتضرّر.
بالمقابل، فإنّ مساحة المناطق المحميّة، على شكل محميّات طبيعيّة وحدائق وطنيّة معلنة، هي كبيرة نسبيًّا: حوالي ربع مساحة اليابسة في البلاد. يتواجد حوالي نصف مساحة المحميّات الطبيعيّة في البلاد داخل نطاق مناطق التدريبات العسكريّة النشطة، في النقب على وجه الخصوص. أربعة بالمائة فقط من مساحة البلاد البحريّة هي محميّات طبيعيّة، ومع ذلك، فإنّ ذلك ازدياد كبير وهو يعادل 13ضعفًا المساحة المحميّة في فترة ما قبل سنة 2018. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التغطية النباتيّة في المساحات الطبيعيّة غير الصحراويّة في ازدياد منذ عشرات السنين. من العوامل التي أدّت إلى هذا الازدياد تقلصّ الرعي، وإزالة الأعشاب الضارّة وقطع الأشجار، التي شكّلت المنظر الطبيعيّ لِلغطاء النباتيّ في مئات وآلاف السنين حتّى قيام الدولة.
تعمل وزارة حماية البيئة في هذه الأيام على إعداد خطة وطنيّة تهدف إلى حماية التنوّع البيولوجيّ في البلاد. يتوجّب على الحكومة، وفقًا للوزارة، القيام بإجراءات كثيرة قبل حلول العام 2030. من ضمن هذه الإجراءات، زيادة الحماية المباشرة للمساحات الطبيعيّة والممرّات البيئيّة، وترميم المنظومات البيئيّة المتضرّرة، وتقوية المواقع الطبيعيّة لدى السلطات المحلّيّة.
من المتوقّع أن تؤدّي الأزمة المناخيّة إلى تفاقم الأضرار التي ستلحق بالطبيعة في البلاد، وذلك نتيجة الجفاف والموجات الحراريّة والحرائق التي تضرّ بِالمنظومات البيئيّة. صورة من حريق الكرمل عام 2016.| المصدر: Wikimedia Commons
نراقب حالة الطيور معًا
لا تقتصر مراقبة الطبيعة ومتابعة ما يحصل فيها على الباحثين الاختصاصيّين. يمكن أن نشارك جميعًا في هذه المهمّة. كيف ذلك؟ مثلًا، عن طريق مشاركة أيّ شخص منّا في تعداد الطيور السنويّ الذي يُجرى حتّى نهاية شهر كانون الثاني / يناير من كلّ عام، حتّى وإن لم تكن لديه أيّ معرفة بالموضوع. كلّ ما يحتاجه المشارك في التعداد هو التوقّف لمدّة عشر دقائق، والنظر في الأجواء وإرسال تقرير عن الطيور التي يراها، أو يسمع زقزقتها بجانب بيته، أو في أيّ مكان في البلاد. يتمّ إرسال التقرير عن طريق تطبيق خاصّ على الهاتف الذكيّ، أما التّعليمات الكاملة ومرشد التشخيص المختصر، فنجدها في موقع سلطة حماية الطبيعة. إنّها فرصة تتيح لنا زيادة التعرّف على جمال طيور بلادنا، والمساهمة في الحفاظ عليها. أمّا بالنسبة للباحثين، فإنّها فرصة تتيح لهم استقاء معلومات كثيرة هامّة يصعب الحصول عليها بطريقة أخرى.
وتتيح التطبيقات eBird و- iNaturalist مشاركة العلماء بالمشاهدات التي نرصدها عن الطيور والطبيعة في البلاد وفي العالم على مدار السنة، حتّى وإن انتهت فترة تعداد الطيور. تساهم مجموعات المشاركين المتنوّعة في تعريف المشاهدات التي نشاركها، والتعرّف على الطبيعة والمحافظة عليها.