في العديد من عائلات الثّدييات، يبدو أنّ للحيوانات الأكبر حجمًا وجوه أطول. ادّعى الباحثون في دراسة جديدة أنّ السبب وراء ذلك هو أنّ الوجوه القصيرة تمكّن العضّ بشكل أقوى - وهو أمر مهمّ بشكل خاصّ للحيوانات الصّغيرة، وأقلّ أهمّيّة للحيوانات الكبيرة
"جدّتي، لماذا عيناك كبيرتان؟" سألت ليلى الحمراء الذّئب في الحكاية الخياليّة الشّهيرة. إذا فكّرنا في الأمر قليلًا، سنجد أنّ هذا السؤال ليس منطقيًّا للغاية - حيث أنّ عيون الذئاب ليست أكبر بكثير من عيون البشر. كذلك آذانهم، على الرغم من اختلاف شكلها، إلّا أنّها ليست كبيرة أيضًا. ربّما كان من الأفضل أن يكون السؤال: "جدّتي، لماذا لديك وجه طويل؟".
لا يختلف خَطْم الذئب الطويل بشكل كبير عن أنف الأنسان فحسب، بل إنّه أيضًا أطول من أقاربه الأصغر حجمًا، مثل كلب الآجام (Speothos venaticus)، الذي يعيش في أمريكا الجنوبيّة والوسطى، ولا يزيد وزنه عن ثمانية كيلوغرامات. لا يقتصر الأمر على الذئاب فقط. فعندما قارن الباحثون جماجم الثدييات من عائلات مختلفة، واجهوا مرارًا وتكرارًا نفس الظاهرة: الأنواع الأكبر لديها وجوه أطول. وهكذا فإنّ وجه البقرة أطول من وجه الخروف؛ وجه الكوكا (Setonix brachyurus) أقصر من وجه الكنغر؛ والموظ (Alces alces) له وجه أطول من أنواع الأيائل الأصغر حجمًا. مع ذلك، ليس هذا هو الحال دائمًا - على سبيل المثال، الحوت القاتل أو الأوركا (Orcinus orca) له وجه أقصر من قريبه الأصغر، دلفين التُرْسُوب (Tursiops) - ولكن في معظم الحالات، تتحقق هذه القاعدة.
كلّ هذا بالطبع يقودنا إلى السؤال : لماذا أنواع الحيوانات الأكبر لديها خطم أطول؟ قام باحثون من أستراليا في الإجابة على هذا السّؤال في مقال بحثيّ جديد: لأنّ هذه الحيوانات تسمح لنفسها بذلك
في عائلات مختلفة من الثدييات، الحيوانات الأكبر حجمًا لها وجوه أطول. على سبيل المثال: وجه الكوكا أقصر من وجه الكنغر (الصور العليا)؛ وجه البقرة أطول من وجه الخروف (في الوسط)؛ وجه الموظ أطول من غزال البودو الصغير (الصّور الأدنى) | Shutterstock, solomonphotos, Hideaki Edo Photography, Marc ANSEL, N-sky, structuresxx, David Turko
وجه قصير، عضّة قوية
عندما نحاول أن نفهم لماذا لدى الحيوانات وجوه طويلة أو قصيرة، يجب أوّلًا معرفة ما هي مزايا هذه الصّفة وعيوبها. تعتبر الميزة الأكثر أهمّيّة للوجوه القصيرة هي أنّها تسمح للحيوانات بالعضّ بقوة أكبر. وذلك لأنّه عندما يكون الفكّان أطول، تكون هناك مسافة أكبر بين عضلات الفكّ القريبة من الجمجمة، وبين الأسنان. تصعب هذه المسافة تشغيل القوّة في إغلاق الفكّيْن. لفهم هذا، فكّر في الملقط المستخدم في المطبخ - إذا أمسكته بالقرب من الحافّة حيث يتّصل الجُزءان، سيكون من الصعب إغلاقه بإحكام، وهذا هو الحال لدى الحيوانات ذات الوجوه الطويلة. أمّا إذا أمسكنا الملقط في المنتصف، بالقرب من أطرافه المفتوحة، سنتمكّن من إغلاقه بقوّة أكبر، وذلك هو الحال لدى الحيوانات قصيرة الوجوه، والتي تكون قادرة على العضّ بشكل أقوى.
غالبًا ما تتغذّى أنواع الحيوانات من نفس العائلة بطريقة مماثلة: تأكل البقرة والأغنام العشب، بينما يصطاد الذئب الرماديّ وكلاب الآجام الحيوانات الكبيرة. لذلك، تحتاج الحيوانات التي تنتمي إلى نفس الفئة إلى قوّة عضّ مماثلة. تمتلك الحيوانات الأكبر حجمًا عضلات فكّ أكبر – وذلك ببساطة لكونها أكبر حجمًا. أمّا الحيوانات الأصغر، تمتلك عضلات فكّ صغيرة، مع ذلك، كونها تمتلك وجهًا قصيرًا، تكون عضّتها قوية. لهذا السبب، يرى الباحثون أنّ العديد من الحيوانات الصغيرة ذات الوجوه القصيرة لها عضّة قوية. لم تقرّر هذه الحيوانات أن تمتلك هذه الصفات بشكل واعٍ، لكن خلال عمليّة التطوّر، نجحت الحيوانات الأصغر حجمًا ذات الوجه الأقصر في البقاء والتكاثر، بينما انقرضت الحيوانات الصغيرة ذات الوجوه الطويلة، والتي لم يكن لها عضّة قويّة.
عند الإمساك بالملقط بالقرب من أطرافه المفتوحة، يكون من الأسهل إغلاقه بإحكام، على غرار قدرة الحيوانات الصغيرة قصيرة الوجه على العضّ بشكل قويّ | صورة توضيحية: يونات أشخار
العموم والاستثنائيّات
إذًا، لا تحتاج الحيوانات الأكبر حجمًا إلى وجوه قصيرة، حيث لديها عضّة لا تقلّ قوّة عن الحيوانات الصغيرة ذات الوجوه القصيرة، وذلك كونها كبيرة الحجم. مع ذلك، ما يزال هناك سبب يجعل وجوههم طويلة. يعتقد الباحثون أنّ كون هذه الحيوانات لا تحتاج إلى الوجوه القصيرة، يمكن أن تؤثّر عليهم ضغوطات أخرى. يمكن أن توفّر الفكوك الطويلة مزايا: إذ تمكّن تناول كمّيّة أكبر من الطعام - العشب أو اللحوم - في قضمة واحدة؛ توفّر مساحة للأسنان الكبيرة؛ تمكّن إغلاق الفكّيْن بسرعة أكبر. كلّ هذه المزايا مهمّة أيضًا للحيوانات الصغيرة، لكن من غير الممكن أن يكون لديها وجوه طويلة بعكس الحيوانات الكبيرة.
هناك بالطبع استثناءات أيضًا: حيوانات صغيرة ذات وجوه طويلة، أو حيوانات كبيرة ذات وجوه قصيرة. السبب غالبًا يكمن في أنواع الغذاء الذي تستهلكه هذه الأنواع من الحيوانات. على سبيل المثال، يمتلك بوسوم العسل (Tarsipes rostratus)، هو حيوان جرابيّ صغير جدًا، وجه ممدود للغاية - أكثر بكثير من الجرابيّات الأكبر حجمًا. يتغذّى بوسوم العسل على حبوب اللقاح والرحيق، ويساعده خطمه الطويل على الدخول بعمق في الأزهار. من المحتمل أن تكون عضّته ضعيفةً جدًّا، لكنّ الأمر لا يتطلّب قضمة قويّة للحصول على الرحيق. مثال آخر يعيدنا إلى الذئب في بداية المقال: وجه الذئب طويل بالفعل، لكنّه أقصر من وجوه العديد من أنواع الثعالب الأصغر منه حجمًا. يعود السبب وراء ذلك إلى أنّ الذئاب تصطاد فرائس كبيرة، وتحتاج إلى عضّة أقوى من عضّة الثعالب، التي تصطاد القوارض وغيرها من الحيوانات الصغيرة. إذا نظرنا إلى أنواع الثعالب، فيبدو أنّ هذه القاعدة ثابتة بينها: ثعلب الفنك الصغير (Vulpes zerda) له وجه أقصر من الثعالب الأكبر حجمًا.
توجد هذه الظاهرة في فصيلة الكلاب، وذلك وفقًا لحجم فريستهم. على اليمين، الحيوانات التي تصطاد فريسة كبيرة - الذئب (الأول من اليمين) له وجه أطول من كلب الآجام الموجود على يساره؛ على الجانب الأيسر توجد حيوانات التي تصطاد فرائس صغيرة - (الثالث من اليمين) ثعلب التبت (Tibetan fox) له وجه طويل مثل ثعلب الفنك (Fennec fox) على يساره | الصور: Fennec fox (Rawpixel), Tibetan fox (Craig Brelsford), bush dog (Flickr: Tambako), wolf (PickPik))
يمكن أن يفسّر هذا أيضًا سبب امتلاك حوت الأوركا وجه أقصر من وجه الدلفين. تصطاد الدلافين الأسماك الصغيرة نسبيًّا، بينما تكون فرائس حيتان الأوركا أكبر. تمّ إطلاق لقب "الحوت القاتل" على حيتان الأوركا، على ما يبدو عن طريق الخطأ - ترجمة خاطئة من اللغة الإسبانيّة، والمعنى الحقيقي له هو "قاتل الحيتان". تقوم حيتان الأوركا بصيد الحيتان من بين الكائنات الأخرى، ولهذا تحتاج إلى عضلات قويّة بشكل خاصّ، وهذا بالفعل ما توفّره لها فكّيها القصيرة.