تجربة: نموذج ثوران جبل بركاني - من مادة الشمع
نبني نموذجًا يحاكي ثوران الجبل البركانيّ من مادّة الشمع المغطّاة بالرمل والماء. نشاهد من خلال هذه التجربة مقطعًا ييُبِّن ما يحدث داخل الجبل البركانيّ قبل وخلال ثورانه. شاهدوا التجربة في الفيديو التالي:
الحرارة في الأعماق
لقد استخدمنا في التجربة التي أجريناها مصدرًا للحرارة أدّى إلى صهر الشمع (يفضّل استخدام مصدر حراريّ ذي حرارة معتدلة، نستخدم الكحوليّة بدلًا من الموقد وذلك للحصول على نتائج 'جميلة'. لا يوجد موقد أو كحوليّة في باطن الأرض، بل توجد مصادر تُزوّد كمّيّات كبيرة من الحرارة قادرة على صهر الصخور.
المصدر الحراريّ الأوّل هو التحلّلات الإشعاعيّة (الراديو أكتيف) للعناصر الموجودة في باطن الأرض. غالبيّة العناصر في العالم هي عناصر مستقرّة - أيّ أنَّ الذرات التي تُكوّنها تبقى على حالتها دون تغيّر. لكن هناك تركيبات معيّنة للبروتونات والنيوترونات التي تتكوّن منها نويات الذرات تكون فيها النواة غير مستقرّة. تتفكّك هذه النويات لكي تصل إلى حالة الثبات، إذ تمرّ بتحلّل إشعاعيّ فيتغيّر تركيبها وتنبعث كمّيّة كبيرة من الطاقة. تؤدّي الطاقة المنبعثة إلى تسخين باطن الكرة الأرضيّة. العناصر الأربعة التي تعمل على تسخين الكرة الأرضيّة هي - البوتاسيوم - 40، اليورانيوم - 235 و - 238 والثوريوم - 232 (تشير الأعداد إلى كتل الذرّات - أي إجماليّ عدد البروتونات والنيوترونات في نواة الذرّة). تُزوّد العمليّات الإشعاعيّة ثمانين بالمئة من الحرارة الباطنيّة للكرة الأرضيّة.
المصدر الحراريّ الثاني هو 'الحرارة المتبقيّة' - كانت الأرض عندما تكوّنت قبل ما يقارب أربعة ونصف مليار سنة عبارة عن كرة صخريّة ملتهبة وبردت مع مرور الزمن. ما هي الحرارة المتبقّية؟ يمكن تمثيل ذلك بشيء مخبوز أخرجناه من الفرن، إذ يبقى ساخنًا بعض الشيء حتّى بعد مرور نصف ساعة من الزمن وتتركّز الحرارة في مركزه، هذه هي 'الحرارة المتبقّية. بقيت حرارة في الكرة الأرضية منذ فترة تكوينها، بنفس الطريقة. يجب أن ندرك أنّ برودة جسم ضخم كالكرة الأرضيّة تحصل بشكل بطيء جدًّا لدرجة أنّه بعد مرور 4.5 مليار سنة ما زال باطنها حارًّا.
يتحتّم علينا التعرّف على مصطلح جيولوجيّ آخر لنفهم كيف يثور الجبل البركانيّ وهو مصطلح الألواح أو الصفائح التكتونيّة: يتكوّن الجزء الخارجيّ من الكرة الأرضيّة من صفائح ضخمة (صفائح تكتونيّة)، وهي تُشكّل القارات وقاع المحيطات. تتحرّك هذه الصفائح بتأثير مصادر الحرارة ببطء على قشرة الكرة الأرضيّة، وتحتكّ أحيانًا ببعضها البعض في موقع التلامس فيما بينها. تنجم الحرارة عن هذا الاحتكاك أيضًا: حِكّوا كفّات أيديكم ببعضها البعض بسرعة، ستشعرون خلال بضع ثوانٍ أنّ الأيدي قد سخنت لأنَّ الاحتكاك بين مادّتين يولّد الحرارة. يمكن أن نفهم من ذلك أنَّ حرارةً كبيرةً تتولّد عند احتكاك الصفائح الضخمة ببعضها، وقد تساهم هذه الحرارة في صهر الصخور الموجودة في منطقة التلامس بين الصفائح وتثور الجبال البركانيّة.
من المهمّ أن نوضّح أنَّ الصخور في باطن الأرض تبقى في الحالة الصلبة، بخلاف الفكرة الشائعة، وذلك بسبب الضغط الكبير الذي يؤثّر عليها ويعيق تحوّلها إلى الحالة الركاميّة السائلة. لا تنصهر الصخور فعليًّا إلّا إذا تحرّر الضغط المؤثّر عليها. تُسمّى الصخور المنصهرة في باطن الأرض الصُّهارة (الماجما) وعندما تندفع نحو السطح تُسمّى حِممًا بركانيّة (لافا).
نُصَوّرُ مقطعًا
تحاكي التجربة التي أجريناها مقطعًا في الجبل البركانيّ - يتيح لنا هذا المقطع مشاهدة ما يحدث داخل البركان. لقد بحث الشمع المنصهر عن مسلكٍ يخترق من خلاله حبيبات الرمل والماء ويخرج - ويحدث الثوران في اللحظة التي يتكوّن فيها مثل هذا المسلك. تمامًا مثل الصّهارة التي تبحث عن مسلك تشقّ طريقها من خلاله في باطن الأرض. يجدر بالذكر أنّ هناك حالات شاذّة مثل الجبال البركانيّة في جزر الهاواي التي يتمّ اختراقها من خلال مركز مثل هذه الصفيحة.
عندما ننظر إلى جبل بركانيّ حقيقيّ، فإنّنا نشاهد مصب حممه فقط - المادّة التي تنقضُّ نحو الخارج، وقد شاهدنا في التجربة ما يشبه المقطع الذي أتاح لنا رؤية أشياء تكون عادةً مخفيّة عن العين - مثل الأنبوب الذي يُغذّي البركان وتجري الصخور المنصهرة من خلاله، كما وشاهدنا مُجمّع الصخور الموجود في باطن الأرض والذي تتكوّن منه الحمم في نهاية المطاف.
أتقدّم بجزيل الشكر لجلعاد بيتر ناكر من برنامج الصفّ القطريّ لعلوم الكرة الأرضيّة الذي عرّفني على التجربة وأشرف على إعدادها. طوّر التجربة البروفيسور نير أوريون من قسم تدريس العلوم في معهد وايزمان للعلوم.