على الرّغم من المصادر اللّتي قد تبدو موثوقة، فما من دليلٍ في الواقع على أنّ لقاحات كورونا أو فيروس كورونا ذاته قد يسبّبا العقم

في وقت سابق من الشّهر الماضي، أدلى مسؤول سابق في شركة فايزر Pfizer بالمشاركة مع طبيب ألمانيّ يشير إلى أنّ لقاح الشّركة ضدّ فيروس كورونا SARS-CoV-2 يؤدّي إلى العقم. للوهلة الأولى، قد يبدو الادّعاء مقنعًا، لكونه يعزو ذلك لمبنى البروتين الفيروسيّ،  لكنّه عمليًّا لا يرتكز على أيّ أساسٍ علميّ. يُظهر فحص هذا الادّعاء بما لا يدع مجالًا للشّكّ أنّ لقاحات الكورونا المعتمدة، وكذلك فيروس كورونا نفسه، لا يُضعفا أو يُقلّ الخصوبة.

يستند الادّعاء إلى تشابه سطحيّ بين بروتين الغلاف "Spike" الخاصّ بفيروس كورونا،  الّذي تركّز عليه اللّقاحات، وبروتينٍ آخر موجود على جدران خلايا المشيمة. لفهم الادّعاء والأخطاء الّتي تكمن فيه، يجب أن نفهم أوّلًا جوهر الحقيقة، وفي هذه الحالة ماهية هذا البروتين وكيف يتعرّف جهاز المناعة لدينا على العوامل الخارجيّة الغريبة.

جرعة مهدّئة 1: الاستجابة المناعيّة للفيروس لا تسبّب الضّرر للمشيمة

ظاهريًّاا، قد يعتقد المرء أنّه بمقدور استجابة الجسم المناعيّة لفيروس كورونا أو اللّقاح المطوّر ضدّه أن تدمّر أيضًا بروتينات مماثلة، مثل syncytin-1. من النّاحية العمليّة، فإنّ هذا الخطر غير قائم لعدّة أسباب، الّتي ترتبط جزئيًّا بطبيعة الفيروس، وبجزءٍ آخر بطريقة عمل جهاز المناعة لدينا.
الاستجابة المناعيّة ضدّ فيروس كورونا أقوى بكثير من استجابة الجسم للّقاح صناعيّ. بالتّالي، إذا كان تكوين الأجسام المضادّة لفيروس كورونا يضعف خصوبة الإناث، فإنّنا نتوقّع رؤية هذه الظّاهرة أوّلًا، وقبل كلّ شيء بين النّساء اللّواتي أصبن بمرض الكورونا أو اللّواتي قد تعافين منه.

مع ذلك، وعلى الرغم من أنّ ملفات عشرات الملايين من المرضى الّذين شُخّصوا قد تراكمت بالفعل في جميع أنحاء العالم، ودُرست أعراض المرض على نطاق واسع، إلّا أنّه لم يرد حتّى الآن أيّ دليل على أنّ الإصابة بفيروس كورونا تؤدّي إلى زيادة معدلات الإجهاض أو تسبّب أيّ ضرر للمشيمة.

امرأة حامل تمسك كمامة| الصورة: PH888 ، Shutterstock
لقاحات كورونا آمنة فهي لا تؤذي المشيمة. امرأة حامل تمسك كمامة| الصورة: PH888 ، Shutterstock

جرعة مهدّئة 2: الاستجابة المناعيّة لا تؤثّر بشكل مباشر على المشيمة

ماذا عن احتماليّة تشوش خلايا الجهاز المناعيّ وتهاجم المشيمة وتطوّر الجنين؟ هنا يجب أن نتذكّر أنّ الجهاز المناعيّ يعرف كيف يفرّق بين خلايا الجسم والغزاة الخارجيّين. في حالة حدوث تهديد جديد من أيّ جسمٍ غازٍ، يتحرّك الجهاز المناعيّ المكتسب للاستجابة له، وخاصّة خلايا الدّم البيضاء الّتي تسمّى الخلايا البائية B والخلايا التائية T، القادرة على اكتشاف التّهديدات وخلق ذاكرة مناعيّة دائمة ضدّها. تعتمد هذه القدرة على مستقبلات مخصّصة موجودة على الجانب الخارجيّ لخلايا الجهاز المناعي، تسمح لها بتحديد مكوّنات معيّنة في بروتين الغازي، فيروس كورونا في هذه حالتنا هنا.

كسائرِ البروتينات، تتكوّن بروتينات الكورونا أيضًا من سلاسل من الأحماض الأمينيّة، وهي الّلبِنات الأساسية لجميع البروتينات في الطّبيعة. نظرًا لأن البروتين الشّائك للفيروس وبروتين السينسيتين البشري مبنيان من تسلسلات قصيرة متطابقة من الأحماض الأمينيّة، فقد قيل إنّ الأجسام المضادّة ضدّ أحدهما ستعمل أيضًا ضدّ الآخر. من النّاحية العمليّة، فإنّ التّشابه بين البروتين الفيروسيّ وسينسيتين ضئيل على أقلّ تقدير. يتكوّن كلّ بروتين من مئات الأحماض الأمينيّة - ما يقرب من ألف في البروتين الفيروسي-، ولا يوجد تقريبًا أي تداخل بينها. مستوى التّشابه منخفض بشكل ملحوظ ، لدرجة أنّ أدوات مقارنة البروتين، مثل برنامج بلاست، تفوِّت مناطق التّشابه تمامًا ولا ترصدها.

لتحديد موقع هذا التّماثل، من الضروريّ إجراء مقارنة "غبيّة" بين تسلسل البروتين. لماذا غبيّة؟ لأن البروتينات أكثر من مجرّد مجموع الأحماض الأمينيّة الّتي تتكوّن منها. لا تقارن أدوات المقارنة معقّدة التّسلسل فحسب، بل تقارن أيضًا الخصائص الكيميائيّة والشّكل المتوقّع للبروتين. علاوة على ذلك، تعتمد مستقبلات الخلايا B و T على تسلسلات أطول، لا تقلّ عن ثمانية أحماض أمينيّة، بالتّالي فإنّ تشابه عدد قليل من الأحماض الأمينيّة لن يكون كافيًا. ضع في اعتبارك أنّ أيّ تغيير طفيف في تكوين البروتين يمكن أن يغيّر وظيفته وهيكله تمامًا.
 

ماذا عن السلطة المهنيّة؟

بالإضافة إلى الحجج العلميّة، يعتمد الادّعاء بشكل كبير على هوية ناشريها: مايكل ييدون، الّذي كان كبيرًا في شركة فايزر حتّى عام  2011 -ولم يكن رئيسًا كما أشيع-،  والطّبيب الألمانيّ فولفجانج وودارج. ومع ذلك، فقد كان لدى الاثنين في الماضي مجموعة من البيانات الإشكاليّة وتاريخ من نشر أنصاف الحقائق المضلّلة. أولاً، لا ينتمي ييدون إلى شركة فايزر على الإطلاق، حيث توقّف عن العمل هناك منذ ما يقرب من عشر سنوات. خلال الجائحة الحاليّة، كان قد أصدر مجموعة من البيانات الخاطئة، بما في ذلك التّأكيد الّذي لا أساس له على أنّ "وباء كورونا قد انتهى"، بينما صرّح وودارج بأنّه لا أساس له بقوله "وباء كورونا ليس أكثر حدة من الأنفلونزا".

بالتّالي، فمثل معظم الادّعاءات الّتي أثيرت في الأشهر الأخيرة بشأن لقاحات كورونا، فإنّ الادّعاء الحاليّ أيضًا لا أساس له من الّحة بشكل قاطع، على الرّغم من بعض الحقائق الأساسيّة الّتي بني عليها الادّعاء. لقاحات كورونا الّتي حازت على موافقة السّلطات الصّحّيّة العالميّة تعتمد على تقنيات موثوقة وقد أثبتت سلامتها في اختبارات مكثّفة بشكل خاصّ.

المشورة العلميّة: جمعية مِدَعَت.
في إعداد المقال استخدمنا السِّجل"هل لقاحات COVID-19 تسبب العقم؟" من مدونة إدوارد نيرنبرغ. تم استخدامه بإذن من نورمبرغ.
التدقيق اللغوي: إسراء زعبي

 

 

0 تعليقات