كشف علماء المعهد عن عدة طرق تقلل بها الخلايا "التكلفة" التي تنطوي عليها عملية بناء البروتينات في الخلية - بما في ذلك "الإشارة الضوئية الجزيئية" التي تُنظم عمل الريبوسومات.

من منا لا يرغب في أن يدفع أقل و يحصل على المزيد؟ يتضح أن هذه القاعدة تنطبق على الخلايا الحية أيضًا. تسعى الخلايا إلى استغلال مواردها بأقصى صورة ممكنة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعملية الأكثر "تكلفة" في الخلية من حيث الاستثمار في الطاقة - التعبير عن الجينات في الخلية. تلك هي في الواقع عملية إنتاج البروتينات في الخلية وفقًا للشفرة الوراثية. في دراسة جديدة نًشرت في المجلة العلمية Molecular Cell، قام علماء في معهد وايزمان للعلوم بالكشف عن عدة طرق تقلل من خلالها الخلايا "التكلفة" التي تنطوي عليها العملية. كما يوضح البروفيسور يتسحاق بلبيل من قسم الوراثة الجزيئية، الذي يرأَس مجموعة البحث،فقد تم الحصول  على فائدة لا يُستهان بها: " أثناء عملية التطور، اكتسبت الخلايا التي كانت قادرة على إنتاج البروتينات بأرخص طريقة ميزة كبيرة، مقارنةً مع الخلايا الأخرى. يمكننا القول إنَّ  من كان أكثر اقتصادًا قد نجا".

في دراسة أجراها مؤَخَّرًا  الطلاب عيدان فروماكين، دافير شيرمان وأفيف روتمان، بمُشاركة  أعضاء آخرين في مجموعة البروفيسور بيلبيل، تم الكشف عن مجموعة متنوعة من الطرق التي يمكن للخلايا من خلالها "تقليل التكاليف". تُذكرنا إحداها بإشارة المرور الموجودة عند مدخل الطريق السريع. تنظم هذه "الإشارة الجزيئية" عمل الريبوسومات - الآلات الخلوية التي تنتج البروتينات تنتقل عبر جزيئات الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA). تحتوي هذه الجزيئات على معلومات حول تركيبة البروتين. تكمن وظيفة "الإشارة الضوئية" في تبطيء ظهور حركة الريبوسوم على طول mRNA. "على غرار الطريقة التي تنظم بها الإشارة الضوئية دخول المركبات إليها في الطريق السريع، وبالتالي تمنع الاختناقات المرورية، هكذا تعمل الإشارة الجزيئية، أيضًا"، يُوضح البروفيسور بيلبيل، ويقول: "تمنع الريبوسومات من إنتاج "اختناقات مرورية " على mRNA، وبالتالي تُحسّن عملية بناء البروتينات في الخلية".

منذ عدة سنوات قدّر البروفيسور بيلبيل وجود "إشارات تنظيم جزيئية" في الخلية. مع  ذلك، الآن، فقط، لديه الفرصة لدراسة هذه الفرضية في التجارب المخبرية. يقول البروفيسور بيلبيل: "لقد حصلنا على هدية فريدة من نوعها. قام علماء في الولايات المتحدة الأميركية بتصميم 14000 إصدار مختلف من الجين الذي ينتج بروتينًا محددًا يسمى GFP. لقد قاموا بإنتاج هذه الإصدارات لتلبية احتياجاتهم، لكننا استخدمناها من أجل دراسة كيفية تأثير تصميم الجينات على "تكلفة" إنتاج البروتين". قام أعضاء مجموعة البروفيسور بيلبيل بإدخال جميع نُسَخ  الإصدارات الـ 14000 إلى داخل مجموعة متنوعة من الخلايا البكتيرية، ثم قارنوا بين مختلف كميات الـ GFP التي تنتجها الخلايا. "إن البكتيريا التي أنتجت GFP بكمية أكبر بناءً على كل جزيء من الـ mRNA، كانت تلك التي استخدمت مواردها بنجاعة أكبر"، يشرح بروفيسور بيلبيل.

قام الباحثون، لاحقًا، بتحليل تسلسل مقاطع الشيفرة الوراثية التي يختلف بها الـ - 14000 جين بعضها عن البعض ، كما قاموا بإجراء تحليل رياضي للمقاطع، باستخدام نموذج المعلوماتية الحيوية الذي تم تصميمه للتجربة. وجد الباحثون، وفقًا لتوقعاتهم، أن البكتيريا التي أنتجت GFP، بصورة أكثر نجاعة، هي تلك التي احتوت على نسخة الجين الخاصة بها "الإشارة الضوئية الجزيئية". علاوة على ذلك، كشف العلماء عن ثلاث آليات تعمل بواسطتها "الإشارة الضوئية" على تبطيءحركة الريبوسومات عندما تبدأ بالحركة على mRNA. أولاً، كإشارة المرور التي تنظم الحركة عند مدخل الطريق السريع، تقف "الإشارة الضوئية الجزيئية" عند نقطة دخول جزيء mRNA. بمعنى آخر، تظهر "الإشارة الضوئية" في بداية الجزيء. يحتوي هذا المقطع من الجزيء على تسلسل جيني يتطلب مساعدة الجزيئات النادرة. هذا يعني تأخير الريبوسوم إلى حين وصول الجزيء الذي يعطيه "الضوء الأخضر" من أجل إكمال طريقه. في بقية مقاطع الجزء، توجد تسلسلات جينية تتطلب مساعدة من جزيئات شائعة نسبيًا، تسمح للريبوسوم بتجميع السرعة. ثانيًا، يتم إنشاء آلية أخرى موجودة في "الإشارة الضوئية" بسبب التغييرات في بنية جزيء mRNA. عندما يتم طيّ الجزيء في قسمه الأولي، تُصعب الطيات حركة الريبوسوم وتجعلها أبطأ. ثالثا، قد تؤدي قوة التفاعلات مع mRNA إلى إبطاء الريبوسوم.

بالإضافة إلى "الإشارة الضوئية الجزيئية"، اكتشف العلماء طرقًا إضافية تقلل من خلالها الخلية كمية الطاقة المستثمرة في عملية إنتاج البروتينات. "طرق كهذه، أيضًا، بالإضافة إلى "إشارات المرور"، موجودة في البكتيريا بشكلٍ طبيعي"، يوضح البروفيسور بيلبيل. في المستقبل، قد تكون هناك إمكانية لتثبيت إشارات التنظيم الجزيئية في البكتيريا لزيادة إنتاج الأنسولين، الأجسام المضادة والمواد الطبية الأخرى المنتجة في الخلايا البكتيرية. يُلخص البروفيسور بيلبيل: "قد يفيد هذا الإنتاج المتزايد صناعات التكنولوجيا الحيوية".

لقد شارك في البحث، أيضًا، كل من: ليران زاهافي، أرنست موردرت وعمر أسرف، من قسم الوراثة الجزيئية في معهد وايزمان للعلوم،  د. فانجافي لي، د. سونغ في، د. ساشا ليفي، من جامعة ستوني بروك في الولايات المتحدة الأمريكية. 

نُشر المقال لأول مرة باللغة العبرية ضمن رحلة السحر العلمي بتاريخ 9.3.17. 

 

الرسوم المتحركة من مختبر البروفيسور عيدا يونات.

الترجمة للعربيّة: بنان مواسي

0 تعليقات