تجري دراسة مرض الرّبو منذ عقود من الزّمن. يتمكّن معظم مرضى الرّبو من عيش نمط حياة طبيعيّ بفضل الأدوية، على الرّغم من أنّ آليّات المرض ليست واضحة تمامًا.
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
يعيش حوالي 300 مليون شخص حول العالم مع مرض الرّبو، وَيكافحون من أجل التّنفّس مع وجوده.
تنجم متلازمة الرّبو، (asthma)، عن التهابات في مسالك التّنفّس تؤدّي إلى انسدادها بشكل جزئيّ. أعراض الرّبو هي، عادةً، ضيق في التّنفّس، والصّفير، والسّعال وضائقة في الصّدر. ينتشر مرض الرّبو في الدّول المتطوّرة والمجتمعات الموفورة (الغنيّة) بشكل خاصّ، إذ يعاني واحد من كلّ عشرة أطفال، وواحد من كلّ اثني عشر بالغًا في هذه البلدان من المرض، وأسباب ذلك غير واضحة تمامًا.
لا نعلم بشكل دقيق ما الّذي يؤدّي إلى انتشار الرّبو لدى شخص ما، لكن من المعلوم أنّ للعاملَيْن - الوراثيّ والبيئيّ - وللعلاقات المتبادلة بينهما، دورًا هامًّا في تطوّر هذه المتلازمة. شخّصت الدّراسات الّتي أجريت على مرّ السّنين مئات من التّغييرات الوراثيّة (الجينيّة) الموضعيّة في الـ DNA والمرتبطة بالخطر المتزايد للإصابة بالرّبو. إلّا أنّ العوامل الوراثيّة جزء من الصّورة: العوامل البيئيّة مثل تلوّث مسالك التّنفّس، خاصّة التّلوّث الفيروسيّ في جيل مبكّر، والتّعرّض لدخان السّجائر، وتلوّث الهواء والحساسيّة لِمسبّبات الحساسيّة الموجودة في الهواء، كلّ هذه تزيد هي الأخرى من خطر نشوء الرّبو وتطوّره.
يشارك في آليّة عمل الرّبو العديد من الخلايا في الجهاز المناعيّ والخلايا الظّهاريّة المُبطِّنة لِمسالك التّنفّس.
يثير الالتهاب الشُّعيباتِ الموجودةَ في الرّئتين ويؤدّي إلى الإفراط في إنتاج المخاط والبلغم، وتضييق مسالك التّنفّس، وإحداث تغييرات بنيويّة في جدرانها.
تنجم هذه المتلازمة عن التهابات في مسالك التّنفّس تؤدّي إلى انسدادها الجزئيّ. في الصّورة: أطبّاء يستعرضون صور الأشعّة السّينيّة (الرّنتغن) للرّئات.
الأوجه المتعدّدة للمتلازمة ذاتها
لسنوات عديدة، تمّ تعريف شكلين فقط من الرّبو: الرّبو الحسّاسيّ والرّبو اللّا الحسّاسيّ. إلّا أنّ هذا التّقسيم يعتبر اليوم تبسيطيًّا للغاية، وذلك على ضوء التّقدّم الّذي طرأ على دراسة المتلازمة والتّعمّق في فهم آليّاتها البيولوجيّة. تُعرف اليوم مظاهر سريريّة مختلفة للرّبو، تختلف فيما بينها بمدى الحساسيّة الوراثيّة (الجينيّة)، وعوامل الخطورة البيئيّة، وجيل اندلاع المرض، والأعراض، والتّشخيص وردود الفعل على العلاج والاستجابة له. ولذلك، يُنظر اليوم إلى الرّبو على أنّه متلازمة، وليس كمرض منفرد.
يعاني معظم الأولاد مرضى الرّبو وحوالي نصف البالغين المرضى ممّا جرت العادة على تسميته "الرّبو الحسّاسيّ". ينجم هذا الرّبو عن الحساسيّة لمسبّبات الحساسيّة، مثل عثّ غبار المنزل، ووبر الحيوانات، والأبواغ الفطريّة، وحبوب اللّقاح النّباتيّة، والمنتجات الغذائيّة. تعمل الخلايا التّغصنيّة الموجودة في جهاز المناعة على إفراز السيتوكينات - هي جزيئات الاتّصالات في جهاز المناعة - عندما يتعرّض الجسم لمُسبّب الحساسيّة. تحفّز جزيئات السيتوكينات بدورها العمليات الالتهابيّة، بما فيها إلحاق الضّرر بالخلايا الظّهاريّة في الرّئات، ورد فعل مُفرط لِلقصيبات الشّعيريّة الهوائيّة التّنفّسيّة وتقلّصها، وتغييرات في جدران مسالك التّنفّس الّتي تؤدّي إلى تضييقها، وتكوين البلغم الّذي يعمل على زيادة الانسداد. يستعين العديد من المرضى في تعاملهم مع الرّبو بمزيج من أجهزة الاستنشاق الكورتيكوستيرويديّة - الهرمونات الصّناعيّة المضادّة للالتهابات - ودواء يفتح عضلات القُصيبات الهوائيّة المنقبضة.
تحفّز السيتوكينات العمليّات الالتهابيّة ، بما فيها انقباض القصبات الهوائيّة الشّعريّة وإنتاج البلغم الّذي يزيد من انسدادها. رسم توضيحيّ للقصبات الهوائيّة الشّعريّة لدى شخص معافى (في الجانب الأيسر)، ولَدى مريض بالرّبو، القصبات الهوائيّة الشّعريّة في رئتيه ضيّقة للغاية | Claus Lunau, Science Photo Library
غالبًا ما يتطوّر الرّبو الّذي سُمّي سابقًا بالرّبو اللّا حسّاسيّ في مرحلة متأخّرة نسبيًّا من الحياة. تُفرِز خلايا من نوع آخر، لدى الأشخاص الّذين يعانون من هذا النّوع من الرّبو، السيتوكينات وسيطة الالتهابات، فتكون النّتيجة مشابهة بالرّغم من اختلاف المصدر. هذا النّوع من الرّبو هو أكثر انتشارًا بين النّساء، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بالسّيلان المزمن من الأنف، والزّوائد اللّحميّة الأنفيّة، والوزن الزّائد. غالبًا ما تكون السّيطرة على الرّبو اللّا حسّاسيّ أكثر صعوبة، وهي تُلزم المرضى تناول الستيروئيدات بشكل دائم وعلى شكل أقراص أو حقن، وليس عن طريق جهاز الاستنشاق (البخّاخ) فحسب، وذلك لكي يؤثّر الدّواء على خلايا جهاز المناعة في جميع أنحاء الجسم، وليس على مسالك التّنفّس فقط.
الرّبو الحادّ هو شكل آخر من هذا المرض، وتبلغ نسبة انتشاره عشرةً بالمائة من مجمل حالات الرّبو، وأعراضه أشدّ من أعراض الأشكال الأخرى. يندلع هذا الشّكل من الرّبو في فترة متأخّرة نسبيًّا من العمر. ميزته الرّئيسية هي مقاومة الكورتيكوستروئيدات. تنشط في هذا النّوع من الرّبو خلايا أخرى من جهاز المناعة، وتُفرز مجموعة مختلفة تمامًا من السيتوكينات. لم تتّضح بعد وبما فيه الكفاية الآليّات البيولوجيّة لتطوّر هذا الشّكل من الرّبو، إلّا أنّ الدّراسات وجدت علاقة بينه وبين التّلوّث البكتيريّ المزمن، السُّمنة الزّائدة، التّدخين، وخلل في نشاط العضلات الملساء (اللّاإراديّة) في مسالك التّنفّس.
يعاني معظم الأطفال، ونصف البالغين المصابين بالرّبو، من الرّبو الحسّاسيّ . طفل صغير مع جهاز الاستنشاق (البخّاخ) | Ruth Jenkinson, Science Photo Library
ما هو العلاج إذًا؟
يمكن لمرضى الرّبو السّيطرة على الالتهاب، ومنع أعراض ضيق التّنفّس، ومزاولة حياتهم العاديّة بالاستعانة بالأدوية، ذلك على الرّغم من عدم توفّر علاج يشفي من المرض بشكل تامّ ونهائيّ. تشمل طرق العلاج الرّئيسة أنواعًا مختلفة من أجهزة الاستنشاق. تحتوي بعض هذه الأجهزة على موادّ تعمل على توسيع القصيبات الشّعريّة الهوائيّة وتؤدّي إلى ارتخاء العضلات في مسالك التّنفّس، فتتيح للهواء الوصول إلى الرّئات، مثل السلڤوتامول، المعروف تجاريًّا باسم الڤنتولين، وتحتوي أجهزة أخرى على الكورتيكوستيروئيدات الّتي تُخفّف من شدّة الالتهاب، ويتمّ دمج عائلتَي هذه الموادّ مع بعضها في أجهزة الاستنشاق.
هناك بديل علاجيٌّ آخر للرّبو يتمثّل في الأدوية البيولوجيّة، مثل المضادّات الّتي توقِف العمليّة الالتهابيّة عن طريق تحييد جزء من السيتوكينات، أو أنّها توقف المضادّات الّتي تشارك في العمليّة الالتهابيّة لدى مرضى الرّبو الحسّاسيّ.
تستمرّ المعاناة من أعراض الرّبو لدى خمسة إلى عشرة بالمائة من المرضى، على الرّغم من العلاج بالأدوية. وعلى الرّغم من التّطوّر الكبير الّذي أُحرز في العقود الأخيرة في فهم مرض الرّبو، إلّا أنّه ما زالت هناك حاجة لإجراء دراسات أكثر عمقًا لبحث العمليّات البيولوجيّة الّتي تلعب دورًا في تكوّن الالتهاب، ودراسة الأشكال المختلفة من الرّبو والعوامل المختلفة في تكوينها. يمكننا بذلك تطوير علاجات فعّالة وناجعة، موضعيّة، ومصحوبة بأقلّ ما يمكن من الأعراض الجانبيّة، ومنح الفرصة للمرضى بأن يعيشوا الحياة المليئة بالهواء الطّلق كي يتنفّسوه.