يحظى اليوم العلاج الّذي نشأ في الصين القديمة بتحسين متجدّد، حيث أصبح من الواضح مدى أهميّة تأثير بكتيريا الأمعاء لدينا في صحّتنا

إذا عرضوا عليكم علاجًا يشمل إفرازات أشخاص آخرين، فمن المحتمل أن ترفضوا ذلك. مع ذلك، نجح في السنوات الأخيرة العلاج غير التقليديّ، المسمّى "زرع البُراز" (Fecal microbiota transplant، وباختصار FMT)، في تحطيم الحواجز النفسيّة ومنح الأمل للأشخاص الّذين يعانون من مجموعة متنوّعة من الحالات الطبيّة.

يُعتبَر زرع البُراز إجراءً طبيًّا يشمل نقل الموادّ البُرازيّة من متبرّع سليم إلى الجهاز الهضميّ لشخص آخر يعاني من حالة طبيّة ما. والغرض من هذا الإجراء هو استعادة التوازن بين مجموعات الكائنات الحيّة الدقيقة الفعّالة- البكتيريا، الفيروسات، الفطريّات أحاديّة الخليّة الّتي تعيش بشكل دائم في أمعائنا، والكائنات الحيّة الدقيقة الضارّة أو المسبّبة للأمراض.

حظي هذا الإجراء باهتمام كبير في السنوات الأخيرة بعد نجاحه في علاج أمراض خطيرة في الجهاز الهضميّ. في الوقت نفسه، تتراكم المزيد والمزيد من الأدلّة الّتي تشير إلى مساهمته في علاج مجموعة واسعة من الأمراض الأخرى، وحتّى أنواع معيّنة من السرطان.


إذا تمّ التغلّب على الحاجز النفسيّ، فإنّ العلاج قد يمنح الأمل للأشخاص الّذين يعانون من مجموعة متنوّعة من الحالات الطبيّة. زرع البُراز | Pepermpron, Shutterstock

نحن لسنا وحدنا

تعيش البكتيريا وغيرها من الكائنات الحيّة الدقيقة بأعداد كبيرة في العديد من أعضاء جسم الإنسان وكذلك الحيوانات، وحتّى النباتات. تتركّز هذه الكائنات في جسم الإنسان بشكل خاصّ في الأمعاء وعلى الجلد. في أوائل سنوات السبعينيّات، تجذّر في المجتمع العلميّ الاعتقاد بأنّ عدد البكتيريا في أجسامنا أكبر بمائة مرّة من عدد الخلايا البشريّة. لكن في أعقاب التقديرات المُحدَثة، انخفض هذا العدد بشكل كبير، بحيث يُعتقَد اليوم أنّ عدد البكتيريا يقترب جدًّا من عدد خلايا الجسم ويبلغ حوالي 39 تريليون جرثومة.

من بين جميع الكائنات الحيّة الّتي تعيش في أجسامنا، فإنّ المجموعات المعويّة هي الأكبر والأكثر تنوّعًا. تُسمّى مجموعات البكتيريا، الفيروسات والفطريّات مجتمعة بـ "ميكروبيوم الأمعاء". توجد جميعها تقريبًا في الأمعاء الغليظة، وهي العضو السفليّ من الجهاز الهضميّ، حيث تصل بقايا الطعام الّتي تمّ تحليلها ومعالجتها قبل ذلك في المعدة والأمعاء الدقيقة. تمتصّ الأمعاء الغليظة السوائل والأملاح من بقايا الطعام، والمُخلَّفات الّتي تبقى بعد ذلك تكوّن البُراز الّذي نُفرزه.

يُعرَف اليوم أكثر من ألف نوع من الكائنات الحيّة الدقيقة الّتي تعيش في أمعاء الإنسان. يختلف تكوين هذه المجموعة الغنيّة والمتنوّعة من شخص لآخر، اعتمادًا على الجنس، العرق، العمر، نمط الحياة والعديد من العوامل الأخرى.

علاوة على ذلك، فإنّ تكوين الميكروبيوم ديناميكيّ ويتغيّر من عضو إلى آخر ومن فترة إلى أخرى. على سبيل المثال، نجد مجموعات من الكائنات الحيّة الدقيقة المختلفة  في كلّ عضو من أعضاء الجهاز الهضميّ- من المريء و المعدة إلى الأمعاء. كذلك، قد يتغيّر تركيب الميكروبيوم أيضًا بسرعة عقب تغييرات في الظروف البيئيّة أو السلوك البشريّ. على سبيل المثال، عندما نتناول المضادّات الحيويّة أو نأكل طعامًا فاسدًا، فإنّنا نقضي على العديد من البكتيريا الفعّالة أو نضيف إليها أنواعًا ضارّة جديدة تتنافس فيما بينها على الموارد. عادةً، ينجح الميكروبيوم بالتوازن من تلقاء نفسه، ولكن في بعض الأحيان تتنافس البكتيريا الضارّة مع البكتيريا الصديقة، ما يؤدّي إلى إصابتنا بالمرض. كذلك، قد تؤثّر التغيّرات في النظام الغذائيّ، وحتّى الضغط النفسيّ في تركيب الميكروبيوم أيضًا. 

على الرغم من أنّ تركيب مجموعات البكتيريا تختلف من شخص لآخر، تظهر الأبحاث أنّ معظم الناس يتشاركون في مجموعات معيّنة من البكتيريا والكائنات المجهريّة الأخرى في أجسامنا. تساهم هذه الكائنات الدقيقة في الحفاظ على  صحّتنا؛ فإنّها تشارك، ضمن أمور أخرى، في عمليّات الهضم وتحليل الموادّ الغذائيّة المهمّة، وفي الأداء الطبيعيّ للجهاز المناعيّ، وإنتاج الفيتامينات الأساسيّة.

لذلك، يُعتبَر التوازن الدقيق بين الكائنات الحيّة الدقيقة ضروريًّا لصحّة الجسم. عند اختلال هذا التوازن، يمكن أن تتكاثر الأنواع الضارّة، ما يؤدّي إلى تفشّي أمراض الأمعاء الالتهابيّة، السمنة، الحساسيّة، الأورام السرطانيّة، وتطوّر الاضطرابات النفسيّة، بل وهناك تقارير تشير إلى احتمال ارتباطها بمرض التوحّد.

بما أنّ للميكروبيوم تأثيرًا في تطوّر الأمراض، فمن المنطقيّ الاعتقاد بأنّ التدخّل المدروس في تركيبه يمكن أن يساعد الجسم على مكافحة هذه الأمراض. وهنا يأتي دور زرع البُراز.  يعتمد هذا الإجراء على الفرضيّة بأنّ زرع بُراز شخص سليم في أمعاء شخص مريض، يعيد تنظيم وتوازن الميكروبيوم ويمنع سيطرة البكتيريا الضارّة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم البكتيريا الموجودة في البُراز في تنشيط الخلايا المناعيّة في الأمعاء وتحسين استجابتنا المناعيّة وبذلك مواجهتنا للأمراض. وأخيرًا، تُنتج بعض البكتيريا الموادّ الّتي تعيق تكاثر البكتيريا الضارّة.


يعيش أكثر من ألف نوع من البكتيريا في أمعائنا فقط. رسم توضيحيّ لتنوّع البكتيريا في الأمعاء الدقيقة | تصوبر: SciePro, Shutterstock

حلّ إبداعيّ 

تعود زراعة البُراز للطبّ الصينيّ القديم. قبل 1700 عام، كان الطبيب جا هونغ (Ja Hong) يقدّم لمرضاه الّذين يعانون من التسمّم الغذائيّ أو الإسهال الشديد البُراز لتناوله كعلاج لذلك. أنقذ هذا العلاج حياتهم، وتعافوا تمامًا. وحتّى في وقت سابق، حوالي سنة 400 قبل الميلاد، أدرك الطبيب اليونانيّ أبقراط (Hippocrates) أهميّة الميكروبيوم لصحّة الإنسان، عندما حذّر من أنّ "الموت موجود في الأمعاء" وأنّ "سوء الهضم هو مصدر كلّ الشرّ". 

خلال الحرب العالميّة الثانية، قام الجنود الألمان الّذين يعانون من الزحار (Dysentery)- وهو التهاب واضطراب فى الأمعاء- باستهلاك روث الحيوانات كعلاج. وهكذا اكتشفوا أنّ فضلات الحيوانات الأخرى قد تفيد البشر أيضًا. في سنة 1958، استخدم أطبّاء من دنفر في الولايات المتّحدة الحقن الشرجيّة البُرازيّة لعلاج أربعة مرضى يعانون من التهاب القولون التقرّحيّ (Ulcerative colitis)- وهو مرض التهابيّ مزمن يدمّر البطانة السطحيّة للأمعاء الغليظة. نتيجة لذلك، تماثل المرضى للشفاء. اليوم، نعلم أنّ السبب وراء مرضهم هو بكتيريا المطثيّة العسيرة (Clostridium difficile) وأنّ زرع البُراز ربّما أعاد التوازن بينها وبين البكتيريا المعويّة الفعّالة.

منذ ذلك الحين، أثبتت العديد من الدراسات العلاقة بين الكائنات الحيّة الدقيقة في الأمعاء والأداء الوظيفيّ لأجهزة الجسم، بما في ذلك الدماغ وجهاز المناعة. نعلم اليوم أنّ التغييرات في تركيبة الميكروبيوم ترتبط بتطوّر مرض السكّريّ، تصلّب الشرايين، أمراض التهاب الأمعاء، أمراض القلب والأوعية الدمويّة، السرطان وأمراض أخرى. ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات لكشف طبيعة هذه العلاقة.


اليوم لا حاجة لتناول البُراز، يمكنك ابتلاع الكبسولات. عيّنات لزراعة البُراز في الأمعاء عن طريق الابتلاع | صورة: Microgen, Shutterstock

القضاء على البكتيريا القاتلة

دعونا نعود إلى بكتيريا المطثيّة العسيرة، والّتي تتواجد في أمعاء معظم الأشخاص السليمين، فهي عادة ما تكون غير ضارّة ولا تسبّب المرض. ومع ذلك، قد تستغلّ الفرصة وتتكاثر وتسيطر على الأمعاء في حالات طبيّة معيّنة مثل تلك الّتي تسبّب ضعفًا في الجهاز المناعيّ، أو اختلالًا في توازن المجموعات البكتيريّة، على سبيل المثال، بسبب الاستخدام المستمرّ للمضادّات الحيويّة. كذلك، تسبّب السموم الّتي تفرزها بكتيريا المطثيّة العسيرة آلامًا في البطن واسهالًا وحُمّى، وفي الحالات الشديدة قد تؤدّي إلى مرض معويّ مزمن مثل التهاب القولون التقرّحيّ وحتّى فشل الأعضاء والوفاة.

يُصاب ما يقرب من نصف مليون شخص في الولايات المتّحدة وحدها بهذه البكتيريا سنويًّا، ويموت 15 ألفًا منهم بسبب المرض. شهدنا في العشرين سنة الأخيرة زيادة كبيرة في وتيرة انتشار المرض، خاصّة لدى المرضى المزمنين أو أولئك الّذين يتناولون المضادّات الحيويّة، العلاج الكيميائيّ والأدوية الأخرى الّتي تؤثّر في تركيب مجموعات البكتيريا المعويّة.

يتعافى معظم المرضى بعد العلاج بالمضادّات الحيويّة الملائمة للبكتيريا المسبّبة للمرض. ومع ذلك، تطوّر البكتيريا مقاومة ضدّ المضادّات الحيويّة لدى خمس إلى ثلث المرضى، ما يتيح تكاثرها في الجسم، ثمّ تنتشر مجدّدًا لاحقًا وتسبّب مرضًا يصعب علاجه، بحيث أنّه حتّى العلاج بالمضادّات الحيويّة الّتي تثبّط العدوى لا تنجح في القضاء عليها. في السنوات الأخيرة، أظهر استخدام زرع البُراز نجاحًا كبيرًا في علاج العدوى المتكرّرة لبكتيريا المطثيّة العسيرة، حيث وصل معدّل النجاح إلى 90 بالمائة، حتّى بين المرضى ذوي الحالات الصعبة للغاية. ويبدو أنّ العلاج أكثر فعاليّة من المضادّات الحيويّة.

ومع ذلك، فإنّ عمليّة زرع البُراز ليست بسيطة. أوّلًا، يجب العثور على متبرّع مناسب، حيث تتواجد في أمعائه الكائنات الحيّة الدقيقة الّتي يفتقر إليها المريض. من أجل ذلك، يتمّ أخذ عيّنات البُراز من المتبرّع، وعزل البكتيريا عنه، وإجراء سلسلة شاملة من الاختبارات المخصّصة لمنع انتقال الكائنات الحيّة الدقيقة المسبّبة للأمراض أثناء عمليّة الزرع. يتمّ بعد ذلك تكاثر البكتيريا وتجميدها حتّى يتمّ زرعها. في هذه الأثناء، يتلقّى المريض علاجًا مكثّفًا بالمضادّات الحيويّة مخصّصًا لإفساح المجال في الأمعاء للبكتيريا الجديدة. يتمّ زرع البكتيريا في حقنة شرجيّة أو فحص تنظير القولون من خلال فتحة الشرج، أو من خلال عمليّة التنبيب الأنفيّ المعديّ (Nasogastric intubation). 

حاليًّا، تتوفّر بنوك لعيّنات البُراز المجمّدة والجاهزة للاستخدام. يمكن لأيّ شخص بالغ يتمتّع بصحّة جيّدة حتّى سنّ 60 عامًا التبرّع بالبُراز بشكل مجهول بعد خضوعه لاختبارات شاملة. يحصل المتبرّع الّذي يتّضح أنّه مناسب على عبوة مخصّصة لجمع العيّنات في منزله، ويجب عليه تسليمها خلال ثلاث ساعات من وضع البُراز. يمكن لكلّ تبرّع أن يساعد حتّى 30 مريضًا.

في إسرائيل، يوجد اليوم "بنك" للبُراز في المركز الطبيّ "إيخيلوف" في تل أبيب، حيث تُجرَى أيضًا أبحاث حول علاج زرع البُراز ضدّ أعراض مثل مرض السكّريّ والسمنة. بالإضافة إلى ذلك، في بعض أقسام الأورام في إسرائيل، يتمّ حاليًا إجراء تجارب سريريّة على عمليّات زرع البُراز لعلاج أنواع معيّنة من السرطان المقاوم للعلاجات، تزامنًا مع العلاجات الأخرى بالأدوية.


بكتيريا غير ضارّة عادة، والّتي قد تصبح خطيرة في ظلّ الظروف المناسبة، ويُعتبر زرع البُراز حلًّا مثاليًّا ضدّها. بكتيريا المطثيّة العسيرة | تصوير: ART-ur, Shutterstock

الحبوب البُرازيّة

في تشرين الثاني 2022، صادقت دائرة التغذية والأدوية الأمريكيّة (FDA) على طريقة علاجيّة بزراعة البُراز تُسمّى "ريبيوتا"  (Rebyota) والمُخصّصة للمرضى الّذين يعانون من العدوى المتكرّرة لبكتيريا المطثيّة العسيرة. يتمّ تلقّي العلاج مرّة واحدة عبر فتحة الشرج- وهو يُعتبر إجراءً غير مريح، ولكنّه أكثر نجاحًا من البديل: البقاء مريضًا.

إلى جانب التقدّم الطبيّ المُبارَك، يجب أن نتذكّر أنّ هذا العلاج يُعتبر متوغّلًا (invasive) ويتطلّب الوصول إلى المركز الطبيّ. لذلك، هناك محاولات لتطوير طرق فعّالة لتوجيه البُراز المزروع إلى وجهته المُخصّصة عن طريق البلع، بهدف تسهيل العمليّة وتقليل المخاطر وعدم الراحة. للقيام بذلك، يجب تعبئة البُراز في كبسولات مقاوِمة لحموضة المعدة العالية، والّتي تتحلّل فقط بعد وصولها إلى الأمعاء الدقيقة. أوضحت دراسة نُشرت في مجلّة الجمعيّة الطبيّة الأمريكيّة في وقت مبكّر من سنة 2014 أنّ كبسولات البُراز هي عمليّة آمنة وفعّالة تمامًا مثل طرق زرع الأعضاء التقليديّة. كما تبيّن أنّ 90% من مرضى المطثيّة العسيرة الّذين عولجوا بكبسولات البُراز قد تعافَوا خلال شهرين على الأكثر من تاريخ تلقّي العلاج.

في نيسان 2023، بعد خمسة أشهر فقط من الموافقة على العلاج الجراحيّ ريبيوتا، صادقت دائرة التغذية والأدوية الأمريكيّة على كبسولة للبلع لأوّل مرّة. يشمل العلاج، المسمّى Vowst، أربع كبسولات يجب ابتلاعها مرّة واحدة يوميًّا. تبيّن أنّ العلاج قد قلّل من خطر تكرار العدوى من 40 بالمائة في المجموعة الضابطة إلى 12 بالمائة فقط لدى أولئك الّذين تلقَّوا الدواء الحقيقيّ.


على الرغم من التقدّم، فإنّه لا يزال علاجًا طبيًّا غزويًّا. امرأة تستعدّ لفحص تنظير القولون | تصوير: Kzenon, Shutterstock

المخاطر

مثل معظم العلاجات الطبيّة، لا تخلو عمليّة زرع البُراز من المخاطر. على مرّ السنين، من بين عشرات آلاف من المرضى الّذين يعانون من التهابات معويّة والّذين تمّ علاجهم عن طريق عمليّة زرع البُراز، أُصيب ثمانية منهم بعدوى خطيرة في أعقاب التبرّع بالبُراز الّذي تلقَّوه. ومن بينهم توفي ثلاثة بسبب هذه العدوى. في حالتَين منفصلتَين، أُصيب اثنان من المرضى الّذين يعانون من ضعف المناعة، بعدوى شديدة للغاية ومقاومة للمضادّات الحيويّة بعد تلقّي زرع البُراز، توفي أحدهم عقب ذلك. كشف التحقيق أنّ كليهما تلقّى بُرازًا من نفس المتبرّع الّذي لم يخضع للفحص وفقًا للإرشادات، وتبيّن أنّه كان مصابًا ببكتيريا ضارّة. بعد ذلك، أصدرت دائرة التغذية والأدويةالأمريكية تحذيرًا بشأن المخاطر الّتي تنطوي عليها عمليّات زرع البُراز وأوقفت جميع التجارب السريريّة حتّى يتمّ تحديث إرشادات السلامة.

نشرت دائرة التغذية والأدوية الأمريكيّة في سنة 2020 تحذيرًا وقائيًّا إضافيًّا حول الخوف من انتقال بكتيريا الإشريكيّة القولونيّة (Escherichia coli) إلى ستّة مرضى. لكن هذه المرّة تبيّن أنّ العيّنات قد تمّ اختبارها وفق الإجراءات لكنّ التصفية لم تكن كافية. بعد هذا الحدث، تمّ تحديث تعليمات التصفية.

اليوم، يتمّ اختيار المتبرّعين بدقّة وكذلك مراحل التصفية تُجرى بحرص شديد. يخضع المرشَّحون لتقييمات طبيّة شاملة، بحيث يتمّ سؤالهم عن أسلوب حياتهم، الأمراض المعدية الّتي أُصيبوا بها، والأماكن الّتي سافروا إليها خلال حياتهم، وأسئلة أخرى حول تاريخهم الطبيّ. تمّ تصميم هذه الإرشادات الصارمة لتقليل الخطر قدر الإمكان، ويتمّ تحديثها من وقت لآخر.

بالإضافة إلى كون هذه العلاجات جديدة، فمن غير المعروف حتّى الآن ما إذا كانت لها أعراض جانبيّة طويلة المدى. ومع ذلك، فإنّ الخبرة المكتسَبة من علاج عشرات الآلاف من المرضى تظهر أنّ زراعة البُراز وفقًا للإجراءات هي حاليًّا العلاج الأكثر أمانًا وفعاليّة ضدّ عدوى بكتيريا المطثيّة العسيرة.


تتطلّب هذه الطريقة تصفية العيّنات بعناية، لمنع انتقال الأمراض. أنابيب الاختبار مع عيّنات البُراز في المختبر| تصوير: Microgen, Shutterstock

ليس فقط البكتيريا

يكمن الخطر الرئيس في علاجات زرع البُراز في التنوّع الكبير للبكتيريا الموجودة في البُراز، والّتي قد تحوي بكتيريا ضارّة.

لتقليل مخاطر هذا الإجراء، حاول الباحثون تنقية عيّنات البُراز من البكتيريا الحيّة لمعرفة ما إذا كانت ستبقى فعّالة للمرضى. وأخذوا عيّنات وقاموا بتصفيتها من البكتيريا الحيّة. ما بقي كان عبارة عن خليط من أجزاء الخلايا البكتيريّة، البروتينات، الفيروسات الّتي تهاجم البكتيريا (العاثيات- bacteriophages)، النواتج الأيضيّة من عمليّات التمثيل الغذائيّ، والحمض النوويّ DNA. ثم تمّ زرع المنتج في المرضى الّذين عانوا من عدوى المطثيّة العسيرة المتكرّرة. بعد عمليّة الزرع، تحسنّت حالة جميع المرضى، بحيث توقّف الإسهال واختفت أيضًا أعراض المرض الأخرى. 

تشير هذه النتائج إلى أنّ المكوّنات الأخرى للعيّنات، وخاصّة العاثيات، قد تلعب أيضًا دورًا فعّالًا في الحماية من الالتهابات البكتيريّة. وقد يوفّر استخدامها الذكيّ طريقة بديلة وأكثر أمانًا للعلاج، بدون البكتيريا الحيّة.


الفيروسات الّتي تهاجم البكتيريا- العاثيات قد تلعب دورًا مهمًّا في نجاح عمليّة زرع البُراز | تصوير: MattL_Images, Shutterstock

علاج زرع البُراز الملاءَم شخصيًّا

حتّى الآن، عمل العلماء والأطبّاء استنادًا إلى الافتراض أنّ "بُراز واحد يناسب الجميع"، لذلك، إذا كان المتبرّع يتمتّع بصحّة جيّدة، فهذا عادة ما يكون كافيًا. ومع ذلك، فهم يسعون الآن إلى تطوير علاجات زرع البُراز لأمراض أخرى أيضًا، مثل أمراض الأمعاء الالتهابيّة، متلازمة القولون العصبيّ، الاضطرابات الأيضيّة، وبعض أنواع السرطان. توجد في هذه الأمراض علاقة معقّدة بين الكائنات الحيّة الدقيقة الموجودة في الأمعاء والأداء الوظيفيّ لأجهزة الجسم الأخرى.

في الآونة الأخيرة، بدأت شركات الأدوية في اختبار ما إذا كان الدمج بين زرع البُراز إلى جانب العلاج الكيميائيّ أو أدوية العلاج المناعيّ قد يفيد مرضى السرطان الّذين لا يستجيبون للأدوية. نشأت الفكرة بعد النتائج الّتي أظهرت أنّ بعض أدوية السرطان تعمل بشكل أقلّ فعاليّة على الفئران الّتي تمّ تدمير بكتيريا الأمعاء الخاصّة بها (germ-free mice). وبهذا نشأت الفرضيّة بأنّ وجود بكتيريا معيّنة في الأمعاء يحسّن الاستجابة لأدوية السرطان. عندما تمّ زرع البُراز البشريّ في أمعاء هذه الفئران، بدأت الأدوية في العمل. لا يزال من غير الواضح تمامًا سبب حدوث ذلك، ولكن يُعتقد أنّ البكتيريا الّتي تعيش في اتّصال وثيق مع الخلايا المناعيّة في الأمعاء تساعدها في عملها، أو تشارك في عمليّة تحلّل الأدوية.

كشفت دراسة نُشرت في مجلّة Science أنّ البكتيريا المعويّة تؤثّر في العمليّات الأيضيّة الّتي تتيح للجسم امتصاص الأدوية، وقد تؤثّر في فعاليّتها. وقد أظهرت دراسات أخرى أنّ الاشخاص الّذين يستجيبون للأدوية يحملون أنواعًا معيّنة من البكتيريا الّتي يفتقر إليها أولئك الّذين لا يستجيبون. بعد ذلك، بدأت شركة Persephone Biome، بقيادة ستيفاني كولر (Stephanie Culler) بحملة إعلانيّة لجمع البُراز لعلاج السرطان. وفي غضون ستّة أشهر، جمعت الشركة حوالي 1400 عيّنة وحدّدت فيها بعض البكتيريا المفقودة لدى المرضى الّذين لا يستجيبون للعلاجات. تبذل شركات إضافيّة الآن جهودًا لتطوير علاجات السرطان الّتي تدمج العلاج بالميكروبيوم.

إنّ النجاح الاستثنائيّ لاستخدام زرع البُراز لعلاج عدوى المطثيّة العسيرة قد مهّد الطريق للبحث والتطبيقات العلاجيّة المتعلّقة بالعديد من الأمراض الأخرى. مع استمرار العلماء في كشف العلاقة المعقّدة بين ميكروبيوم الأمعاء وصحّة الإنسان، تظهر زراعة البُراز بمثابة علاج قد يحسّن حياة الكثير من الناس في المستقبل.

0 تعليقات