عالم أمريكيّ جعل الذباب يعيش داخل جلده، وأستراليّ ابتلع جراثيم تُسبّب القرحة، وضابط طبيب أمريكيّ تدرّب على اختبارات التحطيم. خمسة علماء أجروا تجارب على أجسادهم!

الخامشة البشريّة (Dermatobia hominis) نوعٌ من قطيع الذباب الّذي يضع بيضه على أجسام إناث البعوض. عندما تمتصّ البعوضةُ دم الإنسان، ينحدر البيض إلى داخل الجلد ويفقس داخله. تنمو اليرقات داخل الجلد وتتغذّى منه لمدّة ثمانية أسابيع تقريبًا، ومن ثمّ تحفر اليرقات طريقها للخروج من الجلد، حتّى تسقط على الأرض؛ لتتحوّل إلى (شرنقة- مرحلة نمو بعد اليرقة) خادرة. بعد مرور أسبوع تنشأ الذبابة الناضجة، وهكذا تُعيد الدورة نفسها.

هنالك عدّة طرق فعّالة، حتّى لو لم تكن لطيفة للغاية، كإبادة اليرقات الجلديّة أو سحبها وهي على قيد الحياة. ومع ذلك فإنّ بيتير نسكركي ( Naskercki) وهو عالِم أحياء من جامعة هارفرد لُسِع أثناء رحلة في منطقة بليز شمال أمريكا الوسطى، وقرّر عدم إخراج اليرقات، بل سمح لها بالنموّ داخل جسده بهدف التجربة، حتّى أنّه قام بتوثيق مرحلة انبثاقها من الجلد في فيديو مثير للدهشة، على الرغم من أنّه ليس سهلًا للمشاهدة لأصحاب القلوب الضعيفة، ها قد تمّ تحذيركم! 

نسكركي ليس الوحيد على الإطلاق في هذه التجربة. على مرّالتاريخ هناك الكثير من العلماء الّذين قرّروا اختبار أشياء غريبة ومختلفة على أجسادهم.

 

الوقاية خير من قنطار علاج (تحضير الدواء قبل الاختبار)

يويو تو (Tu) عالمة أحياء وطبيبة صينيّة ابتكرت دواء ضدّ الملاريا. في المرحلة الأولى من تطوير أيّ دواء جديد قبل مرحلة التجارب السريريّة، يجب التأكّد من أمن وسلامة استخدام الدواء على الإنسان والكشف عن أيّة أعراض جانبيّة من الممكن أن يسبّبها الدواء.

من الصعب أحيانًا إيجاد متطوّعين يوافقون على إجراء فحص الأعراض الجانبيّة الّتي من الممكن أن يسبّبها الدواء؛ لأنّ بعضها قد يكون صعبًا جدًّا، وحتّى خطيرًا. لتعجيل الأمور تطوّعت تو (Tu) لتجرّب الدواء الّذي طوّرته على نفسها؛ من أجل التأكّد ما إذا كان آمنًا للاستعمال.

لحسن حظّها، اتّضح أنّ الدواء آمِنٌ جدًّا للاستعمال ولا توجد له أيّة أعراض جانبيّة. بعد هذه الخطوة أصبح من السهل إقناع مرضى الملاريا بتجربة الدواء، وهكذا اكتشفوا أنّ الدواء الجديد ليس فقط آمِنًا للاستعمال وإنّما أيضًا فعّالٌ جدًّا ضدّ مرض الملاريا. حصلت تو (Tu) على جائزة نوبل للطبّ في سنة 2015م تكريمًا لعمليّة تطوير الدواء (في سنوات الـ 70).

 

بلع الجرثومة

كذلك قام الأستراليّ باري ميرشل وهو طبيب وعالم أحياء دقيقة بإجراء تجارب على جسمه. في مطلع سنوات الـ 80، قام بتجربة جراثيم المعدة، وخلص إلى نتيجة بعيدة المدى، حيث قال: إنّ قرحة المعدة لا تحدث بسبب العصبيّة أو الإجهاد النفسيّ أو من مأكولات حارّة، حسبما كانوا يعتقدون في تلك الفترة، وإنّما بسبب الجراثيم. وبتعبير أكثر دقّة، يدور الحديث هنا عن جرثومة معيّنة، هي جرثومة الملويّة البوّابيّة (Helicobacter pylori).

من أجل إثبات أقواله؛ قام ميرشل بشرب مزرعة خلايا بكتيريّة كان نمّاها في المختبر، وهكذا أثبت أنّ هذه الجراثيم تستطيع العيش في المعدة. في النهاية قام بإيقاف التجربة عن طريق تناول المضادّات الحيويّة قبل ظهور علامات القرحة، أي قبل بدء تقرّحات قويّة جدًّا في المعدة، وبعد ظهور التهاب طفيف في المعدة. في سنة 2005م حاز ميرشل ومساعده روبين وورن على جائزة نوبل للطبّ تكريمًا لاكتشافهم أنّ الجرثومة (Helicobacter pylori) هي المسبّب الرئيس لقرحة والتهاب المعدة.

 

اختبارات التحطيم

لم يحصل كلّ العلماء الّذين قاموا بتجارب على أنفسهم على جائزة نوبل، كما لم يسلم جميعهم من خطر هذه التجارب، حيث كانت لبعضهم نهايات مأساويّة. فقد قام الطبيب والضابط في القوّات الجويّة الأمريكيّة جون ستاف في سنوات الـ 40، بفحص تأثير التباطؤ الفجائيّ على جسم الإنسان؛ بُغية فحص كيفيّة تعامل الجسم مع تحطّم طائرة ومن أجل تطوير وسائل وقاية فعّالة للطيّارين، وقد استخدم نوعًا من مزلاجات الصواريخ الّتي كانت قادرة على إنشاء تسارع كبير، وفي العديد من المرّات تطوّع بنفسه للجلوس بداخلها.

كان الرأي العام المتعارف عليه قبل تجارب ستاف أنّ جسم الإنسان يستطيع تحمُّل تسارع 18g، أي 18 ضعفًا من تسارع السقوط الحرّ، لكنّ ستاف أثبت أنّه من الممكن أيضًا تحمُّل 46g. بواسطة تجاربه الكثيرة تلك، لم يحطّم ستاف النظريّه المقبولة فقط، وإنّما قام بتحطيم عظامه أيضًا! فقد عانى من جروح بالغة، منها كسور في الأضلاع والأطراف وإصابة بالغة في الرؤية نتيجة لانفجار الشُّعَيرات الدمويّة في العين.

في نهاية المطاف، تعافى ستاف من جميع إصاباته وعاش طويلًا حتّى جيل 89. بتجاربه تلك، أسهم ستاف في تطوير وسائل الأمن للطيّارين، بالإضافة إلى تطوير أحزمة الأمان للسائقين.

بحث غريب

في سنة 1938م، بحثَ العالِم السويسريّ ألبرت هوفمان (Hofmann) الاستخدامات الطبيّة لموادّ مُستَخرَجة من الفطر. ومن مُنتجات البحث كانت المادّة المُسمّاة (Lysergic Acid Diethylamide)، أو باختصار LSD. لم تسبّب المادّة الكثير من التهيّج، لغاية حدوث حادثة صغيرة بسبب قلّة الوعي للأمن والسلامة في المختبر. في سنة 1943م لَمَس هوفمان المادّة بيديه، وبعد ذلك وضع يديه في فمه عن غير قصد. 

عندها بدأ يعاني من الأوهام والتغييرات في الوعي، وبعد أن تعافى تذوّق مجدّدًا المادّة من أجل دراسة ميزاتها. فقط بعد مرور الوقت، تقرّر بأنّ المادّة خطيرة للاستعمال. في وقت لاحق بحثَ هوفمان موادّ أخرى، من خلال تذوّقها وشمّها، وهكذا وجد فطر الهلوسة وحدّد فيما بعد مكوّناته النشطة.

درسَ هوفمان مخدّرات هلوسة كثيرة، وأنتجها بنفسه، لكنّه فعل ذلك لهدف الاحتياجات الطبيّة وعارض استعمال المخدّرات من أجل التسلية. في سنة 1963م، عندما كان يصارع مرض سرطان الحنجرة، طلب من زوجته أن تحقنه بمادّة الـ LSD للتغلّب على الآلام. في نهاية المطاف، وعلى الرغم من تجاربه الكثيرة مع المخدّرات استطاع أن يعيش حتى سنة 2008م وتوفي عن عمر يناهز المئة والعامَين.


ألبرت هوفمان| المصدر: ويكيبيديا 
 

قصّة حزينة 

أحد أغرب الباحثين الّذين أجروا تجارب على أنفسهم هو ستفينس فيرث (Ffirth)، الّذي حاول أن يثبت بطرق غير تقليديّة أنّ مرض الحُمّى الصفراء غير مُعدٍ. وكان وباء الحُمّى الصفراء تفشّى في فيلاديلفيا، وأودى بحياة 5000 شخص تقريبا، هم عُشر سكّان المدينة. بعد الوباء افترض فيرث أنّ المرض غير مُعدٍ، وإنّما تفشّى نتيجة لحرّ الصيف، وهو الموسم الّذي ينتشر فيه هذا المرض.

كان فيرث مُقتنِعًا بصحّة افتراضه؛ لذا لم يبخل بأيّ جهدٍ لإثباته. فقد قام بلمس السوائل الّتي خرجت من أجساد المرضى كالدم واللُّعاب والبول وحتّى القيء. كما قام بشربها، ودهن جسده بها، وأدخلها في جلده عبر الشقوق، وأدخلها في محجري عينَيْه. كلّ ذلك لم يكن كافيًا لتسبّبه بالمرض، ورأى فيرث ذلك إثباتًا لفرضيّته مُبيّنًا أنّ هذا المرض غير مُعدٍ. وقد اتّضح لاحقًا نقيض ذلك، وأنّ هذه الحمّى مُعدية جدًّا في الواقع، لكنّ الفيروسات الّتي تسبّب المرض لا تنتقل مباشرة من إنسان لآخر وإنّما عن طريق لسعات البعوض.

هذه فقط نبذة قصيرة من قصص حياة الكثير من العلماء الّذين أجروا تجارب مختلفة وغريبة على أنفسهم. في أوائل سنوات البحث في موضوع الكيمياء الحديثة، اعتاد الكثير من الباحثين أن يتذوّقوا ويشمّوا الموادّ الّتي كانوا يصنعونها، وهذا الشيء لم يخدم، على الأرجح، صحّتهم. اليوم، على سبيل المثال، يفترضون أنّ صحّة كارل ويليام شيليه (Scheele)، وهو من أوائل الباحثين في الكيمياء الحديثة الّذي اعتاد تذوّق وشمّ الموادّ الّتي أنتجها، بما في ذلك مادّة السيانيد وسموم إضافيّة، قد تدهورت إلى حدّ كبير بسبب هذه الموادّ الّتي جرّبها على نفسه. وأيضًا ماري كيري، الحائزة على جائزتَي نوبل في الكيمياء والفيزياء، تُوُفيت بسبب مرض السرطان الّذي أصابها بعد سنوات من العمل مع موادّ مشعّة. لذلك لا تجرّبوا هذا في المنزل.

 

0 تعليقات