الألوان المدهشة، والعطور الفواحة، وتنوّع الزهور بشكلٍ كبير، تجذب العين والأنف، وتجعل من البيئة لوحةً جميلةً تُريح النفس وتنعش الفؤاد. تحدّثوا معنا إذًا بالزهور.

الأزهار مذهلةٌ بجمالها. تأتي بمجموعةٍ متنوّعةٍ من الألوانِ والأشكالِ والأحجام، وفي كثيرٍ من الأحيان رائحتُها منعشة فوّاحة. تستطيع الأزهار أن تغطّي مساحاتٍ كاملة بمنظرها الخلّاب، وأن تنمو في ساحة البيت فتمنحه رونقًا، وفي الغابات والصحاري فترسم فيها لوحةً إبداعيّة. لقد تحوّلت الزهور في ثقافة القرن الـ 21 إلى إجباريّ في تبادل الهدايا، وتصميم أعراسنا وأفراحنا وتزيين بيوتنا يوميًّا.

מרבדים צבעוניים של פרחי בר ליד קיבוץ דליה | Ilya Zuskovich, Shutterstock
مساحات ملوّنة من زهور بريّة | Ilya Zuskovich, Shutterstock
 

عندما تبحث الزهور عن التجانس

من المعتادِ أن يتمّ تقسيم عالم النباتات إلى مجموعتين، تختلف إحداهما عن الأخرى بطريقةِ التكاثر لديها. المجموعة الأولى نباتات عارية البذور، مثل أشجار الصنوبر، إذ إنّ البذور والمبيض لا تتواجد داخل أعضاء التكاثر، بل تبقى مكشوفة ومرئيّة. تنتمي النباتات الورديّة لمجموعةٍ صغيرةٍ أكثر وهي نباتات مغطّاة البذور. في هذه النباتات تقوم أعضاء التكاثر بحماية بذور النباتات، ولديها طرقٌ عديدةٌ ومختلفةٌ ومركّبات فيزيولوجيّة تساعدها على تنفيذ مهامِّها. فالزهرة، إذًا، هي العضو التكاثريّ لدى النبات ويمكنها أن تكون أنثى، ذكرًا أو كليهما. 

الزهرةُ عضو مركّب للغاية، حيث أنّ لها أعضاءٌ كثيرةٌ، بخلاف غالبيّة أجزاء الشجرة المكوّنة من قطعةٍ واحدة، مثل الجذور أو الأوراق. يُعتبر مظهر الزهور الجميل للزهور من الأشياء الّتي يوفّرها هذا التعقيد. الأعضاء الرئيسة لدى الزهرة هي البتلات، الورقة الكأسيّة، الأسديّة والمبيض. تُعتبرُ البتلات العضو الأبرز للعين في الزهرة، ووظيفتها الرئيسة حماية أعضاء الزهرة التكاثريّةِ وجذب الملقّحات من أجل إتمام عمليّة التكاثر.

הפרח מורכב מאיברים רבים. השחלה (ovary) היא איבר הרבייה הנקבי והאבקן (stamen) הוא איבר הרבייה הזכרי | grayjay, Shutterstock
تتكوّن الزهرة من أعضاءٍ كثيرة. المبيض (ovary) وهو عضو التكاثر الأنثويّ، والسداة وهو عضو التكاثر الذكريّ |grayjay Shutterstock

 

المهمّة: جذب الملقّحات

عمليّة التكاثر هامّةٌ لجميعِ الكائنات الحيّة. فهي تكرّسُ الكثير من مواردها لتعزيزِ قدراتِها على إنجاب النسل. وهذا الأمر صحيحٌ أيضًا لدى النباتات. يعتمدُ التكاثر عند النباتات المزهرةِ على عمليّة التلقيح، عن طريق انتقال الحيوانات من زهرةٍ إلى أخرى، وإخصابها. لذلك، فإنّ جَذب الملقّحات هي عمليّةٌ هامّةٌ للنبات الّذي يسعى للتكاثر، وعليه أن يستثمرَ الكثيرَ من الموارد في لون أزهاره، وشكلها ورائحتها من أجل النجاح في المهمّة.

تحدث عمليّة التلقيحِ عند النباتات مغطّاة البذور، عندما يصل ملقّحٌ لنبتةٍ واحدةٍ -عضو التكاثر الذكريّ- إلى مبيض نبتةٍ أخرى -عضو التكاثر الأنثويّ. تتواجد المبايض داخل الزهور، ويحدث هناك الإخصاب وينتج عن ذلك المنتجات الأخيرة - البذور. في بعض الأحيان، تستطيعُ الزهور ذات الأعضاء التكاثريّة الذكريّة والأنثويّة أن تخصب نفسها، وأن تنتج نسخًا متشابهةً لها وراثيًّا. تحدث تقريبًا عمليّة الإخصاب في هذه الزهور داخل النبتة، بدون مساعدة الملقّحات. بدلًا منها، تحصل النباتات على المساعدةِ عن طريقِ الرياح أو آليّات النقل الموجودة في داخلها.

تأتي الحيوانات الملقِّحة إلى النباتات من أجل الحصولِ على الرحيق، وهو محلول مائيّ من السكريّات الّتي تُنتجها النباتات داخل أزهارِها. عند قيامها بالأكل، تلتصق بها الأسديّة. وعندما تنتقل للزهرة التالية، تسقط منها الأسديّة وتخصّب بويضات الزهرة المتواجدة داخل المبيض. غالبية الملقِّحات حشراتٌ، مثل النحل، والخنافس والذباب، وكذلك أيضًا بعض الطيور، وحتّى الثديّات، مثل بعض أنواع الخفافيش. هنالك بعض الزهور الّتي تقوم بنشر ملقِّحاتها بنفسها عن طريق الرياح والماء.

זבוב צאביק פרח | Cornel Constantin, Shutterstock
تأتي الحيوانات إلى الزهرةِ لتجمع الرحيق، وخلال هذه العمليّة تنقل حبوب اللقاح بين الزهور. ذبابة تلقّح زهرة.  | Cornel Constantin, Shutterstock 
 

ألوان الطبيعة

لألوانِ الطبيعةِ وظيفةٌ هامّةٌ جدًّا، حيث يُتيحُ اللونُ جذبَ ملقّحاتٍ محتملةٍ  إلى الزهرة، وفي بعض الحالات أيضًا يردع الحشرات. من وراءِ وجودِ كميّةٍ كبيرة ومتنوّعةٍ من الألوانِ في الطبيعة، موادّ ملوِّنةً تتوفر في الأزهار، تُدعى أصباغًا. الكلوروفيل أكثر صبغٍ مشهورٍ بينها، فهو يمنح اللون الأخضر للنبات، لكنّه غير متوفّر كثيرًا في الزهور. لا يتوفر الكلوروفيل في غالبية بتلات الزهور، فهي تحصل على ألوانها من أصباغ أخرى.    

تحدّد ثلاثُ مجموعاتٍ من الأصباغِ اللون الّذي سيكون في معظم الزهور. المجموعة الأولى هي البيتالين (Betalains). من بين الأمورِ المسؤولة عنها إعطاءُ اللون الأحمر لدرنة البنجر، لكنّها تظهر أيضًا بألوانٍ أفتح.   

الكاروتينات (Carotenoids). من بين الأمورِ المسؤولة عنها منح اللون الأصفر والبرتقاليّ لزهور النرجس البريّ، الزهرة البكوريّة، والزنبق الأبيض وزهور أخرى. بينما ينتج الأنثوسيانين (Anthocyanins)-  مجموعةً واسعةً من الألوان، من اللون البنفسجيّ للباذنجان أو زهور التبغيّة والبَطُوْنِيَة إلى اللون الأحمر في زهور أخرى.

بما أنّ كلّ نوعٍ من الأصباغِ يمكنه أن ينتج مجموعةً من الألوان، هناك بعض الزهورِ الّتي تستفيد من هذه القدرة من أجل أن تلائم لونها للتغييراتِ الحاصلةِ في البيئة. على سبيل المثال، عندما تتعرّض زهرة الاستوما (Lisianthus) للضوء، تنتج جزيئيّات الأنثوسيانين. نتيجةً لذلك تغيّر الزهرة لونها من بنفسجيّ ورديّ لبنفسجيّ غامق وحتّى أقرب للّونِ الأسود. تقومُ بعضُ الزهورِ الأخرى بتغيير لونِها بعد عمليّة التلقيح لتبيّن للملقّحين وضعها. كميّة الألوان الورديّة كبيرة جدًّا، إذ إنّها تتجاوز حدود الرؤية البشريّة. على سبيل المثال، للنحلِ قدرةٌ على الرؤيةِ حتّى في نطاق الأشعّة فوق البنفسجيّة، وتكشفُ العديدُ من الزهورِ لها عن أمثلة مركبّة من الأصباغ فوق البنفسجيّة الّتي لا يمكننا رؤيتها.

هنالك العديد من الأبحاثِ الّتي تُعنَى بالبحث العلميّ في مجال أصباغ الأزهار، هدفها زيادة وإثراء تنوّع الألوان الّتي من الممكن أن يقدمّها مجال تطوير الزهور، وإنتاج سلالاتٍ جديدةٍ متنوّعةٍ ومدهشة. يحاول باحثون آخرون فهم الآليّات في داخل الخليّة الّتي تُنتج الأصباغ وما الّذي يؤثّر عليها.

פרחי פטוניה סגולים | Yui Yuize, Shutterstock
توفّر صبغة الأنثوسيانين للأزهار مجموعة واسعة ومتنوّعة من اللون البنفسجيّ إلى اللون الأحمر. زهرة البَطُوْنِيَة | Yui Yuize, Shutterstock

 

هديّةٌ ذات رائحةٍ عطرة

رغمِ وجودِ تشابهٍ كبيرٍ في مظهر الكثير من الزهور، لكن هنالكَ اختلافٌ في رائحةِ كلٍّ منها. رائحةُ الكثيرِ من الزهور تُسعدنا، وهو أحد الأشياءِ الّتي تجعل الهدايا ناجحةً جدًًّا- ولكنّ وظيفتها الأساسيّة جذب أكبر عدد من الملقّحات إلى الزهرة لتوزيع حبوب اللقاح المتواجدة بها. 

مصدرُ الرائحة هو الجزيئيّات المتطايرة الّتي تُنتجها الزهرةُ وتُطلقها إلى الفضاء الجويّ. تستخدم الزهرةُ هذه الرائحةَ لتكونَ إشارةَ جذبٍ لحيوانات معيّنة تساعدها لتجدَ الزهرة القريبة منها. تُظهر الأبحاث العلميّة أنّ رائحةَ الزهور تميلُ إلى أن تكونَ حلوةً نسبيًّا إذا كانت الملقحّات من  النحل أو الذباب. لكنّ، تتميّز الزهور الّتي تسعى لجذب الخنافس من أجلِ عمليّة التلقيح، برائحةٍ قويّة وحادّة تُعتبر أقلّ وديّة للأنف البشريّ. 

هنالك أهميّةٌ كبرى للتوقيت خلال النهار عندما تقوم الزهرة بملاءمة جزيئيّات رائحتها للملقِّح المحتمل. تفرزُ الزهورُ المزيدَ من جزئيّاتِ الرائحةِ ليلًا عندما يكون الملقّحُ الرئيس لها نشطًا في ساعات الليل - والعكس صحيح. تضعفُ رائحة الزهرة بعد أن يتمّ تلقيحها بنجاح، من أجل عدم التنافس على لفت انتباه الملقِّحات مع الأزهار الأخرى الّتي لا تزال تنتظر عمليّة الإخصاب. 

نحن والزهور 

تتميّز زهور البرقوقِ في اليابانِ بمظهرٍ خلّابٍ رائع، لونُها أبيضٌ ورديٌّ ناعم، وتبثّ في الهواءِ رائحةً حلوةً عطرة. قام الباحثون بتحضير مستخرجٍ من رائحةِ زهرةِ البرقوقِ، وطلبوا من المشتركين في البحث أن يشمّوها من أجل فحص مدى تأثيرها في حالة الإنسان النفسيّة والجسديّة. وفي المقابل، راقبوا نشاطهم الدماغيّ، وفحصوا مؤشّرات فيزيولوجيّة مثل نشاط القلب وضغط الدم. وجد الباحثون أن الرائحة أثارت لدى المبحوثين ردّ فعل فيزيولوجي وعصبي ذي علاقة بالانفعال، مقارنةً بالمبحوثين الذين استنشقوا الهواء النقيّ.

وجد الباحثون أيضًا، أنه مقارنةً مع أزهار شجرة البرقوق، يوجد تأثيرٌ فيزيولوجيّ معاكس لرائحة الخزامى؛ إذ طرأ عند المشتركين الّذين شمّوا رائحة الخزامى لمدّة عشر دقائق انخفاض في ضغط الدم وشعور بالراحة في عمل الجهاز العصبيّ.

פרחי צבעונים בהולנד | Kartouchken, Shutterstock
تعتبر صناعة وتصدير الزهور في هولندا جزءًا هامًّا من الاقتصاد الهولنديّ. زهور البرقوق في هولندا | Kartouchken, Shutterstock

 

هندسة الزهور

تجني صناعة زهورِ الزينةِ مليارات اليورو في السنة، ويتواجدُ سوقها الرئيس في أوروبا، وفي هولندا خاصّة، وهي الدولة الّتي اشتهرت بزراعةِ الزهور الملوّنةِ وسيطرت حتّى وقت قريب على غالبية أسواق الزهورِ في العالم.

تحتاج تجارة الزهور العالميّة سرعةً وموارد كثيرة. على سبيل المثال التبريد، الّذي بدونه قد تتفتّح الزهور مبكّرًا. إحدى الدول المنافسة جدًّا لهولندا هي كينيا. تُبيّن لنا مزارع الزهور الضخمة عند سفح جبل كينيا بشكلٍ واضح مدى تعقيد عملية نموّها والاعتناء بها. يتمّ الاحتفاظ بالنباتات في ظروف درجة حرارة ورطوبة ثابتة. يتمّ قطع سيقانها للمرّة الأولى في جيل ثمانية أسابيع، والانتظار لنموّ المزيد من السيقان. يتمّ نقلها بعد عشرين أسبوعًا داخل مياهٍ غنيّةٍ بموادّ غذائيّة، تحاكي تربةً خصبة، ويتمّ إرسالها إلى وجهتها. يبدأ هنا سباق الزمن؛ لأنّ كلّ يومٍ إضافيّ من شأنه أن يضرّ بجودة الزهور. خلال عمليّة التوزيع يتمّ التخلّص من العديد من الزهور لأنّها لم تكن جميلة بما فيه الكفاية.

هنالك العديد من المحفّزات التي تضعها هذه التحدّيات للعلماءِ والمخترعين من أجل البحث عن طرق وأدوات من شأنها زيادة نمو الزهورِِ وتحسينِ جودتها. تعتمد الكثير من الأبحاث الحاليّة على طرق هندسة وراثيّة من أجل تطوير زهور ذات لون أقوى، وروائح شذيّة، ودرجة تحمّل عالية مع مرور الزمن.

خلال عمليّة الهندسة الوراثيّة من الممكن إضافة جين جديد إلى النبات، والقضاء على جينات موجودة، أو جعل جين معيّن يعمل بشكل أكثر أو أقلّ، من أجل تغيير صفة كائنٍ عضويّ - مثل الرائحة أو اللون أو شكل الزهرة. وقد تم في صناعة الزهور، بذل جهدٍ كبيرٍ في الهندسة الوراثيّة للزهور الّتي تتمتّع بطلب مرتفع بشكل ملحوظ. 

قام الباحثون في أحد الأبحاث العلميّة بإدخال جين لزهرة الأقحوان، من شأنه أن يؤدّي إلى تراكم الأصبغة الزرقاء دلفينيدين، من عائلة الأنثوسيانيدين. وبهذا نجحوا بإنتاج زهور أقحوان زرقاء لم تتواجد بشكل طبيعيّ. أدخل الباحثون للزهور، الّتي تعاني من حساسيّةٍ للبرد، جينًا حصلوا عليه من زهرة البرسيم المقطوع (Medicago truncatula) المقاومة للبرد، وبذلك رفعوا محصول الزهور المزروعة في جوٍّ ذي حرارة منخفضة. وفي بحث آخر، استخدم الباحثون الهندسة الوراثيّة لإطالة فترة ازدهار زهرة الأقحوان وكذلك الفترة الّتي يمكن للحشرات تلقيحها، ونتيجةً لذلك زيادة محصول أزهارها.

تسعةٌ من كلّ عشرة أنواع نبات موجودة في العالم اليوم هي نباتات مزهرة. تحيط بنا الأزهار من جميع الجهات وتضفي للعالم جمالًا ورائحة. تنوُّع الزهور في بلادنا كبير نسبيًّا مقارنةً بمساحتها، وذلك بفضل موقعنا على الحدود بين مناطق مناخيّة مختلفة. أكثر أنواع الزهور شيوعًا في البلاد زهورُ السوسن - خاصّة زهرة السوسن الأرجوانيّ الداكن والسوسن المتفاخر (اللبنانيّ)، والترمس، وشقائق النعمان، والخشخاش، وصابون الراعي،والنرجس البريّ وغيرها. كلّ هذه الأنواع تنضمّ إلى مئات الأنواع الأخرى، حيث أنّ الكثير منها محميّ وممنوع من القطف. 

تُعتبر الزهور واحدة من أجمل مخلوقات الطبيعة، سواءً كنتم قد تلقّيتموها أو قدّمتموها كهدية، أو اشتريتموها لإضافة لون للبيت، أو قد خرجتم إلى الحقول للاستمتاع بجمالها. يقوم البحث العلميّ بدراستها لكي يعرف كيفيّة المحافظة عليها، وخلال ذلك يستخدم الاستنتاجات الّتي تعلّمناها من أجل تطوير تقنيات جديدة وحلول طبيّة. إذا حالفكم الحظّ في استلام زهور، تذكّروا أنّكم حصلتم على واحدةٍ من أكثر الظواهر المركّبة والمميّزة الموجودة من حولكم.

 

0 تعليقات