تغمُرُنا الشّمسُ بضوئِها وتدورُ ثمانيةُ كواكب سيّارة حولَها. جولةٌ في مجموعتِنا الشّمسيّةِ الصّغيرةِ الموجودةِ في مكانٍ ما في الفضاءِ الواسع
شاهدَ القُدماءُ أجرامًا مُضيئةً عندما نظروا إلى السّماء: الشّمسَ (الجرم الكبير،السِّراج الوهّاج) والقمرَ (الجرم الصّغيرالمُنير) والنّجومَ- نقاطًا ضوئيّةً شاحبةً في سماءِ اللّيل. لاحظَ هؤلاءِ أنَّ غالبيّةَ هذه النُّقاطِ مُستقِرّةٌ في أماكنها وتُشَكِّلُ أنماطًا منتظمةً مثل "الدّبّ الأكبر" ودرب التبّانة والأبراج الفلكيّة. إلّا أنّ سلوكَ غيرها من الأجرامِ غريبُ الأطوار- إنّها تتحرّكُ بدوراتٍ ثابتةٍ منتظِمةٍ في السّماء. سمّى الرومان النّجومَ والكواكبَ بأسماءِ آلهتِهم: فينوس آلهة الحُبّ، مارس إله الحرب، جوبيتر ملك الآلهة وغيرِها. إنّها الكواكبُ السيّارةُ الّتي نعلمُ اليومَ أنّها تُشَكِّلُ جزءًا من مجموعةٍ من الأجرام تدورُ حولَ شمسِنا. توجدُ ثمانيةٌ كهذه "سنتجوّلُ" فيها وفي شمسِها.
الشّمس (السِّراج الوهّاج)
الشّمس، النّجمُ الّذي ندورُ حولَه، هي مصدرُ الضّوءِ الضّروريّ لوجودِ الحياةِ على الكرةِ الأرضيّةِ ودوامِها. الشّمسُ نجمٌ مُتواضعٌ من النّاحيةِ الفلكيّة: تُعادلُ كتلتُها البالغةُ مليار مليار مليار طنّ (2x1030 كغم) 330 ألفَ كرةٍ أرضيّةٍ وهي مُكَوّنةٌ من الهيدروجين بشكلٍ رئيس. يبلغُ نصفُ قُطرِ الشّمسِ حوالي 700 ألف كيلومترٍ، 109 أضعافِ نصف قطرِ الكرةِ الأرضيّة، ودرجةُ الحرارةِ على سطحِها حوالي 5500 درجة مئويّة. تدورُ الشّمسُ حولَ محورِها مثلما تدورُ الكرةُ الأرضيّةُ وسائرُ الكواكبِ السيّارة.
تتغيّرُ سُرعةُ دورانِ الشّمسِ بحسبِ خطوطِ عرضِها لأنّها ليست مادةً صلبةً وإنّما تتكوّنُ من البلازما، مثلَ السّائلِ اللّزجِ الخاضعِ للتحريكِ الدّائم. تُكمِلُ الشّمسُ دورةً كاملةً حولَ مِحورِها في منطقةِ خطِّ استوائِها خلالَ 24 يومًا تقريبًا، بينما تستغرقُ هذه الدّورةُ في منطقةِ الأقطاب حوالي 38 يومًا.
نرى أحيانًا بُقَعًا قاتمةً على سطحِ الشّمس، وهي مناطقُ أقلّ حرارةً من محيطِها، تنجمُ عن دوّاماتٍ تحدُثُ في حقلِ الشّمسِ المغناطيسيّ. يتغيّرُعددُ البقع الشّمسيّةِ ودرجةُ قتامَتِها خلالَ دورةٍ غير منتظمةٍ يبلُغ مُعدّلُها الزمنيُّ حوالي 11 سنة. تُؤثِّرُ الدّورةُ الشّمسيّةُ في الكرةِ الأرضيّةِ إذ ينبعثُ المزيدُ من الجسيماتِ المشحونةِ إلى الفضاء في الفتراتِ الّتي يتعاظمُ فيها النّشاطُ المغناطيسيّ. قد تنجمُ عن انبعاثِ هذه الجسيمات، الّتي تُكوّنُ الظاهرةَ المعروفةَ بِـ"الشّفقِ القُطبيّ"، تشويشاتٌ على اتِّصالاتِ الراديو وقد يتأثّرُ بها مناخُ الكرةِ الأرضيّةِ أيضًا.
الشّمسُ هي نجمُ تسلسلٍ رئيس- نجمٌ في المرحلةِ المستقرّةِ من دورة حياته. تعملُ الجاذبيّةُ الثِّقليّة على المحافظةِ على تماسُكِ الشّمسِ، الجرمُ السّماويّ الكُرويّ المُكوّنُ من الغاز، كتلة واحدة. تحتوي الشّمسُ على جُسيماتٍ مشحونةٍ كثيرةٍ بسببِ العمليّةِ المُسمّاةِ بـ "التأيُّن" وهي انفصالُ الإلكتروناتِ عن نُويّاتِ ذرّاتِها بفعلِ الحرارةِ الشّديدةِ السّائدةِ في الشّمس. يُشكِّلُ هذا الغاز المُتأيّن الحالةَ التراكميّة الرّابعة للمادّةِ المُسمّاة "بلازما"، إلى جانبِ الحالاتِ الصّلبةِ والسّائلةِ والغازيّة.
يجبُ أن يتكوّنَ ضغطٌ شديدٌ في لُبِّ النّجمِ لِيقاومَ انهيارَه الذّاتيّ بفعلِ قوّةِ الجاذبيّةِ الذّاتيةِ النّاجمةِ عن ثِقله. تحدثُ عمليّاتُ الانصهارِ النّوويّ، الّتي يتحوّلُ الهيدروجين خلالها إلى الهيليوم، في لُبِّ النّجمِ عندما يكونُ في المرحلةِ المُستقرّةِ من حياتِه. تُوفّرُ الطاقةُ الهائلةُ النّاجمةُ عن عمليّةِ الانصهارِ النّوويّ الضّغطَ الكافي للحِفاظِ على توازنِ النّجم.
قضت شمسُنا حوالي نصفَ المرحلةِ المُستقرّةِ من عُمرِها- فقد تكوّنت قبل حوالي 4.6 مليار سنة وستأتي على احتياطي ما في لُبِّها من الهيدروجين بعد حوالي 5 مليارات سنة. ستتحوّلُ الشمسُ حينذاك إلى عملاقٍ أحمر- وهو نجمٌ هائلٌ في حجمِه إلّا أنّه بارد- بعدَ أن تفقدَ حالةَ التوازن. ينتفخُ غلافُ الشّمسِ ويزدادُ نصفُ قطرها إلى أن يبلُغَ المسافةَ الآنيّة بين الأرضِ والشّمسِ تقريبًا. ستبتلعُ الشّمسُ أقربَ كوكبَين منها- عُطارد والزُّهرة- ورُبّما الكرةَ الأرضيّةَ أيضًا خلال عمليّةِ الانتفاخ. من المحتملِ، بدلًا من ذلك، أن تنتقلَ الأرضُ إلى مدارٍ أكثرَ بُعدًا وبرودةً، بسببِ فقدانِ الشَّمسِ لِجزءٍ من كتلتِها؛ ما يُضعِف جاذبيَّتَها.
تَخلعُ الشّمسُ عباءَتها (غلافَها) في نهايةِ المطافِ فتنضغطُ غالبيّةُ كُتلتِها في كُرةٍ بحجمِ الأرض وتتحوَّلُ إلى قزمٍ أبيض. لا يُنتِجُ القزمُ الأبيضُ طاقةً في لُبِّه وإنّما يُطلِقُ طاقةً حراريّةً ويبرُدُ ببطءٍ خلال مليارات السّنين. ينتظرُ هذا المصير أكثر من 95 بالمئةِ من نجومِ الكونِ.
صورةُ شمسِنا، مصدرُ الضّوء والحرارة | Andrey Armyagov, Shutterstock
بعثاتُ الإنسانِ إلى الشّمس: المسابير الأولى الّتي قامت بدراسةِ الشّمسِ من الفضاء هي بايونير 6، 7، 8 و- 9 والّتي تمَّ إرسالُها إلى الفضاءِ بين السنوات 1959 و 1968م، واختبرتِ الرياحَ الشّمسيّة- وهي تيّارٌ من الجسيمات المنبعثةِ من الشّمسِ بشِدّةٍ مُتغيّرة- وحقلَها المغناطيسيّ.
أرسلت وكالةُ الفضاءِ الأوروبيّةُ وَناسا مسبارَ سوهو (SOHO)- الأحرفُ الأولى من "مرصد الفضاءِ الشّمسيّ" باللغةِ الإنجليزيّة- سنة 1995م وكانت هذه إحدى المهامِّ الفضائيّةِ المركزيّةِ لدِراسةِ الشّمس. يدورُ هذا المِسبارُ حول الشّمسِ على بُعدٍ عن الكرةِ الأرضيّةِ مقدارُه 1.5 مليون كيلومترٍ تقريبًا. يُسمّى هذا الموقع نُقطةَُ لاݞرانج- موقعٌ في الفضاء تتساوى فيه تمامًا قُوّةُ جاذبيّةِ الأرضِ مع قوّةِ جاذبيّةِ الشّمس الّتي تُؤثِّرُ في المركبةِ الفضائيّةِ، الأمرُ الّذي يُتيحُ بقاءَها في مكانٍ ثابتٍ نسبيًّا للجرمين السّماويّين الثقيلَيْن دونَ أن يحجبَ القمرُ أو الأرضُ الشّمسَ عنها. يدرُسُ مِسبارُ سوهو الطّبقاتِ الخارجيَّةَ للشّمسِ وبُنيَتَها الدّاخليّةَ والرياحَ الشّمسيّة. كان التخطيطُ الأصليّ أن يعملَ المِسبارُ مُدّةَ سنتين فقط إلّا أنّه لا يزال يقوم بالمهمّةِ حتّى اليوم. قامَ المِسبارُ يوليسيس التّابعُ لوكالةِ الفضاءِ الأوروبيّةِ والّذي تمَّ إرسالُه إلى الفضاء سنة 1990م بدراسةِ أقطابِ الشّمس، كما وجمعَ المِسبارُ جينيسس التّابعُ لناسا والّذي أُرسِلَ في سنة 2001م عيِّناتٍ من الرّياحِ الشّمسيّةِ وأتى بها إلى الكرةِ الأرضيّة. وأُرسِلَت بِضعة مسابيرُ أخرى لدراسةِ الشّمس في السنواتِ الماضيةِ الأخيرةِ وهي الآن في طريقِها إلى هناك.
مسبار سوهو الّذي يقومُ بدراسةِ الشّمسِ عن بعدٍ مقدارُه 1.5 مليون كيلومترٍ تقريبًا من الكرةِ الأرضيّةِ | الرسم التوضيحيّ: Ton Kinsbergen, Science Photo Library
عُطارد
عُطارد (Mercury) هو الكوكبُ السيّارُ الأقربُ إلى الشّمس- تبلُغُ السّنةُ العُطارديّةُ، أي مُدّةَُ دورانِ الكوكبِ حولَ الشمسِ دورةً واحدة، حوالي 88 يومًا فقط. مدارُ عُطارد حولَ الشّمس أكثرُ بُويضِيّا من مدار الأرض ولِذا يتراوحُ بُعدُه عن الشّمسِ ما بين ثُلثِ ونصفِ بُعدِ الكرةِ الأرضيّةِ، بالتقريبِ، عنها. عُطاردُ هو أصغرُ كوكبٍ سيّارٍ في المجموعةِ الشّمسيّة: يبلُغُ نصفُ قطره حوالي 2400 كيلومترٍ وهو يُعادلُ 1.4 فقط نصف قطر القمر. يزِنُ رائدُ الفضاء، الّذي يبلُغُ وزنه ثمانين كيلوغرامًا على الكرةِ الأرضيّةِ، حوالي 30 كيلوغرامًا فقط على سطحِ عُطارد. ينجمُ هذا الفرقُ في الوزنِ لأنَّ كتلةَ عُطارد أصغرُ 18 ضعفًا من كتلةِ الأرض؛ لذا فإنَّ جاذبيّةَ الكوكبِ أصغر 2.6 أضعاف من جاذبيّةِ الكرةِ الأرضيّة. كثافةُ كوكبِ عُطارد هي الثانيةُ في كبرِها، بعدَ الكرةِ الأرضيّة، من بين كثافاتِ كواكبِ المجموعةِ الشّمسيّة، ما يدلُّ على وجودِ لُبٍّ أو نواةٍ كبيرةٍ من الحديدِ في وسطِه.
يدورُ كوكبُ عُطارد ببطْءٍ شديدٍ حول مِحوره: تستغرقُ الدورةُ 58.7 يومًا- ثُلثَيْ مُدّةِ دورانِه حولَ الشّمس. يدورُ الكوكبُ حول محوره وحولَ الشّمس بشكلٍ مُتزامن؛ لذا يضطرّ الفضائيّ إذا هبطَ في موقعٍ على الكوكبِ وقتَ شروقِ الشّمس فيه، للانتظار حوالي عامَين من أعوامِ عُطارد، أي ما يعادلُ 176 يومًا من أيّامِ الكرةِ الأرضيّة، حتّى يرى الشّمسَ تُشرقُ ثانيةً من جديد. عطاردُ هو الكوكبُ السيّارُ الوحيدُ من بينِ كواكبِ المجموعةِ الشّمسيّةِ الّذي فيه اليومُ- الفترةُ الزمنيّةُ الّتي يُتِمُّ دورانه حولَ نفسِه- أطولُ من السّنة.
لا تُخزَنُ حرارةُ الشّمسِ جيّدًا في كوكبِ عُطارد بسببِ افتقارِه لِغلافٍ جوّيّ. ينجمُ عن ذلك وعن طولِ مُدّةِ دورانِهِ حولَ نفسِه فارقٌ كبيرٌ جدًّا في درجةِ الحرارةِ ما بين جانبَيْه. تتراوحُ درجةُ الحرارةِ على سطحِ عُطارد ما بين 430 درجةً مئويّةً خلال النهارِ و 170 درجة تحت الصِّفر المئويّ في اللّيل- ما يجعلُ التّجوالَ فيه غيرَ لطيفٍ أبدًا.
لا توجد أقمارٌ لعُطارد. مِحورُ دورانِه مائلٌ بزاويةٍ مقدارُها 0.03 درجة فقط عن الخطِّ المُعامِد لمستوى دورانِهِ حولَ الشّمس. للمقارنة، محورُ دورانِ الأرضِ حولَ نفسِها مائلٌ بزاويةٍ قدرُها 23.4 درجة عن الخطِّ المُعامِد لمستوى دورانِها حولَ الشّمس. لهذا السبب؛ لا توجد فصولٌ سنويّةٌ مُميّزةٌ في كوكب عطارد، مثلما توجدُ على الأرض.
لاحظَ الباحثُ الفرنسيُّ أوربين لا- ڤارييه (Urbain Le Verrier) سنة 1859م أنَّ مسارَ عُطارد المُتَغيِّر لا يتلاءمُ مع ما هو مُتوَقّع حسبَ الفيزياءِ التقليديّة. افترضَ لا- ڤارييه، كحلٍّ لهذا السِّر، وجودَ كوكبٍ آخر أقرب إلى الشّمس يُؤثِّرُ في حركةِ عُطارد. لم يتمّ اكتشافُ مثل هذا الكوكب، والّذي حظيَ باسم "ڤولكان" (Vulcan)، أبدًا. اتّضحَ، في بدايةِ القرنِ العشرين عند نشر النّظريّة النسبيّة العامّة والّتي نشرَها ألبرت أينشتاين، أنَّ هذه النظريّةَ تشرحُ حركةَ كوكبِ عُطارد جيّدًا دون الحاجةِ لافتراض وجودِ كوكب سيّار آخر.
بعثاتُ الإنسانِ إلى كوكبِ عُطارِد: دَرَسَ مِسباران كوكبَ عطارد حتّى الآن: مرَّ مسبار مارینر 10 التّابعُ لِناسا ثلاثَ مرّاتٍ من فوق الكوكب وذلك في السنوات 1974-1975م واقتربَ من سطحِه حتّى مسافةٍ بلغت حوالي 330 كيلومترًا. ومرَّ المِسبار ماسينجِر التّابع لِناسا ثلاثَ مرّاتٍ من فوقِه في السنوات 2008-2009م وانخرطَ سنة 2011م في مدارٍ بيضويٍّ حولَه وقامَ بدراستِه إلى أن تمَّ إرسالُ المسبار سنة 2015م ليتحطّمَ على سطحِ الكوكب. من ضمن ما كشَفه مسبارُ ماسينجِر وجود الماءِ على سطحِ عُطارد ودلائل على نشاطٍ بركانيٍّ حدث في الماضي.
تمَّ إرسالُ المسبار بيب - كولومبو (BepiColombo)، التّابع لوكالةِ الفضاءِ الأوروبيّة ووكالةِ الفضاءِ اليابانيّة، سنة 2018م، ومن المُتوقّعِ أن يشرعَ المِسبارُ بدراسةِ كوكبِ عطارد معَ نهايةِ سنة 2025م. المَهمَّةُ الأساسيّة لهذا المسبار هي دراسةُ الحقلِ المغناطيسيّ للكوكبِ وسطحِه ليتسنّى فَهْمُ كيفيّةِ تطوُّره بالقربِ من الشّمس، وتركيبه الكيميائيّ والجيولوجيّ وصفات حقلِهِ المغناطيسيّ.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: يُشرقُ كوكبُ عُطارد ويغيبُ مع شروقِ وغروبِ الشّمسِ تقريبًا، وذلك نظرًا لقربه منها؛ لذا تصعُبُ مُشاهدتُهُ من الكرةِ الأرضيّة. يمكنُ رُؤيتُهُ أحيانًا قريبًا من الأفق ساعةَ الشروقِ أو الغروب.
رسمٌ تخطيطيّ لكوكب عُطارد القريبِ من الشّمسِ والمُفتقر للغلافِ الجوّيّ، لِذا لا تُخزنُ الحرارةُ فيه | Sciepro, Science Photo Library
الزُّهَرة
الزُّهرةُ (Venus) هو الكوكبُ السيّارُ التّالي (الثّاني) من حيثُ البعد عن الشّمس ومدارُه هو الأقربُ إلى الكرةِ الأرضيّة. الزُّهرةُ هو الكوكبُ السيّارُ الأكثرُ شبهًا بالكرةِ الأرضيّةِ من حيثُ حجمه وتركيبته الكيميائيّة. نصفُ قطر كوكبِ الزُّهرةِ، البالغُ حوالي 6000 كيلومترٍ، أقلُّ من نصفِ قطر الكرةِ الأرضيّة بـِ 5 بالمئةِ فقط. كتلةُ كوكبِ الزُّهرةِ أصغر 1.2 مرّة من كتلةِ الأرضِ وجاذبيّتُه أقلّ 1.1 مرّة من جاذبيّةِ الأرض. ذلك يعني أنّ رائدَ الفضاء الّذي وزنُه على الأرض هو 80 كيلوغرامًا يزِنُ 72 كيلوغرامًا على كوكبِ الزُّهرة.
تستغرقُ الدّورةُ الكاملةُ للزُّهرةِ حول الشّمس مُدّةَ 225 يومًا تقريبًا في مسارٍ يكادُ يكونُ دائريًّا بشكلٍ تامٍّ، ويعادلُ بُعدُه عن الشّمسِ حوالي 72 بالمئة من مُعدّل بُعدِ الأرضِ عن الشّمس. يستغرقُ دورانُ كوكبِ الزُّهرةِ حول نفسِه حوالي 243 يومًا. يدورُ كوكبُ الزُّهرةِ حولَ نفسِه، بخلافِ الأرضِ وجميعِ الكواكبِ السيّارةِ ما عدا كوكب أورانوس، بالاتّجاهِ المُعاكسِ إذ تُشرقُ الشّمسُ عليه من جهةِ الغربِ وتغيبُ من جهةِ الشّرق. اليومُ على سطحِ الزُّهرة، أي الزمن الّذي يمرُّ من شروقٍ إلى آخر، أو مُدّةُ دورانِه حول نفسِه بالنِّسبةِ للشّمس، أقصرُ بشكلٍ ملحوظ من مُدّةِ دورانِه الذّاتيّ؛ لأنَّ حركةَ دورانِه الذّاتيّ ودورانه حول الشّمسِ يحدثان بشكلٍ مُتزامن. مُدّةُ الدّورانِ الذّاتيّ في هذه الحالةِ هي الزمنُ الّذي يحتاجُه كوكبُ الزُّهرةُ لإتمامِ دورةٍ كاملةٍ حولَ نفسِه بالنسبة للنُّجوم البعيدة. يُساوي يومُ الكرةِ الأرضيّةِ البالغُ 24 ساعة تقريبًا مُدّةَ دورانِها الذّاتيّ بالنِّسبةِ للنجومِ البعيدة والبالغة 23 ساعةً و 56 دقيقة. يختلفُ الحالُ في كوكب الزُّهرة لأنَّ مُدّةَ دورانِه الذّاتيّ أطولُ من مُدّةِ دورانِه حول الشّمس. إذا وقفَ رائد فضاء على كوكبِ الزُّهرةِ وقتَ الشّروق، يمُرُّ 117 يومًا حتّى تُشرقَ عليه الشّمسُ مرّةً أخرى، وهذا نصف المُدّةِ اللازمةِ لدورانِ الكوكبِ حولَ الشّمس.
لن يبقى رائدُ الفضاءِ، إذا هبطَ على سطحِ الزُّهرةِ، على قيدِ الحياةِ بالرغمِ من الشبه الكبيرِ بين حجمِ كوكبِ الزّهرة وتركيبتهِ الكيميائيّةِ وبين الأرض: سطحُ الزُّهرةِ بُركانيٌّ وله غلافٌ جوِّيٌّ كثيفٌ بضغطٍ عالٍ جدًّا مُكوّنٌ من ثنائي أكسيد الكربون بشكلٍ خاصّ وسُحُب من حِمضِ الكبريتيك. كوكبُ الزُّهرةِ هو الأكثرُ حرارةً في المجموعةِ الشّمسيّةِ بسببِ قُربِه من الشّمسِ وبسببِ عاملِ الدّفيئةِ المُتطرّفِ الّذي ينجمُ عن غلافِه الجوّيِّ الكثيف. تزيدُ درجةُ الحرارة على سطحِه عن 450 درجةً مئويّةً. لا توجدُ أقمارٌ لكوكبِ الزُّهرة.
بعثاتُ الإنسانِ إلى الزُّهرة: أُرسِلَت، على مرِّ السنين، مركباتٌ فضائيّةٌ كثيرةٌ نحوَ الزُّهرةِ. أرسلَ الاتّحادُ السوفيتيّ سنة 1961م المركبةَ الفضائيّةَ ڤانيرا 1 إلى الزُّهرة وكان هذا هو أوّلُ مِسبارٍ يُرسلُه الإنسانُ إلى كوكبٍ سيّار آخر في المجموعةِ الشّمسيّة. إلّا أنّ مَهمّةَ المِسبار باءت بالفشلِ إذ فُقِدَ الاتّصالُ مع المركبةِ بعد أسبوعٍ، وهذا كثيرٌ قبل وصولِها الهدف المرجوّ.
مرَّ المِسبارُ مارينر2 بعد ذلك بعامٍ واحد، في 14 كانون الثاني/ ديسمبر من سنة 1962م، فوقَ سطحِ كوكبِ الزُّهرةِ على بُعدٍ يقاربُ 35000 كيلومترٍ فقط، وقاسَ، لأوّل مرّة، درجةَ الحرارةِ العالية على سطحِه. تبدّدَت بذلك الآمالُ حولَ إمكانيّةِ وجودِ حياةٍ على الزُّهرةِ شبيهةٍ بالحياةِ المألوفةِ على الأرض.
اخترقَ مِسبار ڤانيرا 3 السوفييتيّ سنة 1966م، لأوّلِ مرّةٍ، الغلافَ الجوّيّ لكوكبٍ آخر وتحطّمَ على سطحِه، إلّا أَنّه، ولمزيدِ الأسف، لم ينجحْ في بثِّ المعلوماتِ إلى الأرض. أصلحَ المِسبارُ ڤانيرا 4 الحالَ بعد مرور عامٍ فقط وبثَّ قياساتٍ دقيقةً من الغلافِ الجوّي لكوكبِ الزُّهرة. اكتشف المِسبارُ أنَّ درجةَ حرارةِ سطحِ الكوكبِ أعلى ممّا قدّرَه المِسبار مارينر 2، وأنّ غلافَه الجوّيَّ كثيفٌ للغايةِ ويُشكّلُ ثنائي أكسيد الكربون 95 بالمئةِ منه. نجحَ المِسبارُ ڤانيرا 7 سنة 1970م في تخطّي تحدٍّ مهمّ آخر إذ هبطَ بسلامٍ ولأوّلِ مرّةٍ على سطحِ كوكبٍ مُجاورٍ لنا وبثَّ مُعطياتٍ مُفَصّلة منه إلى الأرض. المركبةُ الفضائيّةُ أكاتسوكي- "الفجر" باللغة اليابانيّة- هي المركبةُ الفضائيّةُ النشيطةُ الوحيدةُ الّتي تقومُ بدراسةِ كوكبِ الزُهرةِ وغلافه الجوّيّ في الوقتِ الحاليّ.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: يدورُ كوكبُ الزُّهرةِ حولَ الشّمسِ بمسارٍ داخليٍّ أكثر من مدار الأرض لذا يُشاهَدُ دائمًا قريبًا منها. يمكنُ مشاهدته، لذلك، عند الشروقِ وعندَ الغروب، الأمرُ الّذي أكسبَه في الماضي ألقابَ "كوكب الفجر" و "كوكب المساء". وصلَ الأمرُ إلى أن يسودَ الاعتقادُ في بعض الحضاراتِ القديمةِ أنّ هذَين هما كوكبان مختلفان. يُؤدّي قُربُ كوكبِ الزُّهرةِ من الشّمسِ ومن الأرضِ إلى أن يكونَ أكثرَ جرمٍ سماويٍّ سطوعًا في سماءِ الأرضِ بعد الشّمسِ والقمر.
صورةٌ توضيحيَّةٌ لكوكبِ الزُّهرة. كوكبُ الزُّهرة هو الأكثرُ حرارةً في المجموعةِ الشّمسيّةِ إذ تزيدُ درجةُ حرارتِه عن 450 درجةً مِئويّةً | Artur Plawgo, Science Photo Library
الكُرةُ الأرضيّة
الكرةُ الأرضيّةُ (Earth) هي الكوكبُ السيّار الثالثُ من حيثُ البُعدِ عن الشّمس وهو الجرمُ السّماويّ الوحيد الّذي نعلمُ عن وجودِ حياةٍ عليه. يبلغُ نصفُ قُطرِ الكرةِ الأرضيّةِ حوالي 6400 كيلومترٍ وكتلتُه حوالي ستة ترليارات طنّ (6x1024 كغم)، ما يُعادلُ ثلاثة أجزاءٍ من المليون من كُتلةِ الشّمس. تُتمُّ الكرةُ الأرضيّةُ دورةً واحدةً حول الشّمس في مسارِها البيضويّ بعضَ الشّيء خلالَ 365 يومًا، ويتراوحُ بُعدُ الأرضِ عن الشّمس ما بين 147 و 152 مليون كيلومترٍ. مُدّةُ دوران الأرضِ حول مِحورِها هي 23 ساعة و 55 دقيقة تقريبًا بالنسبةِ للنجومِ البعيدةِ، أو يومًا واحدًا بالتّمامِ والكمال (24 ساعة) بالنسبةِ للشّمس.
الكرةُ الأرضيّةُ هي الأكبرُ من بين الكواكبِ السيّارةِ الصّخريّةِ، والأكثرُ كثافةً من بين الكواكبِ السيّارةِ في المجموعةِ الشّمسيّة. شكلُها عبارة عن كرةٍ مُفلطحةٍ عند القطبين بسببِ دورانِها حولَ مِحورِها. تتكوّنُ الكرةُ الأرضيّةُ من اللُّبّ- نواةٌ داخليّةٌ صلبةٌ غنيّةٌ، على ما يبدو، بالحديدِ، وفوقَها نواةٌ خارجيّةٌ سائلةٌ. ينجمُ الحقلُ المغناطيسيُّ للأرضِ عن دورانِ لُبِّ الحديدِ السّائليِّ سويّةً مع دورانِ الأرض. يمنعُ هذا الحقلُ المغناطيسيُّ الشديدُ وصولَ الجُسيماتِ المشحونةِ من رياحِ الشّمس ويُسهمُ بذلك في حمايةِ الكائناتِ الحيّةِ على الكرةِ الأرضيّة.
يوجدُ غلافٌ صخريٌّ فوق اللُّبّ. درجةُ الحرارةِ والضغطُ في الطّبقةِ العليا من الغلافِ يجعلان الصخرَ سائلًا لَزِجًا يُسمّى الماچْما أو الصُّهارة. تكسو الغلافَ قِشرةٌ صخريّةٌ يتراوحُ سُمكُها بين ستةِ كيلومتراتٍ تحتَ قاعِ المحيطاتِ و 30-50 كيلومترًا في اليابسة. لا تتكوّنُ القشرةُ من قطعةٍ واحدةٍ مُتماسكةٍ وإنّما هي مُكسّرةٌ إلى قطعٍ صخريّةٍ تُسمّى "الصّفائحُ التّكتونيّة". الشّقوقُ الموجودةُ في القشرةِ وحركةُ الصّفائحِ التّكتونيّة فوقَ طبقةِ الغلافِ العُليا هي المسؤولةُ عن تكوُّنِ قمم الجبال والنشاطِ البُركانيّ والهزّاتِ الأرضيّة.
الغلافُ الجوّيُّ فوقَ قشرةِ الكرةِ الأرضيّةِ غنيٌّ بالنيتروجين (حوالي 78%) والأوكسجين (21%). يمتصُّ الغلافُ الجوّيُّ للكرةِ الأرضيّةِ أشعّةً كهرومغناطيسيّةً تصلُ من الفضاءِ بأطوالِ أمواجٍ مُختلفةٍ كثيرةٍ من ضمنها أمواجُ أشعّة چاما والرينتچن وفوقِ البنفسجيّةِ وتحتِ الحمراء وأمواج الميكرو. تُسهِمُ عمليّةُ تصفيةِ الأشعّةِ هذه هي الأخرى في تسهيل كينونةِ الحياةِ الّتي نمارسُها على الأرض.
يتكوّنُ عاملُ الدّفيئةِ نتيجةً لامتصاصِ الغلافِ الجوّيّ للأشعّةِ تحت الحمراء: تخترقُ أشعّةُ الشّمسِ ذاتُ الأمواجِ القصيرةِ الغلافَ الجوّيّ وتُسخِّنُ الكرةَ الأرضيّة، إلّا أنَّ الأشعّةَ الحراريّةَ في مجالِ أطوالِ الأمواجِ تحت الحمراء والمنبعثةَ من الكرةِ الأرضيّةِ السّاخنةِ لا يمكنُها الخروجُ من الغلافِ الجوّيِّ إلى الفضاء. يحافظُ عاملُ الدّفيئةِ على درجةِ حرارةٍ عاليةٍ نسبيًّا في الكرةِ الأرضيّة ويعملُ على مُوازنةِ درجاتِ الحرارةِ في النّهارِ واللّيل.
محورُ دورانِ الأرضِ حول نفسِها مائلٌ بزاويةٍ قدرُها 23.4 درجةً تقريبًا عن الخطِّ المُعامدِ لمستوى دورانِها حولَ الشّمس. هذا الميلُ هو المسؤولُ عن تكوُّنِ فصولِ السّنةِ على الأرض، ذلك لأنَّ الزّاويةَ الّتي يسقطُ بها الضّوء القادمُ من الشّمس على الأماكن المختلفةِ على الأرضِ تتغيّرُ من شهرٍ إلى آخر، كما ويتغيّرُ طولُ النّهارِ وطولُ اللّيلِ لنفسِ السّبب.
يوجد قمرٌ واحدٌ للكرةِ الأرضيّة، على بُعدٍ قدرُه 380 ألف كيلومترٍ تقريبًا. القمرُ هو الجرمُ السّماويُّ الوحيد الّذي وصلَ إليه الإنسانُ خارج الكرةِ الأرضيّةِ حتّى اليوم. تبلغُ كتلةُ القمرِ حوالي جزءًا واحدًا بالمئةِ من كتلةِ الأرض ويُعادِلُ نصفُ قطرِه ثُلثَ نصفِ قطرِها تقريبًا.
تكوّنت الكرةُ الأرضيّةُ قبل ما يقاربُ 4.6 مليار عام، تزامنًا مع تكوُّنِ المجموعةِ الشّمسيّةِ برُمَّتِها. بدأت الحياةُ تتطوَّرُ على الأرضِ بعدَ حوالي مليار سنةٍ من تكوُّنها. ظهرَ الإنسانُ الحديثُ قبل حوالي 250 ألف سنةٍ فقط، بعد مرور 3.5 مليار عام تقريبًا على ظهورِ أوّلِ كائنٍ حيٍّ عليها.
الكرةُ الأرضيّة. الجرم السّماويّ الوحيد الّذي نعلمُ عن وجودِ الحياةِ عليه | المصدر: NASA
المرّيخ
المرّيخ (Mars) هو الكوكبُ السيّارُ الرّابعُ من حيثُ بُعدِهِ عن الشّمس، والكوكبُ السيّارُ الصَّخريُّ الأبعدُ عنها. تستغرقُ دورةُ المرّيخِ حولَ الشّمس حوالي 687 يومًا في مسارٍ بيضويٍّ بعض الشّيء، ويتراوحُ بُعدُه عنها ما بين 1.4 و 1.7 أضعاف بُعدِ الأرضِ عنها. يبلُغُ نصفُ قُطرِ كوكبِ المرّيخ حوالي 3400 كيلومترٍ، أكثر قليلًا من منتصفِ نصفِ قُطرِ الكرةِ الأرضيّة. تُعادلُ كتلتُه حوالي عُشرَ كتلةِ الأرض وقُوّةُ جاذبيّتُه حوالي أربعة أعشار جاذبيّة الكرةِ الأرضيّة. يكونُ وزنُ الفضائيِّ الّذي يزنُ 80 كيلوغرامًا على الأرض حوالي 30 كيلوغرامًا على المرّيخ. تزيدُ مُدّةُ دورانِ المرّيخ حول مِحورِه عن 24 ساعة قليلًا- أي هي قريبةٌ من مُدّةِ دورةِ الأرضِ حولَ مِحورِها.
سطحُ المرّيخِ غنيٌّ بالحديد المُؤكسَد (الصّدَأ). هذا هو السببُ في لون المرّيخِ الضّاربِ إلى الحُمرة، الأمرُ الّذي أكسبَه الاسمً العبريّ "מאדים مأديم" بمعنى "المُحْمَرّ". كما أنّ اسمَ المرّيخِ بالعربيّة مُشتقٌّ من كلمةِ "أمرخ" أي صاحبِ البقعِ الحمراء، والاسمُ اللاتينيّ "Mars" منسوبٌ إلى إله الحربِ في الميثولوجيا الرّومانيّةِ الّتي توحي إلى الدّماءِ حمراءِ اللّون.
أقطابُ المرّيخِ مكسُوّةٌ بقممٍ جليديّةٍ مُكوّنةٍ من الماء وثنائي أكسيدِ الكربون (الجليدُ الجافّ). يتواجدُ الجليدُ في أماكن أخرى تحت سطحِ الكوكب. يدلُّ وجودُ قنواتِ جداول جافّةٍ ومعادن تتكوَّنُ بوجودِ الماءِ السّائل على أنّ مياهًا سائليّةً قد جرَت على سطحِ كوكبِ المرّيخِ في الماضي. تتراوحُ درجةُ الحرارةِ على سطحِ المرّيخِ ما بين 20 درجة مِئويّة و 150 درجة تحت الصِّفرِ المِئويّ.
الغلافُ الجوّي لكوكبِ المرّيخ، غلافٌ جوّيٌّ مُخفَّفٌ بالمقارنةِ مع الغلافاتِ الجويّةِ للأرضِ وللزُّهرة، من ثنائي أكسيدِ الكربون بشكلٍ رئيس. لونُ سماءِ المرّيخِ ورديٌّ إلى بُنّيٍّ إلى أصفر وذلك لاحتواءِ غلافِه الجوّيِّ الكثيرَ من جُسيماتِ الغُبارِ الكبيرة الّتي تُبعثِرُ الضوءَ الأحمرَ جيّدًا- وليسَ الأزرقَ مثلما هو الحال في الكرةِ الأرضيّة. ترتدي سماءُ المرّيخ اللّون السّماويّ (المُزرَوْرِق) في ساعاتِ الشّروقِ والمغيبِ.
للمرّيخِ قمران غيرُ كُرَويَّين أسماؤُهما فوبوس وديموس نسبةً لآلهةِ الخوفِ والرُّعبِ في الميثولوجيا اليونانيّةِ، وهما أبناءُ "أرس"، إله الحربِ (نظير مارس في الميثولوجيا الرّومانيّة). يُخمّنُ علماءُ الفضاءِ أنَّ هذين القمريْن هما كُويكِباتٌ بالأصلِ التقَطَهُما المرّيخ بفعلِ جاذبيّتِه.
بعثاتُ الإنسانِ إلى المرّيخ: أصبحَ المرّيخُ أكثرَ الكواكبِ في المجموعةِ الشّمسيّةِ دراسةً من قِبلِ الإنسان بفضلِ الآمالِ الكبيرةِ باكتشافِ دلائلَ على وجودِ حياةٍ أوّليّةٍ أحاديّةِ الخليّةِ في الماضي على سطحِه، والأملِ بتأسيسِ مستوطنةٍ بشريّةٍ عليه في المستقبل. أَرسَلت وكالاتُ فضاءِ الولاياتِ المُتّحِدةِ الأمريكيّةِ والاتّحادِ السوفييتيّ والاتّحادِ الأوروبيّ والهندِ والإماراتِ العربيّةِ المُتّحِدةِ والصّين عبرَ السِّنين عشراتِ المركباتِ الفضائيّةِ غير المأهولةِ إلى المرّيخ.
أُرسِلَ المِسبارُ مارينر 4 التّابعُ لوكالةِ الفضاءِ الأمريكيّةِ ناسا في تشرينِ الثّاني من سنة 1964م وكان هو أوّل مِسبارٍ يصلُ إلى محيطِ المَرّيخ. وصلَ هذا المِسبار إلى بُعدٍ مقدارُه 9800 كيلومترٍ تقريبًا عن الكوكبِ السيّار وذلك في الخامس عشر من يوليو/ تموز من سنة 1965م، وقامَ حينها ببثِّ أوّلِ صُورٍ لكوكبٍ سيّار غير الأرض. نجحت المركبةُ الفضائيّةُ السوفييتيّةُ "مارس 3" بعد ستِّ سنواتٍ ونصف بإنزالِ أوّلِ مركبةِ هبوطٍ على أرضِ المرّيخ إلّا أنّها، أي مركبة الهبوط، توقّفت عن العملِ بعد 110 ثوانٍ فقط.
اكتشفت سيّاراتُ الدّفعِ مُتعدّدةِ الأغراض "سْبيريت" و "أوبورتيونيتي" في سنة 2004م مُؤشِّراتٍ على وجودِ مياهٍ جاريةٍ على سطحِ المرّيخ في الماضي. تعملُ في أيّامنا هذه ستّةُ مسابير نشِطة على سطحِ المرّيخ وتدورُ ثمانيةُ مسابير أخرى في الفضاءِ من حولِهِ. يجري التخطيطُ لإرسالِ مسابيرَ أخرى إلى المرّيخِ في السّنينِ القادمةِ، إلّا أنَّه من المتوقّعِ أن تشملَ المرحلةُ القادمةُ من دراسةِ المرّيخ إرسالَ مَهَمّةٍ مَأهولةٍ (أي بشريّة) إلى الكوكبِ السيّار. تعملُ اليوم الولاياتُ المُتّحدةُ الأمريكيّةُ والصّينُ وبعضُ الشّركاتِ الخاصّةِ- على رأسِها شركةُ "سبيس إكس"- على إرسالِ مَهمّةٍ كهذه في العقدِ القادم.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: يبدو المرّيخُ للنّاظر إليه من الكرةِ الأرضيّةِ كوكبًا مُحمَرًّا لونه فاتحٌ. تتغيّرُ شِدّةُ إضاءتِه على امتدادِ مسارِه حولَ الشّمس، وتبلُغُ ذُروتُها مرّةً كلَّ عامَيْن إذ يُشاهَدُ مُضيئًا أكثرَ من جميعِ الأجرامِ السّماويّةِ الأخرى عدا عن الشّمس والقمرِ والزُّهرة.
غروبُ الشّمسِ في المرّيخ. التقطت سيّارةُ الدّفعِ مُتعدّدةُ الأغراض، "كيوريوسيتي"، التّابعةُ لِناسا هذه الصّورةَ عام 2015 | المصدر: NASA/JPL-Caltech/MSSS/Texas A&M Univ
المُشتري
كوكبُ المشتري (Jupiter) هو الكوكبُ السيّارُ الخامسُ من حيثُ بُعدِهِ عن الشّمس، وهو العملاقُ الغازيُّ الأقربُ إليها. المُشتري هو أكبرُ الكواكبِ السيّارَةِ في المجموعةِ الشّمسيّة إذ يبلغُ نصفُ قُطرِه 70000 كيلومترٍ، ما يعادلُ حوالي 11 ضعفَ نصفِ قطرِ الكرةِ الأرضيّة. وتعادلُ كتلةُ المشتري حوالي 318 ضعفَ كتلةِ الأرض وتُساوي حوالي جزءًا واحدًا من ألفٍ من كتلةِ الشّمس- كما تُساوي حوالي 2.5 أضعاف كتلةِ سائرِ الكواكبِ السيّارةِ في المجموعةِ الشّمسيّةِ معًا. قُوّةُ الجاذبيّةِ على سطحِه أكبرُ ضعفَين ونصف من قوّةِ الجاذبيّةِ على سطحِ الكرةِ الأرضيّة. يزنُ الفضائيُّ الّذي وزنُه 80 كيلوغرامًا على سطحِ الأرض حوالي 202 كيلوغرامًا على سطحِ كوكبِ المُشتري. تستغرقُ دورةُ المُشتري حولَ الشّمسِ حوالي 11.9 سنةً في مسارٍ بيضويٍّ بعض الشّيء ويبعُدُ الكوكبُ عنها مسافةً تُعادل 5.5 أضعاف بُعدِ الأرضِ عن الشّمس. يستغرقُ دورانُ المشتري حولَ محورِه حوالي 10 ساعات. المُشتري هو عملاقٌ غازيٌّ- كوكبٌ سيّارٌ كبيرٌ مُكوّنٌ من الغازِ بشكلٍ رئيس- ويُعتقَدُ أنَّ له لُبًّا صخريًّا صغيرًا. توجدُ طبقةٌ من الهيدروجين السائل فوق هذا اللُّبّ، وهو موجودٌ في حالةٍ تراكميّةٍ نادرةٍ تُتيحُ له توصيلَ التيّارِ الكهربائيّ. يوجدُ للمشتري، نتيجةً لذلك، حقلٌ مغناطيسيٌّ شديدٌ تُعادلُ شِدّتُه حوالي عشرةَ أضعافِ الحقلِ المغناطيسيِّ للكرةِ الأرضيّة.
يمتدُّ غلافٌ جوّيٌّ مُكوّنٌ من جزيئاتِ الهيدروجين بشكلٍ رئيس فوق طبقةِ الهيدروجينِ السّائليّ. يبدو الغلافُ الجوِّيُّ لكوكبِ المشتري كأنّه مُكوّنٌ من شرائط مُختلفةِ الألوان، الأمرُ الّذي ينجمُ عن اتّجاهِ الرِّياحِ على سطحِه والتركيبِ الكيميائيّ المُختلفِ بعض الشّيء لهذه الشرائط. اكتشفَ عالِمُ الفضاءِ الإيطاليّ جوڤاني دومينيك كاسيني (Cassini) البُقعةَ الحمراءَ الكبيرةَ الشّهيرةَ على سطحِ المُشتري سنة 1665م، وهي منطقةٌ تهبُّ فيها عاصفةٌ في ضغطٍ جوّيٍّ عالٍ.
لكوكبِ المُشتري منظومةٌ كثيرةُ الأقمارِ؛ فقد تمّ اكتشافُ ثمانين قمرًا منها حتّى الآن. غالبيّةُ هذه الأقمارِ صغيرةٌ جدًّا إذ لا يتعدّى قُطرُ الواحدِ منها عشرةَ كيلومتراتٍ، وتدورُ بمساراتٍ بيضويّةٍ حولَ الكوكب، وهي على ما يبدو عبارة عن كُوَيْكِباتٍ صغيرةٍ دخلت مجالَ جاذبيّةِ الكوكب وبقيت مجذوبةً إليه. الأقمارُ أيو وأوروبّا وَغانيميد وكاليستو، المُلقّبةِ بـِ "أقمارِ ݞاليليو" (أو الأقمار الݞالوليّة) نسبةً إلى ݞاليليو ݞاليلي الّذي اكتشفَها سنة 1610م بالاستعانةِ بالتِّلِسكوبِ الّذي بناهُ بنفسِه، هي أكبرُ أقمارِ كوكبِ المُشتري. فَنّدَ اكتشافُ هذه الأقمارِ المفهومَ الفلكيَّ الّذي كان سائدًا في تلكَ الفترةِ الزمنيّةِ بأنَّ جميعَ الأجرامِ السّماويّة تدورُ حولَ الكرةِ الأرضيّة. أيو هو أقربُ الأقمارِ الأربعةِ إلى كوكبِ المُشتري وهو أكثرُ الأجسامِ نشاطًا من النّاحيةِ البُركانيّةِ في المجموعةِ الشّمسيّة.
بعثاتُ الإنسانِ إلى المُشتري: مرّت المركبةُ الفضائيّةُ بايونيرالتّابعةُ لِناسا- وكالة الفضاءِ الأمريكيّةِ- عن كوكبِ المُشتري على بعدِ 130 ألف كيلومتر في كانون ثانٍ / ديسمبر من سنة 1973م وأرسلت أوّلَ عشرِ صُورٍ للكوكب. اكتشفت المركباتُ الفضائيّةُ ڤوييجار1 وڤوييجار 2 في سنة 1979م وجودَ حلقاتٍ للمشتري مُكَوّنةٍ من جُسَيْماتٍ ميكروسكوبيّةٍ قليلةِ التّركيز. ݞاليليو هي أوّلُ مركبةٍ فضائيّةٍ تدورُ حولَ كوكبِ المُشتري، إذ دارت حولَه لمُدّة قاربت ثماني سنوات، من نهاية سنة 1995م فصاعدًا. قامت ݞاليليو بتصويرِ ودراسةِ كوكبِ المُشتري وأقمارِه وكانت من ضمن اكتشافاتِها مُؤشِّراتٌ لاحتمالِ وجودِ الماء تحتَ الغلافِ الجليديّ لقمرِ أوروبا. تقرّرَ تحطيمُ المِسبارِ، مع نهايةِ عملِه، على كوكبِ المشتري وذلك لتجنُّبِ تلويثِ قمرِ أوروبا بالبكتيريا الأرضيّة في حالِ اصطدمَ المِسبار به. أمّا اليوم فيدورُ المِسبارُ الأمريكيُّ جونو حول المُشتري، وكان قد وصلَ إليه سنة 2016م. يهدفُ المِسبارُ إلى فَهمِ كيفيّةِ تكوّن المُشتري وتطوّره في مُقتبلِ عُمرِ المجموعةِ الشّمسيّة.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: من السّهلِ رُؤيةُ المُشتري وتمييزُه عن الأجرامِ السّماويّةِ الأخرى فهو كوكبٌ أبيض وساطعٌ في السّماء. يمكننا استخدامُ مِنظارٍ صغيرٍ لرُؤيتِه ورُؤيةِ أقمارِه الݞالوليّة الأربعة أيضًا.
تمَّ، حتّى الآن، اكتشافُ ما يقارب ثمانين قمرًا تدورُ حولَ الكوكب. صورةٌ توضيحيّةٌ للمشتري وأقمارِه الݞالوليّة الأربعة | المصدر: Science Photo Library
زُحَل
زُحَل (Saturn) هو الكوكبُ السيّارُ السّادسُ من حيثُ بُعدِهِ عن الشّمس. تستغرقُ دورتُه الواحدةُ حولَ الشّمس حوالي 29.5 سنة في مسارٍ بيضويٍّ بعضَ الشّيء، ويُعادلُ بُعدُه عن الشّمسِ 9 - 10 أضعاف بُعدِ الكرةِ الأرضيّةِ عنها. يبلُغُ نصفُ قطرِ زُحَل بدون حلقاتِه حوالي 58 ألفَ كيلومتر، ما يُعادلُ 9.1 أضعاف نصفِ قطرِ الكرةِ الأرضيّة، وتُعادلُ كتلتُه 95 ضعفَ كتلةِ الكُرةِ الأرضيّة. لذا فإنّ كثافتَهُ أقلّ بثمانية أضعافٍ من كثافةِ الأرض أمّا جاذبيّتُه فتُعادلُ 1.1 جاذبيّة الأرض. يزنُ الفضائيُّ الّذي وزنُه على الأرضِ ثمانون كيلوغرامًا حوالي خمسةً وثمانين كيلوغرامًا في حالِ استطاعَ الوقوفَ على سطحِ زُحَل وقياس وزنِه هناك.
زُحَلُ هو الكوكبُ السيّارُ صاحبُ أقلِّ كثافةٍ في المجموعةِ الشّمسيّة- كثافتُه أقلّ من كثافةِ الماء؛ لذا فإنّه يطفو على سطحِ الماءِ فيما لو تمَّ غمسُهُ في حوضِ ماءٍ عملاقٍ يتّسعُ له. تستغرقُ دورتُه الواحدةُ حول مِحوره الذّاتيّ عشرَ ساعاتٍ ونصف بالتقريب.
زُحَل هو عملاقٌ غازيٌّ مثل المُشتري. يتوسّطُه، على ما يبدو، لُبٌّ صخريٌّ تَعلوه طبقةٌ من الهيدروجين السّائل، وفوقَها غلافٌ جويٌّ مُكوّنٌ من الهيدروجين بشكلٍ رئيس. توجدُ أشرطةٌ واسعةٌ في الغلافِ الجوّيِ لكوكبِ زُحَل ناجمةٌ عن الرّياحِ الهائجةِ على سطحِه، إلّا أنّ الفصلَ بين هذه الأشرطةِ أقلّ وُضوحًا ممّا هو في كوكبِ المُشتري.
يشتهرُ كوكبُ زُحَل خاصّةً بمجموعةِ الحلقاتِ المُثيرةِ للإعجاب الّتي تُحيطُه في الفضاءِ من حولِ خطِّ استوائِه. تتكوّنُ هذه الحلقاتُ من جُسيماتٍ جليديّةٍ صغيرةٍ بشكلٍ رئيس، وبعض الصُّخورِ الّتي يتراوحُ حجمُها ما بين بضعة ميليمترات وبضعة أمتار. هذه الحلقاتُ رفيعةٌ جدًّا بالنسبةِ لحجمِ الكوكب، إذ لا يتعدّى سُمكُها كيلومترًا واحدًا.
توجدُ أقمارٌ كثيرةٌ لزُحَل أيضًا- تمَّ اكتشافُ 83 منها حتّى اليوم. تُشكّلُ كتلةُ القمر تيتان، وهو أكبرُ هذه الأقمار وثاني أكبر الأقمار في المجموعةِ الشّمسيّة بعد غانيميد، أحد أقمارِ المُشتري، 90 بالمئةِ من إجماليّ كُتلِ جميعِ الأقمارِ والحلقاتِ الّتي تُحيطُ الكوكب. إنسيلادوس، وهو سادسُ أكبر أقمار كوكب زحَل، مُغطّى بالجليد وتنشطُ عليه البراكين. اكتشفَ مِسبارُ الأبحاثِ كاسيني تصاعدَ أبخرةٍ من داخلِ الجليدِ نتيجةً للنّشاطِ المائيّ الحراريّ ومُؤشِّراتٍ لوجودِ مُرَكَّباتٍ عضويّةٍ تحتَ السّطح، الأمرُ الّذي يزيدُ من احتمالِ وجودِ حياة في أعماقِ الكوكب، بما يشبهُ الكائناتِ الحيّةِ الدّقيقةِ المُنتِجةِ للميثان والّتي تعيشُ في ظروفٍ مُتطرِّفةٍ على الكُرةِ الأرضيّة.
بعثاتُ الإنسانِ الى زُحَل: بايونير 11 هي أوّلُ مركبةٍ فضائيّةٍ تقتربُ من زُحَل إذ وصلت إلى بعدٍ قدرُه 20 ألف كيلومترٍ عنه وذلك سنة 1979م. اندمجَ المسبارُ كاسيني في مدارٍ حول زُحَل سنة 2004م وقامَ بدراسةِ حلقاتِهِ وأقمارِه. أُرسِلَ المِسبارُ، بعدَ 13 عامًا من نشاطِه حول الكوكب، ليحترقَ في غلافِ كوكب زُحَل الجوّيّ. كما وأنزلَت المركبةُ كاسيني مِسبارَ الأبحاث "هويچنز" (Huygens) على قمرِ تيتان في نهايةِ سنة 2004م.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: من السّهلِ مُشاهدةُ كوكب زُحَل من سطحِ الكرةِ الأرضيّةِ إذ يبدو جُرمًا سماويًّا مُصفَرًّا ويُمكنُ تمييزُ حلقاتِهِ أيضًا باستخدامِ مِنظارٍ أو تِلِسكوب.
تخطيطٌ توضيحيّ لكوكب زُحَل المشهور بالحلقاتِ االمُثيرةِ للإعجاب والمحيطةِ به | Sciepro, Science Photo Library
أورانوس
أورانوس (Uranus) هو سابعُ الكواكبِ السيّارةِ بُعدًا عن الشمس. تستغرقُ دورةُ أورانوس حول الشّمس حوالي 84 سنة في مسارٍ بيضويِّ بعض الشّيء، ويُعادلُ بُعدُه عن الشّمسِ 18 - 20 ضعفَ بُعدِ الأرضِ عنها. يبلُغُ نصفُ قطرِه 25 ألف كيلومترٍ تقريبًا، حوالي أربعة أضعاف نصف قطرِ الكرةِ الأرضيّة، وكتلتُه 14.5 ضعف كتلةِ الأرض، أمّا جاذبيّتُه فتُعادلُ تسعةَ أعشار جاذبيّةِ الأرض. يبلغُ وزنُ الفضائيُّ المُتمتّعِ بتنقلّاته بين الكواكبِ السيّارةِ والّذي يزنُ ثمانين كيلوغرامًا على الأرض 72 كيلوغرامًا وهو على سطحِ أورانوس.
يستغرقُ دورانُ أورانوس دورةً واحدةً حولَ محورِه 17 ساعة تقريبًا. يدورُ أورانوس حولَ مِحورِه من الشّرقِ إلى الغرب، مثلما يفعلُ كوكبُ الزُّهرةِ وخلافًا لدوران الكرةِ الأرضيّةِ وسائرِ الكواكبِ السيّارةِ في المجموعةِ الشّمسيّةِ. مِحورُ دورانِ أورانوس حول نفسِه مائلٌ بزاويةٍ مقدارُها 98 درجة عن الخطِّ المُعامِد لمستوى دورانِه حول الشّمس، أي إنّ دورانَه حول نفسِه مُعامِدٌ تقريبًا لدورانِهِ حول الشّمس. يظلُّ، نتيجةً لذلك، كلُّ قُطبٍ من قُطبَيْ أورانوس مُضاءً أو مُظلِمًا بالتّناوبِ طِوالَ نصفِ مُدّةِ دورانِهِ حولَ الشّمس، أي أكثر من أربعين عامًا كلَّ مرّةٍ.
أورانوس هو عملاقٌ جليديّ- فِئةٌ من الأجرامِ الصغيرةِ نسبيًّا مُتفرّعةٌ من مجموعةِ عمالقةِ الغاز. يتكوّنُ كوكبُ أورانوس من لُبٍّ صخريٍّ صغير تكسوه طبقةٌ جليديّةٌ سميكةٌ فوقَها غلافٌ جويٌّ مُكوّنٌ من الهيدروجينِ والهيليوم بشكلٍ رئيس. تُكسِبُ جُسيماتُ الميثان الموجودةُ في غلافِه الجوّيّ الكوكبَ لونًا شاحبًا ضاربًا إلى الزُّرقةِ والخُضرة. مُعَدّلُ درجةِ الحرارةِ على سطحِ أورانوس، في ضغطٍ جوّيٍ مُساوٍ للضّغطِ المُؤثِّرِ في سطحِ الكرةِ الأرضيّة، هو 195 درجةً تحتَ الصِّفرِ المِئويّ.
يوجد لكوكبِ أورانوس 27 قمرًا نُسِبت أسماؤها إلى شخصيّاتٍ من مسرحيّاتِ شكسبير وألكسندر بوب، وتحيطُ بالكوكبِ 13 حلقةً رفيعةً من الغُبارِ والصُّخور.
أورانوس هو الكوكبُ السيّارُ الأوّلُ الّذي تمَّ تشخيصُه في العصرِ الحديث، بعدَ اختراعِ التِّلسكوب. عالِمُ الفلك وليام هرشل (Herschel) هو الّذي اكتشفَه في الثالث عشر من شهرِ آذار/ مارس سنة 1781م، وحسِبَه مُذَنّبًا. تمَّ اعتبارُ أورانوس كوكبًا سيّارًا بعد أن اكتشفَ عُلماءُ فلكٍ آخرون أعقبوا هرشل أنَّ هذا الجسمَ السّماويَّ يتحرّكُ بمسارٍ يكادُ يكونُ دائريًّا حولَ الشّمسِ، وليس لهُ الأثرُ النموذجيُّ للمُذنّبات. ويجدرُ بالذِكرِ أنَّ راصدي الفلك السابقين راقبوا أورانوس وصنّفوه نجمًا بالخطأ.
بعثاتُ الإنسانِ الى أورانوس: ڤايوجار 2 التّابعةُ لوكالةِ الفضاءِ الأمريكيّةِ ناسا هي المركبةُ الفضائيّةُ الوحيدةُ الّتي مرّت بالقرب من أورانوس في كانون الثاني/يناير من سنة 1986م على بُعدِ 81.5 كيلومترًا عنه. درست هذه المركبةُ بُنيةَ الكوكبِ والمُكوِّناتِ الكيميائيّةَ لِغلافِه الجوّي وأقمارَه وحلقاتِه واكتشفت عشرةَ أقمارٍ جديدة وحلقتَيْن إضافيّتَيْن. تقتصرُ دراسةُ أورانوس اليوم على المُشاهداتِ الّتي تُجرى عن بُعد ولا توجدُ أيّةُ مُصادقةٍ لمَهامّ فضائيّةٍ دراسيّةٍ إليه على الرّغمِ من بعضِ الاقتراحاتِ الّتي حثّت على القيامِ بها.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: يُمكنُ تمييزُ أورانوس ورُؤيتُه من سطحِ الأرضِ في ليلةٍ ظلماءَ بالعينِ المُجرّدةِ مع قليلٍ من الجُهدِ، على الرّغمِ من كونِ ضوئِه شاحبًا جدًّا لِمَن ينظرُ إليه من سطحِ الكرةِ الأرضيّة. وتمكنُ رؤيتُه بمِنظارٍ قويٍّ أو بالتلسكوب في ظروفٍ أقلّ مثاليّة للرُؤية.
الكوكبُ السيّارُ الأوّلُ الّذي تمَّ تشخيصُه بعد اختراعِ التِّلسكوب. صورةُ أورانوس الّتي التقطتها المركبةُ الفضائيّةُ ڤايوجار 2 سنة 1986م | المصدر: NASA
نِبتون
نِبتون (Neptune) هو الكوكبُ السيّارُ الثّامنُ والأبعدُ عن الشّمس. تستغرقُ دورةُ نِبتون حولَ الشّمس حوالي 165 عامًا في مسارٍ يكادُ يكونُ دائريًّا تمامًا، ويُعادلُ بُعدُه عن الشّمس 30 ضعفَ بُعدِ الكرةِ الأرضيّةِ عنها. نصفُ قُطرِه البالغ 25000 كيلومترٍ تقريبًا قريبٌ من نصفِ قطرِ أورانوس ويُعادلُ أربعةَ أضعافِ، تقريبًا، نصفِ قطرِ الكرةِ الأرضيّة. تُعادلُ كتلتُه 17 ضعفَ كتلةِ الأرض وقوّةُ جاذبيّتِه 1.2 ضعف جاذبيّةِ الأرض. إذا استطاعَ الفضائيُّ الّذي يزِنُ ثمانين كيلوغرامًا على الأرض الوقوفَ على سطحِ نِبتون وقياس وزنه، سيشيرُ الميزانُ إلى 91 كيلوغرامًا تقريبًا. تستغرقُ دورتُه حول محورِه حوالي 16 ساعة.
نِبتون، كما أورانوس، هو عملاقٌ جليديٌّ- عملاقٌ غازيٌّ صغيرٌ نسبيًّا- وله لُبٌّ صخريٌّ مكسُوٌّ بطبقةٍ جليديّةٍ سميكةٍ ومن فوقِها غلافٌ جوِّيٌّ مُكوّنٌ من الهيدروجينِ والهيليوم بشكلٍ رئيس. تُكسِبُ جزيئاتُ الميثانِ الموجودةُ في غلافِه الجوّيّ الكوكبَ لونًا مائلًا إلى الزُّرقة. يوجد 14 قمرًا لِنبتون وحلقاتٌ رفيعةٌ مُكوّنةٌ من جُسيماتٍ جليديّةٍ وغُبار.
تمَّ اكتشافُه بعدَ أن تنبّأت الحساباتُ الرّياضيّةُ بوجودِه. صورةُ نِبتون الّتي التقطتها المركبةُ الفضائيّةُ ڤايوجار 2 سنة 1989م | المصدر: NASA
لم يتمّ اكتشافُ نِبتون إلّا بعدَ حِساباتٍ نظريّةٍ تنبّأت بوجودِه: اكتُشِفت انحرافاتٌ في المسارِ المُتوقّعِ لِكوكبِ أورانوس بعدَ اكتشافِه. كانَ أحدُ التفسيرات الّتي اقتُرِحت لهذا الانحرافِ وجود كوكبٍ آخرَ يُؤثَّرُ في حركةِ أورانوس. حَسَبَ عالِما الفلكِ جون كوتش آدمز (Adams) وأورڤان لا- ڨارييه (Le Verrier) المكانَ المُقَدَّر للكوكبِ الآخر وذلك في سنواتِ الأربعين من القرنِ التّاسع عشر، كُلّ عالمٍ على حِدة وبدون علاقةٍ بالآخر. شخّصَ عالِمُ الفلكِ يوهان ݞالي (Galle) أخيرًا كوكبَ نِبتون من خلالِ رصدِه له في مرصدِ النّجومِ في برلين في الثالثِ والعشرين من أيلول/ سبتمبر من سنة 1846م، وحدّدَ مكانَه على بُعد درجة واحدة عن المكانِ الّذي اقترحَه لا- ڨارييه واثنتَي عشرة درجةً عن المكانِ الّذي اقترحَه آدمز.
بعثاتُ الإنسانِ الى نِبتون: مِسبارُ فوياجر 2 هو الوحيدُ الّذي قامَ بدراسةِ كوكبِ نِبتون، كما أورانوس، عندما مرَّ بالقربِ منه على بُعدِ 4800 كيلومترٍ بالتقريبِ عنه وذلك في الخامس والعشرين من آب/ أغسطس من سنة 1989م. درسَت المركبةُ الفضائيّةُ الغلافَ الجوّيّ والغلافَ المغناطيسيّ للكوكبِ وأقمارَه وحلقاتِه. من ضمن ما اكتشفَه المِسبار فوياجر 2 كانَت البُقعة المُظلِمة العظيمة- وهي عبارةٌ عن عاصفةٍ هائلةٍ تبدو بُقعةً قاتمةً في الغِلافِ الجوّيّ لِنبتون- كما اكتشفت وجودَ سخّاناتِ المياه (geysers) على القمر تريتون. تقتصرُ دراسةُ نِبتون اليوم على المُشاهداتِ التي تُجرى عن بُعد ولا توجدُ أيّةُ مُصادقةٍ لمَهامّ فضائيّةٍ دراسيّةٍ إليه على الرّغمِ من بعضِ الاقتراحاتِ الّتي حثّت على القيامِ بها.
شوهِدَ مُؤخّرًا في…: تتعذّرُ رُؤيةُ نِبتون بدون استخدامِ التِليسكوب.
اكتسبَت الكثير من الكواكبِ السيّارةِ الّتي تَعَرَّفنا عليها أسماءَها من الميثولوجيا اليونانيّةِ والرّومانيّة. قمنا بزيارةٍ لثمانيةِ كواكب سيّارة في مجموعتِنا الشّمسيّةِ والّتي تدور حول الجرمِ السّماويّ الأكبر فيها ألا وهو النَجمُ الشّمس.