أحدثت العديد من التّطوّرات التّدريجيّة في برامج الدّردشة الآليّة ثورةً في العديد من مجالات حياتنا في السّنوات الأخيرة، بدءًا من الشّبكات العصبيّة، العلاج النّفسيّ، النّقانق (على سبيل المثال)، الشّطرنج وحتّى جائزة نوبل في الفيزياء

تُمثّل منح جائزة نوبل في الفيزياء لاثنين من روّاد الذّكاء الاصطناعيّ علامةً فارقةً رمزيّةً في هذا المجال. تعتبر هذه فرصّة جيّدة للتوقّف قليلًا واستعراض الطّريق الطّويل، الّذي قطعته البشريّة في هذا المجال، بدءًا من التّعريفات الأوليّة لمفهوم "الذّكاء الاصطناعيّ"، وصولًا إلى الإنجازات الهائلة الّتي نشهدها اليوم في هذا المجال، والّتي تؤثّر على العديد من مجالات حياتنا.

الخطوات الأولى

يعود تاريخ الذّكاء الاصطناعيّ إلى عام 1950، حين نشر عالم الرّياضيات البريطانيّ آلان تورنغ (Alan Turing)، الّذي يُعتبر أب علوم الحاسوب، مقالاً طُرح فيه سؤال أيقونيّ: "هل تستطيع الآلات التفكير؟". للإجابة عن ذلك، طرح تورنغ تجربة فكريّة، والّتي ستُسمّى لاحقًا "اختبار تورنغ". في هذه التّجربة، أجرى محاور بشريّ محادثة مع شخص وآلةٍ موجوديْن في غرفتيْن منفصلتيْن، دون معرفة أيّهما هو المجيب. إذا لم يتمكّن المحاور من التّمييز بين الإنسان والآلة في نهاية فترة زمنيّة محدّدة، عندها يعتبر الحاسوب قد اجتاز الاختبار. على الرّغم من أنّ اختبار تورنغ يعتبر إشكاليًّا في تنفيذه، إلّا أنّ هذا المقال يُعتبر علامةً فارقةً في تطوّر مفهوم الذّكاء الاصطناعيّ.

في عام 1956، بعد عاميْن من وفاة تورنغ، اجتمع عدد صغير من علماء الرّياضيات وعلماء الحاسوب من مختلف مجالات البحث في كلّيّة دارتموث في نيو هامبشاير. هدفت الورشة إلى إنشاء إطار واضح لمجال "آلات التّفكير"، وتطوير أفكار وأساليب جديدة قد تساعد في تطويره. كان أحد منظّمي الحدث عالم الحاسوب الأمريكيّ جون مكارثي (John McCarthy)، الّذي صاغ مصطلح "الذّكاء الاصطناعيّ"، عندما كان عليه تحديد اسم لموضوع المؤتمر. ويمكن القول إنّ هذا الحدث قد حقّق هدفه، ووفّر الإطار الأوّل للمناقشات والأبحاث المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعيّ. يعتبر الكثيرون مؤتمر دارتموث الحدث الّذي مهّد الطّريق، لتطوير هذا المجال من البحث.


الجيل المؤسّس. سبعة من المشاركين البارزين في ورشة دارتموث: أوليفر سيلفريدج، نات روتشستر، مارفن مينسكي، جون مكارثي، راي سولومونوف، ليون هارمون، وكلود شانون | تصوير: جلوريا مينسكي، المصدر: IEEE.ORG / The Minsky Family

مع تأسُّس مجال علوم الحاسوب في سنوات السّتينيّات والسّبعينيّات، اتّخذ مجال الذّكاء الاصطناعيّ خطواته العمليّة الأولى. بطبيعة الحال، كانت قدرات الذّكاء الاصطناعيّ آنذلك بعيدة كلّ البعد عما نعرفه اليوم. ظلّت نتائج الدّراسات بشكل رئيسيّ داخل الحدود الأكاديميّة، ولم تمتدّ إلى العالم العمليّ. في تلك السّنوات، اعتمدت الخوارزميّات بشكل أساسيّ على تقسيم المشكلة إلى عوامل مختلفة، وتحديد الشّروط الّتي بناءً عليها ستتّخذ آلة القرارات.

نشر جوزيف فايزنباوم (Joseph Weizenbaum)، وهو عالم حاسوب أمريكيّ من أصل ألمانيّ، أوّل برنامج دردشة آليّ "إليزا" (ELIZA)، والّذي قدّم نوعًا من العلاج النّفسيّ للمستخدم. اعتمد برنامج "إليزا" على التّعرّف على كلمات معيّنة يتلقّاها في الدّردشة، ويردّ عليها بجملة بناءً على النّمط المناسب. يمكن الدردشة مع "إليزا" واختبار مهاراته حتّى يومنا هذا.

لاحقًا، ظهر أوّل روبوت يعمل بالذّكاء الاصطناعيّ الذي طُوّر في جامعة ستانفورد. كان الروبوت "شيكي" (SHAKEY)، أي المرتعش، قادرًا على القيام بعدد من المهام البسيطة الّتي يحدّدها بنفسه، مثل التّحرّك في الفضاء، أو نقل الأغراض من مكان إلى آخر، على الرّغم من أنّ حركته لم تكن سلسة بشكل خاصّ، كما يوحي اسمه.

في عام 1959، صاغ آرثر صموئيل (Arthur Samuel)، وهو عالم حاسوب أمريكيّ كان موظّفًا في شركة "آي بي إم" (International Business Machines Corporation، وباختصار IBM)، مصطلح التّعلّم الآليّ (Machine learning) لأوّل مرّة. يُعتبر التّعلّم الآليّ شكلًا من أشكال الذّكاء الاصطناعيّ الشّائع اليوم، حيث تسمح للحاسوب "التّعلّم" من البيانات المقدّمة إليه، ليتمكّنَ من حلّ المشكلات أو تنفيذ المهام.


لا يزال برنامج الدّردشة الآليّ الأوّل، والّذي صُمّم لتوفير نوع من العلاج النفسي، نشطًا حتّى الآن. شاشة محادثة مع "إليزا" | المصدر: ويكيبيديا, ELIZA 

الازدهار في الشّتاء

مثّل عام 1974 نقطة تحوّل في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، حين نشر عالم الرياضّيات التّطبيقيّة جيمس لايتهيل (James Lighthill) تقريرًا نقديًّا لاذعًا عن مجال أبحاث الذّكاء الاصطناعيّ في المملكة المتّحدة. أشار لايتهيل في تقريره إلى أنّ العائدات البحثيّة في هذا المجال كانت ضئيلة، مقارنةً بالموارد الكبيرة الّتي استُثمرت فيه، ممّا تسبّب في تخفيضات كبيرة في الاستثمار الأكاديميّ في المملكة المتّحدة. وفي وقت لاحق، خفضت الصّناعات العسكريّة في الولايات المتّحدة استثماراتها أيضًا في الأبحاث الأكاديميّة الأمريكيّة المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعيّ. دخل المجال في حالة ركود استمرّت عقديْن من الزّمن، لم تُسجَّل خلالها أيّ تقدّمات تطبيقيّة بارزة. وأُطلِق على هذه الفترة اسم "شتاء الذّكاء الاصطناعيّ".

في ذروة "شتاء الذّكاء الاصطناعيّ"، في سنوات الثمانينات، وُضعت اللّبنات الأولى للأفكار التي شكّلت أساس الذّكاء الاصطناعيّ كما نعرفه اليوم، أي القائم على الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة. أكسبت هذه الأفكار مطوّريها جون هوبفيلد (John Hopfield) وجيفري هينتون (Geoffrey Hinton) جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024.

في الواقع، لم تكن فكرة الشّبكات العصبيّة تعتبر جديدة في تلك السّنوات. ففي وقت مبكّر من عام 1934، نشر عالم الأعصاب وارن ماكولوتش (Warren McCulloch) وزميله عالم المنطق والتر بيتس (Walter Pitts) مقالًا اقترحا فيه نموذجًا رياضيًّا تجريديًّا، لوصف الدّماغ كشبكة مكوّنة من الخلايا العصبيّة والاتّصالات بينها. وبعد سنوات قليلة، طوّر عالم النّفس دونالد هيب (Donald Hebb) الفكرة، حيث ادّعى أنّ التّعلّم في الدّماغ يتمّ من خلال تقوية الاتّصال بين الخلايا العصبيّة المهمّة لعمليّة التّعلّم، بينما تضعف الرّوابط مع الخلايا العصبيّة الّتي يكون تأثيرها على عمليّة التّعلّم قليلة.

لفهم كيفيّة استخدام مثل هذه الشّبكة في الذّكاء الاصطناعيّ، يمكننا أن نتذكّر التّطبيق المسلّي الّذي طوّرته شخصيّة جيان يانغ في المسلسل الكوميديّ "وادي السليكون"؛ Silicon Valley، والّذي صُمّم للتّمييز بين الصّور الّتي تحتوي على نقانق والصّور الّتي لا تحتوي عليها. لهذا الهدف، أُدخِلت صور للشّبكة بعد معالجتها رياضيًّا، كأمثلة تعليميّة. أثناء التّعلّم، ستكون كلّ "خليّة عصبيّة" في الشّبكة مسؤولَة عن عمليّة حسابيّة معيّنة، وهي عمليّة ضرب وجمع بسيطة. وفقًا لهذا، سوف تحظى الاتّصالات بين الخلايا العصبيّة، الّتي ساهمت في عمليّة التّعلّم على وزن أكبر من الاتّصالات الّتي لم تفعل ذلك. بمجرد كشف الشّبكة لعدد كافٍ من العيّنات، ستكون قادرة على التّمييز بين الصّور الّتي تحتوي على النقانق وتلك الّتي لا تحتوي على نقانق. خلال السّنوات التالية، قُدّمت مقترحات مختلفة لاستخدام هذه النّماذج في الذّكاء الاصطناعيّ، لكنّها لم تؤتِ ثمارها.


تقييم قوّة الرّوابط بين "الخلايا" في الشّبكة يتيح للبرنامج - بعد التّدريب الكافي - بتصنيف الأشياء، مثل النّقانق | مقطع من مسلسل "وادي السيليكون"، HBO

في عام 1982، نشر عالم الفيزياء الأمريكي هوبفيلد نموذجًا لشبكة الخلايا العصبيّة الّتي سُمّيت باسمه. على غرار النّماذج السّابقة، كان يتكوّن هذا النّموذج من الخلايا العصبيّة والوصلات بينها. كان ابتكار هوبفيلد هو استخدام مبادئ الفيزياء الإحصائيّة، لوصف الروابط بين الخلايا العصبيّة. في الفيزياء، تميل الأنظمة متعدّدة الجسيمات إلى الاستقرار حول حالة أساسيّة، تكون فيها طاقة النّظام في حدّها الأدنى. على سبيل المثال، عند تطبيق مجال مغناطيسيّ خارجيّ على موادّ حديديّة، مثل الحديد أو الكوبالت، تميل الإلكترونات إلى الاصطفاف في نفس الاتجاه. يمكن القول إنّ هذه هي "الحالة الأكثر سهولةً على الإلكترونات لتتنظَّم"، وبالتّالي فإنّ الطّاقة الإجماليّة لنظام الإلكترونات تكون في حدّها الأدنى. وبالمثل، عند إدخال معلومات جديدة ترتبط بعمليّة التّعلّم إلى شبكة الخلايا العصبيّة، يتغيّر وزن الاتّصالات بين الخلايا العصبيّة حتّى تصل إلى حالة من التّوازن.

طوّر هينتون، عالم النّفس المعرفيّ، فكرة شبكة هوبفيلد، وفي عام 1986 اقترح فكرة عمليّة الّتي تشكّل أساس الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة الّتي نستخدمها اليوم. تنقسم شبكة هينتون إلى ثلاثة أنواع من الطبقات: الأولى هي طبقة المدخلات، حيث يتمّ الحصول على تمثيل رياضيّ للمعلومات، والّتي تنقل بعدها المعلومات إلى طبقة مخفيّة، أو عدّة طبقات مخفيّة، حيث تُعالَج المعلومات. وأخيرًا، تُنقل المعلومات المعالجة إلى الطّبقة الأخيرة، وهي طبقة المخرجات، والتي تكون قادرة على إعطاء تقييم معين بناءً على المدخلات. استند هينتون أيضًا إلى أفكار من مجال الفيزياء الإحصائيّة، حيث اعتمد على "توزيع بولتزمان" (Boltzmann distribution)، الذي يصف حركة الجسيمات في ظلّ ظروف ديناميكيّة حراريّة معيّنة. ولذلك، فإنّ شبكة هينتون تسمّى أيضًا "آلة بولتزمان" (Boltzmann machine).

آنذاك، اعتُبرت الشّبكات الّتي اقترحها هينتون وهوبفيلد أفكارًا ثوريّة، لكن كما ذكرنا سابقًا، وصفت تلك السنوات "بشتاء الذّكاء الاصطناعيّ". فقد تطلّب استخدام الأساليب الّتي اقترحوها الكثير من البيانات، وأجهزة الحاسوب الّتي تتمتّع بقدرات معالجة قويّة للغاية، وهي ظروف لم تكن موجودة في ذلك الوقت. في الوقت نفسه، طُوّرت أساليب أخرى للذّكاء الاصطناعيّ، والّتي قدمت نتائج مذهلة مقارنةً بالظّروف الّتي كانت موجودة في ذلك الوقت. مع ذلك، دخل استخدام الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة في حالة سبات خلال العقود الّتي تلت.

تفوّق الحاسوب على البشر

في عام 1996، ظهرت أولى بوادر نهاية "شتاء الذّكاء الاصطناعيّ" وبداية "ربيعه" عندما طوّرت شركة IBM الحاسوب العملاق المُسمّى "ديب بلو" ؛ Deep Blue. أُقيمت منافسة في فيلادلفيا بين الحاسوب "ديب بلو" وبطل العالم في الشّطرنج آنذاك، غاري كاسباروف (Garry Kasparov)، الّذي كان يمثّل أفضل ما يمكن أن تقدّمه البشريّة في هذا المجال. فاز كاسباروف على الحاسوب في المباراة بنتيجة 2-4. في عام 1997، أقيمت مباراة مجددًا في نيويورك، بعد إخضاع الحاسوب "ديب بلو" لسلسلة من التّحسينات المهمّة الّتي مكّنته من حساب 200 مليون حركة في الثانية. في هذه المرّة، فاز الحاسوب على كاسباروف بنتيجة 2.5-3.5. وعلى الرّغم من أنّ الإنجاز كان نابعًا من القدرة الحسابيّة القويّة بدلًا من إظهار "الذّكاء الحقيقيّ" الّذي يمكن أن يُعزى إلى البشر، إلّا أنّ الفوز أعاد إشعال الاهتمام العام بالإمكانات الكامنة في الذّكاء الاصطناعيّ.


ألحقوا هزيمة ببطل العالم. الفريق المسؤول عن تطوير حاسوب الشطرنج "ديب بلو"، الذي كان انتصاره على بطل العالم غاري كاسباروف أحد الثّورات في مجال الذّكاء الاصطناعيّ | تصوير: IBM RESEARCH / SCIENCE PHOTO LIBRARY

تميّز العقد الأوّل من القرن الـ- 21 بتطوير معالجات أكثر قوّةً، ممّا أدّى إلى زيادة القوّة الحسابيّة لأجهزة الحاسوب. وفي الوقت نفسه، خلقت الإنترنت والشّبكات الاجتماعيّة كمّيّة هائلة من المعلومات، الّتي لم تكن متاحة للبشريّة من قبل. كانت عالمة الكمبيوتر الأمريكيّة-الصينيّة في-في لي (Fei-Fei Li) أحد أوّل من فهم الإمكانات الكبيرة لهذا التّغيير. في عام 2005، أكملت لي دراسة الدّكتوراه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "كال-تيك" ؛ (Caltech)، وتمّ قبولها في منصب تدريسيّ في جامعة إلينوي. وفي العام نفسه، لاحظت أنّ معظم أبحاث الذّكاء الاصطناعيّ تركّز بشكل أساسيّ على تطوير الخوارزميّات وتحسينها. لقد حظي تنوّع البيانات ونوعيّتها وكمّيّتها الّتي دُرِّبت هذه الخوارزميّات عليها باهتمام أقل. وللتّغلّب على هذه الفجوة، بدأت لي في العمل على إنشاء قاعدة بيانات للصّور الموسومة، حيث يمكن استخدامها في خوارزميّات التّدريب. وفي عام 2009، نشرت لي أكبر قاعدة بيانات من نوعها في ذلك الوقت، ImageNet. حمَّل المستخدمون من جميع أنحاء العالم الصور إلى قاعدة البيانات، ووضعوا عليها علامات وفقًا لمحتواها.

في عام 2010، أطلقت مجموعة ImageNet مسابقة حيث تحاول خوارزميّات معالجة الصّور المختلفة تصنيف الصّور من قاعدة البيانات. في عام 2012، فازت شركة AlexNet في المسابقة بفارق كبير، حيث استخدمت طبقات متعدّدة من الشّبكات العصبيّة. أدّى ذلك إلى انتشار استخدام خوارزميّات التّعرّف على الصّور، أو التّعرّف على الصّوت بشكل واسع، مثل Siri من Apple وAlexa من Amazon. تبعًا لذلك، طُوّرت العديد من هياكل الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة المتنوّعة للتّعامل مع أنواع مختلفة من المعلومات بشكل متزايد في الأوساط الأكاديميّة والصّناعيّة. لقد تسارعت وتيرة تطوير الذّكاء الاصطناعيّ بشكل أكبر، وفي عام 2017، جاءت أخبار مهمّة أخرى من جوجل.


ثورة في تقنيات التّعرّف بفضل طبقات متعدّدة من الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة. خارطة شبكة AlexNet مأخوذة من ورقة بحثيّة -Zhang, Aston and Lipton, Zachary C. and Li, Mu and Smola, Alexander J, المصدر: ويكيبيديا

عصر المحوّلات؟

قدّمت شركة جوجل بنية جديدة للشّبكات العصبيّة، المحوّلات (Transformers)، والّتي أحدثت قفزةً نوعيّةً في مستوى معالجة اللغة وفهمها. تعتمد هذه المحوّلات على آليّة تقسيم المدخلات إلى أجزاء ذات معنى، ثمّ تعطي وزنًا لكلّ جزء وفقًا لعلاقته بالأجزاء الأخرى. إذا كانت المدخلات عبارة عن نصّ، فإنّها تتقسّم عادةً إلى كلمات، لكن في بعض الأحيان تتقسّم أيضًا إلى أجزاء الكلمات والرّموز. على سبيل المثال، في الجملة "عدت إلى بيتي القديم"، يمكن تقسيم الجملة إلى الكلمات "أنا"، "عدت"، "إلى بيتي"، "القديم"، ".". في هذا السياق، تحصل الكلمتان "عدت" و"بيتي" على درجة عالية نسبة لكلمة "أنا"، لأنّهما مرتبطتان بها بشكل مباشر. بينما تحصل كلمة "القديم" على درجة أقلّ لأنّها ترتبط أقلّ بكلمة "أنا". هناك إمكانيّة أخرى للتّقسيم : "أنا"، "عد"، "تُ"، "إلى"، "بيت"، "ي"، "ال"، "قديم"، ".". في هذه الطّريقة، قُسّمت بعض الكلمات إلى مكوّنات مختلفة ذات معاني مختلفة، مثل حروف الجرّ أو التّصريفات. بطبيعة الحال، تختلف قواعد التّقسيم من لغة إلى أخرى حسب طبيعتها.

عزّزت المحوّلات أداء الخوارزميّات المتعلقة بفهم اللّغة، مثل النّسخ أو التّرجمة. بعد مرور عام واحد فقط من إطلاقها، قدّمت شركة OpenAI النّسخة الأوّليّة لما سيصبح اليوم برنامج الدّردشة الأكثر شهرةً في العالم: GPT. يشير اختصار GPT إلى Generative Pre-trained Transformers، أي المحوّلات المُدرَّبة مسبقًا، ممّا يعني المحوّلات الّتي تمّ تدريبها مسبقًا على كمّيّة هائلة من المعلومات من جميع أنحاء الإنترنت، ولديْها الآن القدرة على إنشاء نصّ بنفسها، وفقًا للأوامر المدخلة فيها. قامت الشّركة بتحسين الدّردشة في إصدارات مختلفة، حتّى قرّرت أنّها أصبحت جاهزة للاستخدام على نطاق واسع وأطلقت ChatGPT في عام 2022، وهي نسخة سهلة الاستخدام من GPT والّتي غيّرت العالم بالفعل. قبل بضعة أشهر من ذلك العام، أظهر برنامج Dall-E قدرات توليد الصّور من أوصاف نصّيّة فقط، باستخدام بنية شبكيّة معقّدة أخرى - نماذج الانتشار - والّتي تركت العديد من النّاس مذهولة.

في العامين الأخيريْن، أصبح الذّكاء الاصطناعيّ أداةً أساسيّةً يستخدمها الكثير منّا كلّ يوم: سواء للبحث عن المعلومات، إنشاء الصّور، كتابة التّعليمات البرمجيّة أو إنشاء الموسيقى، ومجموعة متنوّعة من الاستخدامات الأخرى. ويبدو أنّه من الصّعب بالفعل مواكبة ظهور الأدوات الجديدة. هذا الأسبوع فقط، أطلقت OpenAI أداة إنشاء الفيديو الجديدة الخاصّة بها، "سورا"؛ Sora. في حين يعتقد البعض أنّ السّنوات القادمة ستحمل إنجازات قويّة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ. مع ذلك، يعتقد البعض الآخر أنّنا نتطلّع بشكل أساسيّ إلى تحسين القدرات الحاليّة، وليس إلى المفاهيم الثّوريّة الّتي تعطل عالم الذّكاء الاصطناعيّ. يشبه إلى حدّ ما ثورة الهواتف الذّكيّة، التي حدثت قبل عقد ونصف من الزمن. علينا فقط أن ننتظر ونرى من هو على حقّ.


تقدّم هائل خلال تقريبًا 70 عامًا: جدول زمنيّ يوضّح تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ | المعطيات: أوري بوجل, تصميم: ليات بيلي

0 تعليقات