الطحين كعلاج الحروق والثوم كمضادّ لداء الكَلب: بعض العلاجات المتبنّاة من الطّبّ الشّعبيّ تؤتي أُكلها وتفيد مستخدميها، وأخرى لا نفع لها على الإطلاق
منذ آلاف السّنين، قبل نشأة الطبّ الحديث بكثير، كان النّاس يلجأون إلى العلاجات الطبيعيّة لمكافحة الأمراض الشّائعة كنزلات البرد، أوجاع البطن والأسنان، وغيرها من الأمراض والأوجاع. وحتّى اليوم، هناك عدد كبير من النّاس الّذين يفضّلون العلاجات الشّعبيّة، معتبرينها حلًّا طبيعيًّا وناجعًا. تستند بعض العلاجات التقليدية إلى أسس علميّة وقد تجدي نفعًا، إلّا أن العديد من العلاجات البديلة غير ناجع في أحسن الأحوال، وخطير في أسوئها.
طحين، زبدة، أو بيض ضدّ الحروق
يشبه المطبخ أحيانًا ساحة المعركة، إذ يمكن أن نشاهد فيه سكاكين تتطاير، ماءً فوّارًا، وزيتا في المقلاة. لذا فإن الجروح والحروق هي إصابات شائعة في هذا المجال. تحدث الحروق بسبب الحرارة أو المواد الكيميائية الّتي تؤدّي إلى تلف خلايا الجلد والأنسجة الأخرى، مثل الأعصاب والأوعية الدّمويّة، في المنطقة المصابة في الجسم. هناك ثلاث درجات من الحروق، يتم تصنيفها بحسب عمق الحرق في الجلد ومساحة الجسم المتأثِّرة.
الحروق من الدّرجة الأولى هي حروق سطحيّة، مصحوبة بألم واحمرار يزولان خلال بضعة أيام. وتتميّز الحروق من الدّرجة الثّانية بأوجاع شديدة، احمرار الجلد، وظهور البثور عليه. أما الحروق من الدّرجة الثّالثة فهي حروق تسبّب تلفًا شديدًا وعميقًا لكلّ طبقات الجلد وتتطلّب مساعدة طبّيّة فوريّة.
بشكل عامّ، يتوجّه الأشخاص الّذين يعانون من حروق من الدّرجة الثّانية والثّالثة لتلقّي العلاج الطّبّيّ فورًا. ولكن إذا بحثتم عن علاجات شعبيّة عبر الإنترنت، فستجدون الكثير من القصص حول قدرات الشّفاء المذهلة للطّحين، الزّبدة، وحتّى البيض كعلاج أوّليّ للحروق الخفيفة، أي الحروق من الدّرجة الأولى. إلّا أنّ هذه العلاجات يمكن أن تضرّ في بعض الأحيان أكثر ممّا تنفع.
أوّل خطوة عليك القيام بها لعلاج الحرق هو تبريد المنطقة. فالتّبريد يمنع تطوّر التّلف النّاتج عن الحرارة، يساعد الخلايا المصابة، ويخفّف من الأوجاع. أمّا دهن الحرق بأطعمة مثل الطّحين والزّبدة (حتّى لو كانت باردة) فلن يبرّد الجرح، بل يحبس الحرارة داخله. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنتقل البكتيريا، الأبواغ، ومسبّبات الأمراض الأخرى التي تنمو في الأغذية إلى الجرح المفتوح وتؤدّي إلى التهابات. لذلك، يُعتبر الماء البارد وسيلة أكثر نجاعة وأمانًا لتبريد المنطقة المصابة.
بعد أن يبرد الجرح، يوصى بتجفيفه. وإذا كان الجرح مفتوحًا، فمن المهم أن تكون المنطقة حوله معقّمة بضمّادة مغلقة وماصّة. ولتقليل احتمال الإصابة بالتهاب، يمكن استخدام مرهم يحتوي على مضادّات حيويّة. إذا لم يحدث أيّ التهاب، تلتئم الجروح تلقائيًّا.
يوصى بتبريد مكان الجرح وتضميده، وليس بدهن الطّعام. عمليّة تضميد حُرق| kirov1976, Shutterstock
علاج حبّ الشّباب بواسطة معجون الأسنان
يظهر في العديد من أفلام هوليوود مراهقون يحاولون مكافحة حبّ الشّباب بواسطة دهن معجون الأسنان على حبوبهم قبل النّوم. فهل يستحقّ هذا العلاج الشّعبيّ الشّهرة حقّا؟
حبّ الشّباب هو مرض جلديّ يتميز بالتهاب الغدد الدهنيّة وبصيلات الشعر. يظهر هذا المرض في معظم الأحيان نتيجة ارتفاع في نشاط الهرمونات الجنسيّة خلال فترة المراهقة، مما يؤدّي إلى نشاط مفرط في الغدد الدّهنيّة في الجلد، يؤدي بدوره إلى بظهور البثور. وعلى الرغم من أنّ حبّ الشّباب أكثر شيوعًا لدى المراهقين، فإنّ بعض البالغين منه يستمرون في المعاناة منه.
تخلق الزّيادة في إنتاج الدّهن (أو الزّهم) في الغدد الدّهنيّة ظروفًا مؤاتية لتكاثر بكتيريا حَبّ الشّباب Propionobacterium acnes، الّتي تتغذّى على الإفراز الدّهنيّ كمصدر للطّاقة. P. acnes هي جرثومة تعيش على الجلد بشكل طبيعيّ إلى جانب العديد من الجراثيم الأخرى.
تفاعلها مع الجراثيم الأخرى مهمّ للحفاظ على سلامة الجلد، وهي تمنع أيضًا الجراثيم الضّارّة الأخرى أن تقيم على الجلد. وتُظهر الدّراسات الّتي أُجريت في السّنوات الأخيرة أنّ الزّيادة في تكاثر P. acnes نتيجة الزّيادة في إنتاج الدّهن تخلّ بتوازن الجراثيم المختلفة في الجلد وتساهم في ظهور الحبوب.
من المفترض أن يساهم دَهن معجون الأسنان في تجفيف الحبوب، كما يُفترَض أن تقلّل صودا الشّرب الموجودة في العديد من مستحضرات الأسنان إفرازَ الدُّهن. ولكن بالإضافة إلى الصّودا، هناك موادّ أخرى في معجون الأسنان بعضها قد يهيّج الجلد. فيمكن أن يسبّب الكحول، بيروكسيد الهيدروجين (الماء الأكسجينيّ)، والمينثول، على سبيل المثال، تهيّجًا في الجلد. ويحذّر الخبراء أيضًا من استخدام صودا الشّرب، لأنّها بحدّ ذاتها يمكن أن تهيّج الجلد وتجففه، ممّا قد يساهم في إنتاج المزيد من الدُّهن، الذي يؤدّي بالتالي إلى تفاقم الجروح.
يحتوي معجون الأسنان على مواد قد تهيّج الجلد. مراهِقة يظهرعلى وجهها حبّ الشّباب| penton, Shutterstock
لبن رائب لعلاج الفطريّات في المهبل
لا يعيش الإنسان وحده، إنّما مع ملايين الجراثيم والكائنات الأخرى الوحيدة الخليّة الّتي تعيش في جسمه وتسود بينه وبينها علاقة تعايش (تكافل). الحفاظ على توازن الميكروبيوم في الجسم - أي أنواع الكائنات المختلفة الّتي تعيش فيه - مهمّ جدًّا، لأنّ أيّ اختلال يمكن أن يؤدّي إلى أمراض. مثال على ذلك هو الالتهاب المهبليّ الفطريّ، وهو التهاب تسبّبه خميرة من نوع كانديدا (نوع من الفطريّات). تعيش الكانديدا في أجسامنا في أعضاء مثل الفم، الحلق، الأمعاء، الجلد، والمهبل، دون تسبيب مشاكل في الغالب. لكن التّغييرات في البيئة المهبليّة قد تساهم في تكاثر الكانديدا واختلال التّوازن مع مجموعات البكتيريا المقيمة هناك.
أحد العلاجات الشّعبيّة لحلّ هذه المشكلة هو دَهن اللّبن الرائب في منطقة المهبل. هناك من يدّعي أنّ البكتيريا الموجودة في اللّبن قد تساعد في التّخلّص من الكانديدا. ولكن للأسف، لا يوجد أيّ دليل على أن بكتيريا اللّبن قادرة على التّكاثر في هذه البيئة أو أنّها تجدي نفعًا. ويجدر بنا أن نتذكّر أنّ المهبل هو منطقة حسّاسة، وأنّ إدخال مجموعات بكتيريا لا تقيم بشكل طبيعيّ فيه يمكن أن يضرّ أكثر ممّا ينفع.
العلاج الصّحيح للالتهاب المهبليّ الفطريّ هو استعمال الأدوية المضادّة للفطريّات، الّتي تقلّل من تكاثر الكانديدا وتعمل على استعادة التّوازن الطّبيعيّ للميكروبيوم في الوسط المهبليّ.
الثّوم ضدّ داء الكَلَب
معظم الأدوية التقليدية، حتّى لو لم تكن مفيدة، ليست ضارّة على الأقلّ. ولكنّ هناك حالات يمكن أن يؤدّي فيها استخدام الأدوية الشّعبيّة كبديل لتلقّي العلاج الطبّيّ إلى تعريض حياة مستخدميها للخطر. هذا هو الحال بالنّسبة لعلاج داء الكَلَب بواسطة الثّوم. داء الكَلَب هو مرض مُعدٍ في الجهاز العصبيّ يسبّبه فيروس. هذا المرض هو فتّاك، إذ يقتل 100% من الذين يُصابون به دون تلقي علاج صحيح وفوريّ.
العلاج المتوفّر حاليًّا لمكافحة داء الكَلَب هو التّطعيم والأجسام المضادّة للفيروسات، وهو فعّال إذا تمّ تلقّيه في غضون عشرة أيام من الإصابة. يعيق العلاج المباشر بواسطة الأجسام المضادّة انتشار الفيروس في الجسم بشكل فوريّ، بينما التّطعيم هدفه مساعدة جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادّة ضد الفيروس تبقى لوقت طويل.
للثّوم خصائص طبّيّة معيّنة، على الأقلّ في المختبر. فقد وجد الباحثون أنّ منتجات التّحليل للمادّة العضويّة أليسين، الموجودة في الثّوم، فعّالة تحت الظّروف المخبريّة ضدّ أنواع معيّنة من البكتيريا، الفطريّات، وغيرها من الكائنات. ولكن رغم فوائد الثّوم، فهو ليس علاجًا ضدّ فيروسات الكَلَب. لذا فإنّ استخدام الثّوم كبديل للتّطعيم في هذه الحالة يضمن وفاة المُصاب بنسبة 100%.
ليست للثّوم أيّة فعاليّة ضدّ فيروسات الكَلَب، واستخدامه كبديل للتّطعيم يؤدّي بالتّأكيد إلى وفاة المريض. الثّوم | Marian Weyo, Shutterstock
ليس الطّبّ الشّعبيّ أمرًا سيّئًا بالضرورة. ففي كثير من الحالات هناك تفسير علميّ لنجاعة علاج تقليديّ معيّن وطريقة إفادته لنا. ولكن عندما يتعلّق الأمر بصحّتنا، يجب أن تساورنا دائمًا الشّكوك، نفكّر بطريقة نقدية، نستشير الطّبيب، ونفهم بعُمق إذا كان يمكن أن يضرّ العلاج البديل أكثر ممّا ينفع.
الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس