الدّببة الّتي تصوم في الشّتاء، وطيور البطريق الّتي لا تتناول الطّعام من أجل صِغارها، والحيوانات الصّغيرة الّتي تعيش لعقودٍ من دون طعام. كيف تصوم الحيوانات؟
اعتاد الكثير من البشر استهلاك ما بين ثلاث إلى أربع وجبات يوميًّا. لهذا، فإنّ التّفكير في صيام يومٍ يتطلّب منّا الاستعداد له مسبقًا، وتناول وجبة منظّمة قبل الصّيام، والتّأكّد من العودة المعتدلة للتّغذية بعد ذلك. لكنّ الحيوانات لا تتصرّف مثلنا. تأكل الحيوانات العاشبة مثل الفيلة، الزّرافات والحمير الوحشيّة دون توقّف تقريبًا. فهي تنام قليلًا، وتأكل كثيرًا، ولا تصوم إلّا بين الوجبات، أو عندما تضطرّ للفرار من الحيوانات المفترسة. تعيش الحيوانات الأخرى أسلوب حياة معاكس - فهي تعيش تقريبًا من صيامٍ لآخر وتأكل فقط من حينٍ لآخر.فكم من الوقت من الممكن حقًّا البقاء دون تناول الطّعام؟
استراحة الصّيّاد
الحيوان: البَبْر ( Panthera tigris - ينتمي لجنس النّمر)
مدّة الصّيام: حتّى أسبوعين
تُعتبر البُبُور حيواناتٌ منعزلة. تتسلّل البُبُور كأفراد وتعتمد على قوّتها العظيمة عند الصّيد، وبالعادة تصطاد الحيوانات الكبيرة مثل الأيائل والخنازير البرّيّة، والجواميس، والتّماسيح وحتّى الدّياسم (جِراء الدّببة). كما أنها تصطاد البُبُور الّتي تعيش في بيئة قريبة نسبيًّا من البشر، وحيوانات المزرعة مثل الأبقار والماعز. تنشط البُبُورغالبًا في الليل، وتعتمد على حاستَي السّمع والنّظر الليليّة القويّتين بهدف تحديد موقع الفريسة.
تُساعد الخطوطُ الموجودة على فرائها، على التّخفّي في العشب الطّويل في بيئتها الطّبيعيّة، وهكذا ترقد البُبُور على العشب وتنتظر مجيء فريستها، وفي اللحظة الملائمة تنقضّ عليها، حيث تُسقطها على الأرض ومن ثمّ تقتلها. تتطلّب هذه العمليّة دقّة مُطلقة، وتركيزًا واستثمارَ قدرٍ كبير من الطّاقة، لكنّها لا تنتهي دائمًا بنجاح؛ فقد تُخضع الببور فرائسها مرّة واحدة فقط من بين عشرين محاولة. وبالتّالي، تصطاد البُبُور وتأكل مرّة واحدة فقط في الأسبوع. تأكل حوالي 35 كيلوغرام من اللحم في وجبة متوسّطة، طوال الليل، ووجبة كهذه تكفيها لمدّة أسبوع كامل، وأحيانًا أسبوعين. فإذا اصطادت فريسةًصغيرة، سيتعيّن عليها الاصطياد مرّةً أخرى خلال الأسبوع.
يصطاد ويأكل مرّة واحدة في الأسبوع تقريبًا. بَبْر يروي عطشه | Shutterstock, PhotocechCZ
التّضحية الأبويّة
الحيوان: البطريق الإمبراطور (Emperor penguin)
مدّة الصّيام: حوالي ثلاثة أسابيع خلال عمليّة استبدال الرّيش، وحوالي أربعة أشهر أخرى خلال فترة الحضانة
تعجز طيور البطريق عن الطّيران، لكنّها تستطيع السّباحة في مياه المحيطات الباردة. تعيش جميع أنواع البطاريق، البالغ عددها 18 نوعًا في النّصف الجنوبي من الكرة الأرضيّة - بين خطّ الاستواء في أمريكا وأقصى جنوب القارّة القطبيّة (أنتاركتيكا)، والّتي تُعتبَر أبرد منطقة على وجه الأرض. عندما تجوع البطاريق، فإنّها تغوص في المياه الباردة، وتأكل الأسماك، سرطانات البحر والمحار.
يكسو أجسام البطاريق ريشٌ ناعمٌ وكثيفٌ للغاية: لدى البطريق الإمبراطور، على سبيل المثال، حوالي مائة ريشة في كل 6.5 سنتيمتر مربّع. للريش هناك دور مهم في تأمين العزل الحراريّ للبطاريق. تُحيط الرّيش طبقة من الدّهن؛ ما يمنع الماء من التّغلغل عبرها، كما وأنّ كثافة الرّيش تساعد على حبس الهواء، وعزل الجسم السّاخن عن الماء البارد.
لكن ماذا يحدث عندما تحتاج البطاريق لاستبدال ريشها؟ كما هو حال جميع الطيور، يتلاشى الريش بمرور الوقت، ويتطلّب الصيانة واستبدالًا دوريًّا. لكن إذا استبدلت البطاريق ريشها بشكل متكرّر مثل الطيور الأخرى، فسيتضرّر العزل الحراريّ لديها، وقد يتغلغل الماء البارد إلى أجسامها وتتجمّد عند السباحة. لذلك؛ فإنّ ما يحدث عندها هو أمرٌ مختلف: يتمّ استبدال الريش مرّة واحدة في السنة - دفعة واحدة. في غضون ثلاثة أسابيع تقريبًا، يسقط كلّ ريشها ويُستبدَل بريشٍ جديدٍ. خلال هذه الفترة، لا تستطيع البطاريق دخول الماء على الإطلاق؛ ولهذا تقوم بالصيام ولا تأكل شيئًا. لذلك؛ قبل عمليّة استبدال الريش، تأكل البطاريق كثيرًا وتزيد من نسبة الدهون في أجسامها بشكلٍ كبيرٍ. وخلال صيام الأسابيع الثلاثة المقبلة، تستخدم هذه الدهون المخزّنة كمصدرٍ للطاقة.
تستبدلُ جميعُ أنواع البطاريق ريشَها وتصوم خلال هذه الفترة. لكن لدى طيور بطريق الإمبراطور الّتي تعيش في قارّة أنتاركتيكا، فترةُ صيامٍ إضافية طويلة خلال فترة الحضانة. بعد أنْ تضع الأنثى البيضة، يقوم الذكر بالإرخام عليها بحيث يضعها على أغشية السباحة الخاصّة به حتّى لا تتلامس مع الجليد المتجمّد. يرخم الذّكر على البيضة ويحافظ عليها ساخنة بمساعدة الريش المعزول الموجود في البطن، في مكان يُسمّى رقعة الحضانة (Brood patch). تتميّز هذه المنطقة بأنّها مزوّدة بالأوعية الدمويّة القريبة من السطح؛ ما يتيح نقل الحرارة إلى البيضة في فترة الحضانة. تستمرّ فترة الحضانة بالمعدّل حوالي 115 يومًا - ما يقارب الأربعة أشهر. خلال هذه الفترة، تخرج الإناث للبحر من أجل تناول الطعام وتخزينه حتّى موعد فقس الفراخ، بينما بالكاد يتحرّك الذكور ولا يتركون البيضة بتاتًا، ولهذا السبب لا يمكنهم بالطبع السباحة من أجل تناول الطعام خلال هذه الفترة.
لاحظ الباحثون في السنوات الأخيرة، بواسطة استخدام أدوات البحث والكاميرات المبتكرة، أنّهُ في بعض الأماكن في قارّة أنتاركتيكا، عندما يكون البحر قريبًا بما فيه الكفاية من موقع الحضانة، يخرج الذكور أيضًا للسباحة الشتويّة قبل فترة وجيزة من وضع البيض، وبالتّالي يقصّرون صيامهم قليلًا إلى حوالي ثلاثة أشهر فقط (90-80 يومًا).
يقوم ذكور طيور البطريق بحضن البيض وتسخينه بواسطة الريش العازل الموجود في بطونهم، وطوال هذا الوقت لا يأكلون شيئًا.| Doug Allan, Science Photo Library
ذو الفمّ الكبير المفتوح
الحيوان: سمك الكاردينال بانجاي (Banggai cardinalfish)
مدّة الصيام: حوالي شهر.
لدى أسماك الكاردينال بانجاي، الّتي تعيش في جزيرة بانغاي في مركز اندونيسيا، طريقة تكاثر مثيرة للاهتمام تسمّى "حضانة الفمّ"، تؤثّر في نظامها الغذائيّ. ترقص الأنثى للذكر أثناء المغازلة، ثمّ تطلق 40 بيضة من جسدها. يقوم الذكر بتخصيبها، وعلى الفور يسحبها إلى داخل فمه، حيث يحتفظ بها لمدّة شهر كامل. خلال هذا الشهر، وبما أنّ فمه ضروري للحفاظ على نسله، لا يستطيع تناول الطعام - على الرّغم من أنّ بعض الباحثين يدّعون أنّه يبتلع أحيانًا بعض البيض، بقصدٍ أو من غير قصد.
تُعتبَر أسماك الكاردينال غير نشطة، وربّما هذا هو السبب وراء قدرة الذكور على العيش فترةً طويلة دون طعام. بمجرّد انتهاء فترة الحضانة، تسبح الأسماك الصغيرة من فم الذكر مباشرة إلى البحر. تفقس بالمعدّل حوالي 20 سمكة صغيرة من أصل 40 بيضة. تحظى هذه الأسماك بشعبيّة كبيرة بين مربّي الأسماك المنزليّة، ولكن بسبب عمليّة تكاثرها المعقّدة، يصعب تربيتها في أحواض السمك. يتمّ صيد العديد منها في البريّة، وتُعتَبَر اليوم مهددة بالانقراض في الطبيعة.
يقوم الذكور باحتضان البيض في أفواههم - ولمدّة شهر تقريبًا لا يأكلون شيئًا بتاتًا. أسماك الكاردينال بانجاي | Matthew Oldfield, Science Photo Library
بكامل القوّة
الحيوان: العَظاءة التِنِّين كومودو (Varanus komodoensis)
مدّة الصيام: حوالي شهر
تعيش عَظايا التِنِّين كومودو في البريّة وتتواجد في أربع من جُزُر إندونيسيا. تُعتبر هذه العظايا الأكبر في العالم؛ يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، وتزن ما بين 100-70 كيلوغرام.
عظايا التنِّين كومودو من الحيوانات آكلة اللحوم، فهي تتغذّى على الجيَف وعلى الفرائس الّتي تصطادها. تشير الأبحاث إلى أنّ لعابها يحوي حوالي 58 نوعًا مختلفًا من البكتيريا المسبّبة للأمراض، والّتي تساعدها على الصيد. تشير بعض الأبحاث إلى أنّ لعابها يحوي السمّ أيضًا، لكن تتطلّب هذه النتائج المزيد من الأبحاث من أجل التّأكّد من صحتها. بمساعدة هذه البكتيريا، تنجح عظايا التنِّين كومودو باصطياد وافتراس حتّى الحيوانات الكبيرة مثل الماعز، الجواميس، والأيائل والخنازير البرّيّة. تقوم العظايا بِعضّ الحيوانات وجرحها، ثم تتبعها - أحيانًا لبضعة أيام- حتّى تموت من فقدان الدمّ أو من التلوّث الّذي تسبّبه البكتيريا الموجودة في لعاب العظايا. من الممكن أنْ تصل وجبة كبيرة كهذه إلى أربعة أخماس وزن جسم العظاءة.
من أجل أنْ تتمكّن عظايا التنِّين كومودو من أكل فريسة كبيرة كهذه؛ تضطرّ لقطع مفاصل فكّها، ما يعطي معنى جديدًا للعبارة الاصطلاحيّة "فتح فمٍ كبير". إضافةً إلى ذلك، عضلات معدتها المرِنة مهمّة جدًّا لقدرتها على تناول الكثير من الطعام دفعة واحدة. تستمرّ عمليّة الهضم ما بين يومين إلى خمسة أيّام في الطقس البارد؛ نظرًا لأنّ عمليات الأيض لهذه العظايا تكون بطيئة للغاية، فتكفيها وجبة كهذه لمدّة شهر كامل. لكن في بعض الأحيان خلال الشهر، إذا شعرت العظايا بالجوع قليلًا، قد تتناول وجبة خفيفة من الحيوانات الصغيرة (مثل العصافير أو الجرذان) الّتي تأكلها عادةً في قضمة واحدة.
تأكل حتّى أربعة أخماس وزن جسمها في وجبة واحدة، وبعدها تصوم لمدّة شهر. عظاءة التنِّين كومودو| Peter Scoones, Science Photo Library
ذيل السحالي
الحيوان: السحليّة وحش جيلا (Heloderma suspectum)
مدّة الصيام: بضعة أشهر
السحليّة "وحش جيلا" تمدّ حدود الصيام حتّى أكثر من عظاءة التنِّين كومودو. هي سحليّة سامّة، لكن على الرغم من أنّ لدغتها مؤلمة، فهي لا تُشكّل خطرًا على البشر. على عكس الأفاعي الّتي تحقن سمّها في فريستها، تنقضّ السحليّة وحش جيلا على فريستها وتمضغها جيدًا، في هذه الأثناء تسمح للسمّ العصبيّ الّذي تنتجه، الّذي يعطّل النشاط الكهربائيّ الطبيعيّ للأعصاب، بالانتقال عبر أسنانها مباشرة إلى الجروح المفتوحة للفريسة.
تُعتبَر السحليّة وحش جيلا كسولةً وتتميّز بعمليّات أيض بطيئة. تعيش في البرّية في جنوب الولايات المتّحدة الأمريكيّة والمكسيك، وتتغذّى على البيض والحيوانات الصغيرة مثل البرمائيات، والطيور والثدييات الصغيرة. لكن هذا لا يعني أنّها تأكل قليلًا، إذ يمكنها أنْ تأكل في وجبة واحدة ما يصل إلى حوالي ثلث وزن جسمها.
على غرار الزواحف الأخرى، مثل التماسيح أو الأبراص المرقّشة، تخزّن السحالي وحش جيلا الدّهون في ذيولها الكبيرة، وبالتّالي فهي قادرة على الصيام لأشهرٍ عدّة بين الوجبة والأخرى. يتوفّر لديها دمج جميع هذه الميزات؛ حيث عمليات الأيض البطيئة، وعلى تناول وجبات كبيرة وتخزين الدهون، وهو ما يسمح لها بتناول الطعام نادرًا جدًا - عادةً ما بين خمس إلى عشر مرّات في السنة فقط. يعتقد بعض الباحثين أنّه تحت ظروف معيّنة يمكنها الاكتفاء بثلاث أو أربع وجبات دسمة فقط في السنة.
انبهر الباحث جون أنج، من المركز الطبّيّ للمحاربين القدامى في برونكس - نيويورك، بأنّ الأشخاص الّذين تعرّضوا للعضّ من قِبَل السحلية وحش جيلا يعانون أحيانًا من تضخّم في البنكرياس. عندما بحث الأمر بعمق، وجد أنّ لعاب السحلية يحوي هرمون يُدعى "إكسيندين- 4" (Exendin-4)، يساعد على إبطاء تحليل السكّر، وإفراز الإنسولين باستمرار مع مرور الوقت. نتيجةً لذلك؛ تمكّن الباحثون من تطوير دواء السكريّ من نوع 2، الّذي يُدعى أحيانًا "لعاب السحلية".
الدّهون المخزّنة في ذيلها، وعمليّات الأيض البطيئة تسمح لها أنْ تأكل بين خمس إلى عشر وجبات في السنة فقط. السحلية وحش جيلا | Shutterstock, Milan Zygmunt
نوم عميق
الحيوان: الدبّ الأسود الأمريكيّ (Ursus americanus)
مدّة الصيام: 5-7 أشهر
يكمن السبب الرئيس للسّبات الشتويّ لدى الدببة السوداء الأمريكيّة في الطعام، أو بالأحرى - في غيابه. في المناطق الباردة من العالم، يصعب على الحيوانات العثور على طعام في فصل الشتاء، إذ يؤثّر البرد سلبًا في نموّ النباتات، ويغطّي الثلجُ أو الجليد الأوراقَ والعشب.
وبالرغم من الصعوبة في العثور على الطعام، فقد وجدت الحيوانات حلولًا متنوّعة للعثور عليه. تهاجر العديد من الطيور ومعظم الحيوانات النباتيّة نحو المناطق الأكثر دفئًا، حيث يتوفّر الطعام. خلال فصل الشتاء يتم تعليق عمليّات الاستحالة (metamorphosis) ودورة الحياة لدى الحشرات خلال فصل الشتاء. أما الدببة وحيوانات أخرى، فالحلّ عندها في السُّبات الشتويّ؛ فقبل حلول فصل الشتاء والطقس البارد، تأكل الدببة السوداء الأمريكيّة كميّاتٍ كبيرة من الغذاء الغني بالدهون، وتخزّن الدهون في أجسامها، ومن ثمّ تنام نومًا عميقًا.
تقضي الدببة السوداء الأمريكيّة ما بين خمسة إلى سبعة أشهر في السنة في النوم الشتويّ - السُّبات، وخلال هذا الوقت لا تأكل أو تشرب أو تقضي حاجاتها على الإطلاق. كما تقوم بتقليل عمليّات الأيض في أجسامها بنسبة 75 في المائة بحيث تلبّي فقط الاحتياجات الأساسيّة اللازمة لوجودها. كجزء من هذه التغييرات، تنخفض درجة حرارة أجسامها من حوالي 38 درجة إلى حوالي 30 درجة فقط، وهنالك أنواع أخرى من الدببة الّتي تقلّل درجة حرارة أجسامها أكثر من ذلك. ينخفض معدّل ضربات قلبها من 55 نبضة في الدّقيقة إلى 9 نبضات فقط، فهي تتنفّس مرّة أو مرّتين في الدقيقة، كما أنّ معدّل ضربات قلبها يتباطأ أكثر بين كلّ نَفَسَيْن. بهذه الطريقة، تترك الدببة السوداء الأمريكيّة أجهزتها في وضع "انتظار" وتفقدُ نحو نصف وزنها.
عند حلول فصل الربيع، ترتفع درجة الحرارة المحيطة، وتبدأ الدببة برفع درجة حرارة أجسامها عن طريق استخدام نسيج دهنيّ خاصّ يُسمَّى "الدهون البنيّة"، الّتي تُنتِج حرارة عند تحلّلها. بعد ارتفاع درجة حرارة أجسامها، تعود أجهزتها إلى عملها الطبيعيّ، وترتفع نبضات القلب، وتزداد وتيرة التنفّس، فيما قد تستغرقُ هذه عمليّة حوالي ثلاثة أسابيع. تستيقظ الدببة في النهاية عندما تكون جائعة جدًا، ونحيفةً بعض الشيء، لكنّ حالتها الجسديّة تشبه ما كانت عليه قبلَ السُّبات.
قد تدخل حيواناتٌ أخرى أيضًا مثل الأفاعي، والسلاحف، والسحالي والزواحف الأخرى -الّتي لا تستطيع تنظيم حرارة أجسامها كما تفعل الثدييات على سبيل المثال- في السُّبات في المناطق الباردة. في مثل هذه الحالات، لا تأكل هذه الحيوانات أيضًا لمدّةٍ قد تصل إلى سبعة أشهر.
يقضي ما بين خمسة إلى سبعة أشهر في سُبات، وخلال هذه الفترة لا يأكل أو يشرب بتاتًا. الدّبّ الأسود الأمريكيّ خلال قيلولة خفيفة | Shutterstock, TangoFoxtrot2018
الكسل يؤتي ثماره
الحيوان: سمندل الكهوف الأوروبيّ أو ما يسمّى بالأُلم (Proteus anguinus)
مدّة الصيام: عشر سنوات
الأُلم حيوانٌ ينتمي إلى فئة البرمائيات. يعيش في الكهوف ويتواجد في إيطاليا ودول البلقان. نظرًا لصعوبة إجراء الأبحاث عليه، لا يُعرَف سوى القليل جدًّا عن حياته في البرّيّة، لكنّ الدراسات تُظهر أنّ متوسّط عمره في حدائق الحيوانات ومختبرات البحث يصل إلى ستين عامًا، ويعتقد الباحثون أنّه قد يصل إلى مئة سنة في البرّيّة.
على غرار الحيوانات الّتي تسكن في الكهوف، فإنّ جلد الأُلم مائل للورديّ ولا يُرى. لكن لديه قدرة حسّيّة مذهلة، فهو لا يستشعر الضوء فحسب، بل الحقول الكهرومغناطيسيّة، ولديه حواس ذوق وشمّ وسمع متطوّرة للغاية. بهذه الطريقة ينجح الأُلم في العثور على فرائسه، مثل الحشرات واللافقاريات الصغيرة الأخرى وحتّى الأسماك الصغيرة، في ظلام الكهف الدّامس.
كجزء من التكيّف مع العيش في الظروف القاسية في الكهوف، وبما أنّ الكهوف تحوي القليل من الطعام؛ فإنّ الأُلم قادر على الصيام لمدّة عقدٍ كاملٍ. من الممكن أنّ طبيعته الكسولة تساعده على ذلك. تشير الدّراسات إلى أنّه إذا وَجد الأُلم مكانًا مفضّلًا لديه، فيمكنه البقاء فيه لمدّة سبع سنوات، على الرغم من أنّه سبّاح ممتاز وقادر على التنقّل بسهولة والبحث عن الطعام أو عن أماكن أفضل لكي يتواجد فيها.
يعيش في الكهوف حيثحيث يوجد القليل من الطعام، وقادر على الصيام لمدّة عقدٍ كاملٍ. الأُلم | Dante Fenolio, Science Photo Library
حتّى آخر الحدود
الحيوان: دبّ الماء (Tardigrade)
مدّة الصيام: حتّى 30 سنة
دببة الماء هي الأكثر تطرّفًا بلا شكّ. يُعتبَر الجفاف حالةً مُهدّدة للحياة لدى معظم الكائنات الحيّة: على مستوى الخليّة، "تنكمش" الأغشية الموجودة بين الخلايا وداخلها، وتموت. ولكن يبدو أنّه بالنسبة لنوعين من دببة الماء، فإنّ نقص المياه له شأنٌ آخر.
دببة الماء حيواناتٌ صغيرة، معروفةٌ بقدرتها على البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية من شأنها أنْ تقتل أيّ كائن حيّ آخر تقريبًا. تستطيع العيش في درجات حرارة متطرّفة - شديدة البرودة (تحت الصفر)، أو شديدة الحرارة (أعلى من مائة درجة مئويّة). ويمكنها تحمّل ضغطٍ يزيد عن ستة أضعاف الضغط السائد في قاع المحيط أو في فراغ الفضاء. وبشكلٍ مثيرٍ للدهشة - يُمكنها البقاء على قيد الحياة لمدّة ثلاثين عامًا بدون طعام وبدون ماء!
تمتلك دببة الماء خدعة بقاء مذهلة تُسمّى الحيويّة الخفيّة (cryptobiosis)، وهي حالةٌ من الخمول التامّ النّاتج عن الجفاف. وجد العلماء، أنّه عندما تجفّ (يجفّ لُعاب) دببة الماء، تنكمش أرجلها ورؤوسها في أجسادها، وتتباطأ عمليّات الأيض عشرة آلاف ضعف معدّلها الطبيعيّ، وتغرق دببة الماء في حالة عميقة من "السكون" تشبه الموت إلى حدٍّ بعيدٍ. في الواقع، بعد أنْ يجفّ الماء كليًّا تقريبًا من أجسادها، كلّ ما تتبقّى منها هي قشرة جافّة. يمكنها البقاء في هذه الحالة لمدّة ثلاثين عامًا، ولا تعود لنشاطها إلّا عندما تسمح الظروف البيئيّة بذلك مرّة أخرى، أي عند توفّر المياه.
كيف يتم ذلك؟ وجد باحثون من المملكة المتّحدة واليابان أنّه عندما تقلّ المياه في البيئة، هنالك نوعان من دببة الماء يُنتِجان بروتينًا فريدًا من نوعهِ عالي الذّوبان. يساعد البروتين الموجود داخل الخلايا على الحفاظ على شكلها دون أنْ يتضرّر، وعندما تتغيّر الظروف وترتفع الرطوبة، يذوب البروتين وتعود الخلايا إلى عملها الطبيعيّ. أظهرت الدراسات أيضًا، أنّ كلا النوعين يتشاركان تقريبًا في نفس مجموعة الجينات الّتي تساعدهما عند نقص الماء. ويدّعي الباحثون، أنّ لدينا الكثير مما يمكن أن نتعلّمه من هذه الحيوانات، وأنّ للدراسات الّتي أُجريت عليها إمكاناتٌ كبيرة لتمكين تطوير التطبيقات الطبيّة والتقنيّة الحيويّة، على سبيل المثال في نقل اللقاحات والأدوية دون الحاجة إلى التبريد.
تتباطأ عمليّات الأيض حتّى عشرة آلاف مرّة، ويبقى في حالة "السكون" حتّى 30 عامًا بدون ماء. دبّ الماء| Eye of Science, Science Photo Library
يبدو إذًا، أنّ هناك العديد من الأسباب لصيام الحيوانات: التغيّرات في الطقس، وعدم توافر الغذاء، ونمط الحياة الّذي يسمح بالصيام بين الوجبة والأخرى، وما إلى ذلك. يعتمد كلّ حيوان على استراتيجيّة وتعديلات خاصّة به. عندما نفكّر في كلّ الاستراتيجيّات والتعديلات الّتي تسمح لهذه الحيوانات بالعيش لفترة طويلة بدون طعام، فإنّ الصيام لبضع ساعاتٍ أو حتّى ليومٍ كاملٍ يُعتبَر فجأة أقلّ صعوبة.