أدّى انتشار التدخين في القرن العشرين إلى تحوّل سرطان الرئة من ظاهرة نادرة إلى وبأ. كيف يمكن تجنّب الإصابة بهذا المرض، وما هو احتمال تشخيصه في مراحله المُبكّرة، وما الذي يمكن فعله في حالة الإصابة به؟

حاز مرض سرطان الرئة على الشهادة غير المحمودة "السرطان الأكثر فتكًا في العالم". فقد لقي حوالي مليونا ّشخص حتفَهم في جميع أنحاء العالم سنة 2020م بسبب أورام سرطانيّة في خلايا الرئات، فيما يُعتبر سرطان الرئة مسبّب الموت الرائد من بين أنواع السرطان المختلفة لدى الرجال والنساء في البلاد أيضًا. 

وسرطان الرئة هو اسمٌ عام للعديد من أنواع السرطان التي تتكوّن في الرئتين. تختلف طرق تشخيص وعلاج الأنواع المختلفة بسبب اختلاف تطوّرها وسلوكها. تُصنّف أمراض سرطان الرئة بشكل تقليديّ إلى نوعين رئيسين: سرطان الخلايا الصغيرة الرئويّ (أو سرطان خلايا الشوفان) وسرطان الرئة غير صغير الخلايا. تعود هذه التسمية إلى شكل الخلايا الخبيثة كما تُشاهَد تحت المجهر، ويختلف سلوك النوعين وتجاوبهما مع طرق العلاج.

 80-85% من حالات السرطان هي من النوع الثاني، سرطان الرئة غير صغير الخلايا. هناك عدّة أنواع فرعيّة من هذا الصنف من السرطان، تختلف فيما بينها بنوع الخلايا الرئويّة التي يتطوّر منها السرطان، إلّا أنّها تتشابه في طريقة تطوّرها وطرق علاجها. يعاني 10-15% من مرضى السرطان من سرطان الخلايا الصغيرة الرئويّ. تتكاثر الخلايا الخبيثة في هذا النوع من السرطان عادةً بسرعة، وتنتشر في الجسم بسهولة بحيث أنّه عند تشخيص المرض تكون قد تكوّنت نقائل سرطانيّة في أعضاء أخرى في الجسم، في حوالي 70% من الحالات. هناك أنواع أخرى نادرة من السرطان الرئويّ لا تنتمي إلى النوعين الرئيسين المذكورين.

סרטן ריאות דו-צדדי בצילום רנטגן | Yok_onepiece, Shutterstock
هكذا يبدو السرطان الأكثر فتكًا في العالم، ومسبّب الموت الرائد في البلاد. سرطان رئة ثنائيّ كما يظهر في تصوير الرونتجن| Yok_onepiece, Shutterstock
 

العوامل والمسببات

هناك عوامل كثيرة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة. من أبرزها العوامل البيئيّة مثل تلوّث الهواء، أو التعرّض لمواد سامّة مثل غاز الرادون والاسبست وغبار السيليكا (ثنائي أكسيد السيليكون) والكروم، والمبيدات التي تحتوي على الأرسين والانبعاثات من محرّكات الديزل. يزيد العلاج بالأشعّة في منطقة الصدر، والذي يُجرى بسبب مرض سرطان آخر، من خطر تكوّن سرطان الرئة. النزعة الوراثيّة لحدوث طفرات في الـ DNA والتي تزيد من احتمال تطوّر الأورام السرطانيّة الخبيثة هو عامل آخر للإصابة بسرطان الرئة، ويتصدّر تدخين التبغ أو التعرّض غير الفعّال لِدخان منتجات التبغ (التدخين غير الفعّال) عوامل خطر تطوّر سرطان الرئة.

تؤدّي كلّ هذه العوامل إلى تطوّر سرطان الرئة بنفس الآلية. يمكن أن يؤدّي استنشاق هذه المواد إلى حدوث تغيرات (طفرات) في DNA خلايا الرئتين تؤثّر على نشاطها. قد يُشوّش تراكم مثل هذه الطفرات في مناطق هامّة من الـ DNA آليات الضبط والتحكّم في الخلية ويؤدّي ذلك، في نهاية الأمر، إلى انقسامها بوتيرة عالية مرارًا وتكرارًا. هكذا يتكوّن الورم الخبيث، كما يؤدّي التعرّض لهذه المواد إلى تكوّن التهاب موضعيّ في منطقة الرئتين، يثير بدوره الظروف المؤاتية لتطوّر السرطان. 

احتاجت العلوم الطبّيّة إلى مدّة طويلة لفهم العلاقة بين تدخين التبغ وسرطان الرئة. لم تكن عادة التدخين شائعة في بداية القرن العشرين، واعتُبر سرطان الرئة في ذلك الوقت مرضًا نادرًا جدًّا، لدرجة أنّ كل حالة يتم تشخيصها أثارت اهتمامًا كبيرًا. تغيّر الوضع في الحرب العالميّة الأولى عندما وزعت الجيوش المحاربة السجائر على الجنود في ساحات القتال، للتخفيف من الضغوط النفسيّة لديهم. تطوّر لدى الجنود تعلّق جسمانيّ بالسجائر، وداوموا على التدخين بعد انتهاء الحرب أيضًا، لأنّ النيكوتين الموجود في التبغ مادّة تسبّب الإدمان. سرعان ما تحوّل التدخين إلى عادة شعبيّة، بل إلى رمز للشباب والنجاح. 

أخذت حالات سرطان الرئة بالازدياد بشكل تدريجيّ بالتزامن مع تزايد أعداد المدخّنين. شكّل سرطان الرئة سنة 1900م واحدًا بالمئة فقط من مجمل الأمراض السرطانيّة. ارتفعت نسبة انتشاره خلال أربع وخمسين عامًا فقط إلى حوالي عشرين بالمئة من إجمالي حالات السرطان، واستمرّ الازدياد بعد ذلك أيضًا. لم تتّضح العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة على الرغم من الارتفاع الكبير في انتشار المرض، الذي حصل بالتزامن مع ازدياد شعبيّة تدخين السجائر. 

حفّز ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الرئة الباحثين على التفتيش عن عوامل بيئية، من شأنها تشجيع تطوّر سرطان الرئة. نُشرت الدراسة الأولى في هذا المجال في سنة 1939م، حيث تمّت فيها المقارنة بين 96 مصابًا بسرطان الرئة رقدوا في مستشفى كولن في ألمانيا ومجموعة من الأشخاص الأصحّاء. كشفت نتيجة هذه المقارنة عن أنّ نسبة المدخّنين من بين المرضى كانت أعلى منها عند الأصحّاء في المجموعة الضابطة. صادقت الدراسات الأخرى التي أجريت لاحقًا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا على هذه النتيجة ودعمتها.

أجرى كلّ من ريتشارد دول (Doll) وبرادفورد هيل (Hill) خلال الدراسة التي قاموا بها في العام 1950 مقابلات مع أكثر من 700 مريض بسرطان الرئة، يرقدون في مستشفيات مدينة لندن، بهدف البحث عن العامل الذي يميّز هؤلاء المصابين بسرطان الرئة عن المرضى الراقدين في المستشفى لأسباب أخرى. كان الفرق الوحيد بين مرضى سرطان الرئة والمرضى الآخرين، هو أنّ مرضى سرطان الرئة هم مُدخّنون أكثر من المرضى الآخرين وكثير منهم، أي مرضى سرطان الرئة، هم مُدَخّنون شرهون.

قرر طالب الطبّ الجامعيّ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة أرنست وايندر(Wynder)، في نفس الفترة التحقّق فيما إذا كانت هناك علاقة بين التدخين وسرطان الرئة. أجرى وايندر لهذا الغرض مقابلاتٍ مع 600 من مرضى سرطان الرئة، تناول فيها عادات التدخين لديهم. شكّكَ الطبيب المشرف على الدّراسة، ايفرست غراهام (Graham)، والذي كان هو بنفسه مدخّنًا شرهًا، في البداية بإمكانية إيجاد مثل هذه العلاقة، إلّا أنّ النتائج كانت قاطعة لا لبس فيها: الغالبيّة العظمى من هؤلاء المرضى مدخّنون شرهون. توقف غراهام عن التدخين فور الحصول على النتائج، إلّا أنّ ذلك كان متأخرًا إذ مرض غراهام بسرطان الرئة بعد بضع سنين، وتوفّي بسبب المرض.

צילום ריאות ברנטגן מכוסה סיגריות | איור: Protasov AN, Shutterstock
تدخين منتجات التبغ أو التعرّض غير الفعّال لِدخان منتجات التبغ هو المسبّب الرئيسيّ للمرض. صورة رونتجن للرئات مغطاة بالسجائر | الصورة التوضيحيّة: Protasov AN, Shutterstock
 

الأعراض والاكتشاف المبكّر

كثيرة هي الأعراض التي من شأنها أن تشير إلى وجود سرطان الرئة. يعاني بعض المرضى في البداية من أعراض مرتبطة بجهاز التنفّس، مثل السعال المزعج الذي لا يزول، وضيق النّفس، والتنفّس المصحوب بالصفير والصرير، أو السعال المصحوب بإفراز البلغم الدمويّ. قد يعاني المرضى من أعراض كثيرة أخرى في حال تطوّرت نقائل أو انبثاثات سرطانيّة في أعضاء أخرى في أجسامهم، وتتعلّق هذه الأعراض بهويّة العضو المصاب. الأعراض في الحالات الأخرى هي أعراضٌ عامّة مثل شعور عام سيّء، وإرهاق وتعب لا يزولان، وقلة الشهيّة وفقدان الوزن. من المهمّ استشارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة، لتشخيص كامل ودقيق للعامل الذي يؤدّي إلى هذه الأعراض، لأنّ بعضها قد يظهر في أمراض أخرى. 

يبدأ ظهور الأعراض لدى الغالبيّة العظمى من مرضى سرطان الرئة، بعد أن يكون السرطان قد تفشّى في الجسم، وتشكّل هذه الحقيقة مشكلة كبيرة. هذا هو أحد الأسباب المركزية لِنسبة الوفاة العالية من سرطان الرئة، إذ تزداد صعوبة علاج المرض والتعافي منه في مراحله المتقدمة والانبثاثية. الاكتشاف المبكّر للمرض هو عامل حاسم في زيادة الأمل بالتعافي منه. 

إحدى طرق تقليص نسبة الوفاة من سرطان الرئة هي إجراء فحوصات الفرز، الهادفة للتشخيص المبكر للمرض عند الأشخاص الأكثر عرضةً للاصابة بسرطان الرئة، خاصةً لدى المدخّنين الشرهين أو المدخّنين سابقًا. يوصى في الولايات المتحدة الأمريكيّة في الوقت الحالي بإجراء فحص الفرز لِلتشخيص المبكّر لسرطان الرئة، وذلك بواسطة التصوير المقطعيّ المحوسب (CT) منخفض الشدّة، الذي يعتمد على تصوير الرونتجن من زوايا كثيرة. 

لم يتمّ إدراج فحوصات الفرز في البلاد ضمن الحزمة أو السلّة الصحّيّة بعد، على الرغم من كونها مُرَشَّحة لذلك منذ عدّة سنوات. تكتنف هذا الفحص مشكلتان رئيسيّتان، على الرغم من كونه أكثر نجاعة من تصوير الرونتجن العاديّ في تشخيص المرض. المشكلة الأولى هي أنّه يكشف عن أقلّ من ربع (حوالي 24  بالمئة) الحالات المرضيّة الحقيقيّة، أمّا المشكلة الثانية فهي وجود نسبة عالية من التشخيصات الإيجابيّة الكاذبة، أي تشخيص أعراض سرطانيّة عند أشخاص أصحّاء. قد تؤدّي مثل هذه التشخيصات الكاذبة إلى إجراء الفحوصات الاقتحاميّة الغازيّة، وإلى المزيد من التوتّر النفسيّ. 

مطاردة الأعراض

إذًا، هُناك حاجة لتطوير فحوصات فرز يمكنها، من جانب واحد، تشخيص الغالبيّة العظمى من الأورام السرطانيّة، وعدم تفويت الكشف عن أي ورم، ويسمّى هذا المقياس بالـ "حساسيّة"، ومن الجانب الآخر عدم تشخيص الأورام المتكتّلة السليمة غير الضارّة، عن طريق الخطأ، بأنّها أورام خبيثة، ويسمّى هذا المقياس بالـ "انتقائيّة". يبحث الأطباء والباحثون عن حلول لهذه المشكلة، لأنّ فحوصات الفرز المتوفّرة حاليًّا لا تفي بالمطلبين المذكورين. أحد الحلول المقترحة هو الكشف عن المؤشّرات البيولوجيّة (Biomarkers) التي تدلُّ على وجود سرطان الرئة: هي بمثابة مؤشّرات موضوعيّة تشير إلى العمليّات البيولوجيّة السليمة، أو إلى العمليّات السرطانيّة التي تستدعي التدخّل العلاجيّ. يمكن أن تشير هذه المؤشّرات أيضًا إلى نجاعة التدخّل العلاجيّ، الذي يُجرى للمرضى الذين تمّ تشخيص السرطان عندهم. 

يمكن أن يُزوّد الكشف عن مثل هذه المؤشّرات في الدم فرزًا عامًّا للحالة الجسمانيّة للشخص المعالج، ويشير إلى وضع الورم الخبيث في الرئتين أو وضع النقائل وردّ فعل الجهاز المناعيّ. المضادّات الذاتيّة، إذا تواجدت في الدم، هي أحد الأمثلة المحتملة لمثل هذه المؤشّرات: وهي عبارة عن بروتينات جهاز المناعة، التي تقوم بالتعرّض لِلبروتينات السرطانيّة في خلايا الورم في الرئتين. يمكن الكشف عن مثل هذه المضادّات، التي قد تظهر قبل أن يعاني المريض من أيٍّ من الأعراض بمدّة طويلة، بواسطة فحص دم بسيط. تتواجد مثل هذه المضادّات الذاتيّة في جميع أنواع سرطان الرئة، ولكن غالبًا ما تكون كمّيّتها قليلة. تبيّن من دراسة فُحِص فيها وجود هذه المضادّات في دم مرضى السرطان، أنّ الفحوصات الهادفة للكشف عنها تميّزت بانتقائيّة عالية تقارب التسعين  بالمئة، إلّا أنّ حساسيّتها كانت محدودة، حيث تمكّنت من الكشف عن حوالي أربعين  بالمئة فقط من مرضى السرطان. 

تُبذل جهود في سبيل الكشف عن أعراض أخرى من شأنها أن تعكس الوضع الصحيّ للشخص المعالج، لأنّ المعلومات التي يتمّ الحصول عليها من الكشف عن المؤشّرات في الدم قد تكون عامّةً، ولا تقتصر على الحالة الخاصّة. إحدى الطرق للقيام بذلك هي بواسطة النسيج المتكاثف للخلايا الظهاريّة (أو الطلائيّة) التي تكسو أعضاء الجسم الداخليّة. يتيح أخذ عيّنة من الخلايا الطلائيّة من المسالك الهوائيّة في الرئات البحث عن الطفرات السرطانيّة. تتمثّل سلبيّة هذه الطريقة بوجوب تنظير القصبات أو الشعب الهوائيّة - وهو فحص اقتحاميّ غازيّ تؤخذ فيه عيّنة من مسالك التنفس -، وهو يتيح اختبار ما يحصل داخل خلايا الرئتين بشكل دقيق. 

بيّنت الدراسة التي فُحصت فيها ملاءَمة 23 مورثة (جينات) منتقاة في الخلايا الطّلائيّة، لتكون مؤشّرات بيولوجيّة لسرطان الرئة أنّ حساسية هذه الطريقة عالية (89  بالمئة) وانتقائيّتها منخفضة (48  بالمئة). يمكن أن يكون هذا المؤشّر البيولوجيّ مفيدًا للأشخاص المعرّضين بدرجة متوسّطة لخطر تطوّر سرطان الرئة لديهم، أو وسيلة تشخيص إضافيّة إذا لم تكن نتائج فحص تنظير القصبات أو الشعب الهوائيّة قاطعةً. قلّلَ إدراج هذا المؤشّر إلى جانب فحص تنظير القصبات العاديّ من عدد الأشخاص، من كلتا المجموعتين، الذين توجّهوا لإجراء فحوصات اقتحاميّة إضافيّة. تجري المحاولات للكشف عن مؤشّرات لسرطان الرئة في عيّنات أخرى، مثل البلغم، أو سائل يُدخَل إلى الشعيبات الهوائية ثم يُخرَجُ منها، أو عيّنات من الزفير. لكلّ هذه العيّنات القدرة على تزويد المعلومات عن التغيّرات الجزيئيّة في محيط خلايا الورم داخل الرئة. 

ما زال اختبار نجاعة الكثير من المؤشّرات البيولوجيّة جاريًا حتّى اليوم، ولم يتوفر بعد ذلك المؤشّر البيولوجيّ الوحيد الذي من شأنه أنْ يتيح للأطباء تشخيص المرض، على الرغم من الإمكانيّات الهائلة التي تكمن في قدرة المؤشّرات البيولوجيّة، على الكشف المبكّر عن سرطان الرئة. يبدو أنّ الدمج بين العديد من المؤشّرات، إلى جانب طرق التشخيص الأخرى، سيثمر عن أفضل النتائج ويزيد من آمال الكشف المبكّر عن المرض عند الأشخاص المعالجين المعرّضين بدرجة عالية للإصابة بسرطان الرئة. 
 

طرق العلاج

يُلاءَم علاج سرطان الرئة لِنوع السرطان ومدى تفشّيه في الجسم. غالبًا ما يُعالَج المرضى الذين شُخّص لديهم سرطان الرئة غير صغير الخلايا بعمليّة جراحيّة لإزالة الورم، أو العلاج الكيماويّ، أو الأشعة، أو العلاج البيولوجيّ، أو الدمج بين هذه الطرق من العلاج. 

يُعالّج المرضى الذين شُخّص لديهم سرطان الخلايا الصغيرة الرئويّ عادةً بالأشعة والعلاج الكيميائيّ، لأنّ هذه الأنواع من الأورام تميل إلى التفشّي في أنحاء الجسم بسرعة فائقة، وهي أكثر استجابةً للعلاج الكيميائيّ من الأورام الأخرى. يهدف العلاج الكيميائيّ والعلاج بالأشعة إلى القضاء على جميع الخلايا السرطانيّة في الجسم، كي لا يبقى هناك مجال لاندلاع السرطان من جديد. 

هناك حاجة كبيرة لتطوير العلاجات موجّهة الهدف التي تقضي على الخلايا السرطانيّة فقط، لأنّ العلاجات الكيميائيّة والعلاج بالأشّعة المتوفّرة حاليًّا تصيب، إلى جانب إصابتها للخلايا السرطانيّة، الأنسجة السليمة في الجسم وتلحق الضرر بها، وهي مصحوبة لذلك بأعراض جانبيّة كثيرة. يدرس العلماء والأطبّاء، لهذا السبب، الطفرات التي تساهم في نموّ هذه الخلايا السرطانيّة وترعرعها، وذلك لتطوير "علاجات بيولوجيّة" تعتمد على أدوية تصيب الخلايا التي تتجلّى وتنعكس فيها هذه الطفرات فقط. هناك العديد من الأنواع من هذه العلاجات التي تختلف في طرق عملها. 

تُوجَّه الكثير من الأدوية البيولوجية لتحجب المستقبلات الموجودة على سطح الخلايا الخبيثة، أو لتوقف نشاط البروتينات الموجودة داخل الخلية. غالبًا ما تكون هذه هي بروتينات حصلت فيها طفرة، فخرج عملها عن السيطرة وهي تتيح نموّ الخلايا السرطانيّة. من المتوقّع أنْ يُشوّش تعطيل عمل هذه البروتينات نشاط الخلايا السرطانيّة. يمكن ملاءَمة العلاج أو الدواء للمريض، بحيث يناسب خصائص ورمِه السرطانيّ عن طريق أخذ عيّنة من الخلايا السرطانيّة في الرئتين، أو من النقائل من أماكن أخرى في الجسم وفحص الطفرات الخاصّة الحاصلة فيها. 

عقاقير العلاج المناعيّ هي قناة أخرى لعلاج سرطان الرئة، وتساعد جهاز المناعة لدى المريض في التعرّف على الخلايا السرطانيّة والقضاء عليها. يوجد على السطح الخارجي للكثير من الخلايا السرطانيّة بروتين خاصّ، يعطي إشارةً لخلايا جهاز المناعة بتجاهل الخلايا السرطانّة. اكتشف الباحثون أنّ منع ارتباط هذا البروتين ببروتين آخر موازٍ له على خلايا جهاز المناعة، يؤدّي إلى انحراف الستار الذي يغطّي الخلايا السرطانيّة، ويتيح لجهاز المناعة مهاجمتها بقوّةٍ والقضاء عليها. 

توجد اليوم بعض العقاقير التي تعيق ارتباط هذين البروتينين. يتمّ فحص مدى تواجد البروتين المشكوك في أمره على سطح الخلايا السرطانية، التي أخذت من خزعة الرئتين وذلك لفحص نجاعة هذا النوع من العلاج. حاز قسم من هذه العقاقير على المصادقة لاستخدامها ضدّ سرطان الرئة غير صغير الخلايا في مراحله المتقدّمة. ويحاول الباحثون تقدير مساهمة الدمج بين أدوية العلاج المناعيّ والعلاج الكيميائيّ في تقليل الورم السرطانيّ، وإطالة حياة الأشخاص غير القادرين على الخضوع لعمليّة جراحيّة.

מולקולת Pembrolizumab המוכרת בשם המסחרי Keytruda | הדמיה: StudioMolekuul, Shutterstock
يحسّن العلاج المناعي قدرة خلايا جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها. جزيئ Pembrolizumab المعروف بالاسم التجاري Keytruda | المحاكاة: StudioMolekuul, Shutterstock

 

الدواء الأفضل

ما زال الإقلاع عن التدخين أو عدم التعرّض لدخّان السجائر هو الطريقة الأنجع في محاربة سرطان الرئة. التدخين هو المسؤول، حتّى يومنا هذا، عن الغالبيّة العظمى من حالات الوفاة من سرطان الرئة، على الرغم من مرور عشرات السنين على اكتشاف العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة. 

فحص باحثون روس وفرنسيّون هل يؤثر التوقّف عن التدخين على تقدّم المرض بعد تشخيصه. قام الباحثون خلال الدراسة التي أجريت في مستشفى الأورام في مدينة موسكو، بتعقّب حالة 517 مريضًا عانوا من سرطان الرئة غير صغير الخلايا في مراحله المبكّرة، وكانوا مُدخّنين قبل تشخيص المرض، واستمرّ التعقّب سبع سنين بالمعدّل. تبيّن من نتائج هذه الدراسة أنّ المرضى الذين توقّفوا عن التدخين عاشوا بالمعدل 21.6 أشهر، أكثر من المرضى الذين واصلوا التدخين - 6.6 سنين مقابل 4.8 سنين. بقي 61 بالمئة من المرضى الذين توقّفوا عن التدخين على قيد الحياة، بعد مرور خمس سنوات على تشخيص المرض مقابل 48.6 بالمئة من المرضى الذين واصلوا التدخين. توقّف تقدم المرض لدى 54  بالمئة من الذين أقلعوا عن التدخين، مقابل 44 بالمئة من الذين واصلوا التدخين. يتّضح من هذه الدراسة أنّ الإقلاع عن التدخين مفيدٌ حتّى لمن تطوّر سرطان الرئة في أجسامهم، وزاد كثيرًا من فرص بقائهم على قيد الحياة، ذلك عدا عن كونه ناجعًا في منع الإصابة بسرطان الرئة. لذلك، لن يفوت الأوان أبدًا على الإقلاع عن التدخين. 

حاول باحثون من الولايات المتحدة الأمريكيّة في دراسة أخرى تقدير مدى تأثير تقليص تدخين السجائر على نسبة الموت من سرطان الرئة حتّى سنة 2065م. طوّر الباحثون نماذج حسابيّة تعتمد على معطيات من الماضي: نسبة انتشار التدخين خلال السنوات 1964 - 2015م ونسبة حالات الوفاة من السرطان في السنوات 1969 - 2010. قدّر الباحثون أنّ عدد المتوفين من سرطان الرئة في العام الواحد سيتقلص بمقدار 63 بالمئة خلال هذه الفترة، من 135 ألفًا سنة 2015م إلى 50 ألفًا بعد خمسين سنة، ذلك في حال استمرّ الانخفاض الحاليّ في ظاهرة التدخين. يفترض هذا الموديل المحوسب أنه لن تحدث تغييرات كبيرة في الفعاليات الرامية إلى تقليص ظاهرة التدخين، كما أنّه يأخذ بالحسبان تأثير احتمالات تطوير فحوصات فرز أكثر حساسية وانتقائية. ذلك يعني أنّ إمكانية تقليل حالات الوفاة من مرض سرطان الرئة هي أكبر من ذلك. 

نحن لا نعلم، على الرغم من هذه التقديرات، ما الذي يخبّئه المستقبل في مجال سرطان الرئة. من الممكن أن يتنحّى سرطان الرئة عن كونه السرطان الأكثر فتكًا على الكرة الأرضيّة، وذلك بفضل تقدّم الأبحاث والدّراسات وتطوير فحوصات فرز أفضل وعلاجات أكثر فعالية ونجاعة، جنبًا إلى جنب مع تكثيف حملات تثقيف الناس بالامتناع عن العوامل التي تساعد على تطوّر السرطان. 

 

0 تعليقات