قدرة الجهاز البصريّ على استيعاب مشاهد العالم هي أمر مذهل للغاية. إلى أيّ حدّ يرينا هذا الجهاز الواقع؟ وإلى أيّ مدى يفسّره؟

جميعنا نحبّ الخدع البصريّة الجيّدة: لا شيء أمتع من رؤية شيء صغير ثمّ اكتشاف أنّه في الحقيقة كبير، أو رؤية الأشياء بنسب غير طبيعيّة، أو الخلط بين الألوان، أو اكتشاف حركة غير حقيقيّة. ليس ذاك أمرًا مسلّيًا فحسب، بل ويمكنه أيضًا أن يعلّمنا عن نشاط دماغنا وعن جهازنا البصريّ.

لفهم متى وكيف تتشوّش لدينا طريقة ترجمتنا للمعلومات المرئيّة، يجب علينا أوّلًا معرفة ماذا يحدث بالضّبط في أعيننا ودماغنا عندما نرى بشكل طبيعيّ. السؤال بطريقة أكثر بساطة: كيف نرى؟

تبدأ عمليّة الرّؤية عندما يصل الضّوء المنعكس من الأشياء المحيطة بنا إلى أعيننا، ويتمّ امتصاصه بواسطة الخلايا الحسّاسة للضّوء في شبكيّة العين، الّتي تعمل كمستقبِلات للضّوء (مستقبِلات ضوئيّة). هذه المستقبلات هي جزء من الجهاز العصبيّ، وكما هو الحال مع الخلايا العصبيّة الأخرى، فإنّها تنقل الإشارات الكهربائيّة إلى خلايا عصبيّة أخرى تتواجد أيضًا في الشّبكيّة. ومن هناك يتمّ إرسال الإشارات إلى منطقة في الدّماغ تسمّى "القشرة البصريّة"، حيث تخضع المعلومات القادمة من شبكيّة العين لمعالجة أوّليّة. وممّا يثير الدّهشة أنّ المنطقة تقع في الجزء الخلفيّ من الدّماغ، بعيدًا عن العينين تحديدًا، وقريبة من الجزء الخلفيّ من الرّقبة. من هناك يتمّ إرسال المعلومات إلى مناطق أخرى في الدّماغ، لإجراء معالجة أعمق وأكثر تعقيدًا، تسمح لنا بفهم ما رأيناه بالضّبط.

يتمّ إرسال الإشارات الكهربائيّة من الخلايا بتردّدٍ معيّن، حيث يقوم الدّماغ بواسطتها بتفسير المعلومات البصريّة الّتي تصل إليه من العالم الخارجيّ. إنّ معدّل إرسال الإشارات هو الوسيلة الّتي تنقل بها الخلايا العصبيّة المعلومات إلى بعضها البعض، وهكذا بالضّبط تُشفّر في دماغنا المُدخلات البصريّة مثل الشّكل أو اللّون.

مخالفًا لكلّ التّوقّعات: خدعة بونزو البصريّة

اِعتمدت بعض الخدع البصريّة على معالجة المعلومات في المناطق "العليا" من الدّماغ، والّتي يصل إليها المُدخل البصريّ من المناطق البصريّة الأساسيّة. في هذه المناطق يتمّ فكّ شيفرات المعلومات البصريّة وتفسيرها بناءً على النّماذج والتّنبّؤات الّتي يخلقها الدّماغ، مثل "أتوقّع أن أرى شيئًا معيّنًا بالقرب من شيء معيّن".

مثال على ذلك هو خداع بونزو، الّذي وصفه عالم النّفس ماريو بونزو (Ponzo) عام 1911، والّذي تكون فيه أجسام متطابقة بالقرب من بعضها، ولكنّها تظهر لنا بأحجام مختلفة عن بعضها البعض. لو أخذنا مسطرة وقمنا بالقياس، سنجد أنّ الأشكال الثّلاثة متساوية في حجمها، لكنّ الخطّين المرسومين على منظور يوحيان للدّماغ بأنّ كلّ شكل من الأشكال الثّلاثة يقع على مسافة مختلفة عنّا. تمامًا كما نستخدم أدلّة من حولنا لكي نفهم أنّ طائرةً بحجم نملة تحلّق في أعالي السّماء، هي في الحقيقة طائرة كبيرة يبلغ طولها عشرات الأمتار، كذلك تفترض أذهاننا أنّه إذا كان الشّكل البعيد عنّا يبدو بنفس الحجم كما الشّكل القريب منّا، فيعني ذلك أنّه لا بد أنّه شكل أكبر منه بكثير. بمجرّد أن نمحو خطوط المنظور الّتي توحي لنا بالمسافة بين الأشكال، والّتي تجعلنا نعتقد أنّ هناك اختلافًا في أحجامها، حينها لا نرى أنّ هذه الأشكال مختلفة الحجم.


جميع الأجسام هي ذاتها، ولكنّ إشارات المنظور تقنعنا بأنّ "الأبعد" يكون أكبر. | المصدر: Darq, Shutterstock

ماذا تقول المستقبِلات؟

في حين أن خداع بونزو يعتمد على رموز في الصّور وعلى معرفة حياتيّة سابقة، فإنّ الخدع البصريّة الأخرى تنشأ من خصائص في الخلايا العصبيّة في جهازنا البصريّ. اُنظروا إلى صورة النّجمة الحمراء أدناه مدّة 30 ثانية دون إزاحة نظركم عنها. ركّزوا نظركم على مركز النّجمة، بعد ذلك اُنظروا إلى جدار أبيض.

هل رأيتم شبح نجمة خضراء على الجدار الأبيض؟ هناك نوعان من مستقبلات الضّوء في شبكيّة العين. الأول يُسمّى خلايا عصويّة، وهي عبارة عن مستقبلات حسّاسة للضّوء، حتّى عند درجة منخفضة منه، وهي تسمح لنا بالرّؤية حتّى في ظروف إضاءة سيّئة - في اللّيل على سبيل المثال. النّوع الثّاني هو خلايا مخروطيّة، وهي حسّاسة للضّوء عند أطوال موجيّة معيّنة، وبعد تلك الأطوال المعيّنة، يتعرّف إليها الدّماغ على أنّها ألوان أخرى.

عندما نركّز نظرنا على النّجمة الحمراء، يتمّ تنشيط الخلايا المخروطيّة الحسّاسة لطول الموجة الحمراء، فترسل إشارات كهربائيّة إلى المناطق البصريّة في الفصّ القذاليّ من الدّماغ (الجزء الخلفيّ من الدّماغ). وبما أنّ نظرنا يظلّ مركّزًا على نفس المكان لفترة طويلة، فإنّ الخلايا تعمل بشكل متواصل. في مرحلة ما، لن تتمكّن الخلايا من زيادة معدّل إرسال الإشارات، لأنّها تكون قد وصلت حينها إلى سرعتها القصوى. عندما نحوّل نظرنا إلى الجدار الأبيض بعد ذلك، ستكون الخلايا المخروطيّة الحسّاسة للّون الأحمر قد أصبحت "متعبة"، لكنّ مستقبلات الألوان الأخرى ستستمرّ في العمل بشكل طبيعيّ. بدلًا من اللّون الأحمر، سيكون شبح صورة النّجمة على الحائط أخضر اللّون. عندما تعود الخلايا المخروطيّة إلى عملها الطّبيعيّ، يختفي شبح صورة النّجمة.

لماذا اللّون الأخضر بالذّات؟ في عام 1892 ابتكر عالم وظائف الأعضاء الألمانيّ إيفال هيرينغ (Hering) نظريّة العمليّات المتناقضة، الّتي تنصّ على أنّ إدراكنا للألوان يعمل على ثلاثة محاور من الألوان المتضادّة، والّتي لا تمتزج مع بعضها البعض: أحمر- أخضر، أزرق - أصفر، أسود - أبيض. وبما أنّ اللّون الأحمر والأخضر لونان متضادّان، فلا يمكننا أن نتخيّل لونًا أحمر مخضرًّا، بينما بإمكاننا بسهولة الحصول على مجموعات ألوان أخرى، مثل اللّون الأزرق المخضرّ. بحسب هذه النّظريّة، عندما يتمّ تفعيل المستقبلات الحمراء، فإنّه يتمّ إرجاء تفعيل المستقبلات الّتي تستطيع التّعرّف إلى اللّون الأخضر. عندما نحوّل نظرنا من النّجمة الحمراء إلى الجدار الأبيض، تعود المستقبلات الخضراء للعمل مرّة أخرى بقوّة أكبر، بينما مستقبلات اللّون الأحمر الّتي أصبحت منهكة تتباطأ.


المستقبلات المشاركة تتعب. نظريّة العمليّات المتعارضة | رسم توضيحي بمساعدة شيرا هولاند 

 

السّياق أيضًا يؤثّر على إدراك اللّون

يتأثّر إدراكنا للّون أيضًا بعمليّات معالَجة متطوّرة جدًّا في الدّماغ، والّتي تأخذ في الاعتبار السّياق الّذي يظهر فيه اللّون وليس خصائصه الفيزيائيّة فقط كالطّول الموجيّ الّذي تتلقّاه شبكيّة العين. على سبيل المثال، اُنظروا إلى المكعّبين الملوّنين الموجودين في الصّورة - أحدهما على خلفيّة زرقاء والثّاني على خلفيّة صفراء. لو ركّزنا بشكل منفصل على المربّعات الّتي تبدو صفراء بالنّسبة لنا، في المكعّب على جهة اليمين، وبالمربّعات الزّرقاء في المكعّب على جهة اليسار، نرى وبشكل مفاجئ أنّ كلّ هذه المربّعات، من ناحية فيزيائيّة، هي في الواقع نفس درجات اللّون الرّماديّ. يقوم دماغنا بتفسير اللّون على أنّه أزرق أو أصفر، تحت تأثير المربّعات الملوّنة الأخرى في بيئته.


تحت الإضاءة الصّفراء (يسار) تبدو المربّعات الرّماديّة زرقاء، وتحت الإضاءة الزّرقاء تبدو صفراء. ألوان المربّعات الموجودة أسفل GT هي الألوان الفعليّة للثّلاثيّات المميّزة | المصدر: Cohen-Duwek et al
 

وبالمثل، في الخدعة البصريّة التّالية، عندما يتحرّك المربّع الموجود بالأسفل إلى اليمين، يبدو لنا أنّه يغيّر لونه من الرّماديّ إلى الورديّ، على الرّغم من أنّ لونه في الواقع يظلّ رماديًّا طوال الوقت. الشّيء الوحيد الّذي يتغيّر هو لون الخلفيّة. تسمّى هذه الظّاهرة "الحثّ اللونيّ" (Chromatic induction)، وهي تسبّب في ظهور طول موجيّ معيّن بلون مختلف، بسبب تأثير الألوان المجاورة له. لا تتغيّر الخصائص الفيزيائيّة للّون، أي الأطوال الموجيّة الّتي يعكسها أو يمتصّها، إنّما تجربتنا الذّاتيّة هي الّتي تختلف.


يبدو أنّ المربّع يغيّر لونه من الرّماديّ إلى الورديّ. الحثّ اللّونيّ | من تويتر

حركة بلا حركة

هناك خدعة بصريّة أخرى تتعلّق بالخلايا الموجودة في جهازنا البصريّ الحسّاسة للحركة في اتّجاه معيّن. عندما تستقبل مثل هذه الخليّة مُدخلًا حركيًّا حسّاسة لهُ، مثلًا حركة من اليمين إلى اليسار، فإنّها تزيد من معدّل إرسال إشاراته. الحركة في اتّجاه آخر، مثلًا من الأعلى إلى الأسفل، لن تؤثّر عليها إطلاقًا، بل فقط على الخلايا الّتي تكون حسّاسة للحركة العموديّة.

ركّزوا حوالي عشرين ثانية على اللّولب الّذي يتحرّك بحركة دائريّة، ثمّ انقلوا نظركم نحو الحائط أو نحو أيّ شيء آخر. سيحدث شيء مشابه لما رأيناه مع النّجمة الحمراء، ولكن هذه المرّة مع الخلايا العصبيّة الحسّاسة للحركة. بعض من هذه الخلايا سوف تتعب، لأنّها كانت ترسل إشارات بأقصى معدّل، طوال فترة طويلة. عندما تتوقّف هذه الخلايا عن إرسال الإشارات، يفسّر الدّماغ هذا التّوقّف على أنّه حركة في الاتّجاه المعاكس، ولذلك تبدو لنا الصّورة في الفيديو كأنّها تتحرّك وتتشوّه، على غرار اللّون العكسيّ الّذي حصلنا عليه بعد التّركيز في النّجمة الحمراء.

الخلايا العصبيّة الحسّاسة للحركة تتعب. لولب في حركة دائريّة:

إيّاك أن ترمش!

المستقبلات الضّوئيّة ليست موزّعة بشكل موحّد على سطح شبكيّة العين. في الواقع، معظمها مركَّزة في منطقة صغيرة من شبكيّة العين تسمّى النّقرة، أو النّقرة المركزيّة. من أجل استيعاب معلومات غنيّة من البيئة بأقصى قدر من حدّة البصر، نقوم بمسح مجال الرّؤية بالنّقرة باستمرار، بحركات العين السّريعة والقافزة الّتي تحدث عدّة مرّات في الثّانية. هذه الحركات، الّتي تحدث أيضًا عندما نركّز نظرنا على جسم ما، تسمح لمستقبلات الضّوء بالتّعرّض لمُدخلات جديدة، وتمنع تلاشي نشاط الخلايا بسبب مُدخل لا يتغيّر. عندما تتركّز النّقرة على جسم ما، تتمّ رؤيته بشكل حادّ وغنيّ وواضح، بينما يكون مجال الرّؤية المتبقّي أكثر ضبابيّة. عادة ما نركّز النّقرة على ما يجذب انتباهنا.

إذا ركّزنا نظرنا على النّقطة الحمراء في الرّسم التّالي، دون تحريك أعيننا، سنرى أنّ الدّائرة المحيطة به قد اختفت. تسمّى هذه الظّاهرة بالتّلاشي الإدراكيّ (Perceptual fading)، وهو نوع من اضمحلال في نشاط الخلايا العصبيّة حين لا يتمّ تحديث المدخلات مرارًا وتكرارًا. الرّمش أو إزاحة النّظر سيؤدّيان إلى ظهور الأشياء الّتي "اختفت" من مجال رؤيتنا مرّة أخرى.


اِضمحلال في نشاط الخلايا العصبيّة حين لا يحصل تحديث للإدخال. التّلاشي الإدراكيّ | رسم: شيرا هولاند

التّصحيحات والإكمال

السّبب الّذي يجعلنا نرى صورة العالم بكمال وباستمرار هو أنّ الدّماغ يصحّح ويكمل ما هو داخل مجال الرّؤية. ميزة الدّماغ هذه هي ما يقف وراء الخدعة البصريّة الّتي نختبرها عندما ننظر إلى صورة الدّوائر الزّرقاء والصّفراء. تعتمد الخدعة البصريّة الّتي نشعر بها على ظاهرة تسمّى الانجراف المحيطيّ (Peripheral drift)، حيث تقوم العين بمسح مجال الرّؤية بأكمله بحركات سريعة. لإبطال الخدعة البصريّة، حاولوا تركيز نظركم على جزء واحد من الصّورة. من المحتمل أن تشعروا أنّ الأجزاء الأخرى أكثر ثباتًا.


الأزرق والأصفر: تقوم العين بمسح مجال الرّؤية بأكمله بحركات سريعة. الانجراف المحيطيّ | المصدر: Perepadia Y, Shutterstock

 الحدود والقيود للخلّيّة العصبيّة

رأينا أمثلة لنوعين من الخدع: تلك الّتي تعتمد على خصائص الخلايا في الجهاز البصريّ، وتلك الّتي تنشأ من توقّعات وتنبّؤات مناطق أخرى من الدّماغ. ولكن قد يكون هناك عامل آخر، يؤثّر على طريقة انتقال المعلومات من الجهاز البصريّ إلى الدّماغ: خصائص الخلايا العصبيّة نفسها. ترسل الخلايا العصبيّة إشارات كهربائيّة لبعضها البعض، وهكذا تنقل الرّسائل فيما بينها. عدد الإشارات الّتي يمكن للخليّة إرسالها خلال فترة زمنيّة معيّنة محدود، وفي النّهاية إنّ تردّد الإشارة لدى الخليّة يصل إلى حدّه الأقصى.

كما رأينا في خدعة المكعّب وخدعة المربّع الرّمادي - الورديّ، فإنّ الطّريقة الّتي ندرك بها اللّون والسّطوع لا تتأثّر بالخصائص الفيزيائيّة للمادّة فحسب (الطول الموجيّ الممتصّ)، ولكن أيضًا بالألوان الموجودة في الخلفيّة، وكذلك بطبيعة الإضاءة والتّباين. تقوم الخلايا العصبيّة الموجودة في شبكيّة العين بتشفير المعلومات الّتي يتمّ استقبالها، أي تجسّد الرّسائل المختلفة، بواسطة تغيّرات في معدّل إرسال الإشارات الكهربائيّة إلى الدّماغ.

ولكن، ما مدى فعاليّة هذه الآليّة؟ بالإمكان تشبيه نشاط الخلايا العصبيّة بعمليّة نقل البيانات على شبكة الكمبيوتر. عند نقل البيانات، تكون سرعة النّقل محدودة بحيّز النّطاق المتاح. يتمّ التّعبير عن حيّز النّطاق للخلايا العصبيّة بمعدّل مرور الإشارات الكهربائيّة بين الخلايا. في الخلايا العصبيّة الموجودة في شبكيّة العين، الحدّ الأقصى لمعدّل نقل البيانات يكون أكبر بعشر مرّات من المعدّل الأدنى. أي إنّ المدى الممكن لمعدّل نقل الإشارات من كلّ خليّة عصبيّة هو مدى محدود للغاية. ولذلك، يجب أن يكون التّرميز فعّالًا جدًّا، كي ينقل المعلومات الضّروريّة فقط، وبأكبر قدر ممكن.

اِبتكر باحثون بريطانيّون نموذجًا حسابيًّا لإدراك الألوان، يعتمد على كفاءة تشفير الخلايا العصبيّة في شبكيّة العين. عرضوا للنّموذج مُدخل خدعة مثل خدعة المكعّب، حيث توجد فيها خلفيّة معيّنة وجسم ملوّن أو مضاء بأطوال موجيّة مختلفة. استجابةً لذلك، قدّم النّموذج الصّورة الّتي يتمّ الحصول عليها عندما تكون كفاءة التّشفير بأفضل مستوى.

الصّور الّتي تمّ الحصول عليها من النّموذج كانت مشابهة جدًّا لتلك الّتي يراها الإنسان عند تجربة الخدع البصريّة. ومن هنا استنتج الباحثون أنّه بالإمكان تفسير التّشوّهات الإدراكيّة الّتي نتعرّض لها على أساس مبدأ التّشفير الفعّال والاقتصاديّ للمعلومات في الخلايا العصبيّة. هذا التّفسير صالح أيضًا، على الأقلّ جزئيًّا، بالنّسبة للخدع الّتي تُعزى اليوم إلى عمليّات المعالجة المتقدّمة والمعتمِدة على السّياق في القشرة الدّماغيّة. وعلى الرّغم من أنّ النّموذج لا يعبّر بشكل كامل عن التّعقيد في الجهاز البصريّ البشريّ، والّذي يتأثّر أيضًا بلا شكّ من التوقّعات والخبرات الحياتيّة، ومن المعالجة في مناطق عليا في الدّماغ، إلّا أنّه يوضّح أنّ إدراكنا البصريّ متأثّر أيضًا من الحاجة إلى تحقيق أقصى استفادة من قدرة الخلايا العصبيّة على التّشفير، والاستفادة بكفاءة من موارد الطّاقة الخاصّة بها.

الخدع البصريّة لا تسلّينا فحسب، بل تعلّمنا أيضًا كيفيّة عمل جهازنا البصريّ ودماغنا. الجهاز البصريّ هو جهاز معقّد، وعندما نفكّر في الطّريقة المستمرّة والمليئة الّتي نرى بها العالم، ندرك أنّها مذهلة للغاية.

0 تعليقات