ليس البَراز مجرّد نفايات، فله العديد من الاستخدامات: وضع علامات لِتحديد منطقة النفوذ، حاضنة للمولودين الصغار، و شبكة للتواصل الاجتماعيّ

شعاع من الضوء

يقرَف معظمنا من البَراز، بل ويتقزّزون منه! لكنّ مكانة الروث عند الحيوانات، في العديد من الحالات، هي أقلّ تنفيرًا. تُعتبر الإفرازات بالنسبة للعديد من الحيوانات مصدرًا إضافيًّا متاحًا  ينبغي استغلاله- للتغذية، كلافتات، للسكنى، وحتّى للقاءات اجتماعيّة ذات نكهة خاصّة. أغلِقوا أنوفكم وَرافقونا في رحلة التعرّف على جمال ما هو مقرف.

 

الحياة في القمّة

هناك من يعيش في القمّة، وهناك من يرى قمّة العالم في أعالي كومة طازجة من البَراز. "خنفساء الروث" أو "جعل الروث" هي من الصنف الثاني. تنتمي خنافس الروث لِـلجعرانيّات (Scarabaeidae)- وهي عائلة من الخنافس تشمل أكثر من ثلاثين ألف نوع وتتواجد في جميع القارّات على الكرة الأرضيّة، ما عدا قارّة أنتاركتيكا (القارّة القطبيّة الجنوبيّة). 

غالبًا ما نتخيّل الخنافس تمشي على الأرض، إلّا أنّ الكثير منها يجيد الطيران أيضًا. توجد لها أجنحة طيران قابلة للطيّ تستلّها عند الحاجة، وذلك من تحت أجنحة الغطاء الملوّنة والمتينة الّتي تُذكّرنا، عندما تؤدّي عملها، بِغطاء محرّك السيارة. تبحث خنفساء الروث خلال طيرانها عن كومات طازجة من البراز. توجد للخنفساء مجسّات رقيقة قادرة على استيعاب الجزيئات عبر الهواء والتعرّف على النكهة  المُغرية لِلبراز المُلقَى حديثًا. 

يمكن تقسيم خنافس الروث إلى ثلاث مجموعات تختلف فيما بينها بنوعيّة استخدامها لِلبراز. المجموعة الأولى هي خنافس الروث المُدحرِجة، حيث يجمع الذكور كرات من البراز ويدحرجونها بأرجلهم الخلفيّة بعيدًا عن كومة البراز الأصليّة. يجب أن يتحلّى هؤلاء بالرشاقة لئلّا يخطف ذكور آخرون كرات البراز. يدفن ذكر الخنفساء كرات البراز في التربة بعد أن يبتعد إلى مكان آمن. يحفر الذكر وشريكته الأنثى قليلًا في كرة البراز، عندما يريدان أن يأكُلا، و يلتهمان ما يشاءان- من أجزاء الروث الغضّة و الغنيّة بالعصارة. تستخدم الخنفساء الجزء الصلب من البراز كأرضيّة لوضع البيض. تتغذّى يرقات الخنافس، عندما تفقس البيضات، على البراز وتنمو. 

أمّا المجموعة الثانية من خنافس الروث فلا تبتعد عن كومة البراز. تحفر، بدلَا من ذلك، قناة تحتها، وتملأها بالبراز الغنيّ والمغذّي وتضع بيوضها فيها. وتشمل المجموعة الثالثة خنافس الروث الّتي تقضي حياتها في قمّة كومة البراز وتضع بيوضها فيها.


خنفساء الروث الّتي تضع بيوضها في رأس كومة البراز (A)، والّتي تحفر تحت الكومة (B)، وتدحرج كرة من البراز نحو مكان آخر (C) | أُخذ الرسم التخطيطيّ من: Manning, Ong and Slade, Frontiers for Young Minds

تؤدّي خنفساء الروث دورًا مهمًّا جدًّا في المنظومة البيئيّة. بالإضافة لإزالة النفايات البيولوجيّة، فهي تُخفي الروث الّذي يحتوي على البذور الّتي كان قد أكلها المخلوق الّذي أفرزه، داخل التربة، و تزرع بذلك نباتات جديدة داخل كبسولة مغذّية تحتوي على سماد ممتاز. 

تُعدّ إزالة النفايات أمرًا بالغ الأهميّة للنظافة والصحّة العامّة بشكل خاصّ، وذلك بسبب حُبّ الذباب للبراز وروث الحيوانات. الذباب حشرات مزعجة وتنقل الأمراض. تحمي خنافس الروث الأغنام والماشية الّتي ترعى في المرج. تلقي البقرة روثها، في المتوسّط،  ​​10-12 مرّة في اليوم، وذلك حسب المعطيات الّتي تمّ جمعها في تكساس. يمكن أن تُستخدم كلّ كومة روث كهذه أرضيّة خصبة تنمو عليها حوالي 3000 ذبابة خلال أسبوعين. تدفن خنافس الروث ثمانين بالمائة من الروث، فيصعب على الذباب وضع بيوضه، ويُضبط تعداده. قد تمتلئ حقول المراعي، في حال غياب خنافس الروث، بكومات الروث المتراكمة والّتي قد تُكوّن عند جفافها طبقة متينة على سطح الأرض تعيق نموّ نباتات جديدة، ويفتقر المرعى للنباتات وتنتشر منه رائحة كريهة ويمتلئ بالذباب.  

قام مزارعون في أستراليا، معتمدين على ما ورد آنفًا، بإطلاق أنواع من خنافس الروث، الّتي أحضروها من جنوب إفريقيا ومن أوروبا، إلى الطبيعة، وذلك لمكافحة موجة الذباب- ونجحوا فعلًا بخفض كميّة الذباب بمقدار تسعين بالمائة. أشارت دراسة أخرى، أُجريت في جنوب إفريقيا، إلى أنّ خنافس الروث ساهمت في استعادة النباتات الطبيعيّة في المحاجر المهجورة الّتي كانت جزءًا من مناجم الفحم. 


المحافظة على الكرة: تقف خنفساء الروث على كرة من القمامة الّتي تمّت دحرجتها بعناية فائقة، وذلك لتوفير مسكن للصغار وطعام لأمّهم | تصوير: Tacio Philip Sansonovski, Shutterstock

وجبة الملوك

لا بدّ لنا من أن نذكر، مع أنّنا قد نُفسد شهيّتك، أنّ بعض الحيوانات تأكل البراز.

يُسمَّى أكل البراز باللّغة العلميّة كوبروفاجيا (Coprophagy). تمّ توثيق هذه الظاهرة سنة 1882، لأوّل مرّة وبشكل علميّ، خلال مراقبة مجموعة من الأرنبات. ازداد، منذ ذلك الحين، توثيق الحيوانات الّتي تأكل البراز وتضخّمت القائمة وشملت الفئران، و الخنازير الغينيّة، والجرذان، والقنادس، والكلاب، والخيول والخنازير، وحتّى القرود.

تتنوّع دوافع أكل البراز. الدافع الأوّل هو توفير الطاقة. تزداد فرصة الكائن الّذي يستهلك القليل من الطاقة في البقاء على قيد الحياة والإنجاب. لقد أدّت عمليّة تطوّر الحيوانات عبر الزمن إلى ملاءمة أجسادها لاستخدام الطاقة بنجاعة. يفضّل الحيوان أكل الغذاء المتوفّر وفي متناول اليد، من أمامه أو خلفه، حتّى وإن كان هذا الغذاء برازًا، بدلًا من أن يبحث عنه بعيدًا. 

ليس الجهاز الهضميّ لدى الفِيَلة بذلك الجهاز فائق النجاعة والفاعليّة. تهضم الفِيَلة حوالي خُمسَي  غذائها فقط. يخرج باقي الغذاء من الجانب الخلفيّ للفيل دون أن يحصل عليه تغيير، تقريبًا. يمكن اعتبار الفيل آلة تغذية قليلة النجاعة، تعمل بشكل متواصل وتنتج ما يقارب مائة كغم من الروث خلال 24 ساعة. ليس من المثير للدهشة إذًا أن تسعد بعض الحيوانات، كالقرود والظباء، باستغلال فرصة مصادفتها روث الفِيَلة وتُنقّب في البراز علّها تجد فيه ما يغذّيها.


 جهاز هضميّ قليل النجاعة. الفِيَلة وروثها في حديقة الحيوان | تصوير: suriya phonlakorn, Shutterstock   

تأكل بعض الحيوانات برازها. تفعل الأرانب ذلك، على سبيل المثال، لاستخلاص القدر الأقصى من المغذّيات من غذائها النباتيّ. تأكل الأرانب بَعَرها لأنّها، بخلاف الأبقار مثلًا، ليست حيوانات مجترّة. تتاح لها بذلك فرصة إضافيّة لهضم الطعام. يوجد، لهذا السبب، نوعان من بعر الأرانب. يحتوي النوع الأوّل، المخاطيّ وغامق اللون، على كميّة وافرة من المعادن والزلاليّات وموادّ التخزين الضروريّة الّتي يرغب الأرنب بامتصاصها وعدم فقدانها. يدفعه ذلك إلى تناول برازه من مؤخّرته مباشرة. أمّا النوع الثاني، فاتح اللون والفقير بالموادّ المغذّية، فلا يأكله الأرنب.


نوعان من البراز، أحدهما صالح للأكل، والآخر نفايات. الأرنب وبَعَره | الرسم التخطيطيّ: GARY HINCKS / SCIENCE PHOTO LIBRARY

يعود الدافع الثاني لتناول الروث إلى صفة أخرى للجهاز الهضميّ. تستعين الحيوانات الّتي تتغذّى على النباتات بِالكائنات الحيّة الدقيقة، مثل البكتيريا والخميرة، في عمليّة تفكيك السيليلوز- المكوّن الرئيس في جدار الخلايا النباتيّة. يوجد لدى الكثير من الحيوانات النباتيّة، لهذا الغرض، جهاز هضميّ يحوي  عددًا من المعدّات تعمل بمثابة أوعية تخمّر، يتفكّك السيليلوز إلى مكوّناته فيها. يتوجّب على الجرو الصغير، الّذي هو على وشك الفطام عن رضاعة حليب أمّه، أن يحصل، بطريقة ما، على الكائنات الحيّة الدقيقة الّتي تساهم في تحليل غذائه. كيف يفعل الجرو ذلك؟ فعلًا، كما قد تكونون قد خمّنتم: إنّه يأكل روث حيوان بالغ- غالبًا ما يكون روث أمّه. هكذا يحصل على بكتيريا الأمعاء وسائر الكائنات الحيّة الدقيقة الّتي تساهم في هضم الغذاء الصلب. من المعتاد جمع الروث الطازج من مخلّفات الفِيَله البالغة في مراكز استيعاب الفِيَلة اليتامى، وذلك لإطعام الصغار الّذين هم على وشك الفطام من زجاجة الحليب.

 

روث لتحسين الهضم: جمع الروث لإطعام الفِيَلة اليتامى. فيديو قصير (باللغة الإنجليزيّة):

هل ندفِن أم لا؟  

البراز نتِن، ورائحته كريهة. البراز غنيّ بالفيرومونات وغيرها من الموادّ المتطايرة. قد تتوفّر عدّة حلول في حالة التردّد فيما إذا يتوجّب دفن البراز ذي الرائحة أو تركه مكشوفًا، وقد تدلّ هذه الحلول على مكانة الفرد في السلسلة الغذائيّة وفي سلّم الأنواع. تستخدم الأسود والنمور، مثلًا، روثها في وضع علامات تحدّد بواسطتها منطقة نفوذها وسيطرتها. يفضِّل، بالمقابل، صغير الحيوان الّذي بِلا منطقة نفوذ، والّذي يتجوّل داخل مناطق نفوذ ذكور الحيوان الآخرين، أن يدفن برازه كي لا يجذب انتباه الحيوانات صاحبة النفوذ "الشرعيّ" والّتي هي أقوى منه. تفضّل أنواع أخرى صغيرة من عائلة القطط و المتمركزة وسط السلسلة الغذائيّة- أي إنّها مفترسة ولكن يداهمها خطر الافتراس من قبل حيوانات أخرى- أن تدفن برازها كي لا تُبقي أيّ محفّز للأعداء بالبحث عنها لاصطيادها. 


القطط ليست آكلة لحوم من الدرجة العُليا، ومن الأفضل لها أن تدفن برازها، كي لا تتيح الفرصة للحيوانات المفترسة الأعلى منها في سلسلة الغذاء أن تعرف مكانها. قطّ يدفن إفرازاته | تصوير: Vershinin89, Shutterstock

تعيش القطط فرادى، لكن ماذا تفعل الحيوانات الاجتماعيّة الّتي تعيش بمجموعات من القطعان؟ من المحتمل أنّكم  قد صادفتم  كومات صغيرة ومستديرة من الروث هنا وهناك، خلال جولاتكم في البلاد. إنّها عبارة عن محطّة من الرائحة تخصّ ذكر غزال تبوّل وألقى روثه في نقطة معيّنة كي يضع علامة تحدّد منطقة نفوذه. منطقة نفوذ الذكر الأكثر نجاحًا وسيطرة هي أكثر جودة وتحوي كميّة أكبر من الطعام المغذّي، وفيها محفّزات أكبر للإناث للقدوم إليه خلال تنقّلها بين مناطق النفوذ. وظيفة الروث الرئيسة إذًا، هي نقل رسالة واضحة للمنافسين من الذكور: "أنا هنا وهذه رائحتي. ابحثوا عن موقع آخر". 

براز مُتلألِئ
تُجرى دراسات كثيرة على روث الحيوانات داخل حدائق الحيوانات، حيث يسهل جمعه، ويمكن معرفة مكانة الحيوان من الناحية الاجتماعيّة- عمره مثلًا، حالته الصحيّة وغيرها. كيف يُوفِّقون بين هويّة الحيوان وبين الروث الّذي يجمعونه؟ إحدى الطرق هي تقديم الشمندر كطعام للحيوان المُراد، فيتلوّن روثه باللون البنفسجيّ أو الكستنائيّ. طريقة أخرى هي عزل الحيوان وبعثرة اللآلئ على غذائه. لا تجرِّبوا ذلك في المنزل!   
توجد لروث الغزلان في بلادنا أهميّة بالغة، عدا عن كونه وسيلة تواصل داخل المجموعة، وذلك في الحفاظ على شجرة السنط (الأكاسيا) الصحراويّة. الغزال هو المستهلك الرئيس لقرون ثمار الشجرة المغذّية جدًّا. يؤدّي الغزال بذلك خدمة بالغة الأهميّة للشجرة، كتلك الّتي تقوم بها سائر آكلات الثمار: نشر البذور. تستخدم الشجرة ثمارها في تشجيع الحيوانات على نثر بذورها. هناك فائدة أخرى تكسبها شجرة السنط من تناول الغزال لقرون ثمارها: يمنح جهاز الغزال الهضميّ خدمة للشجرة تتمثّل في مكافحة وإبادة الحشرات.
تعاني أشجار السنط في النقب ووادي العربة من الأضرار الّتي تلحقها بها الخنفساء الطفيليّة من عائلة الكريسوميليداي والّتي تُسمَّى الرادينيان (Bruchidius raddianae). تضع هذه الخنفساء بيوضها داخل قرن ثمار الشجرة الخضراء الطريّة. تدخل اليرقات الّتي تخرج من البيض إلى البذور وتأكل سويقاتها وتتشرنق داخلها. تخرج الخنافس البالغة عندما تجفّ البذور، أو بعد سقوطها على الأرض. بإمكانكم، إذا تواجدتم صدفة تحت شجرة سنط في النقب أو في وادي العربة، أن تتناولوا قرنًا جافًّا عن الأرض وتتفحّصوا وضع البذور الّتي فيه. لا بدّ أن تجدوا فيها ثغورًا مستديرة تخرج منها الخنافس. 

تشير الدراسات الّتي أُجريت على إنبات البذور إلى أنّ نسبة البذور الّتي تنبت بعد أن تكون قد تضرّرت من كائن طفيليّ منخفضة جدًّا، بل تكاد تكون صفرًا. ما قد ينقذ الموقف هو زيارة الجهاز الهضميّ للكائن الحيّ. تمرّ البذور الّتي يبتلعها الغزال، ويُخرجها في نهاية المطاف مع البراز، من خلال الوسط عالي الحموضة في معدته. يقتحم الحمض البذرة الّتي خرقتها اليرقة عند دخولها إليها، فيقضي على اليرقة أو الشرنقة الّتي تطوّرت منها. من الأفضل للشجرة أن يأكل حيوان أكبر من الغزال، مثل المها أو أبي  عدس، قرون ثماره، علمًا أنّ ذلك لا يخضع لخيار الشجرة. يقلّ احتمال سحق البذرة عند مضغها كلّما كبر فم الحيوان الّذي يأكل قرن الثمار، كما ويمكث الغذاء في معدة الحيوان الكبير مدّة أطول فيزداد احتمال إبادة الخنفساء المتطفّلة.


قد يساهم الجهاز الهضميّ في مكافحة وإبادة الخنفساء الّتي تضرّ بشجرة السنط. غزال الزرافة (الجَرنوق) يأكل من شجرة السنط  | تصوير: Marcel Brekelmans, Shutterstock

الخروج إلى الشبكة الاجتماعيّة

أوردنا أعلاه دور البراز كوسيلة للتواصل، وطريقة لِتحديد منطقة النفوذ. هناك من حمل ذلك إلى ما هو أبعد. لا يبعثر وحيد القرن ذو الشفة المربّعة (وحيد القرن الأبيض) روثه بشكل عشوائيّ في أنحاء السافانا، بل ينتقي مواقع معيّنة تستخدم بمثابة مراحيض عامّة.

تشكّل هذه المواقع، بالنسبة لوحيد القرن، أماكن لقاء "شعبيّة"- بمثابة شبكة اجتماعيّة لنشر المعلومات الشخصيّة. تدلّ الموادّ الّتي تفرز في الروث والبول على الجيل، الجنس (ذكر أو أنثى)، الوضع الصحيّ ووضع جهاز التناسل لدى وحيد القرن. يمكن لوحيد القرن الّذي يشتمّ رائحة الروث أن يستقي منها معلومات مهمّة عن أفراد وحيد القرن الّذين يعيشون في الجوار. 

لا بدّ أنّ أصحاب الكلاب منّا يعلمون أنّ شمّ إفرازات الكلاب الأخرى هو شغل بالغ الأهميّة والإثارة بالنسبة للكلاب. أشارت دراسة أجريت في جنوب أفريقيا إلى أنّ أفراد وحيد القرن يهتمّون هم الآخرون بالإفرازات ويستقون منها المعلومات المهمّة. جمع الباحثون عيّنات من روث الذكور والإناث متعدّدة الأجيال، بما فيها ذكور مسيطرون وإناث شَبِقات (شهوانيّات جنسيًّا)، وفحصوا تركيبه الكيميائيّ. تبيّن، كما هو متوقّع، أنّ التركيب الكيميائيّ للروث يختلف بين فرد وآخر من أفراد وحيد القرن، بحيث يوجد تركيب كيميائيّ خاصّ لكلّ وحيد قرن، حسب مكانته. 

أنتجَ الباحثون، وفقًا للملامح الكيميائيّة الّتي وجدت، محاليل تتناسب مع ثلاثة أنواع من أفراد وحيد القرن: وحيد القرن الشابّ، الذكر المسيطر، والأنثى الشبِقة. نثر الباحثون المحاليل في "مرحاض عامّ" في المحميّة في جنوب أفريقيا، ثمّ فحصوا ردود فعل الذكور المسيطرين. كان ردّ فعل الذكور على رائحة الأنثى الشبقة، كما توقّع الباحثون، شديدًا. قضى الذكور وقتًا أطول في شمّ الكومة، وكرّروا الشمّ المرّة تلو الأخرى، وقضوا حاجاتهم بأنفسهم في نفس المكان. أما ردّ فعل الذكور على رائحة روث الذكور المسيطرين وطريقة تصرّفهم، فيمكن تفسيرها بالتردّد والخوف.


الشبكة الاجتماعيّة للحيّ. يتعرّف وحيد القرن في بوتسوانا على آخر "الشائعات" عن طريق كومة من البراز الطازج | تصوير: John Ceulemans, Shutterstock

عزّزت هذه النتائج فرضيّة الباحثين بأنّ المواقع الّتي تستخدمها جماعات وحيد القرن كمراحيض  عامّة توفّر لها معلومات ثمينة عن جيرانها، معلومات من شأنها أن توفّر الجهد عليها، وتدفعها إلى إدارة خطواتها المستقبليّة بحكمة. 

توجد للبراز في الطبيعة إذًا وظائف مهمّة، على الرغم من أنّه  ليس إلّا نفايات الجهاز الهضميّ، ومع أنّه رادع ومنفّر وملوِّث. من هذه الوظائف: وسيلة تواصل، مصدر غذائيّ، مصدر بكتيريا الهضم، سماد وحتّى مبيد حشريّ. أو كما قيل: قمامة أحدهم- هي كنز للاخَر.

0 تعليقات