يُوصى بفحص تصوير الثّدي الشّعاعيّ "Mammography" للنّساء فوق سنّ الخمسين: كيف يُجرى الفحص؟ ما الّذي يمكن اكتشافه من خلاله؟ وما محدوديته؟ بمناسبة شهر التوعيّة بسرطان الثدّي

التّصوير الشّعاعيّ للثّدي عبارة عن فحص يستخدم أشعّة سينيّة بجرعة منخفضة لإنشاء صورة لأنسجة الثّدي. يهدف هذا الفحص إلى الاكتشاف المُبكر لسرطان الثّدي، عادةً من خلال اكتشاف الكتل أو التّكلّسات المعهودة.

يبدأ الورم السّرطانيّ بعدد قليل من الخلايا التّي تنقسم بسرعة وبدون تحكُّم أو سيطرة. وبعد ذلك يمكن أن تنتشر هذه الخلايا في أعضاء أخرى على شكل نقائل أو انبثاث (Metastasis). الاكتشاف المبكر لسرطان الثّدي، عندما يكون الورم صغيرًا ولم ينتشر في الغدد اللّيمفاويّة أو الأعضاء الأخرى، يزيد من فرص الشّفاء بنسبة تقارب الـ -100 بالمائة. 

أثناء الفحص  يتمّ تصوير الثّدي بين سطحين، هذان السّطحان يُشكّلان ضغطًا على الثّدي لجعْلِهِ مُسطّحًا، هذه العملية قدْ تكون مُؤلمة وغير مُريحة ولكنّها ضروريّة حتّى لا يتم إخفاء أيّ من الآفات صغيرة (إصابات) بواسطة أجزاء من أنسجة الثّدي التي قد لا تكون مرئيّة في التّصوير، ومن أجل تقليل شدّة الإشعاع المطلوب للتّصوير. عادةً يتمّ إجراء التّصوير من زاويتين: من الأعلى للأسفل وبشكل قُطر مائل.

يُظهر التّصوير الشّعاعيّ للثّدي عادةً نوعين من التّغيّرات غير الطّبيعيّة في الثّدي: وجود تركيزات كالسيوم أو كُتل مشبوهة. هناك نوعان من تراكيز الكالسيوم: الكبيرة والصّغيرة. عادة ما تكون التّركيزات الكبيرة ناتجة عن شيخوخة شرايين الثّدي، الإصابات القديمة أو بسبب الالتهاب، وهي أكثر شيوعًا عند النّساء فوق سنّ الخمسين. التّركيزات الصغيرة (تُسمّى، أيضًا، التّكلّس الصّغير Microcalcification) هي بقع صغيرة من الكالسيوم في الثّدي يمكن أن تُشير، أحيانًا، إلى وجود السّرطان. يُساعد شكل وكيفيّة انتشارُ هذه البقع في التّصوير  أخصائيَّ الأشعّة على تقييم مدى احتماليّة حدوث التّغيير بسبب السّرطان.

من الممكن أن تكون الكتل أو الأورام الّتي يتمّ الكشف عنها في التّصوير الشّعاعيّ للثّدي عبارة عن أكياس (أكياس مليئة بالسّوائل وليست سرطانيّة)، أو أورام صلبة غير سرطانيّة (مثل الورم الغدّيّ اللّيفيّ). لكنّها قد تكون، أيضًا، علامة على الإصابة بالسّرطان.  الكيس والورم الصّلب كلاهما يؤدّيان لنفس الشّعور، كما أنّهما يتشابهان في نتيجة تصوير الثّدي بالأشعّة. قد يساعد شكلُ الورم وأطرافه أخصائيَّ الأشعّة في تحديد مدى كونه سرطانيًّا. عند وجود حاجة، يمكن إجراء فحوصات إضافيّة مثل الموجات فوق الصّوتيّة للثّدي بإمكانها تحديد الأكياس السّائلة، أو استخراج السّوائل ومعرفة ما إذا كان كيسًا بالفعل. في حال لم يكن كيسًا، فهنالك حاجة لإجراء فحوصات تصوير إضافيّة مثل التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ MRI الّتي تُعتبر أكثر حساسيّة وتكلفة، أو أخذ عيّنة مجهريّة (خُزعة) من الكتلة. التّصوير الشّعاعيّ للثّدي لا يستطيع تأكيد وإثبات أنّ النّتيجة غير الطّبيعيّة في الثّدي هي سرطانيّة، ولكن يمكن أن يساعد الأطبّاء في تحديد ما إذا كانت هناك حاجة لمزيد من الفحوصات.

درهم وقاية خير من قنطار علاج

عند التّفكير في الوقاية من السّرطان، هنالك استراتيجيّتان محتملتان: الوقاية الأساسيّة، حيث يتمّ مهاجمة عوامل الخطر نفسها (الإقلاع عن التدّخين للوقاية من سرطان الرّئة والبلعوم، أو التّطعيم ضدّ الورم الحليميّ-papilloma- ضدّ سرطان عنق الرّحم) والوقاية الثّانويّة (تسمّى، أيضًا، "فحوصات المسح")، الأمر الّذي يمنع جزءًا كبيرًا من الضّرر النّاجم عن المرض، أو حتّى المرض نفسه، كلّ هذا من خلال الاكتشاف المبكر ثمّ إعطاء العلاج المناسب.

على الرّغم من أهمّيّتها الكبيرة، إلّا أنّ فحوصات المسح  تطرح تحدّيات ليست بسيطة. هنالك أخطاء نموذجيّة في إجراء مثل هذه الفحوصات: أحدها خطأ في التّشخيص، حيث يتمّ تشخيص المريض السّليم على أنّه مريض. يُسمّى هذا الخطأ "الإيجابيّ الخاطئ" (false positive)، ولكنّ الخطأ من النّوع الثاني يحدث في الحالات الّتي يتمّ فيها تشخيص المرضى عن طريق الخطأ على أنّهم يتمتّعون بصحّة جيّدة، يُسمّى هذا الخطأ "السّلبيّ الخاطئ" (false negative). 

في دراسة أجريت على 400 ألف امرأة تتراوح أعمارهنّ بين 40 - 89 عامًا في الولايات المتّحدة تبيّن أنّ 121 من بين 1000 امرأة من اللّواتي قُمنَ بصورة شعاعيّة للثّدي كانت لديهنّ نتائج إيجابيّة خاطئة. نسبة الحصول على إجابة خاطئة مرتفعة بشكل خاصّ لدى النّساء في سنّ 40-49، وتنخفض مع تقدّم العمر. في المقابل ، حصلت 1.5 امرأة من بين 1000 على إجابة سلبيّة خاطئة بدون علاقة لفئتهنّ العمريّة.

المشكلة أنّ هذه الأخطاء متشابكة: إذا صمّمنا فحصًا ذا حساسيّة عالية يستطيع اكتشاف كلّ كتلة صغيرة حتّى لو كانت غير ضارّة، فإنّنا نخاطر بالحصول على نسبة عالية من النّتائج الإيجابيّة الخاطئة. من ناحية أخرى، إذا قلّلنا من حساسيّة الفحص لتجنّب الإنذارات الكاذبة، فإنّنا نخاطر بأن نفقد (لا نشخّص) حالات مرضيّة حقيقيّة لم يتمكّن الفحص من تشخيصها. حتّى إذا نجحنا في تطوير فحص حسّاس بدرجة كافية الذي يفي بالعدد المعياريّ للتّشخيص الخاطئ، فكيف نعرف أنّ فحص المسح الّذي قمنا بتطويره جيّد بما فيه الكفاية؟ وأنّه حقًّا يساعد المرضى من خلال الكشف المبكر؟ 

منطقيًّا، إذا ساعد الاكتشاف المبكر للمرضى الّذين تمّ فحصهم على بقائهم أحياءً لفترة أطول، فهذا دليل على فعاليّته، لكنّ مؤشّر البقاء على قيد الحياة يمثّل مشكلة. في كتابه "ملكة جميع الأمراض"  يشرح سيدهارتا موخيرجي (Mukherjee) الإشكاليّة لمؤشّر البقاء على قيد الحياة من خلال قصّة شقيقين توأمين. يذهب أحدهما إلى فحص المسح ويكتشف أنّه مصاب بالسّرطان، بينما يرفض شقيقه من ناحية أخرى الخضوع للفحص خوفًا من نتيجة إيجابية خاطئة.  الأخوان لا يعلمان بالأمر، لكن كلاهما كان مصابًا بنفس النّوع من السّرطان في نفس الوقت.  الأخ الّذي أجرى الفحص تلقّى العلاج لكنّه مات بعد خمس سنوات. قبل عام من وفاة شقيقه، تم تشخيص الأخ الآخر بسرطان متقدّم، وعلى الرّغم من العلاج توفّي بعد عام، وانتهى بهما الأمر بالموت في نفس اليوم. إذا قمنا بتقييم فعاليّة فحص المسح وفقًا لمؤشّر البقاء على قيد الحياة، فيمكننا القول إنّ الأخ الّذي تمّ فحصه نجا مدّة خمس سنوات مقارنة بأخيه الّذي لم يتمّ فحصه ونجا عامًا واحدًا فقط بعد تشخيصه. 

اِستخدام مؤشّر "البقاء على قيد الحياة" لقياس درجة نجاح المسح قد تولد بعض المشاكل، لأنّ التّشخيص المبكر يؤخّر وقت التّشخيص: نوع السّرطان عند الأخوان متشابه تمامًا وله نفس السّلوك البيولوجيّ، ولكن نظرًا لاكتشاف مرض أحد الأشقّاء في وقت سابق، يبدو لنا عن طريق الخطأ أنّ فترة بقائه على قيد الحياة كانت أطول، ولكن في الواقع، مرض الأخوان وماتا في نفس الوقت.

قد يكون المؤشّر الأفضل هو "خفض معدّلات الوفيات" بين المرضى دون علاقة لوقت ظهور المرض. إذا مات عدد أقلّ من المرضى بسبب تشخيصهم بفحوصات المسح وتلقّوا علاجًا سريعًا ومبكرًا لمرضهم (مقارنة بالمرضى الّذين لم يجروا الفحص)، حينها يمكن القول إنّ فحوصات المسح فعّالة. التّصوير الشّعاعيّ للثّدي هو في الواقع فحص مسح، والطّريقة لمعرفة ما إذا كانت فعّالة بالفعل (وقد يرى البعض أنّها لا تزال) ملتوية ومعقّدة.

בינתיים זו בדיקת הסקר היעילה ביותר לאבחון מוקדם של סרטן שד באוכלוסיה. ממוגרפיה | צילום: Science Photo Library
حاليًا، يُعدّ هذا الفحص الأكثر فعاليّة للتّشخيص المبكر لسرطان الثّدي. تصوير الثّدي الشّعاعيّ | تصوير: Science Photo Library

 

أنظر بأمّ عينيك لتصدّق

وُلد التّصوير الشّعاعيّ للثّدي عام 1913 عندما صوّر الجرّاح ألبرت سالومون في برلين ثديًا بالأشعّة السّينيّة مستأصلًا من نساء مصابات بسرطان الّثدي. قام بفحص أكثر من 3000 عيّنة، وكان أوّل مَن وصف سريريًّا ومرضيًّا رواسب الكالسيوم المجهريّة الموجودة داخل الأنسجة السّرطانيّة. كان حلم سالومون فحص النّساء المريضة قبل استئصال الثّدي، لكن بحثه توقّف عام 1930 بعد أن طرده النّازيّون من الجامعة لأنّه يهودي. أُجبر سالومون على الفرار إلى أمستردام وترك كلّ شيء وراءه.

حاول بروفيسور آخر في الأشعّة يدعى ويلي باينش (Baensch)، في جامعة ليبزيغ (Liepzig)، أيضًا، تطوير اختبار مماثل، ونشر عام 1930 مقالة تضمّنت أوّل بيانات موثوقة حول الاستخدام السّريريّ لتصوير الثّدي بالأشعّة. لكن المجتمع العلميّ في حينها تخلّى عن هذه الطّريقة ولم يُعرها الاهتمام، ويرجع ذلك إلى صعوبة الحصول على أجهزة مُرضية (أمينة) تقنيًّا في ذلك الوقت.

بعد حوالي ثلاثة عقود، وعند وصول معاهد الأشعّة السّينيّة الى الولايات المتّحدة، عاد التّصوير الشّعاعيّ للثّدي ليشغل اهتمام الأطبّاء، والفضل يعود لروّاد التّصوير الشّعاعيّ أمثال روبرت إيغان (Egan)  الّذي طوّر بعض الأمور الفنّيّة - التّقنيّة كتحسين زوايا التصوير، وقت التّعرّض للفحص وتطوير طرق للحصول على أدقّ النّتائج بأقلّ قدر ممكن من التّعرّض للإشعاع. مكّنت صور الثّدي الشّعاعية التي أجراها إيغان من الكشف عن سرطانات بحجم الملليمتر، ولكن هل هذا كافٍ لتحويل التّصوير الشّعاعيّ للثّدي إلى فحص مسح يسمح لملايين النّساء باكتشاف السّرطان في الوقت المناسب؟
 

شاحنة تصوير الثّدي

عام 1963 حاول ثلاثة باحثين الإجابة عن هذا السّؤال بالذّات: هل يمكن لعيّنة كبيرة من النّساء اللّاتي لا تظهر عليهنّ أعراض، استخدام التّصوير الشّعاعيّ للثّدي لتقليل معدّل وفيات سرطان الثّدي؟ الثّلاثة هم الجرّاح لويس فينيت (Venet)، وعالم الإحصاء سام شابيرو (Shapiro)، وطبيب الباطنة فيليب ستراكس (Strax)، الّي قدّم علاجًا ومساعدة  لزوجته عندما عندما نازعت واحتضرت قبل عدّة سنوات من سرطان الثّدي.

وجد الباحثون عيّنة كبيرة من النّساء بفضل شركة تأمين تدعى HIP الّتي تأسّست في الولايات المتّحدة، في ذلك الوقت انخرطت النّساء في سوق العمل بسبب الحرب، الهجرة والانكماش (الهبوط)  الاقتصادي. شكّلت 80.000 امرأة مؤمّنة مع HIP عيّنة مثالية، وذلك لامتلاك الباحثين معلومات طبّيّة كاملة عنهنّ. تمّ تقسيم النّساء اللّواتي تتراوح أعمارهنّ بين 40 -64 عامًا بشكل عشوائيّ إلى مجموعتين، واحدة تمّ استدعاؤها لإجراء التّصوير الشّعاعيّ للثّدي، والأخرى لم يتمّ فحصها على الإطلاق، ولم تعلم أنّها كانت جزءًا من التّجربة. من أجل التّمكّن من إجراء فحص المسح لعشرات الآلاف من النّساء، قام الباحثون المبدعون بتحويل شاحنة كبيرة إلى مختبر متنقّل للتّصوير الشّعاعيّ للثّدي، ممّا سمح للنّساء بإجراء الاختبار أثناء استراحة الغداء.

عام 1972 نشر الباحثون نتائج التّجربة: شاركت 62 ألف امرأة من نيويورك وضواحيها في التّجربة، وخضع نصفهنّ لفحص الثّدي بالأشعّة. من بين المجموعة الّتي تمّ فحصها توفّيت 31 امرأة بسرطان الثّدي، بينما توفّيت من المجموعة الأخرى 52 امرأة. الخلاصة: اِنخفاض كبير بنسبة 40 في المائة في معدّلات الوفيات بعد الكشف المبكر عبر التّصوير الشّعاعيّ للثّدي. تقبّل المجتمع العلميّ في الولايات المتّحدة وحول العالم نتائج التّجربة بحماس هائل.

بعد الفحص الدّقيق لنتائج التجربة، اِدّعى منتقدوها (معارضو النّتائج) بأنّ هنالك مشكلة أثّرت على النّتائج: كون النّساء في المجموعة الثّانية لم يعرفن مطلقًا أنّهنّ يشاركن في التّجربة، لم يتمكّن الباحثون من معرفة ما إذا كنَّ قد شُخِّصْنَ بسرطان الثّدي عند بدء التّجربة، بينما تمّ سؤال أعضاء المجموعة الثّانية عند وصولهنّ للفحص. حاول شابيرو تصحيح الأمر عن طريق إزالة عدد متساوٍ من النّساء من كلتا المجموعتين بعد انتهاء التّجربة، لكن النّقّاد اِدّعوا أنّ الاستبعاد العشوائيّ لم يحلّ المشكلة، وأنّ النّتائج الواضحة كانت نتيجة لانتقاء خاطئ من جانب شابيرو.

המכון הנייד הראשון איפשר לבדוק רבבות נשים, כיום יש מכונים כאלה במקומות רבים בעולם | צילום: Shutterstock
أتاح أوّل معهد متنقّل فحص عشرات الآلاف من النّساء ، واليوم توجد مثل هذه المعاهد في أماكن كثيرة في العالم | تصوير: Shutterstock

 

الوعدُ بالخلاصِ من السّويد

بعد سنوات من تجربة HIP، أجريت تجارب تصوير الثّدي الشّعاعيّ على نطاق واسع في أسكتلندا،  السّويد وكندا، في محاولة لإثبات فعاليّة طريقة المسح هذه بشكل نهائيّ، ولكن كلّ تجربة واجهت مشاكلها الخاصّة. تمّ الحصول على الإجابة النّهائيّة من مدينة مالمو في السّويد. عام 1976 تمّ تسجيل 42000 امرأة من المدينة للقيام بتجربة تصوير الثّدي بالأشعّة الّتي اُقيمت في عيادة واحدة على أطراف المدينة، وتم تقسيمهنّ إلى مجموعتين: واحدة خضعت لتصوير الثّدي بالأشعة والأخرى لم تخضع.

عام 1988 بعد 12 عامًا من جمع البيانات، نشر الباحثون نتائج الدراسة:  ضمن مجموعة النّساء اللّواتي تمّ فحصهنّ، تم تشخيص 588 مريضة بسرطان الثّدي، مقارنة بـ 447 من المجموعة الاخرى. من حيث معدّلات الوفيات، توفّيت 63 امرأة من مجموعة النّساء اللّواتي تمّ فحصهنّ مقارنة بـ 66 امرأة من المجموعة الأخرى، وبعبارة أخرى، لم يحسّن التّصوير الشّعاعيّ للثّدي معدّلات البقاء على قيد الحياة على الإطلاق. ولكن عندما حلّل الباحثون البيانات بعمق، وجدوا أنّه بالنّسبة للنّساء فوق سنّ 55، فإنّ التّصوير الشّعاعيّ للثّدي قلّل من معدّلات الوفيات بنحو 20٪.

في النّهاية سوف تؤكّد عشرات التّجارب (مثل هذه التّجربة) ما رآه الباحثون في مالمو. بين النّساء اللّواتي تتراوح أعمارهنّ من 50 وما فوق، يقلّل التّصوير الشّعاعيّ للثّدي من معدّلات الوفيات بنسبة 20 إلى 30 في المائة  وذلك بفضل الاكتشاف المبكر والعلاج الفوريّ لسرطان الثّدي. ذلك يتعلّق بفرصة الإصابة بسرطان الثّدي لدى النّساء من مختلف الفئات العمريّة. نسبة الإصابة لدى الشّابّات هو واحدة من كلّ 400 امرأة، مقارنة بالنّساء الأكبر سنًّا حيث يكون احتمال الإصابة واحدة من كلّ تسع نساء. لذلك، فإنّ احتمال الحصول على إجابة "إيجابيّة كاذبة" في مثل هذا الاختبار للنّساء في سنّ مبكرة، قد يؤّدي إلى بلبلة غير ضروريّة.

من المفضّل أن تخضع كلّ امرأة فوق سنّ الخمسين للفحص الشّعاعيّ للثّديّ مرّة كلّ عامين. بالنّسبة للنّساء اللّواتي ينتمين إلى الفئة المعرّضة للخطر المرتفع، على سبيل المثال حاملات الطّفرة الجينيّة BRCA1 / 2 أو لديهنّ قريبة من الدّرجة الأولى (أمّ ، أخت) أصيبت بسرطان الثّدي، يوصى بفحصهنّ من سنّ 40.
 

ليست مثاليّة، لكنّها متجدّدة 

إحدى المشاكل الرّئيسيّة في التّصوير الشّعاعيّ للثّدي هي الكشف عن الأورام لدى النّساء ذوات بنية الثّدي الكثيفة، أي الثّدي الّذي يحتوي على نسبة عالية من النّسيج الضّامّ (Connective Tissue) ودهون أقلّ، يؤدّي هذا المبنى إلى إخفاء الأورام الصّغيرة، ويجعل من الصّعب اكتشافها في التّصوير الشّعاعيّ للثّدي. هناك عدد من التّطوّرات الجديدة في طريقة التّصوير الشّعاعيّ للثّدي لمحاولة التّغلّب على هذه المشكلة: في التّصوير الشّعاعيّ للثّدي ثلاثيّ الأبعاد (التّركيب المقطعيّ) يتمّ التقاط عدّة صور لطبقات الثّدي ممّا يساعد على تقليل إخفاء أنسجة الثّدي الكثيفة. تطوير آخر هو حقن عامل التباين (اليود) الّذي يساعد على إبراز المبنى والكتل في أنسجة الثّدي الّتي لا يمكن رؤيتها بطريقة أخرى في تصوير الثّدي بالأشعّة العاديّة. من التّطوّرات الإضافيّة في هذا المجال تطوير برمجيّات الذّكاء الاصطناعيّ (Artificial intelligence)، القادرة على فكّ رموز تصوير الثّدي بالأشعّة وتقييم نتائج الاختبار بدقّة عالية.

يرى البعض أنّ التّعرّض للأشعّة السّينيّة أثناء تصوير الثّدي بالأشعّة يمكن أن يكون خطيرًا ويسبب السّرطان. بعض الدّراسات تشير إلى أنّ الخطر ضئيل، بينما يرى البعض الآخر بأنّ التّعرض للإشعاع عند الفحص أكثر خطورة ممّا نعتقد. من ناحية أخرى، تشير دراسات أخرى إلى أنّ النّساء ضمن الفئة المعرّضة للخطر معرّضات لخطر الإصابة من الاختبار نفسه، وبالتّالي ينبغي النّظر في وسائل أخرى لتشخيصهنّ.

في المستقبل، قد يتمّ إجراء فحوصات أخرى يمكن أن تحلّ محلّ التّصوير الشّعاعيّ للثّدي وتقلّل تمامًا من خطر الإشعاع. توجد الآن طرق أكثر دقّة للكشف عن سرطان الثّدي مثل التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ MRI، لكنّ التّصوير الشّعاعيّ للثّدي كان ولا يزال الطّريقة الأكثر فعاليّة للكشف المبكر عن سرطان الثّدي في المجتمع لأنّه أكثر توفّرًا (متاحًا)، أرخص وأسهل في الاستخدام، وحتى إيجاد فحص مسح أفضل منه، يبدو أنّه باقٍ هنا.

 

يرجى ملاحظة ما يلي: تعرض المقالة معلومات علمية عامة فقط ولا ينبغي بأي شكلٍ اعتبارها بديلاً عن الاستشارة الطبية الشخصية من قبل الأطباء والمتخصصين.

 
 
الترجمة للعربيّة: ريّا واكد
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
التدقيق العلمي والإشراف: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات