ما هي الأمراض و المتلازمات الموروثة؟- الجانب الفظّ لوراثة الجينات من والدِينا
تمّ تسجيل المقال من قبل المكتبة المركزية للمكفوفين وذوي العسر القرائي
للقائمة الكاملة للمقالات الصوتيّة في الموقع
تحوي المادّة الوراثيّة (DNA) الموجودة في خلايا جسمنا جميع التعليمات اللازمة لبناء وتشغيل جسم الإنسان. يُطلق على مجموع هذه المادّة الوراثيّة، الموجودة تقريبًا في كلّ خليّة من خلايا الجسم "الجينوم البشريّ"، وتشمل حوالي 3 مليارات زوج من القواعد النيتروجينيّة في الـ DNA. قبل 20 عامًا، أي في عام 2003، تمّ الانتهاء من إتمام أضخم مشروع قياسًا بعصره- "مشروع الجينوم البشريّ"، حيث قام العلماء من جميع أنحاء العالم بوضع خريطة التسلسل الكامل للقواعد النيتروجينيّة للجينوم البشريّ. على مرّ السنين، أُضيفت إتمامات وتصحيحات لهذا التسلسل، وذلك بفضل التحسينات العديدة في أدوات وتقنيّات البحث وتوفّرها.
لكنّ "تسلسل القواعد النيتروجينيّة الكامل للجينوم البشريّ" هو مصطلح مضلّل؛ لأنّه ليس هناك تسلسل كهذا. حتّى لو أخذنا بعين الاعتبار الأشخاص الأصحّاء فقط، سنجد اختلافًا كبيرًا بين تسلسلات الـ DNA الخاصّة بهم. لا يعتبر هذا الأمر مفاجئًا، فبفضل هذه الاختلافات نختلف عن بعضنا. لذلك، هناك حاجة إلى الكثير من الأبحاث لفهم أيّ تسلسل DNA يختلف عن الطبيعيّ، وما إذا كان يرتبط بأمراض أو متلازمات وراثيّة، أو مجرّد اختلاف طبيعيّ لا يتسبّب بأمراض وراثيّة أو خلل وظيفيّ. نعرف اليوم أنّ أكثر من 10000 متلازمة ومرض ناتجة عن تغيير في جين واحد، ولكن هناك أيضًا العديد من التسلسلات الّتي تختلف عن النسخ الشائعة "الطبيعيّة" لنفس مقطع الـ DNA، ومع هذا لا يزال غير واضح ما إذا كان لهذا الاختلاف تأثير، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو؟
مرض وراثيّ متنحٍّ مثل التليّف الكيسيّ. والدان حاملان للمرض، احتماليّة إنجاب مولود صحّيّ أو مريض لوالدَين حاملَين للمرض | المصدر: Blamb, Shutterstock
ما هو المرض الوراثيّ؟
ينشأ المرض أو المتلازمة الوراثيّة من تسلسلات معيّنة من المادّة الوراثيّة الّتي تنتقل من الوالدَين إلى نسلهم. يعتقد الكثيرون بشكل خاطئ أنّ "المرض الوراثيّ" و "المرض الجينيّ" هما نفس الشيء، لكن من المهمّ أن نفهم أنّه ليس كلّ مرض جينيّ هو مرض وراثيّ. يشير مصطلح "المرض الجينيّ" عادة إلى الأمراض الّتي تنشأ من اختلاف واحد في الجين أو الكروموسوم. فمن الممكن أن ينشأ خلل جينيّ لدى حالة فرديّة في العائلة مع عدم وجود تاريخ سابق، وهو ما يعرف بطفرة دي-نوفو (De-novo mutation). يمكن اعتبار المرض وراثيًّا، فقط عند توريث الجين أو الكروموسوم المعطوب من الأبوَين إلى نسلهم. لكن الخلل قد يظهر أيضًا خلال الحياة، على سبيل المثال، متلازمة داون هي متلازمة جينيّة، في الغالبية العظمى من الحالات لا تورث من الوالدَين. سبب متلازمة داون هو عدد غير طبيعيّ من نسخ الكروموسوم رقم 21: لدى المصابين بمتلازمة داون توجد ثلاث نسخ من هذا الكروموسوم بدلًا من نسختين في الحالة الطبيعيّة- واحدة من الأمّ والأخرى من الأب-. عادة، يحدث التغيير في عدد النسخ أثناء تكوين الخلايا الجنسيّة (الحيوانات المنويّة أو البويضة) للوالدَين، في حين لا يعانون أنفسهم من المتلازمة؛ لذلك فهو ليس مرضًا وراثيًّا.
تنجم العديد من أنواع مرض السرطان عن تسلسل DNA غير موجود لدى الوالدَين، ولكن يتمّ إنشاؤه أثناء الحياة، ويسبّب ذلك انقسامًا متزايدًا للخلايا، ما يؤدّي إلى الإصابة بالسرطان. يمكن أن يتطوّر مرض السرطان بسبب الإشعاع، تدخين التبغ، التعرّض لفيروسات معيّنة، الإسبستوس وغير ذلك. في المقابل، فإنّ التليّف الكيسيّ (Cystic fibrosis)، الحثل العضليّ الدوشينيّ (Duchenne muscular dystrophy) وبعض حالات سرطان الثدي، هي أمثلة للأمراض الوراثيّة الّتي تنتقل من الوالدَين إلى نسلهم. إذا كان المرض بالفعل وراثيًّا، وينتج عن تغيير في جين واحد، فإنّه يمكن أن يتجلّى بعدّة طرق. هيّا بنا نستعرضها.
يتمّ تنظيم المادّة الوراثيّة البشريّة في 23 زوجًا من الكروموسومات: 22 زوجًا عبارة عن كروموسومات لا-جنسيّة، تُسمَّى الصبغيّات الجسديّة (Autosomes)، ويتكوّن الزوج المتبقّي من كروموسومات جنسيّة. يحتوي كلّ كروموسوم على مقاطع تحتوي على جينات تعبّر عن سلسلة من التعليمات لإنتاج جزيئات فعّالة معيّنة، والغالبيّة العظمى منها عبارة عن بروتينات. تتواجد الجينات الّتي على 22 زوجًا من الكروموسومات لدينا بنسختَين: نسخة تلقّيناها من الأمّ ونسخة تلقّيناها من الأب.
لذلك، يُطلق على المرض الوراثيّ الّذي يحوي خللًا جينيًّا في واحد من 22 التصبّغات الجسديّة، الاضطراب الصبغيّ الجسديّ (Autosomal genetic disorder). يُدعى المرض بالمرض الصبغيّ الجسديّ السائد (Autosomal dominant) إذا كان الجين المسؤول عن المرض سائدًا، بحيث يكفي وجود نسخة واحدة منه في الخليّة لإحداث المرض، حتّى لو كان الجين الموجود على الكروموسوم الآخر طبيعيًّا. أمّا إذا كان جين المرض متنحّيًا، فإنّه يسبّب المرض فقط إذا كان هناك خلل في نسختَين منه في الجسم، أي كلا الكروموسومَين من الأب والأمّ، ويُدعى هذا المرض بالمرض الصبغيّ الجسديّ المتنحّي (Recessive autosomal).
ولكن كما ذكرنا سابقًا، يوجد بالإضافة إلى 22 زوجًا من الكروموسومات أيضًا زوجٌ إضافيٌّ من الكروموسومات الجنسيّة. لدى البشر، تمتلك الإناث نسختَين من الكروموسوم الجنسيّ X أي XX، بينما يمتلك الذكور نسخة واحدة من كروموسوم X، بالإضافة إلى كروموسوم أقصر بكثير يُسمّى Y، أي XY. هناك عدّة أمراض واضطرابات وراثيّة ناتجة عن خلل في كروموسوم X، بما في ذلك عمى الألوان ونقص إنزيم G6PD. تعتبر معظم هذه الأمراض متنحّية، أي تظهر فقط في حالة وجود خلل في نسختَي الجين. نظرًا لأنّ الإناث لديهنّ كروموسومان X، فلن يعانين من هذه الأمراض إلّا إذا تلقّين الجين المضطرب من كلا الوالدَين. أمّا الذكور، فبما أنّ لديهم كروموسوم X واحدًا فقط، فيكفي جين مضطرب واحد لكي يتسبّب في المرض. لهذا السبب، يكون عمى الألوان والأمراض الّتي ترتبط بأضرار جينات معيّنة في كروموسوم X، أكثر شيوعًا لدى الرجال منها لدى النساء. تُسمّى هذه الأمراض "الأمراض الوراثيّة المرتبطة بالجنس".
لذا هيّا نلخّص: كلّ مرض وراثيّ هو مرض جينيّ، لكن ليس كلّ مرض أو متلازمة جينيّة هي وراثيّة. تنجم جميع الأمراض الجينيّة عن خلل في المادّة الوراثيّة، ولكن لا ينتقل الخلل الجينيّ بالوراثة في جميعها؛ في بعض الأحيان يتشكّل هذا الخلل أثناء تكوين الخلايا الجنسيّة الّتي ينشأ منها الجنين، أو خلال الحياة (De-novo). وكما ذكرنا سابقًا، يكون المرض الوراثيّ الّذي ينتج عن جين متنحٍّ مرتبط بالجنس أكثر شيوعًا عند الذكور منه عند الإناث. وأخيرًا، تتأثّر العديد من الأمراض، بما في ذلك مرض السكّريّ من النوع 2، أمراض المناعة الذاتيّة المختلفة وبعض العيوب الخلقيّة، بالتغييرات في الجينات والعوامل البيئيّة. في الواقع، يوجد لمعظم الأمراض مكوّنات وراثيّة.
الجين المضطرب موجود على كروموسوم X. اختبار فتى لعمى الألوان | المصدر: chomplearn, Shutterstock
كيف يتمّ تشخيص المرض الجينيّ؟
عادة، يتمّ تشخيص المرض الجينيّ من قِبل طبيب مختصّ في علم الوراثة. يتطلّب التشخيص فحصًا شاملًا يتكوّن من ثلاثة أجزاء : فحص جسديّ، مسح شامل لتاريخ العائلة واختبار جينيّ في المختبر (إذا أمكن). هناك العديد من "العلامات الحمراء" الّتي قد تثير الشكوك لوجود مرض وراثيّ: ظهور مرض لدى بعض أفراد الأسرة، وخاصّة الأقارب من الدرجة الأولى، الإجهاض المتكرّر، الإملاص- ولادة جنين ميت (Stillbirth)، وحالات الموت الطبيعيّ في سنّ الطفولة. تشمل الأعراض السريريّة الأخرى للأمراض الجينيّة، تأخّر النموّ، إعاقة ذهنيّة تطوّريّة والعيوب الخلقيّة. عندما تظهر بعض هذه الخصائص السريريّة معًا لدى نفس الشخص- على سبيل المثال، مزيج من الإعاقة الذهنيّة التطوّريّة، علامات وجه خاصّة وعيوب في القلب- فإنّ هذا يثير قلقًا خطيرًا بشكل خاصّ بشأن متلازمة جينيّة تُسمّى متلازمة داون، والّتي ذُكرَت سابقًا.
متلازمة وراثيّة في الغالبيّة العظمى من الحالات غير موروثة من الوالدَين. طفلة مصابة بمتلازمة داون | المصدر: Eleonora_os, Shutterstock
الاختبارات الجينيّة
يتطلّب الخضوع لاختبار جينيّ في بعض الحالات: عندما يعاني شخص ما من مرض معيّن ويرغب في معرفة ما إذا كان مرضًا وراثيًّا، عندما يرغب الأزواج الّذين هم على وشك إنجاب طفل، في معرفة ما إذا كانوا في خطر إنجاب أطفال مصابين باضطراب أو مرض وراثيّ، عندما يكون لدى شخص ما تاريخ عائلي لمرض السرطان وهو يريد معرفة ما إذا كان معرّضًا بخطورة زائدة للإصابة بهذا المرض، عندما يريد الأطبّاء التحقّق من الأساس الجينيّ لشخص يعاني من مرض السرطان، بغرض ملاءمة العلاج، وغيرها من الأسباب.
هناك عدّة طرق لإجراء اختبار جينيّ في المختبر، استنادًا إلى نوع المرض: اختبار الجينات الخلويّة، أي اختبار الكروموسومات، اختبار كيميائيّ حيويّ يفحص نشاط البروتين والاختبار الجزيئيّ، وبه يتمّ فحص تسلسل الـ DNA.
قد تقلّل الاختبارات الجينيّة من خطر إنجاب أطفال يعانون من اضطراب أو مرض وراثيّ. اختبار جينيّ جزيئيّ | Tek Image / Science Photo Library
فحوصات المسح الجينيّ
يتمّ تصميم اختبارات المسح الجينيّ لتحديد الوالدَين الّذَين هما في خطر إنجاب طفل يعاني من مرض جينيّ. يتمّ إجراء هذه الفحوصات قبل الحمل أو في بداية الحمل، وهي مصمّمة للتعرّف على بعض الأمراض الّتي تمّ اختيارها من قبل وزارة الصحّة. تعتبر هذه الأمراض الجينيّة صعبة أي لا علاج لها، كما أنّ نسبة انتشارها بين السكان عالية نسبة للأمراض الوراثيّة. معظم الأمراض الّتي يتمّ اختبارها هي أمراض صبغيّة جسديّة متنحّية، والهدف هو التحقّق ما إذا كان كلا الوالدَين حاملَين للجين المضطرب، الّذي من الممكن أن ينقلاه إلى الجنين. نظرًا لأنّ حمل المرض هو سمة خفيّة (لا يعرف الشخص أنّه حامل للجين المضطرب حتّى يتمّ فحصه)، يوصَى بإجراء اختبارات المسح الجينيّ لجميع السكّان، حتّى بدون وجود تاريخ عائليّ من الأمراض أو الاضطرابات الخلقيّة.
يتمّ تكييف الاختبارات للزوجَين وفقًا لأصلهما، وذلك لأنّ الأمراض المختلفة شائعة في السكّان من أصول مختلفة. إلى جانب سلّة الفحوصات الّتي تموّلها الدولة، من الممكن الدفع بشكل شخصيّ لاختبار حاملي العديد من الأمراض الأخرى، ومعظمها نادر أو أقلّ خطورة. يتمّ إرسال هؤلاء الأزواج إلى الاستشارة الوراثيّة بهدف التحقّق من الخيارات المختلفة الّتي تساعدهم على إنجاب أطفال أصحّاء. تساعد اختبارات المسح الجينيّ في منع جزء كبير من الأمراض الوراثيّة.
أحد اختبارات المسح الجينيّ المعروضة في دولة إسرائيل هو الكشف عن حاملي التليّف الكيسيّ. كبسولات وأقراص يتناولها الأشخاص الّذين يعانون من التليّف الكيسيّ يوميًّا | Andrey Yershov, Shutterstock
علاج الأمراض الوراثيّة
تؤثّر العديد من الأمراض الوراثيّة في عدّة أجهزة في الجسم، وما زلنا لا نعرف حتّى اليوم كيفيّة علاج معظمها. لكن هناك عدّة طرق لعلاج المرضى وتقليل أعراض المرض.
بشكل مثاليّ، إذا تمكّنا من استبدال الجين المضطرب أو إصلاحه، فسيكون من الممكن علاج الأمراض الوراثيّة تمامًا. تُدعى هذه العمليّة بالعلاج الجينيّ (gene therapy). تمكّن الباحثون بهذه الطريقة من تحقيق علاج كامل للأمراض الوراثيّة في العديد من النماذج الحيوانيّة، لكنّ تطبيق التقنيّة على البشر واجه العديد من الصعوبات، على الرغم من الإستراتيجيّات المختلفة الّتي تمّت تجربتها. على سبيل المثال، عندما استخدموا الفيروسات كنواقل للجين الطبيعيّ، واجهوا مشكلة خطيرة: ليس لدينا سيطرة على مكان إدخال الجين في الجينوم. عندما يدخل الجين إلى مكان عشوائيّ في الجينوم، فإنّه قد يتلف نشاط الجينات الأخرى، ما قد يتسبّب في أمراض يمكن أن تظهر حتّى بعد سنوات. لذلك، على الرغم من الجهود الهائلة المستَثمَرة في تطوير هذه العلاجات، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة "FDA" حتّى الآن فقط على عدد قليل منها.
تتميّز مجموعة معيّنة من الأمراض الوراثيّة باضطراب في عمليّة الأيض بسبب تلف إنتاج أو نشاط إنزيم معيّن. في بعض الأحيان يمكن علاج هذه الأمراض عن طريق النظام الغذائيّ. عندما يتمّ التقيّد بمكوّنات غذائيّة معيّنة، يمكن أن يمنع ذلك تراكم الموادّ السامّة، الّتي تتحلّل بمساعدة الإنزيم الطبيعيّ بينما لا يكون الإنزيم التالف قادرًا على ذلك لدى المريض. في بعض الأحيان، يمكن أن يؤدّي تغيير في النظام الغذائيّ إلى تحسين أعراض المرض، وأحيانًا يمكنه فقط منع تدهور الحالة.
مثال على ذلك، مرض الأيض الوراثيّ، بيلة الفينيل كيتون (PKU)، والّذي يحدث بسبب نقص نشاط الإنزيم فينيل ألانين هيدروكسيلاز في الكبد، والمسؤول عن تحليل الفينيل ألانين. تتراكم في هذا المرض كميّات كبيرة من الفينيل ألانين في الجسم، وهو أحد الأحماض الأمينيّة الّتي تشكّل اللبِنات الأساسيّة للبروتينات بجميع أنواعها. يؤدّي تراكمه إلى مرض شديد في الجهاز العصبيّ وإعاقة عقليّة في النموّ. لذلك، أصبح من الشائع الآن توجيه المرضى إلى الالتزام بنظام غذائيّ صارم خالٍ من هذا الحمض الأمينيّ.يجب على المرضى تجنّب تناول الأطعمة الغنيّة بالبروتين مثل اللحوم ومنتجات الألبان والبقوليّات أو استهلاك المحلّي الصناعيّ، الإسبرتام. يجب أيضًا تناول الأطعمة الأخرى بكميّات محدودة فقط، مع الانتباه إلى كميّة الفينيل ألانين الموجودة فيها. اليوم يتمّ إنتاج أطعمة خاصّة توفّر للمرضى معظم احتياجات الجسم من البروتينات، الدهون والسعرات الحراريّة خالية من الفينيل ألانين. في إسرائيل، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، يتمّ فحص جميع المواليد الجدد لهذا المرض، لأنّ التشخيص المبكّر يسمح بالعلاج والتطوّر الطبيعيّ. لا توجد حاليًّا توصية في إسرائيل لفحص مرض بيلة الفينيل كيتون ضمن فحوصات المسح الجينيّ قبل الحمل؛ وذلك لأنّ الحفاظ على نظام غذائيّ خاصّ يُعتبر علاجًا فعّالًا لهذا المرض.
في بعض أمراض الأيض الوراثيّ، مثل مرض غوشيه (Gaucher's disease)، يتمّ استخدام العلاج بالإنزيم البديل، بحيث يُعطَى المريض إنزيمًا يحلّ محلّ الإنزيم المضطرب الّذي تسبّب في الخلل الوظيفيّ في المرض. في معظم الحالات، يتمّ إدخالّ الإنزيم مباشرة عن طريق الوريد في دم المريض. يصنّف مرض غوشيه إلى أنواع مختلفة حسب الجيل الّذي ظهرت به الأعراض وشدّتها (النوع الشائع في إسرائيل خفيف نسبيًّا). سبب هذا المرض هو خلل في الجين المسؤول عن الإنزيم الّذي يحلّل بعض الدهون في الدم. يسبّب خلل في هذا الإنزيم إلى تراكم الدهون بحيث تؤدّي إلى تلف في الأعضاء المختلفة والعظام. لهذا، استخدام الإنزيم البديل كعلاج لهذا المرض، يسمح بتفكيك الدهون بشكل طبيعيّ.
يمكن علاج الأمراض الّتي تتميّز بتكوين خلايا الدم التالفة، مثل فقر الدم المنجلي، عن طريق زرع نخاع العظم. قد تسمح عمليّة الزرع بتكوين خلايا دم طبيعيّة، والّتي إذا تكوّنت في مرحلة مبكّرة، يمكن أن تمنع العديد من المضاعفات.
في إسرائيل، يتمّ فحص جميع المواليد للكشف عن بيلة الفينيل كيتون. فحص مستوى الفينيل ألانين في دم المولود | Simon Fraser / Science Photo Library
في بعض الأحيان يمكن التخفيف فقط
في الأمراض الوراثيّة الأخرى، يستند العلاج بشكل أساسيّ على محاولة تخفيف الأعراض النمطيّة للمرض. مثال على هذا النوع هو التليّف الكيسيّ، وهو مرض متعدّد الأجهزة، ناتج عن خلل في البروتين المسؤول عن نقل الأملاح عبر خلايا الجسم، بحيث يعاني مرضى التليّف الكيسيّ من إفرازات لزجة تسبّب انسدادًا في أجهزة الجسم المختلفة مثل الجهاز التنفسيّ، القنوات الصفراويّة والبنكرياس وغيرها. لتخفيف الأعراض، يُعطَى المرضى عدّة علاجات من ضمنها المضادّات الحيويّة الّتي توقف التلوّثات، أدوية تعمل على توسيع القصبات الهوائيّة وتقليل التورّم حولها، أدوية لتقليل لزوجة البلغم، بدائل إنزيم البنكرياس والمزيد. قد يؤدّي العلاج الفيزيائيّ (physiotherapy) إلى تحسين نوعيّة حياة المرضى بشكل كبير. في الحالات الشديدة، عندما يعاني المرضى من فشل في الجهاز التنفسيّ وتفشل العلاجات الدوائيّة، يُوصَى أحيانًا بزرع الرئة.
هناك أمراض وراثيّة مرتبطة بزيادة خطر حدوث مشاكل صحّيّة في جيل متأخّر، على سبيل المثال، متلازمة مارفان (Marfan syndrome)، والّتي تسبّب الضرر لبروتين بنيويّ ينتج أليافًا مرنة تقوّي أنسجة الجسم. توجد هذه الألياف في كلّ مكان في الجسم، وغالبًا ما يتجلّى الضرر الّذي يلحق بها في أنظمة القلب، الأوعية الدمويّة، الهيكل العظميّ والعيون. يُعتبر تضخّم الشريان الرئيس أخطر مضاعفات المرض وهو الشريان المركزيّ الّذي يخرج من القلب، الشريان الأورطيّ، الأمر الّذي يمكن أن يكون قاتلًا. يشمل علاج المرض مواظبة الحفاظ على ضغط الدم الطبيعيّ لمنع تدهور حالة الشريان، والمتابعة بمساعدة التصوير للكشف السريع عن التغييرات في حالته، نمط حياة مناسب (نشاط بدنيّ معتدل) والعلاج بالدواء الملائم. عندما يتضخّم الشريان الأورطيّ، يمكن أحيانًا إصلاحه بعمليّة جراحيّة.
هناك أمراض وراثيّة آثارها شديدة لدرجة أن تكون مُميتة. في هذه الحالات، قد يحدث إجهاض تلقائيّ للأجنّة. في حالات أخرى، قد يموت الجنين في الرحم، أو قد يموت الرضيع بعد الولادة بوقت قصير. في هذه الحالات، يتمّ تقديم علاج داعم، تسكين الآلام ومساعدة بأجهزة التنفّس الصناعيّة إذا لزم الأمر.
"درهم وقاية خير من قنطار علاج"
تتنوّع الأمراض الوراثيّة بشكل كبير من حيث نوع الوراثة المسؤولة عنها، الأعراض، طرق التشخيص وعلاجها، لكنّها كلّها تنبع من المادّة الوراثيّة الّتي ورثها المرضى من والدَيهم. لا يوجد علاج معروف لمعظم الأمراض الوراثيّة، وفي هذه الحالات، يركّز العلاج على تخفيف الأعراض والوقاية من المضاعفات. بما أنّه حتّى يومنا لا نزال غير قادرين على علاج المرضى الّذين يعانون من معظم هذه الأمراض، أو تزويدهم بالعلاج الّذي يمنحهم جودة حياة مناسبة، فإنّنا نستثمر العديد من الموارد لأجل منع ظهورها أساسًا، بمساعدة فحص المسح الجينيّ وأحيانًا عن طريق التشخيص قبل الولادة- أثناء الحمل.