تشير الدّراسات الحديثة الأخيرة إلى أنّ تغييرات المناخ تتسبّب في إضعاف تيّار الخليج؛ الأمر الّذي قد يحدث تحوّلات شديدة في حالات الطقس في أوروبا والولايات المتّحدة وأفريقيا

تعجّ المحيطات في كوكب الأرض بتيّارات مائيّة كثيرة ومتنوّعة والّتي يصل طول أكبرها لآلاف الكيلومترات، وتجري المياه بها بسرعات قد تصل إلى ملايين الأمتار المكعّبة في الثانية. وتستمدّ التيّارات المحيطيّة الطّاقة اللازمة لتدفّقها بهذه السرعات من قوّة ظواهر فيزيائيّة طبيعيّة مثل الرّياح أو اختلاف درجات الحرارة بين الأماكن المختلفة على الأرض. تؤثّر التيّارات المحيطيّة على الحياة في البحر

واليابسة بشكل كبير، فلها دورٌ رئيسيٌّ في تحديد المناخ في المناطق الّتي تمرّ بها، إضافة إلى أنّها تنقل معها العناصر الغذائيّة وحتّى الكائنات الحيّة وتساهم في نشرها وتوزيعها.

يُعَدّ تيّار الخليج أحد أشهر وأهمّ التيّارات المحيطيّة، فهو يمتدّ على طول السّاحل الشرقيّ للولايات المتّحدة كجزء من شبكة التيّارات المحيطيّة الّتي تُعرَف باسم AMOC (التيّارات التقلبيّة الجنوبيّة Atlantic Meridional Overturning Circulation). تدفع هذه التيّارات المياه الدّافئة والمالحة نسبيًّا من خطّ الاستواء على طول المحيط الأطلسيّ باتجاه القطبين. يُعرَف في أوساط الباحثين وجود تيّار الخليج في حالة  تباطؤ منذ خمسينيّات القرن الماضي، وتحاول دراسة نُشرت في مجلّة Nature Geoscience تقييم ما إذا كانت شبكة AMOC قد ضعفت نتيجةً لتغيّر المناخ على مرّ الألفيّة الماضية.

ناقلة المياه

تتّسمّ مياه البحر الاستوائيّة بكونها أكثر دفئًا وأعلى ملوحةً من المياه في المناطق القطبيّة. ويرجع هذا الاختلاف أساسًا إلى التباين في شدّة أشعّة (ضوء) الشّمس في هذه المناطق، وبما أنّ أشعّة الشّمس بمحاذاة خطّ الاستواء هي الأشدّ على سطح الأرض؛ فإنّ المياه في المناطق الاستوائيّة تسخن وتتبخّر بمعدّلات أعلى منها في المناطق الأخرى. ونظرًا لعدم تبخّر الأملاح في مياه البحر، عادة ما نجد مياه البحر أكثر ملوحة في المناطق الاستوائيّة. وعلى النّقيض من ذلك، فإنّ زيادة المياه العذبة نسبيًّا في القطبين والّتي مصدرها من ذوبان الجليد وهطول زخّات (من الأمطار والثلوج)؛ تؤدّي إلى انخفاض بدرجات الحرارة وبتركيز أملاح مياه القطبين؛؛ ممّا يخلق اختلافًا كبيرًا في درجات الحرارة والملوحة بين الماء في خطّ الاستواء والمياه في المناطق القطبيّة.

تُعدّ درجة الحرارة والملوحة من العوامل الرئيسيّة الّتي  تؤثّر على كثافة المياه. فكثافة الماء تزداد كلّما انخفضت الحرارة وارتفعت الملوحة، وتقلّ كلّما ارتفعت الحرارة وأصبحت المياه  أكثر عذوبةً. تمامًا كما هو حال الموادّ الأخرى، تُملي كثافة كتلة مائيّة معيّنة قدرتها على الطفو أو الرّسوب في بيئتها المباشرة. بالتّالي نجد أنّ تيّارات المياه الباردة والمالحة ترسب وتجري في الأعماق، كما هو حال تيّارات المياه الباردة في المناطق القطبيّة.

تفقد المياه المالحة القادمة من خطّ الاستواء إلى الشّمال جزءًا من حرارتها تدريجيًّا، حيث تنقلها إلى الشّواطئ المحاذية لها في شمال أوروبا وشرق الولايات المتّحدة، فتصبح هذه المياه أكثر برودة حين تصل إلى المناطق القطبيّة وترسب في الأعماق؛ نظرًا لكونها أكثر كثافة من الماء في بيئتها المباشرة (فهي مياه مالحة لأنّها وصلَت من خطّ الاستواء؛ وباردة لأنّها فقدت الحرارة على طول الطريق). تبدأ هذه المياه فور وصولها إلى أعماق المحيط بالتدفّق بتيّارات عميقة متّجهة نحو خطّ الاستواء مكوّنة على هذا النّمط تيّارًا مائيًّا دوريًّا (مؤدّية دور المياه الجارية من خطّ الاستواء شمالًا). يشكّل هبوط الماء عند القطبين القوّة المحرّكة لشبكة AMOC، ليصبح في الواقع حزامًا ناقلًا ضخمًا ينقل الطّاقة الحراريّة من خطّ الاستواء إلى القطبين.

מסלול זרם הגולף וה-warming hole באוקיינוס האטלנטי. קרדיט:  MIKKEL JUUL JENSEN / SCIENCE PHOTO LIBRARY
مسار تيّار الخليج. و warming hole في المحيط الأطلسيّ. المصدر:  MIKKEL JUUL JENSEN / SCIENCE PHOTO LIBRARY
 

تيّار متردّد

يؤدّي ارتفاع متوسّط ​​درجة حرارة الأرض النّاجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى ارتفاع وتيرة ذوبان الأنهار الجليديّة في المناطق القطبيّة وكذلك في جرينلاند. ويعبّر العلماء عن قلقهم حيال تدفّق المياه العذبة من الأنهار الجليديّة واختلاطها مع المياه القادمة من تيّار الخليج؛ الأمر الّذي سيقلّل من كثافتها ويُبطئ من وتيرة رسوبها في أعماق المحيط؛ وسيُبطئ بالتّالي من جريان شبكة AMOC بأكملها.

أظهرت الدّراسات أنّ التيّارات في شبكة AMOC ضعفت وتكثّفت بشكل متقطّع بل ومتسارع خلال العشرة آلاف سنة الماضية. كما وأظهرت النّماذج الرياضيّة أنّ هذا النّظام يمكنه العمل في حالتين فقط: حالة تشغيل "on" أو حالة إغلاق "off"، وكأنّ مفتاحًا يتحكّم به. أثار هذا الأمر قلق العلماء، إذ أنّ ذوبان الأنهار الجليديّة يُمكن أن ينقل تيّارات شبكة AMOC من حالة "on" إلى حالة "off". ويتوقّع العلماء أن يؤثّر "إغلاق" التيّار على درجة الحرارة ونظام هطول الأمطار في بعض أجزاء العالم، فيتسبّب ذلك، على سبيل المثال، في انخفاض هطول الأمطار في منطقة السّاحل الأفريقيّ (المنطقة الواقعة جنوب الصحراء) أو زيادة العواصف في جنوب شرق الولايات المتّحدة (بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات في المنطقة). يُعدّ هذا مثالًا واضحًا للظّاهرة الّتي تُعرَف باسم "tipping point" (نقطة التّحوّل) - أي النّقطة الّتي يؤدّي تجاوزها إلى انتقال النّظام إلى حالة جديدة يصعب العودة منها إلى الحالة السّابقة. والنّظام المقصود في هذه الحالة هو مناخ الكوكب بأكمله.

זרם הגולף בצילום מהחלל קרדיט: NASA Science photo library
صورة من الفضاء لتيّار الخليج. المصدر: NASA Science photo library
 

لتحرّي ما إذا كانت شبكة AMOC ضعيفةً حقًّا مقارنةً بالماضي؛ جمع الباحثون بيانات عن الفترة ما بين سنة 400 بعد الميلاد وحتّى يومنا هذا. ونظرًا لاستحالة قياس ما كانت عليه شدّة AMOC قبل ألف عام بشكل مباشر، استخدم الباحثون مؤشّرات بديلة (proxies) لتقدير شدّة التدفّق، مثل حجم الجسيمات في رواسب قاع المحيط إضافًة إلى مؤشّرات أخرى والّتي يمكن الاستدلال من خلالها على أنماط درجات الحرارة في المحيط الأطلسيّ. وخلصت الدّراسات إلى أنّ قوّة تيّارات AMOC اليوم هي الأضعف خلال الألف سنة الماضية.

بينما تشير نتائج الدّراسة إلى حدوث انخفاض كبير في كثافة المياه في تيّارات شبكة AMOC على مدى المائة عام الماضية، هنالك جدلٌ حول صحّة البيانات بشأن التّغيّرات طويلة المدى لـ تيّارات AMOC.   فعادة ما تستند المعلومات الّتي تمّ جمعها على أدلّة غير مباشرة، ومنذ عام 2004 فقط بدأ القياس المباشر لقوّة تيّارات AMOC باستخدام شبكة من أجهزة القياس الّتي وُضِعت في نقاط رئيسيّة على طول المحيط الأطلسيّ. 

وبالرّغم من حداثة هذه القياسات وكونها لا تزال غير كافية للإشارة إلى تغييرات معيّنة، إلّا أنّه بفضلها تمّ الكشف عن وجود تباين طبيعيّ في شدّة تيّارات AMOC عبر السّنين يختلف ويفوق التّقديرات السابقة. استمرار متابعة أنظمة القياس الحاليّة برصد التغيّرات في شدّة تيّارات AMOC يساعدنا على معرفة المزيد حول شبكة التيّارات ومدى تأثير الإنسان عليها.

0 تعليقات