تُمنح جائزة نوبل في الطبّ أو في الفيزيولوجيا هذا العام لِسيفانتا بأبو (Pääbo) الذي يُعدُّ مؤسّس علم الوراثة القديمة على الدّراسة التي أجراها في مجال الشّريط الوراثي (الجينوم) للأنواع المنقرضة.

نجح سفينتا بأبو، الذي تُمنح له جائزة نوبل في الطب هذا العام، وزملاؤه بالحصول على المادة الوراثيّة لسلالة منقرضة. فقد كشف بأبو وزملاؤه عن أنّ ما يسمى النياندرتال والدّينوسوفان، كلاهما، التقَواْ بآباء الإنسان المعاصر، وأنّ غالبية الأشخاص يحملون DNA قديمة في خلاياهم. 

الغموض النياندرتالي

كان أول ظهور للنياندرتال قبل حوالي 400 ألف سنة. يعني ذلك أنّه قد حصل تطابقٌ ملحوظ بينه وبين جنس الإنسان الذي ظهر قبل حوالي 200 ألف إلى 300 ألف سنة. إلّا أنّ فصلًا جغرافيًّا عزلَ النوعين عن بعضهما طوال جزء كبير من هذه الفترة: عاش الإنسان في إفريقية أمّا النياندرتال فلم يصل إليها أبدًا، على قدر ما هو معلوم. عاش النياندرتال في جنوب أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط. لم يكن النياندرتال آباؤنا، بخلاف ما كنا نعتقد ذات مرةً.

פרס נובל ברפואה או בפיזיולוגיה יוענק השנה לסוונטה פבו (Pääbo), על מחקרו בתחום הגנום של מינים נכחדים בשושלת האדם. | איור: אתר פרס נובל
تُمنح جائزة نوبل في الطب أو في الفيزيولوجيا هذا العام لِسيفانتا بأبو (Pääbo) مقابل الدّراسة التي أجراها في مجال الشّريط الوراثي (الجينوم) لِلأنواع المنقرضة| الرسم التوضيحي: موقع جائزة نوبل

الـ DNA القديم

تطوّر لدى بأبو الاهتمام بدراسة مصر القديمة خلال تعلّمه الطبّ في جامعة أوبسالا في السّويد. حاول بأبو سرًّا، بينما كان يبحث في الفيروسات ضمن رسالة الدكتوراة، الحصول على الـ DNA من المومياء وذلك في مشروع جانبيّ. نجح بأبو في تشخيص مادة وراثية بشريّة من مومياء عمرها 2400 عام إلّا أنه واجه صعوبات تكنولوجية كثيرة في محاولة الحصول على DNA قديم. انصبت مسيرته منذ هذه اللحظة فصاعدًا على تحسين هذه الأدوات، وعلى محاولة استخلاص المادة الوراثية من العيّنات الأكثر قِدَمًا.

لا يمكن للمادة الوراثية، الـ DNA، البقاء على ما هو عليه إلى الأبد. تضيع المعلومات المخزونة فيه إثر تحلّله إلى لَبنات أساسه مع الزمن. يتعلق الحدّ الأقصى من الفترة الزمنية التي يمكن خلالها الحصول على DNA كاملٍ نسبيًّا من عينةٍ ما بالظروف التي مرّت بها العيّنة خلال بقائها وبكميّة المادة الوراثيّة الأوّليّة. كان بالإمكان، على سبيل المثال، استخلاص المادة الوراثيّة من أسنان الماموثات التي تمّ العثور عليها في مكان دائم التجمُّد بعد أكثر من مليون سنة لأنها حُفظت فيه جيّدًا. يتفكك الـ DNA بصورة أسرع في الأماكن الأكثر حرارة. 

إحدى الطرق لزيادة إمكانية الحصول على مادةٍ وراثيّةٍ هي البحث عن الـ DNA الذي يكون تركيزه عاليًا الخلايا.  توجد غالبية الـ DNA في نواة الخلية: النواة هي مخزن المورِثات الرئيس في الخليّة، وهو يشمل ما نفكّر به غالبًا عندما يدور الحديث عن شريطنا الوراثي، إلّا أنّ النواة ليست المكان الوحيد الذي يمكن أن نجد فيه DNA في الخلايا. توجد الميتوكوندريا (المفرد: ميتوكندريون) في خلايانا، وهي عضيّات مسئولة عن تحليل السُّكّريات وإنتاج الطاقة، ولها الـ DNA الخاص بها. كمية الـ DNA في نواة الخليّة أكبر من كميته في كلّ عضيًّ من هذه العضيّات، إلّا أنّ الاف الميتوكوندريا موجودة في كلّ خليّة ويحمل كلُّ واحدٍ منها نسخةً من الـ DNA الميتوكوندري. يوجد في أجسامنا، نتيجة لذلك، كميةً كبيرةً من نسخ هذا الـ DNA الأمر الذي يًسَهّلُ عملية استخلاصه من العيّنات القديمة.

أضف إلى ذلك أنه في حال بقي DNA في العيّنة يمكن زيادة كمّيته بواسطة طريقة الـ PCR التي تتيحُ نسخ مقاطع DNA حتى وإن وجدت كميةٌ ضئيلةٌ جدًّا منه في العيّنة. انتقل بأبو إلى جامعة بيركلي في الولايات المتّحدة سنة 1987م، بعد فترةٍ قصيرةٍ من ابتكار هذه الطّريقة. تابعَ بابو أبحاثه حول الـ DNA القديم هناك وكان أوّل من طبّق طريقة الـ PCR على العيّناتٍ القديمة. كانت هذه عمليّةٌ ناجعةٌ جدًّا إلّا أنّها كانت مصحوبةً بازدياد احتمال التلوّث- إذ قد يؤدّي سقوط كميّة قليلة جدًّا من الـ DNA الخاص بالشخص الذي يجري البحث في العيّنة إلى نسخها. دفع ذلك بابو إلى البحث عن طرق لمنع التلوّث، كالغرف النّقيّة. كان هدفه عندها استخلاص المادّة الوراثيّة من عظْمةٍ نِياندرتالية.

مُورثات النياندرتال

بدأ بأبو العمل في جامعة ميونيخ في ألمانيا في سنة 1990م. توفرت له هناك الأحافير النياندرتالية، وليست أيةَ أحافير: العظام التي عُثِر عليها في سهل نياندر القريب من دوسلدورف سنة 1856م والتي سُمِّيَ النّوع على اسمه. منحَ أمناء المتحف في مدينة بون، الذي حُفظت فيه العظام، بأبو جزءًا من عظمة الذّراع ليعمل عليها. نشر بابو وزملاؤه جزءًا من DNA الميتوكوندري النياندرتالي: كانت هذه أول مادّة وراثيّةٍ يتم استخلاصها لمُنقرض. 

قارن الباحثون بين الـ DNA الميتوكوندري النياندرتالي مع DNA الميتوكوندري البشري، إلّا أنّ فهم الفروق بين القطاعين حقًّا يتطلّب DNA من نواة الخليّة. يمكن بذلك فقط بناء الجينوم النياندرتالي وفحص القاسم المشترك والاختلاف بينه وبين الجينوم البشري. 

مُنحت جائزة نوبل في الطبّ أو في الفيزيولوجيا في العام الماضي لِديفيد جوليوس (Julius) من جامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو ولِأردام باتا بوتيان (Patapoutian) من معهد سكريبس في كاليفورنيا على الاكتشافات التي أتاحت فهم نشاط الخلايا المسئولة عن الإحساس بالحرارة واللمس ونَقْل المعلومات إلى الدّماغ.

ومنحت في سنة 2020م لهارفي ألتر (Alter)، المتقاعد من معاهد الصحة الوطنيّة الأمريكية، ولِمايكل هوتون (Houghton) من جامعة ألبرتا في كندا وتشارلز رايس (Rice) من جامعة روكفلر، مقابل الدراسات التي أدت إلى اكتشاف الفيروس المسبّب لِالتهاب الكبد الفيروسي من النوع C. أما في سنة 2019م فقد حاز كلٌّ من وليام كايلين (Kaelin) من جامعة هارفارد، وبيتر راتكليف (Ratcliffe) من جامعة أكسفورد وغريغ سيمينزا (Semenza) من جامعة جونس هوبكنس في الولايات المتحدة الأمريكيّة على الجائزة مقابل فكّ رموز الآليّات الجزيئيّة لرقابة المورِثات (الجينات) المسئولة عن الإحساس بنقص الأكسجين والتعامل مع هذه الحالة.

جائزة الطب أو الفيزيولوجيا هي الجائزة الأولى، من بين جوائز نوبل، التي يتمُّ الإعلان عنها خلال الأسبوع الجاري. يُعلن الثلاثاء عن الحائز/ ين على جائزة نوبل في الفيزياء ويُعلن عن الحائز/ ين على جائزة نوبل في الكيمياء يوم الأربعاء. يُعلَن يوم الخميس عن الحائز/ ين على جائزة نوبل في الآداب، و تُعلن لجنة جائزة نوبل عن الحائز/ ين على جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة. تُقفل الإعلانات عن حائزي جوائز نوبل في المجالات المختلفة بالإعلان عن الحائز/ين على الجائزة في مجال الاقتصاد وذلك يوم الاثنين الثاني عشر من تشرين الأول. (تمت الترجمة بتصرّف)

 

0 تعليقات