يتوقّف الوقت عن الدوران مرّتين تقريبًا في السنة لمدّة ثانية واحدة، بُغيةَ تحديث الساعة الدوليّة. تقرّر مؤخّرًا إلغاء هذه الخطوة. لماذا تُعتبَر هذه الخطوة ضروريّة؟ وماذا سيحلّ مكانها؟
في تشرين الثاني من السنة المنقضية 2022م، تمّ اتّخاذ القرار في مؤتمر دوليّ عُقِدَ في ڤرساي، بأنّه اعتبارًا من سنة 2035م، سيتمّ إلغاء الثانية الكبيسة (Leap second). فما هي الثانية الكبيسة؟ ولماذا هي ضروريّة؟ ولمَ تقرّر إلغاؤها؟
كلّنا نعلم أن السنة الكبيسة هي التي نضيف فيها إلى التقويم يومًا في نهاية شباط، مرّة كلّ أربع سنوات، فيصبح عدد أيامه 29. لكن لماذا نحن بحاجة لذلك في الحقيقة؟ الجواب هو أنَّ السنة الكبيسة نتيجة مشكلة في الطريقة الّتي حدّدنا بها "السنة" كفترة زمنيّة. منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وربّما حتّى قبل ذلك، استخدَمت الحضارات القديمة "السنة"، الّتي تمّ تحديد مدّتها وفقًا لحركة الشمس في السماء.
إذا تابعنا حركة الشمس فسنجد أنّها تعود لنفس المكان بالضبط في السماء كلّ 365 يومًا تقريبًا، لذلك تمّ تحديد هذه الفترة الزمنيّة، المعروفة باسم "السنة المداريّة أو الشمسيّة"، على أنّها "عام". على مرّ السنين، تمّ إجراء قياسات أكثر دقّة؛ لأنَّ طول الفترة الزمنيّة حتّى تعود الشمس لنفس المكان، أي دوران الأرض حول الشمس، أطول قليلاً- حوالي 365.25 يومًا. لكي تبقى السنة التقويميّة والسنة المداريّة متزامنتَين؛ تقرّر إضافة يوم كامل مرّة كلّ أربع سنوات (مع تصحيحات طفيفة)، وهذه هي السنة الكبيسة. بفضل السنة الكبيسة، فإنَّ طول السنة التقويميّة المتوسطة والسنة المداريّة المتوسطة، متساوٍ.
ملاءمة وحدات القياس للواقع الماديّ. يُضاف ليوم لشباط مرّة كلّ أربع سنوات لتعويض الفرق بين السنة التقويميّة والمداريّة | الصورة Brigitte Pica2, Shutterstock
تحديثات
نفس المبدأ يقف وراء الثانية الكبيسة. لقد مرّت الوحدة الأساسيّة للوقت، ألا وهي الثانية، بتقلّبات تاريخيّة معقّدة، وفي القرون الأخيرة بالذات، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنّه في القرون الأخيرة فقط تمّ تطوير التكنولوجيا لقياسها. في القرن التاسع عشر الميلاديّ تقرّر تحديد الثانية بـ 1/86400 من طول اليوم. يحوي كلُّ يوم 24 ساعة، وكلّ ساعة تحوي 60 دقيقة، وكلّ دقيقة 60 ثانية، أو بالمحصّلة 86400 ثانية في اليوم. وبعد حوالي قرن من الزمان، في القرن العشرين، تقرّر تحديد الثانية وفقًا لطول السنة المداريّة، بحيث تكون كلّ ثانية 1/31556.925 من طول السنة.
بمرور الوقت، أدرك العلماء أنَّ هناك مشكلة عندما نحدّد وحدات القياس مثل الثانية أو المتر وفقًا للظواهر الطبيعيّة، كطول اليوم أو محيط الأرض، لأنه قد تتغيّر هذه القياسات! على سبيل المثال، تتغيّر سرعة دوران الأرض حول محورها بسبب الظواهر الجيولوجيّة والجويّة؛ ما يؤدّي إلى تغيُّر طول الثانية أيضًا. قبيل نهاية القرن العشرين، ومع تطوّر الساعات الذريّة، تمّ تحديد طول الثانية وفق نشاط نوع معيّن من الساعات الذريّة، بناءً على الاهتزازات بين مستويات الطاقة لذرّة السيزيوم 133. في كلّ ثانية، تهتزّ هذه الذرّة 9192631770 مرّة، ووفقًا لفهمنا، فإنَّ وتيرة عملها تبقى ثابتة، بغضّ النظر متى وأين نقوم بقياسها.
حلّ يصنع ارتباكًا أحيانًا. يتمّ إضافة ثانية في اليوم في أوقات غير ثابتة وغير مُخطَّطة مُسبقًا | تصوير: Naeblys, Shutterstock
حلّ بدون إجابات
إذًا قمنا بحلّ المشكلة، أليس كذلك؟ ليس تمامًا. الآن بعد أن حدّدنا الثانية تمامًا، ظهرت مشكلة أخرى- إذ لا يزال طول اليوم وطول السنة المداريّة مُختلفَين قليلًا، وبالتالي فإنَّ عدد الثواني في اليوم أو السنة ليس ثابتًا. تبدو هذه مشكلة بسيطة، لكنّ أنظمة الحاسوب حول العالم الّتي يجب أن تتزامن مع بعضها متعلّقة بحقيقة أنّها تحسب الأوقات والتواريخ بنفس الطريقة تمامًا.
الحلّ الّذي قرّره معهد المعايير العالميّة الـ ITC، هو إضافة دقيقة واحدة كبيسة إلى وقت معيّن، أي دقيقة تشمل 61 ثانية، عندما تكون الثانية المُطلَقة، الّتي تحدّدها ساعة ذريّة، والثانية "الطبيعيّة" الّتي هي جزء معيّن من مدّة اليوم، متباعدتَين أكثر من اللازم. كم مرّة هناك ثانية كبيسة؟ من المستحيل معرفة ذلك، لأنّه لا يتمّ تحديد الثواني الكبيسة مُسبقًا مرّة واحدة لفترة زمنيّة معيّنة، ولكن استجابة لقياسات دقيقة من قِبل معهد المعايير. حتّى الآن، انقضت 27 ثانية كبيسة خلال خمسة عقود، بفترات غير منتظمة. لمعرفة وقت وجود مثل هذه الثواني الكبيسة، يمكنك التحقّق من قائمة جميع ثواني الكبيسة الّتي انقضت حتّى اليوم. كلّ هذا يُحدِثُ ارتباكًا كبيرًا بين جميع الأطراف المعنيّة، ويجعل من الصعب تزامن الساعات وشبكات الحاسوب حول العالم.
في مؤتمر المكتب الدوليّ للأوزان والمقاييس (BIPM) الّذي انعقد مؤخّرًا في ڤرساي في فرنسا، قرّر ممثّلو الدول أنّه بحلول سنة 2035م، سيتمّ إيقاف استخدام الثواني الكبيسة تمامًا. من أجل تنفيذ القرار، يلزم الحصول على موافقة هيئة أخرى، وهي المنظّمة الدوليّة للاتّصالات (ITU)، المسؤولة، ضمن أمور أخرى، عن معايير الاتّصال الّتي تعتمد أيضًا على التوقيت الدوليّ. ومن المتوقّع أن يُصوَّت على هذه القضيّة هذا العام.
ما هو الحلّ البديل للثواني الكبيسة؟ لم يجد مكتب الأوزان والمقاييس إجابةً عن ذلك بعد، لكن يأمل أعضاؤه أن يتمكّن الخبراء في السنوات القادمة من إيجاد حلٍّ يجعلُ تزامنَ الساعات بطريقة دائمة وأكثر بساطة مُمكنًا وأقرب إلى الوضع الطبيعيّ، دون الحاجة إلى إضافة ثانية بين الحين والآخر، في الأوقات الّتي لم يتمّ التخطيط لها وتحديدها مسبقًا. حتّى ذلك الحين، علينا التعايش مع احتمال أن تكون ساعتنا غير دقيقة بمقدار ثانية.