حقن باحثون فئرانًا بِجزيئات الحمض النّوويّ الرّيبوزيّ الميكرويّ (ميكرو آر إن إيه = miRNA) بِعلاج متواصل، فطالت أعمارها وتحسّن أداؤها. أقريبًا عندنا؟
تتراكم خلايا الشّيخوخة (الخلايا المتقدّمة في العمر، الخلايا الهرِمة) في الجسم مع مرور الزّمن. تتوقّف هذه الخلايا عن الانقسام، ولكنّها لا تموت. هرم الخلايا هو عمليّة تنشط عادة كردّ فعل على حالات الإجهاد مثل نقص الأكسجين، أو تلف الحمض النّوويّ، أو المراحل المبكّرة من تحوّل الخلايا إلى خلايا سرطانيّة. من المفروض أن يؤدّي توقف انقسام هذه الخلايا إلى وقف تطور السرطان، وهذا ما يحدث عادةً بالفعل. تُواصل الخلايا الهرمة نشاطها، ولكنّها تُفرز السّيتوكينات - وهي موادّ تشارك في عمليّة علاج الالتهابات، وتعيق نشاط الخلايا المجاورة، وتُجنّدُ خلايا جهاز المناعة، بحيث ينجم عن ذلك التهاب موضعي. تُجرى في الآونة الأخيرة، لهذا السبب، دراسات تفحص هل يمكن أن يُبطئ العلاج بخلايا الشّيخوخة عمليّة الهرم، أو حتّى أن يستعيد الشّباب. تُجرى هذه الدّراسات في اتّجاهين - إماتة الخلايا الهرمة، أو تغييرها وإعادتها لتكون خلايا منقسمة. تصف دراسة جديدة، نُشرت في مجلة Cell Metabolism علاجًا جديدًا أطال عمر الفئران، وحسّن من أدائها.
تنشط عمليّة هرم الخلايا عادة كردّ فعل على حالات الإجهاد. الفروق بين خليّة عاديّة (من اليسار) وخلية هرِمة تفرز سيتوكينات.
عجائب الإكسوسومات
تفرِز أنواع كثيرة من الخلايا فقاعات صغيرة تُسمّى إكسوسومات (exosomes)، والّتي تُستخدم، على ما يبدو، في الاتّصالات بين الخلايا. الإكسوسوم هو غلاف دهنيّ، يحتوي في داخله على جزيئات زلاليّة (بروتينية) وجزيئات آر إن إيه (RNA - الحمض النووي الريبوزي). تعمل الإكسوسومات الّتي تُفرَز من الخلايا الجذعيّة، وفقًا لما وُجد في دراستين نُشرتا في السّنوات الأخيرة، على تجديد الأنسجة في نخاع العظام وفي بعض المناطق في الدّماغ. فحصت دراسة شاركت فيها ثلاثة مختبرات بحثيّة في الصين، بقيادة كلّ من هونغ جين وو (Wu)، ويوأنكاو شيويه (Xue)، وغوانجو جي (Ji)، فيما إذا كان تاثير إكسوسومات الخلايا الجذعيّة هو أكثر شمولًا واتّساعًا.
حصلت تغييرات ملحوظة، وفقًا لما وجده الباحثون في أوّل فحص أجرَوه - فحص تأثير الإكسوسومات على خلايا بشريّة هرِمة في مزرعة خلويّة - في المؤشّرات الّتي تدلّ على الهرم، بما فيها تضاعف عدد الخلايا المنقسمة، أي أنّ جزءًا من الخلايا الّتي كانت قد فقدت القدرة على الانقسام عادت لتنقسم، مع أنّ مستوى الانقسام لم يعد إلى المستوى الّذي كان عليه قبل هرم الخلايا. أخذ الباحثون، على ضوء هذه النّتائج، يعالجون الفئران بالإكسوسومات. كان عمر الفئران عشرين شهرًا; حصلت فئران المجموعة الضّابطة على محلول الملح. تشيخ الفئران عندما يصبح عمرها عشرين شهرًا - لا يتجاوز متوسّط عمر الفئران في الأسر، عادةً، العامين. مات نصف فئران المجموعة الضّابطة خلال ثمانية أشهر من بداية التّجربة. بالمقابل، مات فقط نصف الفئران الّتي حصلت على العلاج (عن طريق حقنه في الوريد كلّ أسبوعين)، حتّى جيل 33 شهرًا من بداية التّجربة - بمعنى أنّ الفئران التي حصلت على الإكسوسومات عاشت خمسة أشهر بالمعدّل أكثر من فئران المجموعة الضّابطة.
لم يقتصر التّحسّن على متوسّط عمر الفئران، بل زاد وزنها - بخلاف انخفاض الوزن النّموذجيّ لكبار السّنّ؛ ولم يتحوّل لون فروتِها رماديًّا؛ ولم تعاني من مشاكل في المثانة - النّموذجيّة هي الأخرى لكبار السّنّ؛ وتمتّعت الفئران بلياقة أفضل، إذ قويت قبضة أصابعها، وتحسّنت قدراتها الإدراكيّة. وجد الباحثون أنّ مستوى السّيتوكينات في دم الفئران لم يرتفع، على النّقيض من فئران المجموعة الضّابطة، ما يدلّ على التهابات موضعيّة أقل. أظهرت فحوصات الأنسجة والكبد انخفاضَ كمّيّة الخلايا الهرمة، وازدياد الخلايا المنقسمة لدى الفئران الّتي عولجت بالإكسوسومات.
تفرِز أنواع كثيرة من الخلايا فقاعات صغيرة تُسمّى إكسوسومات (exosomes)، تُستخدم، على ما يبدو، في الاتّصالات بين الخلايا. في الصّورة: خلايا تفرز إكسوسومات | Juan Gaertner / Science Photo Library
الجزيء الصّغير المؤثِّر
وجد الباحثون، عندما فحصوا نشاط المورثات (الجينات) في الخلايا، أنّ اثنتين من المورثات النّشطة عادةً في الخلايا تَشيخان وتوقِفان انقسام الخلية. وجد الباحثون أيضًا أنّ جزيئ الار إن إيه الميكروي (ميكرو RNA) من النّوع المُسمّى بـِ miR-302b هو الأكثر شيوعًا في الإكسوسومات، المليئة بجزيئات آر إن إيه الصغيرة. يعمل جزيء الميكرو آر إن إيه الصّغير على تفكيك جزيء آر إن إيه رسول. وجد الباحثون أنّ miR-302b يعمل على تفكيك الآر إن إيه رسول الخاص بالمورثات الّتي توقف انقسام الخليّة - بمعنى أنّ miR-302b يعيق أو يمنع وقف عمليّة انقسام الخليّة، ويتيح مواصلة انقسامها بدلًا من أن تتحوّل إلى خليّة هرِمة (خليّة شيخوخة).
أنتج الباحثون جزيئات اصطناعيّة من miR-302b، وعبّؤوها في إكسوسومات تُفرَز من خلايا الكلى، ثم حقنوا النّاتج في فئران عمرها 25 شهرًا - فئران هرمة بجميع المقاييس، "فروتها شائِبة". تتبع الباحثون صحّة الفئران خلال خمسة أشهر، ووجدوا أنّ حقنها بالميكرو آر إن إيه (عن طريق الحقن في الوريد، مرّة كلّ أسبوعين) أدّى إلى نتائج مشابهة لنتائج حقنها بالإكسوسومات، بل وأفضل منها: إذ بلغ عمر بعض الفئران 43 شهرًا! طال عمر الفئران الذّكور بـ 180 يومًا، بينما طال عمر الفأرات (الإناث) بـ 140 يومًا، بالمقارنة مع فئران المجموعة الضّابطة. لاحظ الباحثون ازديادًا في انقسامات الخلايا وانخفاضًا في الالتهابات وذلك في أربعة أنسجة قد فُحِصت (الجلد، الكبد، الرِّئات والكلى).
فحص الباحثون فيما إذا زادت معالجتهم المذكورة للفئران من خطر الإصابة بالسّرطان، وذلك من منطلق أنَّ إحدى وظائف شيخوخة الخلايا (كما ذُكر أعلاه)، هو منع تحوّل الخلايا إلى خلايا سرطانيّة. لم يكن هناك فرق، وفق ما تبيَّن للباحثين، في الحالات السّرطانيّة أو في أمراض أخرى هي أكثر نموذجيّة لسّنّ الشّيخوخة، بين مجموعتي الفئران، وإنّما أصابت هذه الأمراض، لاحقًا، الفئران الّتي حصلت على العلاج.
بلغ عمر بعض الفئران 43 شهرًا! في الصورة: فأر هرِم | Shutterstock, KOLOTAILO LIDIIA
ما بين الفئران والإنسان
دعونا نفترض، لهذا الشّأن، أنّ أعلى متوسط للعمر المتوقّع لفئران المختبر هو سنتان ونصف السّنّة، وأنّ أعلى متوسّط متوقّع لعمر الإنسان في الدّول الغربية هو مائة عام. إذا قمنا بـ "ترجمة" هذه النّتائج - أنْ طال عمر الفئران الذّكور بحوالي نصف سنة بالمعدّل (تعادل الـ 180 يومًا ستة أشهر)، أي حوالي خمس متوسّط العمر الأقصى المتوقّع للفئران- إلى مقاسات بشريّة، نَحصل عندها على حوالي عشرين سنة إضافيّة من الحياة.
هل وُجد إذًا علاج آمن وفعّال يطيل أعمارنا بعشرين سنة؟ ليس لنا أن نتسرّع. ما زال الطريق طويلًا للوصول إلى هذه الغاية، حتّى وإن طُوِّر مثل هذا العلاج. أوّلًا، أُعطي للفئران علاج مكثّف للغاية واشتمل على كمّيّات كبيرة من الإكسوسومات. سيكون تقديم مثل هذا العلاج للبشر معقّدًا من النّاحية اللوجستيّة. ثانيًا، لم يَفحص الباحثون ما هو تأثير العلاج على الخلايا الّتي لم تشِخ بعد، كما أنّهم فحصوا أربعة من أنسجة الجسم فقط ولم يَفحصوا سائر الأنسجة. ثالثًا، كانت جميع الفئران في التّجربة أصحّاء لم تتعرّض لعوامل مسرطنة أو لعوامل مسبّبة للأمراض مثل البكتيريا والفيروسات، كما كانت خلفيّتها الجينيّة متجانسة. إنّه من الصّعب الاشتقاق من النّتائج أعلاه افتراضًا يرتكز على أسس متينة، والتّنبّؤ بكيفيّة تأثير مثل هذا العلاج على هرم خلايا بني البشر، الّذين يختلفون فيما بينهم بخلفيّاتهم الجينيّة، والمعرّضين للأمراض الوراثيّة والأمراض المزمنة وأمراض أخرى. إلّا أنّه، وعلى الرّغم من ذلك، هناك مكان للتّفاؤل: قد يساعد هذا العلاج والعلاجات المشابهة المستوحاة منه في تخفيف بعض المشاكل الصّحّيّة المصاحبة للشّيخوخة، وربّما يعيد العجلة إلى الوراء و"يجدّد الشّباب"، على غرار ما حلم به كُتّاب الخيال العلميّ في القرن الماضي.