لم تقم قائمة طيور المور الشّائع بعد مرور ثماني سنوات على نفوق الملايين منها في ألاسكا بسبب موجة حرّ

ضربت موجة حرّ شديدة شواطئ ألاسكا شمال المحيط الهادئ في السّنوات 2014 - 2016. اِختلّ توازن المنظومة البيئيّة بسبب درجات الحرارة العالية وغير المألوفة في منطقة القطب الشّماليّ، وأدّت إلى تسخين مياه المحيط. طائر المور الشّائع (المور رفيع المنقار)، Uria aalge، هو أحد أنواع الكائنات الّتي أصيبت بإصابات بالغة من جرّاء ما حدث. 

لا توجد أيّة قرابة عائليّة بين طيور المور الشّائع وبين البطاريق، على الرّغم من التّشابه بينهما في الشّكل والألوان. يعيش طائر المور في دائرة القطب الشّماليّ بشكل رئيسيّ، وهو يطير بسهولة، في حين يسكن طائر البطريق على اليابسة وينتشر في النّصف الجنوبيّ من الكرة الأرضيّة. تبني طيور المور أعشاشها في مستوطنات كثيفة على رفوف المنحدرات الصّخريّة في شواطئ المحيط الأطلسيّ والمحيط الهادئ، وتمتاز بصيد الأسماك بالانقضاض عليها غوصًا من الجوّ إلى الماء. 


تبني طيور المور أعشاشها في مستوطنات كثيفة على رفوف المنحدرات الصّخريّة في شواطئ المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. مستوطنة أعشاش في ألاسكا | Sarah Schoen/U.S. Geological Survey

اِنجرفت حوالي 62 ألفًا من جثث طيور المور، خلال موجة الحرّ الّتي استمرّت ما يقارب السّنتين، من خليج ألاسكا نحو شواطئ كاليفورنيا جنوبًا. كانت غالبيّة الجثث للإناث من الطّيور. زاد الاهتمام حينها بالمتابعة الجارية منذ سنة 1995 لحجم مستوطنات التّعشيش في تلك المنطقة، بعد أن كان من السّابق لأوانه في ذلك الحين تقدير الضّرر الإجماليّ الّذي لحق بمجموعة الطّيور المعشّشة في ألاسكا. زوّدت المتابعة المتواصلة والمشاهدات الميدانيّة للمستوطنات معلومات كثيرة عن وضعها، وتمّ تلخيص ما نعرفه عن مستوطنات التّعشيش في الوقت الآنيّ في مقالة نُشرت مؤخّرًا في مجلّة Science. 

يقدّر الباحثون عدد الطّيور الّتي استوطنت في تلك المستوطنات قبل بداية موجة الحرّ بثمانية ملايين طير، ويشكّل هذا العدد ما يقارب ربع إجماليّ عدد طيور المور في العالم في هذه الفترة من السّنة. قدّر الباحثون عدد الطّيور الّتي نفقت في تلك الفترة بحوالي أربعة ملايين طير، أي نصف عددها في ألاسكا قبل موجة الحرّ. اِعتمد الباحثون في تقديراتهم على الدّمج بين النّماذج الإحصائيّة وبين حساب معدّلات أعداد الطّيور في جميع المستوطنات خلال موجة الحرّ وبعدها. أدّى ارتفاع درجة الحرارة على امتداد الشّاطئ إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، وتضاءلت بذلك الموارد الغذائيّة المتاحة للطّيور، ممّا أدّى بدوره إلى نفوق تلك الأعداد الهائلة من طيور المور. ذلك هو المسبّب الرّئيسيّ. اِزدادت المنافسة على كمّيّات الغذاء المتوفّرة القليلة، وجاعت طيور كثيرة حتّى الموت، وأصبح إنجاب الذّرّيّة في موسم تعشيش طائر المور مهمّة صعبة. 


نفق حوالي أربعة ملايين من طيور المور الشّائع، نصف عددها الأصليّ في ألاسكا، بسبب موجة الحرّ. جِيف طيور المور على شاطئ ألاسكا، 2016 | David B. Irons/U.S. Fish and Wildlife Service 

الحالة الميؤوس منها

كشفت المتابعة المستمرّة لمستوطنات التّعشيش منذ فترة موجة الحرّ حتّى الآن، وفقًا لما ورد في المقال، عن أنّ مجموعة طيور المور الشّائع في ألاسكا لم تتمكّن من التّعافي والانتعاش من الكارثة الّتي حلّت بها. يجدر الذّكر أنّ طيور المور الشّائع كانت قد تعرّضت لأزمات مناخيّة قاسية أخرى خلال مائة السّنة الأخيرة، منها ما نجم عن عوامل طبيعيّة، ومنها ما خلّفه الإنسان، مثل الإفراط في صيد الأسماك، أو تسرُّب النّفط الخام إلى مياه المحيط. تمكّنت طيور المور الشّائع، عندما تحسّنت الظّروف، من التّعافي من جميع الأزمات السّابقة. أمّا في الأزمة الآنيّة فقد استقرّ عدد الطّيور القليل على ما هو عليه، وذلك بخلاف ما كان متوقّعًا، أن تقلّ المنافسة على الموارد بعد انقضاء موجة الحرّ، وتعود طيور المور الشّائع الّتي اجتازت الأزمة وبقيت على قيد الحياة وتزدهر من جديد. يتخوّف الباحثون، في أعقاب التّغيّرات الكبيرة الّتي مرّت بها المنظومة البيئيّة خلال وقت قصير، من أنّها، أي المنظومة البيئيّة، لم تعد قادرة على توفير الظّروف لإنشاء مستوطنات تعشيش طيور المور بالأعداد الّتي عهدناها في الماضي. 


لم تتمكّن طيور المور الشائع في ألاسكا من التّعافي والانتعاش. مستوطنات تعشيش طيور المور الشّائع قبل موجة الحرّ (2014، الصورة العليا) وبعدها (2021، الصورة السفلى) تصوير: U.S. Fish and Wildlife Service، متاح للجميع 

لماذا كانت إصابة طيور المور الشّائع، نتيجة لهذه الكارثة الّتي تبدو أنّها أكبر حدث نفوق حيوانات برّيّة تمّ توثيقه في العصر الحديث، أكبر من إصابة الأنواع الأخرى من الكائنات الحيّة؟ لقد أصابت موجة الحرّ حيوانات كثيرة، بما فيها الأسماك والسّرطانات، الطّيور والثّدييّات البحريّة مثل الحيتان وأسود البحر، إلّا أنّ حجم إصابتها لم يقترب من حجم الإصابة الّتي لحقت بطيور المور الشّائع. من الصّعب للغاية التّنبّؤ بالتّغيّرات المناخيّة وبما قد تخلّفه من ضرر، ويشهد على ذلك حقيقة أنّ العلماء ما زالوا يواجهون صعوبة كبيرة في تفسير هذا الفارق بين الأضرار الّتي لحقت بِطائر المور الشّائع وبين ما لحق بالحيوانات البرّيّة الأخرى بسبب موجة الحرّ المذكورة. يعتقد الباحثون أنّ طائر المور الشّائع لن يتعافى ممّا ألمّ به، قبل موجة الحرّ القادمة الّتي قد تصيبه مرّة أخرى. قد تكون موجة الحرّ الأخرى قد حدثت فعلًا سنة 2019، ولمّا تتمّ دراستها وبحث تأثيراتها طويلة المدى. 

يؤثّر الاحترار العالميّ والتّغيّرات المناخيّة في الكرة الأرضيّة على تواتر حالات الطّقس الحادّة المتطرّفة وشدّتها. من المتوقّع، لذلك، أن يزيد تواتر وشدّة حدوث موجات الحرّ، الفيضانات، الحرائق، العواصف، القحط وغيرها من الأزمات، ما قد يصيب المنظومات البيئيّة الحسّاسة والحيوانات الّتي تعاني من ضغوطات أخرى على بقائها على قيد الحياة، إصابة بالغة لن تقوم لها قائمة بعدها، كما حدث لِطائر المور الشّائع. إنّها علامة أخرى تحذّر من الآثار المدمّرة للتّغيّرات المناخيّة الّتي بتنا نعهدها ونواجهها.

 

0 تعليقات