تخيّلوا أن لاصقة معيّنة يُمكنها أن تغلق جُرحًا دون غُرَز، أن تمنع التلوثّات وأن تبث للطبيب معلومات عن الجرح حتى بدون إزالة الضمّادة. قد يبدو هذا الأمر خياليًّا، لكن، هذا هو المستقبل.

تعتبر الضمّادة والغُرز اليوم طريقة قديمة لعلاج الجروح، بينما هناك اهتمام متزايد لتطوير وسائل علاجية متقدّمة في هذا المجال. كانت هناك محاولات عديدة في العقد الأخير لتطوير ضمّادات متقدّمة، التي بدورها ستقلّل من المعاناة وتساعد في التئام الجروح. 

في بحثٍ نُشر في المجلّة العلميّة Advanced Materials، عَرضت مجموعة البروفيسور حسام حايك من كليّة الهندسة الكيميائيّة على اسم وولفسون في التخنيون نموذج اللاصقة الذكيّة: التي تستطيع إغلاق الجرح بدون أن تحتاج للغرز، تعالج التلوّث وتساعد في عمليّة شفاء الجرح. تقوم هذه اللاصقة بمراقبة المؤشّرات التي تشير لحالة الجرح، ومعرفة تطوّر نوع تلوّث به ومتابعة عمليّة الشفاء. وتُرسَل جميع المعطيات إلى حاسوب الطبيب المعالج.

 

عند اختراق جدار الجلد

إحدى مهام الجلد الأساسية هي منع اختراق عوامل المرض لجسم الإنسان. عندما يتعرّض جدار الجلد للاختراق بسبب جرح ما، حُرُق، تمزّق أو لسعة، تتمكّن عوامل المرض من الدخول إلى الجسم والتكاثر بداخله، فتشكّل خطرًا على حياتنا. عندما يكون التلوّث في الجلد محصورًا في الطبقات الخارجية، عادةً ما يتمكّن جسم الإنسان من التغلّب عليه عن طريق جهاز المناعة، عندها يتعافى الجرح بدون علاج خاصّ. لكن، عندما يكون الجرحُ كبيرًا أو عميقًا، يتطلّب الأمرُ علاجًا لدعم جهاز المناعة، كوضع مادّة معقمّة أو مرهم كمضاد حيويّ الذي يساعد على التخلّص من البكتيريا. أمّا إذا كان الجرحُ عميقًا جدًّا وحالة التلوّث فيه متقدّمة، من الممكن أن تتكاثر الجراثيم وتدخل إلى الأنسجة الداخليّة، وتنتشر عن طريق الدورة الدمويّة للأعضاء الداخليّة، وفي بعض الحالات النادرة والصعبة قد تسبّب حالة تسمّم الدم (sepsis)، وهي حالة طبيّة قد تكون مُميتة. في هذه الحالات، طريقة العلاج عن طريق المرهم غير كافية، بل تستدعي علاجًا عن طريق مضادّات حيويّة، عن طريق الفم أو الوريد مباشرةً.

عندما تكون الإصابة بالغةً، وتؤدي إلى ضررٍ كبيرٍ في الجلد والأنسجة التي تحته، يتطلّب هذا الأمر تدخلًا جراحيًّا من الأطباء لعلاج الأنسجة المتضرّرة، وإغلاق الجرح بواسطة غُرَز أو دبابيس، لتمكّن دمج شقيّ الجروح وشفاءها بطريقة سليمة. ومن ثم تُضمَّد الأنسجة المتضرّرة وإغلاقها بعد الخياطة لمنع دخول عوامل ملوّثة عليها، لكن مع كل ذلك لم ينتهي العلاج- وبعد مرورعدّة أيّام تتم إزالة الضمّادة، ويقوم أحد أعضاء الطاقم الطبّيّ بفحص الجرح كي يرى تعافيه أو  ظهور عوارض كالانتفاخ، الاحمرار أو الحرارة، التي تشير إلى بداية عمليّة التلوّث. تحتاج الجروح التي لا تشفى سريعًا مثل القرح المزمنة كقرح الفراش، جروح مرضى السكّريّ أو الحروق وما شابه ذلك، إلى عمليّة تبديل الضمّادة بشكل يوميّ لفترة زمنيّة طويلة.

هناك بعض السلبيّات في هذا العلاج الجراحيّ. أوّلًا، تعتبر عمليّة خياطة الجرح عمليّة اجتياحيّة، مصحوبة بآلام وضرر للأنسجة الموجودة حول الجرح. ثانيًا، عمليّة إزالة الضمّادة وتبديلها هي عمليّة مؤلمة، وتؤثّر سلبًا على سيرورة العلاج، ومن الممكن أن تعرّض الجرح لعوامل ملوّثة ومضاعفات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الطاقم الطبّيّ أن يفحص الجرح ويُقيّم وضعه من خلال النظر والذي يتطلّب وقتًا ويُلزِم المريض من القدوم إلى العيادة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر التقييم القائم على النظر تقييمًا ليس دقيقًا مقارنةً مع فحص مقاييس موضوعيّة دقيقة لحالة الالتهاب في الجرح.

דיאגרמה המראה את דרך עבודתו של הפלסטר החכם | אתר הטכניו
اللاصقة تغلق الجرح بدون حاجة لغُرَز، يعيق من تكاثر الملوّثات ويراقب عملية شفاء الجرح. رسم تخطيطي الذي يبيّن طريقة عمل اللاصقة الذكيّة | موقع التخنيون.

اللاصقة الذكيّة
قامت مجموعة البروفيسور حايك بتطوير اللاصقة الذكيّة Multifunctional Wound Dressing) MFWD) والتي تقدّم حلًّا للمشاكل المذكورة أعلاه. تستطيع هذه اللاصقة أن تغلق الجرح بدون استعمال الغرز الطبيّة، وتؤخّر تكاثر الملوّثات وتساعد أيضًا بتحفيز عمليّة شفاء الجرح. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي هذه اللاصقة على مجموعة من المجسّات التي ترصد التغيرات الكيميائيّة والفيزيائيّة بدقّة خلال الوقت الحقيقيّ، وتستطيع أن تحدّد إذا مدى تَفاقم أو تحسّن التلوّث في الجرح، ومن ثمّ إرسال المعطيات للطبيب المعالج. أنتج الباحثون نموذجًا أوليًّا للّاصقة الذكيّة، وأظهروا نجاعتها في عملية زراعة الأنسجة وفي الحيوانات.

تتكوّن هذه اللّاصقة من مادّة تسمّى إلاستومر - بوليمر مَرِن، قويّ ومتين. على غرار طريقة العلاج المعتادة، يجب إلصاق اللّاصقة على الجرح قبل تعقيمه وعلاجه. بعد إلصاقها، يقوم الطبيب بشقّ اللّاصقة، ومن خلال ذلك تُعالَج منطقة الإصابة. في النهاية، يقوم الطبيب بإلصاق شقيّ اللّاصقة لثوانٍ معدودة. بعد مرور ثلاثة ثوانٍ، تلتئم اللّاصقة، مسطّح البوليمر، والمجسّات، ومن ثمّ تلتصق أطراف الجلد المتواجدة حول الجرح بدون الحاجة إلى الخياطة. بواسطة هذه الابتكار يتم الحفاظ على الجرح مغلقًا ومحميًّا من التلوّث، ومن الممكن أن يشفى ويلتئم.

هنا اللّاصقة، وهاكُم الأخبار

بالإضافةِ إلى قدرة اللّاصقة على أن تغلق الجرح وتغطيه، فهي يمكنها أن تقيس بشكل متواصل عدة مقاييس كيميائيّة وفيزيائيّة تدلّ بها على بداية مرحلة التلوّث أو شفائها. يتكوّن الملصق من ثلاثِ طبقات، في الطبقة الوسطى مجسّات حسّاسة تتعقّب التغييرات الفيزيولوجيّة في منطقة الإصابة، كدرجة الحرارة، مستوى الجلوكوز والحمضيّة (pH). تُنقل هذه المعطيات في الزمن الحصريّ لجهاز خارجي مثل الحاسوب أو الجهاز النقّال، ويستطيع الطبيب المعالج أن يتتبّع هذه المعطيات بدون الحاجة لإزالة الضمّادة أو الوصول الى العيادة.

שכבת החיישנים של הפלסטר | אתר הטכניון
تحتوي اللّاصقة على مجسّات حسّاسة التي تراقب التغيرات الفيزيولزجيّة في منطقة الإصابة. طبقة المجسّات في اللّاصقة | موقع التخنيون

لاصقة ضدّ الجراثيم
يحتوي الاستومر المصنوع منه البوليمر الذكيَ على شحنات كهربائيّة موجبة، وترتبط هذه الشحنات مع الشحنات الكهربائيّة السالبة المتواجدة على جدار الجرثومة، والتي تقلّل من ثبات غشاء الخليّة وتؤدّي إلى إصابة الجرثومة. وجد الباحثون من خلال الأبحاث التي أجريت على مزارع الأنسجة والحيوانات، أنّ اللّاصقة تقلّل من نجاعة تكاثر نوعين من الجراثيم المشهوة، Escherichia coli و- Staphylococcus aureus، وتقدّم علاجًا فعّالًا ضدّ الجراثيم وتساعد بعمليّة تحفيز الشفاء. 

نظرة مستقبليّة، من المختبر إلى الميدان
عندما فحص البروفيسور حايك وزملاؤه تأثير اللّاصقة الذكيّة على الجروح في مزرعة أنسجة الجلد، وجدوا أنّها قامت بإغلاق الأنسجة المصابة، وتقليص وتحديد منطقة الجرح. أُغلقت والتأمت الجروح المصابة بوتيرةٍ مشابهةٍ للجروح التي تمّ علاجها عن طريق الخياطة، ولكن انتشار التلوّث بها كان أقلّ. تمّ فحص اللّاصقة على الحيوانات، وسيتم فحصها في المرحلة المقبلة على الإنسان.

صرّح البروفيسور حايك للصحافة، "تعبّر اللّاصقة الجديدة عن أسلوب جديد لعلاج الجروح، وتمكّن من المراقبة في فترة الشفاء- هذا الشيء مهّم جدًّا، لأن الجروح في مرحلة الشفاء، وحتّى الجروح المغلقة، معرّضة لعوامل مرضيّة مثل الجراثيم، لذلك يجب الحفاظ عليها أيضًا ومراقبة الالتهابات والتلوّث في فترة مبكرة. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه التكنولوجيا الجديدة بعلاج إصابات وجروح مختلفة وجروح مزمنة التي لا تشفى من تلقاء نفسها.

من الممكن أن تتم زيادة أنواع المؤشّرات المُراقَبة في المستقبل، بالإضافة إلى قياس نسبة الأكسجين، الحمولة البكتيرية والرطوبة. كما من الممكن زيادة أنواع المواد المضادّة للجراثيم المتواجدة في اللّاصقة وتنظيمها، بناءً على وضع الإصابة ووتيرة خروجها.

في حال  صادقت سلطات الصحة على اللّاصقة التي طوّرتها مجموعة البروفيسور حايك، وكانت متوفّرة بسعر رخيص للبيع، هذا يعني أنّه يمكننا تقديم علاج شخصيّ- عن بُعُد، دون الوصول إلى العيادة.

 

0 تعليقات