بدأ التخطيط للبعثة المأهولة إلى المرّيخ. وأحد أكبر التحدّيات الّتي نواجهها هو إيجاد طريقة لتزويد روّاد الفضاء بالطّعام
تخطّط وكالة الفضاء الأمريكيّة (ناسا) لإطلاق أوّل مهمّة مأهولة إلى المرّيخ نحو عام 2035. ووفقًا للتّقديرات، تحتاج مركبة فضائيّة مأهولة للوصول إلى المرّيخ إلى نحو تسعة أشهر لكلّ اتجاه، أي أنّ الرّحلة وحدها تستغرق عامًا ونصفًا. ولأنّ موارد كثيرة ستُستثمَر في هذه المهمّة، فإنّ الطموح هو عدم الاكتفاء برحلة قصيرة إلى جارنا المرّيخ، بل إنشاء مستعمرة بشريّة دائمة هناك.
لدى الإقامة بشكل مطوّل كهذا على الفضاء، يجب الاهتمام بتزويد الطّعام لروّاد الفضاء، وكلّما طال المكوث، يصبح غير منطقيّ أكثر إرسال الطّعام مسبقًا لكي يكفيهم طوال المدّة. لذلك من المهمّ أن يتمكّن أعضاء البعثة من تنمية طعامهم في الفضاء وعلى أرض المرّيخ. ومن المهمّ خصوصًا أن يتمكنوا من زراعة النّباتات، إذ إضافةً إلى الطّعام، يمكنهم أيضًا إعادة تدوير الفضلات، امتصاص ثاني أكسيد الكربون، تنقية المياه، وإنتاج الأكسجين.
درس باحثون من جامعة واجنجن (Wageningen) في هولندا إمكانيّة زراعة نباتات على المرّيخ وعلى القمر. لم تُستعمَل في تجاربهم أيّة تربة حقيقيّة من المريخ والقمر. فحتّى الآن، لم تُحضَر أيّة عيّنات تربة من المرّيخ إلى الأرض، وحتّى عيّنات الصخور التّي أحضرها روّاد الفضاء من القمر لم تكن كافية للتّجربة. مع ذلك، هناك معلومات كافية حول تركيبة التّربة لإيجاد تربة مماثلة في تركيبها على الأرض. وُجدت تربة بركانيّة في هاواي مشابهة في محتواها لتربة المرّيخ، وأخذ الباحثون تربة صحراويّة من أريزونا مشابهة لتربة القمر.
في التّجربة الأولى، حاول الباحثون زراعة نباتات للأكل على هذه التّربة دون موادّ مضافة، إلّا أنّ معظم النّباتات ذبلت وماتت. في التّجربة الثّانية، أضاف الباحثون مادّة عضوية إلى التّربة (أسمدة وعشبا محصودا)، فنجحوا في زراعة عشرة أنواع من النّباتات الصّالحة للأكل (الطّماطم، الجاودار، الفجل، البازلاء، الكراث، السّبانخ، الجرجير، الرّشاد، الكينوا، والثّوم المعمّر) على كلا نوعَي التّربة. نُميّت النّباتات في ظروف مضبوطة وثابتة من حيث ضغط الهواء، درجة الحرارة، الرّطوبة، والضّوء. في مجموعة المقارنة، قام الباحثون بزراعة هذه النّباتات في نفس الظّروف في تربة أرض خصبة مسمّدة بسماد طبيعي. لم يظهر أيّ اختلاف كبير ذو دلالة إحصائيّة بين نباتات "الكرة الأرضية" والنّباتات الّتي زُرعت على تربة مشابهة لتربة المرّيخ أو القمر.
الزّراعة في ظروف غير ملائمة
تشكّل زراعة النباتات على المريخ تحديًّا كبيرًا. فالنّباتات تحتاج إلى الماء، الأكسجين، الضوء، ثاني أكسيد الكربون، والموادّ المغذّية، بالإضافة إلى درجة حرارة ملائمة. وباستثناء ثاني أكسيد الكربون، الموجود بوفرة في الغلاف الجوّيّ الرّقيق للمرّيخ، ليس في المريخ شيء آخر.
في السّنوات الأخيرة، ظهرت دلائل على وجود مياه سائلة على سطح المرّيخ في أوقات معيّنة من السّنة. إلّا أنّه يبدو أنّ هذه المياه غنيّة بجزيئات فوق الكلورات (البيركلورات) السّامّة للإنسان. مصدر هذه السّموم هو تربة المرّيخ الّتي تحتوي على 0.5% - 1% من فوق الكلورات. تخفض هذه الموادّ أيضًا درجة تجمّد الماء، ممّا يمكّنها أن تكون سائلة بدرجة حرارة أقلّ من الصفر.
تتيح الطّاقة الضّوئيّة عمليّة التّمثيل الضّوئيّ: نقل جزيء ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوّي إلى جزيء جلوكوز وإطلاق الأكسجين. ولكن قوّة أشعّة الشّمس الّتي تصل إلى المريخ هي حوالي نصف قوّتها الّتي تصل إلى الأرض. وبما أنّ النّباتات تحتاج إلى الضّوء لتنمو، فإن ناسا تحاول فحص إمكانيّة زراعة النّباتات تحت مصابيح LED الموفّرة للطّاقة بأمواج ذات أطوال تزيد من نجاعة النّمو. درجة الحرارة السّائدة على كوكب المرّيخ هي أيضًا ليست مثلى، 63 درجة مئويّة تحت الصّفر بالمعدل، ما يحتّم التّحكّم في درجة الحرارة في جميع الأحوال.
ماذا بالنّسبة للهواء؟ الغلاف الجوّيّ للمرّيخ غنيّ جدًّا بثاني أكسيد الكربون، الأمر المفيد لنّباتات، لأنّ عملية التّمثيل الضّوئيّ تكون ناجعة أكثر كلّما كان تركيز ثاني أكسيد الكربون أعلى مقارنة بالأكسجين. ولكن بالنّسبة للإنسان، فإنّ هذه الظّروف هي معادية. أوّلاً، يبلغ معدّل ضغط الهواء على المريخ حوالي 0.6% فقط من الضّغط على الأرض (جوّ/ أتموسفير واحد).
يمكن للنّباتات أن تنمو حتى في ضغط جوي يبلغ عُشر جوّ، بحيث يمكن زراعتها دون استثمار الطّاقة في إنشاء غرفة ضغط خاصّة بها. المشكلة الكبرى هي الاعتناء بها، إذ لا يمكن للإنسان البقاء على قيد الحياة دون بدلة فضاء في ظروف الضّغط هذه.
مشكلة أخرى تصعّب عمليّة الزّراعة على كوكب المرّيخ هي ظروف الجاذبيّة. فرغم أنّ روّاد الفضاء في محطّة الفضاء الدّوليّة قد تمكّنوا من زراعة الخسّ وتناوله، ليست زراعة النّباتات في جاذبيّة منخفضة مهمّة بسيطة. فالنّباتات ملائمة للنّمو في ظروف الجاذبيّة على الأرض. قد تكون قوّة الجاذبيّة على المرّيخ، الّتي تشكّل نحو ثلث جاذبيّة الأرض، غير مثاليّة لها. ومن تجارب أجريت في محطّة الفضاء الدّوليّة، اتّضح مثلًا أنّ استهلاك النّباتات للمياه قد ازداد بشكل كبير في ظروف الجاذبية المنخفضة.
وهناك مشكلة إضافية هي الغلاف الجوّيّ الرّقيق للمرّيخ، الّذي لا يقوم بتصفية أشعّة الشّمس كالغلاف الجوّيّ للأرض. يفتقر المرّيخ أيضًا إلى حقل مغناطيسي مثل الموجود حول الأرض الّذي يوفّر الحماية من أشعّة الفضاء (حزام فان آلن) - ما يعرّض سطح المريخ ومَن عليه للأشعّة. ومع ذلك، فإنّ هذا الإشعاع أخفّ ممّا قد يتعرّض إليه روّاد الفضاء ونباتاتهم في طريقهم إلى المرّيخ. فقد كانت كميّة الأشعّة الّتي اخترقت المسبار الفضائيّ Curiosity في طريقه إلى المرّيخ، في رحلة مدّتها 220 يومًا فقط، أعلى بـ 15 مرّة من مستوى التّعرّض السنوي المسموح به لعمّال المُفاعلات النوويّ.
السلامة الغذائية
حتى لو وُجدت طريقة لحماية الإنسان والنّباتات من الأشعّة الخارقة في الطريق إلى المرّيخ، ستحتاج النّباتات بعد الهبوط على المرّيخ إلى موادّ مغذيّة من الأرض. إحدى المشاكل هي أنّ أرض المرّيخ بعيدة عن أن تكون مثاليّة للزّراعة - فهي تحتوي على كميّات كبيرة من المعادن السّامّة مثل الرّصاص، الزّرنيخ، الزّئبق، والحديد.
تميل النّباتات إلى امتصاص الفلزّات الثّقيلة من التّربة، لذلك يُتوقَّع أن تكون أوراقها وثمارها سامّة. سوف تركّز التجربة القادمة لفريق الأبحاث في هولندا على سلامة الغذاء الّذي ينمو في تربة تحاكي تربة المرّيخ، بما في ذلك البطاطا والفاصولياء. وإذا تبيّن أنّ الطعام آمن للأكل، يخطّط الباحثون لتحضير ما يسمّى بـ "وجبة المريخ"، الّتي ستتكوّن من الموادّ الخام الطّازجة وذات الجودة العالية من المرّيخ - أو على الأقلّ الوجبة الأقرب إلى ذلك الّتي يمكن تحضيرها حاليًّا.
الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
التدقيق العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح