أوقف باحثون تأثير الهرمون المرتبط بالعدوانيّة - وكانت النّتيجة معاكسةً لما هو متوقّع!

كيف يعمل سُلوكنا المركّب؟ كيف نَشأ وصُمّمَ؟ هذه الأسئلة تشغل الباحثين منذ سنوات عديدة. تتميّز العلاقات في المجتمعات البشريّة والكائنات الحيّة بطبيعتها الهرميّة المركّبة، وكونها ذات جاذبيّة وخصومة، وهناك أنماط سلوكٍ معيّنة تُميّز وتُمثّل هذه العلاقات. اكتشف الباحثون الذين راقبوا نشاط الدّماغ عند الحيوانات أثناء عرضهم عليها أنماط سلوك مختلفة، أنّ الجزيئيّات التي تمرّ بين مناطق مختلفة في الدّماغ، وبين الدماغ وأعضاء أخرى في الجسم، تشترك في صنع القرار في الدّماغ  وتنقلها إلى باقي أعضاء الجّسم من أجل تنفيذها.

 

كيمياء السّلوك الاجتماعيّ

إحدى هذه الجزيئيّات هي الفازوبرسين Vasopressin. وهو هرمون يتمّ إنتاجه في منطقة تحت المهاد (الوِطاء- هيبوثلاموس) في الدّماغ، ويُفرَز من الغدّة النّخاميّة (هيبوفيزا) إلى مجرى الدّم، والذّي يؤثّر على مجموعةٍ كبيرةٍ من وظائف الجسم، ومن بينها منع التّبوّل. كما يؤثّر الفازوبرسين في نمط عمل الدّماغ، وهو يرتبط  بمستقبلات خاصّة في الدّماغ التي تحفّز ردود فعل مختلفة في الخلايا.  

أظهرت دراسات سابقة، أنّ هرمون الفازوبرسين مرتبط مع سلوكيّات اجتماعيّة مثل إظهار العدوانيّة. في دراسة جديدة نُشرت نتائجها في المجلّة العلميّة PNAS، فحص الباحثون بتعمّقٍ وظيفة هذا الهرمون في السّلوكيّات الإجتماعيّة. أُجريت هذه الدّراسة على القداد الذهبي (Mesocricetus auratus)، المعروف بسلوكيّاته الاجتماعيّة المركّبة، مثل التعبيرات عن التّسلسل الهرميّ الإجتماعيّ والتّواصل من خلال إخراج الرّوائح. تشبه ردّة الفعل لدى القدّاد الذهبي ردّة الفعل عند بني البشر، فهي مصحوبة أيضًا بإفراز هرمون الكورتيزول. بفضل هذه الخصائص، غالبًا ما يُستخدم القدّاد الذهبيّ في التجارب السلوكيّة التي تدرس التفاعلات بين الجهاز العصبيّ وجهاز الغدد الصمّاء. 

في دراسة جديدة، ابتكر الباحثون بواسطة الهندسة الوراثيّة القدّاد الذهبي الذي يفتقر دماغه إلى المستقبلات التي تمكّن من استشعار الفازوبرسين. بعد ذلك قاموا بفحص تأثير غياب هذه المستقبلات في السّلوك الاجتماعيّ عند القدّاد الذهبيّ.     

מולקולת וזופרסין | Bacsica, Shutterstock
الهرمون الذي يُنتج في المخ ويُفرز في مجرى الدّم، يؤثّر أيضًا في الدماغ وفي السّلوكيّات الإجتماعيّة. جزيء الفازوبرسين  | Bacsica, Shutterstock  

 

التأثير المفاجئ

كانت نتائج الدّراسة مفاجئة. افترض الباحثون أنّه إذا كان الفازوبرسين ضروريًا لوجود أنماط التفاعل الإجتماعي، فإنّ مَحْو المُستَقبِل الذي يتعرّف عليه يؤدي إلى انخفاضٍ في التّواصل الإجتماعيّ الّذي سيظهره الحيوان. عمليًا، أظهر القداد الذهبيّ، الذي لم يستطع أن يستشعر الفازوبرسين، مستوياتٍ عالية جدًا من التّواصل الإجتماعيّ من خلال الرّوائح مقارنةً مع القدّاد العاديّ. وقد كان القدّاد المعدّل وراثيًا أكثر عدوانيّةً أيضًا.       

تذكّرنا هذه النّتائج المدهشة أنّنا بعيدون كلّ البُعد عن معرفة جميع الأمور. يمكن أن يشجّع الفازوبرسين السلوك الاجتماعيّ في مناطق معيّنة في الدّماغ، ولكنّه يثبّطها في مناطق أخرى. لقد تقدّمت المعرفة العلميّة للنّشاط الإجتماعيّ وسلوك الحيوانات بشكل عامّ على مرّ السّنين، ولكن ما زالت هناك فجوات كبيرة في العِلم. يخطّط الباحثون في هذا المجال للقيام بدراسات مستقبليّة، قد تزوّدنا بنتائج واستنتاجاتٍ جديدة. عندما نتعمّق أكثر في هذا العِلم، قد نتمكّن من تطبيقه على علاج أنواعٍ مختلفةٍ من الاضطرابات السلوكيّة.  

 

0 تعليقات